الأزمة الاقتصادية والعجز عن حلها يسقطان حكم راجاباكسا في سريلانكا

قلة من المراقبين توقعت نجاح الانتفاضة الشعبية

غوتابايا راجاباكسا (رويترز)  -  لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
غوتابايا راجاباكسا (رويترز) - لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
TT

الأزمة الاقتصادية والعجز عن حلها يسقطان حكم راجاباكسا في سريلانكا

غوتابايا راجاباكسا (رويترز)  -  لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)
غوتابايا راجاباكسا (رويترز) - لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)

أحدثت موجة صاخبة غير مسبوقة من الغضب الشعبي الموجّه في القصر الرئاسي السريلانكي، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى الحقبة الاستعمارية، صدمة للعالم بأسره خلال نهاية الأسبوع الماضي. ولا تزال التطورات الدراماتيكية تتوالى حتى تاريخ كتابة هذه السطور. ووسط فوضى لم تشهدها البلاد من قبل اقتحم مئات وآلاف من المحتجين السريلانكيين مقرّي الإقامة الرسميين لكل من الرئيس (المستقيل بالأمس) ورئيس الوزراء، وأضرموا النيران في المقرّ الخاص لرانيل ويكريميسينغه، رئيس الوزراء، في حين غضّت قوات الأمن الطرف، ورفضت توجيه السلاح ضد المشاغبين مع انزلاق البلاد نحو حافة الفوضى. لقد اقتحم أفراد غاضبون من الشعب بوابات مقرّ الإقامة الرسمي للرئيس (المستقيل الآن) غوتابايا راجاباكسا في منطقة فورت، وأطلقوا عبارة صادحة باتت صيحة احتجاج شهيرة الآن هي «ارحل يا غوتا»، وذلك من أعلى سطح القصر، الذي كان يقف عليه القناصة منذ وقت ليس بالبعيد، لحراسة المداخل.

أعلن الرئيس السريلانكي غوتابايا راجاباكسا استقالته تحت ضغط الاضطرابات الشعبية الواسعة، كذلك أعلن رئيس الحكومة رانيل ويكريميسينغه أنه سيتنحى عن منصبه. على الجانب الآخر، وفي خضم هذا الوضع المعقد لسريلانكا، بما يشهده من اضطراب مدني، وأزمة اقتصادية، وتخبط سياسي، تشهد الدولة - الجزيرة جموداً ومأزقاً دستورياً غير اعتيادي. فالرئيس هو رأس الدولة والحكومة والجيش في سريلانكا، لكنه يتشارك كثيراً من المسؤوليات التنفيذية مع رئيس الوزراء، الذي يرأس الحزب الحاكم في البرلمان.
قرار القادة السياسيين للبلاد انتخاب رئيس جديد في 20 يوليو (تموز) من خلال تصويت في البرلمان يأتي طبقاً لبنود الدستور، على حد قول ماهيندا يابا أبيوردانا، رئيس البرلمان السريلانكي. إذ قال الأخير: «لقد تم اتخاذ قرار بعقد البرلمان، وإبلاغ المجلس بأن منصب الرئاسة شاغر طبقاً لبنود الدستور. ستصدر الدعوة إلى الترشيحات لمنصب الرئاسة في 19 يوليو، وسننظم التصويت في 20 يوليو لانتخاب رئيس جديد».
وسط الأحداث المتلاحقة، تضاربت لفترة غير قصيرة المعلومات عن مكان وجود رئيس الجمهورية، مع أن رئيس البرلمان قال أول من أمس إنه لم يغادر البلاد، ثم سرت تقارير عن مغادرته إلى جزر المالديف أو أماكن أخرى. ولبعض الوقت انتشرت بعض الأقاويل أثناء الاحتجاجات تشير إلى رسو سفينة في ميناء العاصمة كولومبو حتى تتمكن عائلة راجاباكسا – التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية المستقيل وشقيقه الأكبر ماهيندا الرئيس السابق - من الهروب على متنها.

- صعود الرئيس وسقوطه
غضب شعب سريلانكا موجّه بالدرجة الأولى ضد حكم راجاباكسا. ومن غير المرجح أن تتمكن العائلة، التي كان أكثر أفرادها جزءاً أساسياً من السلطة الحاكمة، من الفرار من براثن غضبهم.
الرئيس المستقيل غوتابايا راجاباكسا هو - كما سبقت الإشارة - الشقيق الأصغر للرئيس السابق ماهيندا راجاباكسا. وعندما تولى ماهيندا السلطة عام 2005، على خلفية مناهضة للانفصاليين وداعمة للقومية السنهالية، وقرر خوض حرب ضد الانفصاليين من منظمة «نمور التاميل» عام 2006، عاد المقدم المتقاعد في الجيش السريلانكي من الولايات المتحدة لتولي منصب وزير الدفاع. وبعد الانتصار في الحرب أصبح وزير التنمية الحضرية.
خسر ماهيندا الانتخابات الرئاسية عام 2015، لكن لم تظل عائلته على الهامش لفترة طويلة، ففي أغسطس (آب) 2019، أحدثت سلسلة من الهجمات الانتحارية، نفذها إرهابيون إسلاميون، موجة جديدة من التوجه القومي للغالبية السنهالية البوذية، التي تطلبت وجود حاكم قوي، وفاز غوتابايا راجاباكسا باكتساح في الانتخابات.
ومع ذلك، منذ اللحظة التي تولى فيها غوتابا راجاباكسا المنصب، بدأ في إقصاء المسؤولين المدنيين وتعيين مسؤولين عسكريين متقاعدين محلهم في المناصب الرئيسة، ما أدى إلى حدوث فزع في الجهاز المدني. لم يكن غوتابايا يأبه كثيراً بالوزراء وأعضاء البرلمان، لأنه كان يعتقد أن السياسيين المحترفين كُسالى وقليلو الكفاءة وفاسدون. ولذا أقصى الطبقة السياسية بأكملها، بما فيها رجال حزبه، حزب جبهة شعب سريلانكا (المحسوب على يسار الوسط)، ولم يتمكن الأشخاص ذوو الخبرة والمحنكون سياسياً في عائلة راجاباكسا من تخليصه من تلك الأفكار.
كانت الإجراءات الأولى، التي اتخذها غوتابايا، شعبوية، لكن كانت على حساب خزانة الدولة، إذ أعلن خفض الضرائب. الأمر الذي أدى إلى تناقص عائدات الدولة. كذلك عيّن 100 ألف من العاطلين من خريجي الجامعات في وظائف حكومية متواضعة، ما استنزف موارد الدولة. ومع انتشار جائحة «كوفيد 19» في سريلانكا، أمر بتنفيذ عمليات إغلاق كثيرة، فتسبب ذلك بتوقف النشاط الاقتصادي، وانخفاض عائدات التصدير والرسوم الجمركية. أيضاً، تراجع عدد السياح الوافدين إلى البلاد بسبب لوائح الحجر الصحي المكلّفة؛ وتراجعت التحويلات المالية من المواطنين الذين يعملون في الخارج. والأهم من كل ذلك هو فرض غوتابايا حظراً مفاجئاً شاملاً على الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، ما أثر سلباً على قطاع الزراعة وعلى 70 في المائة من السكان.
وهنا يعلق المحلل السياسي الهندي سوشانت سارين، المتابع للشأن السريلانكي: «لم يعتقد أحد أنه من الممكن هزيمة (غوتابا) راجاباكسا. لقد كانت الغالبية السنهالية البوذية توقر وتبجل كلاً من ماهيندا وغوتابايا راجاباكسا، وكانت السياسة القومية القوية التي يتبنيانها تحظى بشعبية كبيرة على نطاق واسع. قبل بضعة أشهر فقط، لم يكن أحد يتوقع أن يكون لدى الشعب السريلانكي الشجاعة للتصدي لنظام حصل على أغلبية الثلثين في البرلمان، وذي قبضة حديدية، ويجبر رجاله على الرحيل في أقل من سنتين ونصف سنة. لقد أبهر الشعب السريلانكي العالم بفعله المستحيل».

لحظة اقتحام المتظاهرين في سريلانكا مقر رئيس الوزراء وكسر حاجز القوى الأمنية (إ.ب.أ)

- ثورة شعبية
لقد عانت سريلانكا، الدولة - الجزيرة، الواقعة جنوب الهند، التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون شخص، منذ أشهر من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، كما عانت من نقص حاد في الغذاء والوقود، وتضخم متسارع في خضم كساد اقتصادي يعدّ هو الأضخم والأكثر إيلاماً في تاريخها. وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت البلاد احتجاجات عنيفة جامحة ومطالبات باستقالة الرئيس غوتابايا، في أعقاب تحميل حكومته مسؤولية سوء إدارة مزمن للموارد المالية للبلاد.
وهنا يقول الصحافي السريلانكي كاميثي ويكريميسينغه، موضحاً: «كان اقتحام المحتجين لمقرات الإقامة الرسمية بمثابة ذروة أشهر متراكمة من احتجاجات أناس غاضبين بسبب أزمة اقتصادية غير مسبوقة في الجزيرة وفساد عائلة راجاباكسا وانعدام كفاءتها في الإدارة». ويضيف: «عندما انتشرت دعوة المواطنين كافة إلى التجمع في حديقة (غال فيس غرين) العامة في 9 يوليو، ظن كثيرون أن الأمر لن ينجح في ظل فرض حظر تجول الليلة التي تسبقه. مع ذلك، ومع استمرار الحكومة في اختبار صبر شعبها، وتزايد طول صفوف الانتظار أمام محطات الوقود، ونقص غاز الطهي، وانقطاع التيار الكهربائي، أدرك الناس أنه إما أن يفعلوا ذلك الآن أو لن يحدث إطلاقاً. لقد كانوا عازمين على دعم الاحتجاج رغم حظر التجول. وبالفعل، جرى تشجيع الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع دعوة كثير من الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية للناس إلى الانضمام ومطالبة الحكومة بالاستقالة. ومن ثم، عشية يوم 8 يوليو لم ينجح فيض من قوات الجيش والشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية في منع آلاف من الاندفاع نحو كولومبو متكدّسين في القطارات، ومتلفحين بأعلام الاحتجاج، ومعتلين حافلات قليلة، وهي التي لا تزال قادرة على الحركة بمخزون قليل ثمين من الوقود».
ويتابع الصحافي السريلانكي سرده ليقول: «كان صباح يوم 9 يوليو حافلاً بالإثارة مع بدء توافد الحشود منذ الصباح الباكر. كان رجال الشرطة قد أقاموا الحواجز والمتاريس لمنع الوصول إلى القصر الرئاسي، وبدأوا في إطلاق الغاز المسيل للدموع، واستخدام مياه ذات ضغط عالي ضد الناس. وعند الساعة 12:30 تقريباً انتشرت أنباء عن سيطرة المحتجين على القصر الرئاسي وانسحاب القوات. وبعد ذلك بساعة، شوهد المحتجون وهم يركضون باتجاه القصر الرئاسي وسط تهليلات صادحة. رغم شعور الناس بالإثارة والحماسة والغضب والارتباك بفعل فرصة الاستيلاء على المباني، كانوا دائماً ما يتذكرون ضرورة الإحجام عن تدمير الممتلكات العامة». ثم يختتم: «لقد تكلّم الشعب أخيراً، وكانت رسالته صادحة وواضحة. الذين اختبروا صبره وسرقوا أمواله وأهانوا ذكاءه وأفسدوا مستقبل أبنائه كانوا يبحثون عن المتاعب. سوف يلقى السياسيون، الذين كوّنوا ثرواتهم بالاحتيال، ونكثوا عهودهم، وتسببوا في معاناة الشعب على نحو لا يمكن احتماله، مصير عائلة راجاباكسا».

- طريق صعب يلوح في الأفق
لا جدال في أن الطريق أمام سريلانكا صعب، فالأمر لا يحتاج إلى تخفيف الأزمة الاقتصادية فحسب، بل هناك حاجة أيضاً إلى إعادة بناء نفسها طوبة طوبة. وهنا يذكر فيشال باندي، وهو صحافي هندي يغطي الوضع والأحداث في سريلانكا: «يمثل اقتحام المقرات الرسمية للرئيس ورئيس الوزراء دروساً قاسية من التاريخ تستدعي وتستحضر إلى الذهن ما حدث في العراق عام 2003. بعد فترة قصيرة من غزو القوات الأميركية للبلاد. مع اقتحام مواطنين عراقيين لكثير من القصور الرئاسية ونهب محتوياتها». ويستطرد: «كان هناك ذلك الشعور نفسه من العجب والانبهار في نفوس الرجال الغاضبين الذين اقتحموا تلك الأماكن المميزة... لقد شعرت بصدمة من مشاهدة عملية اقتحام مماثلة، باستثناء أن شعب سريلانكا لم ينهب أي شيء، بل فقط استمتع بلحظات من الرفاهية».
يقول خبراء في الاقتصاد إن أصل الأزمة ينبع من عوامل داخلية مثل سنوات من سوء الإدارة والفساد. من بين تلك الأمور، تظل السياسات الاقتصادية الرعناء المستهترة لعائلة راجاباكسا هي العامل الأبرز الذي أدى إلى تردي الوضع الاقتصادي في سريلانكا. في أعقاب الحرب الأهلية (2009 - 2015) كان الاقتصاد السريلانكي يعاني من عجز كبير في الموازنة. القرار السياسي الاستبدادي خلال الحرب الأهلية، وما تبعه من عدم استقرار سياسي، أو الافتقار إلى توافق سياسي يوحد البلاد منع النظام الحاكم من إجراء إصلاحات سياسية لتصحيح الأوضاع والمسار. وأشار ناندالال وييراسينغه، رئيس البنك المركزي السريلانكي، إلى أن اقتصاد البلاد سوف «ينهار بشكل لا يمكن علاجه أو تداركه» ما لم يتم تعيين حكومة جديدة في غضون أيام، وقيل إنه يفكر في الاستقالة إذا لم يتحقق استقرار سياسي في غضون أسبوعين. ويحدث ذلك في ظل اضطرار جيش البلاد لتفنيد تقارير عن انقلاب وشيك وعودة الجيش لتصدّر مشهد الأزمة السياسية والاقتصادية التي تتفاقم بوتيرة سريعة.

- أسباب التأزم الاقتصادي
لقد بلغ حجم الدين الخارجي لسريلانكا 51 مليار دولار أميركي. وتفيد سلطات كولومبو أن عليها سداد 8.6 مليار دولار من الدين الخارجي عام 2022. لكن نتيجة نفاد العملة الأجنبية في البلاد في مايو (أيار)، لم تتمكن من سداد المستحق عليها من الديون للمرة الأولى.
منذ ذلك الحين، توقفت كل الواردات وحدث نقص كبير في الوقود والغذاء والسلع المعيشية. وعندما لجأت سلطات كولومبو إلى صندوق النقد الدولي، كانت سريلانكا قد وصلت إلى الحضيض، وتعيش على منح ومساعدات مقدّمة من الهند، بلغت خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 3.5 مليار دولار. هذا، ولم تتمكن سلطاتها، التي كانت تعتمد بالكامل على القروض الهندية، من تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب من وقود للمركبات، وغذاء على الموائد، وعقاقير في المستشفيات الحكومية، وبلغ تضخم السلع الغذائية 56 في المائة.
الجانب الآخر من قصة سوء الإدارة الاقتصادية المتفاقم هذه هو دور الصين في هذه الأزمة. ولقد كان على كولومبو التوقف عن سداد ديونها الخارجية بسبب العجز عن دفع قيمة خدمة الدين المستحق للصين، التي موّلت به مشروعات بنى تحتية عديمة الجدوى. واستغلت بكين صداقتها لماهيندا راجاباكسا لتوقيع اتفاق لبناء ميناء هامبانتوتا والمطار المجاور له في ماتالا خلال فترة حكمه. وللعلم، تولى مايتريبالا سيريسينا، الذي خلف ماهيندا، السلطة وهو راغب في الحد من اعتماد سريلانكا على الصين، غير أن الحال انتهى به وهو يمنح ميناء هامبانتوتا عقد انتفاع مدته 99 سنة، بل يضيف بنداً يمنحها حق تمديد العقد 99 سنة أخرى.


مقالات ذات صلة

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

الاقتصاد طابور طويل أمام وزارة الهجرة السريلانكية للحصول على جوازات سفرهم خارج البلاد التي تعاني من إفلاس (إ.ب.أ)

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان الأربعاء إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعياً إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد في ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا أنني لست هنا لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه لدى وصوله لإلقاء كلمة أمام البرلمان في كولومبو (أ.ف.ب)

رئيس سريلانكا يتوقع البقاء في حالة إفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعيًا إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا انني لست هناك لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». وأضاف «إذا واصلنا خطة (الإصلاحات) يمكننا الخروج من الإفلاس بحلول 2026». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
العالم الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)

الرئيس السريلانكي يدعو إلى التفكير في «الأخطاء» الماضية

بينما تمر البلاد بأزمة كبيرة، دعا الرئيس السريلانكي، رانيل ويكريمسينغه، خلال عرض عسكري بمناسبة مرور 75 عاماً على استقلال البلاد، إلى التفكير في «الأخطاء والإخفاقات» الماضية. ومنذ انتهاء الاستعمار البريطاني في 1948، قضت الدولة الجزيرة جزءاً كبيراً من تاريخها في حرب مع نفسها.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد صورة أرشيفية تظهر مسار قاطرات تنقل مواد تعدينية من مدينة الجبيل السعودية (غيتي)  -   نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي

سريلانكا تتطلع للاستفادة من تجربة التعدين السعودية

شدد المهندس نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي على آفاق التعاون بين كولمبو والرياض بمختلف المجالات، وقطاع التعدين على وجه التحديد، متطلعا إلى تعزيز التعاون مع السعودية بقطاع التعدين، والاستفادة من تجارب المملكة في تطوير الصناعة المعدنية وقوانين وأنظمة المعادن، والمواكبة، والنهوض بإمكانات بلاده المعدنية. ودعا نصير السعوديين للاستثمار بالقطاع في بلاده، وإقامة مشاريعهم الاستكشافية والقيمة المضافة للإنتاج التعديني في البلدين، مشيرا إلى أن بلاده بدأت حقبة جديدة في التنمية الاقتصادية والنمو، وفي طريقها لتجاوز التحديات التي أفرزت انهيارا اقتصاديا وضائقة مالية. وشدد نصير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «على ا

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
العالم عناصر من جيش سريلانكا (أرشيفية - إ.ب.أ)

سريلانكا تخفض جيشها بنحو الثلث لخفض الإنفاق

قال وزير الدفاع السريلانكي، اليوم الجمعة، إن بلاده ستخفض قوام جيشها بما يصل إلى الثلث، إلى 135 ألفاً بحلول العام المقبل، وإلى 100 ألف بحلول عام 2030، فيما تحاول البلاد، التي تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أكثر من سبعة عقود، خفض الإنفاق. وقال بريميتا باندارا تيناكون في بيان: «الإنفاق العسكري هو في الأساس نفقات تتحملها الدولة، التي تحفز بشكل غير مباشر وتفتح مجالات للنمو الاقتصادي عن طريق ضمان الأمن القومي وأمن السكان».

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.