«الإفلات من العقاب»... معضلة ترعب الليبيات المُعنفات

مقتل 50 امرأة يجعل الجرائم ضد النساء كأنها «شبه اعتيادية»

حورية الطرمان وزيرة شؤون المرأة بحكومة «الوحدة» المؤقتة تتوسط مجموعة من الليبيات (الوزارة)
حورية الطرمان وزيرة شؤون المرأة بحكومة «الوحدة» المؤقتة تتوسط مجموعة من الليبيات (الوزارة)
TT

«الإفلات من العقاب»... معضلة ترعب الليبيات المُعنفات

حورية الطرمان وزيرة شؤون المرأة بحكومة «الوحدة» المؤقتة تتوسط مجموعة من الليبيات (الوزارة)
حورية الطرمان وزيرة شؤون المرأة بحكومة «الوحدة» المؤقتة تتوسط مجموعة من الليبيات (الوزارة)

لا تزال الأوساط الليبية تعاني وقع الصدمة بعد مقتل سبع نساء من أعمار مختلفة في حوادث «عنف أسري» متفرقة بالبلاد خلال إجازة عيد الأضحى، وسط مخاوف من إفلات الجناة من العقاب.
ورأت بعض الحقوقيات الليبيات، أن مشاهد مقتل هؤلاء النساء يلخّص معاناة المرأة في عموم ليبيا، مؤكدات أن اهتمام المسؤولين ينصبّ فقط حول الصراع على السلطة والثروة، دون الانتباه لتزايد معدلات العنف ضد المرأة وبحث مسبباته ومعالجته. كما طالبن بتعديل القوانين لحماية المرأة، وسرعة استعادة الدولة الليبية.
وعلاوة على الجرائم التي عاشتها ليبيا خلال الأسبوع الماضي، أوضحت مدير مكتب المرأة بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، زاهية علي المنفي، أن المنظمات النسائية والحقوقية رصدت مقتل 50 امرأة في حوادث عنف أسري خلال الفترة الممتدة من 2020 حتى الآن؛ وهو ما جعل الجرائم الأخيرة ضد المرأة «تبدو شبه اعتيادية».
وأرجعت المنفي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تزايد هذه الجرائم «لسهولة إفلات الجاني من العقاب، بسبب ترسخ ثقافة العيب والسلطة الأبوية والذكورية، التي يتعامل بها المجتمع بمن فيهم أفراد من الشرطة مع تلك القضايا»، لافتة إلى أن ذلك قد يتبعه «اللجوء إلى شيخ القبيلة للتصالح وإغلاق الملف، فضلاً عن محاولة بعض المشايخ تبرير الحادث بأن الجاني كان مسحوراً وقت ارتكاب الجريمة، رغم أن هذا ليس سنداً أو عذراً قانونياً».
كما تحدثت المنفي عن التراخي في إصدار التشريعات، قائلة «هناك قانون مُعدّ لتجريم العنف ضد المرأة، لكنه يقبع منذ عامين في أدراج مجلس النواب، رغم وجود كتلة نسائية كبيرة بالأخير»، مشيرة في هذا السياق إلى الاستمرار في توظيف بعض مواد قانون العقوبات المتعلقة «بالقتل والإيذاء حفظاً للعرض لتكون ممراً آمناً للإفلات من العقاب بتلك القضايا».
وقالت بهذا الخصوص «المحامون عن المتهمين يسارعون بتصوير أي جريمة على أنها جريمة شرف، أياً كانت الدوافع وراءها». مبرزة، أن أغلب الضحايا تعرضن للعنف أو القتل على يد أزواجهن تحديداً ينتمين في الغالب إلى أسر ليس لها نفوذ.
أما أستاذة القانون الجنائي بجامعة بنغازي، الدكتورة جازية شعيتير، فأشارت إلى ارتباط تزايد نسب جرائم العنف الأسري ضد الليبيات «بتزايد نسب تعاطي المخدرات وانتشار السلاح، وهي ظواهر شهدت توسعاً بعد 2011 جراء الصراعات والاضطرابات الأمنية». وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «عدم استقرار الأوضاع السياسية، وتكرار اندلاع الصراعات خلال الـ11 عاماً الماضية لم يؤديا فقط إلى إفقار المواطن مادياً، وقطع الأرزاق وارتفاع البطالة، أو الاضطرار إلى النزوح أحياناً، بل عرقلت تعديل التشريعات لتعزيز حماية النساء». مضيفة، أن النتيجة هي أن أغلب الأحكام التي صدرت بخصوص حوادث قتل النساء، أو إيذائهن «جاءت مخففة، أو تم إيقافها لتصوير الأمر كجريمة شرف، دون التكفل بعبء إثبات هذا الادعاء في ظل الثقافة المحافظة للمجتمع».
كما سلطت شعيتير الضوء على تأثير صعود التيارات المؤدلجة بعد «ثورة فبراير (شباط)»، وتداعيات ذلك على زيادة التمييز ضد المرأة، وخلق ثقافة معادية لها وداعمة لإلغاء مكتسباتها، لافتة إلى إلغاء الدائرة الدستورية بالمحكمة الليبية العليا لقانون يمنع الرجل من الزواج ثانية، دون الحصول على إذن زوجته الأولى، ووجود محاولات مستمرة حتى اللحظة لمنع المرأة من تولي القضاء. فضلاً عن ما يُشنّ من حملات لتشويه المنظمات الحقوقية والثقافية».
وطالبت شعيتير بتعديل بعض المواد قانونية، كالمادة (14) من قانون العقوبات التي تنص على أن أحكام قانون العقوبات لا تخل بأي حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة بالشريعة الإسلامية، حيث يحاول البعض «توظيف تلك المادة بربطها بقضية تأديب الزوج لزوجته، وكيف أنه حق شرعي، وبالتالي حتى إذا ما ضربها ضرباً مبرحاً تتوفر له محاولة للإفلات».
وكانت وزارة الدولة لشؤون المرأة بحكومة «الوحدة» المؤقتة قد أصدرت بياناً رصد أسماء الضحايا السبع، وتاريخ ومحل وفاتهن. وطالب الجهات المختصة باتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية صارمة لوقف ما أسمته بـ«الكابوس»، الذي يهدد أمن وسلامة المواطنات، وسرعة ضبط ومحاسبة الجناة.
من جانبها، رأت أسماء الخوجة، عضو لجنة شؤون المرأة والطفل بمجلس النواب الليبي، أن أوضاع المجتمع عموماً، والمرأة خاصة، «لن تشهد تحسناً واضحاً إلا باستعادة الدولة، وإيجاد حكومة موحدة تبسط سلطتها على عموم البلاد». وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إنه «من المهم إلى جانب القوانين وجود تناغم، وتنسيق بين السلطات بجانب وجود أجهزة أمنية موحدة تنفذها»، مشيرة إلى أن «هذا لم يتحقق وسط هذا الكم من الضغوط والصراعات التي تشهد البلاد».


مقالات ذات صلة

«ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

شمال افريقيا «ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

«ملفات خلافية» تتصدر زيارة ليبيين إلى تونس

حلت نجلاء المنقوش، وزيرة الشؤون الخارجية الليبية، أمس بتونس في إطار زيارة عمل تقوم بها على رأس وفد كبير، يضم وزير المواصلات محمد سالم الشهوبي، وذلك بدعوة من نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج. وشدد الرئيس التونسي أمس على موقف بلاده الداعي إلى حل الأزمة في ليبيا، وفق مقاربة قائمة على وحدتها ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية. وأكد في بيان نشرته رئاسة الجمهورية بعد استقباله نجلاء المنقوش ومحمد الشهوبي، وزير المواصلات في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، على ضرورة «التنسيق بين البلدين في كل المجالات، لا سيما قطاعات الاقتصاد والاستثمار والطاقة والأمن».

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا محادثات سعودية ـ أممية تتناول جهود الحل الليبي

محادثات سعودية ـ أممية تتناول جهود الحل الليبي

أكدت السعودية أمس، دعمها لحل ليبي - ليبي برعاية الأمم المتحدة، وشددت على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، حسبما جاء خلال لقاء جمع الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي، مع عبد الله باتيلي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا ورئيس البعثة الأممية فيها. وتناول الأمير فيصل في مقر الخارجية السعودية بالرياض مع باتيلي سُبل دفع العملية السياسية في ليبيا، والجهود الأممية المبذولة لحل الأزمة. إلى ذلك، أعلن «المجلس الرئاسي» الليبي دعمه للحراك الشبابي في مدينة الزاوية في مواجهة «حاملي السلاح»، وضبط الخارجين عن القانون، فيما شهدت طرابلس توتراً أمنياً مفاجئاً.

شمال افريقيا ليبيا: 12 عاماً من المعاناة في تفكيك «قنابل الموت»

ليبيا: 12 عاماً من المعاناة في تفكيك «قنابل الموت»

فتحت الانشقاقات العسكرية والأمنية التي عايشتها ليبيا، منذ رحيل نظام العقيد معمر القذافي، «بوابة الموت»، وجعلت من مواطنيها خلال الـ12 عاماً الماضية «صيداً» لمخلَّفات الحروب المتنوعة من الألغام و«القنابل الموقوتة» المزروعة بالطرقات والمنازل، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى. وباستثناء الجهود الأممية وبعض المساعدات الدولية التي خُصصت على مدار السنوات الماضية لمساعدة ليبيا في هذا الملف، لا تزال «قنابل الموت» تؤرق الليبيين، وهو ما يتطلب -حسب الدبلوماسي الليبي مروان أبو سريويل- من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في هذا المجال، مساعدة ليبيا، لخطورته. ورصدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في تقر

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا حل الأزمة الليبية في مباحثات سعودية ـ أممية

حل الأزمة الليبية في مباحثات سعودية ـ أممية

أكدت السعودية دعمها للحل الليبي - الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة، وضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، وجاءت هذه التأكيدات خلال اللقاء الذي جمع الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي مع عبد الله باتيلي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. واستقبل الأمير فيصل بن فرحان في مقر وزارة الخارجية السعودية بالرياض أمس عبد الله باتيلي وجرى خلال اللقاء بحث سُبل دفع العملية السياسية في ليبيا، إضافة إلى استعراض الجهود الأممية المبذولة لحل هذه الأزمة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا «الرئاسي» الليبي يدعم «حراك الزاوية» ضد «حاملي السلاح»

«الرئاسي» الليبي يدعم «حراك الزاوية» ضد «حاملي السلاح»

أعلن «المجلس الرئاسي» الليبي، عن دعمه للحراك الشبابي في مدينة الزاوية (غرب البلاد) في مواجهة «حاملي السلاح»، وضبط الخارجين عن القانون، وذلك في ظل توتر أمني مفاجئ بالعاصمة الليبية. وشهدت طرابلس حالة من الاستنفار الأمني مساء السبت في مناطق عدّة، بعد اعتقال «جهاز الردع» بقيادة عبد الرؤوف كارة، أحد المقربين من عبد الغني الككلي رئيس «جهاز دعم الاستقرار»، بالقرب من قصور الضيافة وسط طرابلس. ورصد شهود عيان مداهمة رتل من 40 آلية، تابع لـ«جهاز الردع»، المنطقة، ما أدى إلى «حالة طوارئ» في بعض مناطق طرابلس. ولم تعلق حكومة عبد الحميد الدبيبة على هذه التطورات التي يخشى مراقبون من اندلاع مواجهات جديدة بسببها،

خالد محمود (القاهرة)

الرباط تحتضن الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المغربية - الفرنسية

العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
TT

الرباط تحتضن الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المغربية - الفرنسية

العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)

تنفيذاً لتعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، ترأس الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، مع الجنرال تييري بوركهارد، رئيس أركان القوات المسلحة للجمهورية الفرنسية، الاثنين، في العاصمة الرباط، الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المختلطة المغربية - الفرنسية، بحسب ما أوردته تقرير لوكالة الأنباء المغربية الرسمية.

وذكر بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية أن المباحثات بين المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية تمحورت حول مختلف أوجه التعاون العسكري الثنائي، وكذا الوضع الأمني الإقليمي والدولي.

وأضاف المصدر ذاته أن المسؤولين أشادا بالمستوى المتميز للتعاون بين القوات المسلحة للبلدين؛ ما يعكس الروابط القوية التي تجمعهما، والتي ما فتئت تتعزز في مختلف القطاعات. كما اتفقا على الاستفادة من الدينامية التي أحدثتها الشراكة الاستثنائية المعززة، التي أرساها قائدا البلدين، الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون.

وخلال اللقاء، ركزت اللجنتان على بحث نتائج التعاون العسكري الثنائي لعام 2024، وكذا الأنشطة التي سيتم تنفيذها في عام 2025.

كما أجرى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف إدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، في اليوم نفسه، مباحثات بمقر الوزارة مع الجنرال تيري بوركهارد، رئيس أركان القوات المسلحة للجمهورية الفرنسية.

وخلال هذه المحادثات، يضيف البلاغ، أعرب المسؤولان عن ارتياحهما للدينامية الإيجابية لعلاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين، وكذا آفاق توسيعها لتشمل مجالات الفضاء والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي خدمة للقوات المسلحة والصناعة الدفاعية.