«مون بلان» تستوحي مجموعتها «سفوماتو» من ليوناردو دافينشي وتطورها لرجل عصري

جيروم لامبرت رئيسها التنفيذي لـ«الشرق الأوسط»: بدون متعة في العمل لا يتحقق النجاح

TT

«مون بلان» تستوحي مجموعتها «سفوماتو» من ليوناردو دافينشي وتطورها لرجل عصري

منذ تأسيس دار «مون بلان» في عام 1906، وهي تكتب فصولا من مسيرتها ومن التاريخ، بقلم حبر يشهد له الكل بالجمال والدقة. ففي عام 1963 استعمله المستشار الألماني كونراد أديناور لتوقيع كتاب كولونيا الذهبي، والطريف أن القلم لم يكن له، بل للرئيس الأميركي جون كينيدي، الذي كان يرافقه حينها وأنقذه من الحرج عندما اكتشف المستشار في آخر لحظة أنه لا يحمل معه أي قلم. وينستون تشرشل أيضا وقع بقلم من صنع «مون بلان» الكثير من الوثائق والمعاهدات التي غيرت وجه التاريخ، فضلا عن آخرين وقعوا أسرى لقوته وجاذبيته مثل إرنست هيمنغواي ونيلسون مانديلا وغيرهم كُثر. لكن من الخطأ التركيز على «مون بلان» كشركة صناعة أقلام فحسب، لأنها دار تخاطب الزبون العارف بمنتجات متعددة من الإكسسوارات الجلدية الراقية إلى الساعات الفاخرة والعطور والجواهر. ورغم أن إيقاعها ظل ينبض دائما بقوة، فإنها وصلت إلى مرحلة الغليان منذ أن التحق بها جيروم لامبرت، كرئيس تنفيذي منذ عامين تقريبا. الكل لاحظ منذ ذلك الوقت أنها اكتسبت ديناميكية جديدة تمزج الكلاسيكي، المتمثل في إرثها العريق، بالعصري الذي تفرضه أحوال السوق.
مؤخرا، قدمت الدار مجموعة من الإكسسوارات الجلدية أطلقت عليها اسم «سفوماتو» بحضور كل من جيروم لامبرت، ووجه «مون بلان» النجم هيو جاكمان، الذي كان يسأل الحرفيين الآتين من فلورنسا عن تفاصيل كل قطعة بتلقائية وفضول ممزوج بالانبهار، وكأنه طفل صغير في محل شوكولاته. يعلق جيروم لامبرت في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» على هامش المناسبة، أن تلقائية النجم الأسترالي الأصل هي التي جعلت الكل في الدار يُرشحونه سفيرا لهم. ليس لأنه يجسد ديناميكية «مون بلان» وحدها، بل أيضا قدرتها على التواصل والتفاعل مع الآخر من دون قيود أو بروتوكول. يشرح جيروم: «عندما بدأنا البحث عن وجه يمثل (مون بلان) لك أن تتصوري كم كانت لدينا من خيارات وأسماء، لكن هيو جاكمان تميز عنهم جميعا. فإلى جانب أنه إنسان رائع وقريب من القلب، اكتشفنا أن الكتابة جزء مهم من حياته وروتينه اليومي. لقد كشف لي أنه كل مساء وقبل أن يخلد للنوم يكتب بالتفصيل كل ما قام به في ذلك اليوم، على شكل رسائل أو خواطر يوجهها لأطفاله، لكنه لا يرسلها إليهم، بل يحتفظ بها لنفسه على أن يقدمها لهم عندما يكبرون».
في البداية اعتقد بعضهم أنه يُبالغ من باب المزح والدعابة، لكنه أكد لهم أنه فعلا يقوم بهذا الأمر بشكل يومي منذ سنوات كثيرة. غني عن القول إن القرار بعد ذلك أصبح واضحا وسهلا، وكانت القصة كافية لكي يتفق الجميع أنه وجههم المثالي. كان لامبرت يحكي هذه القصة بانبهار، أو كأنه لا يزال في حالة الاستغراب التي غمرته عندما سمعها لأول مرة. عندما تحول الحديث إلى «مون بلان» وإرثها الغني الذي قد يراه البعض مجرد قلم حبر، أصبح في عداد التحف كما يدل اسمه «ماسترتورك» باللغة الألمانية، يستجمع أفكاره بسرعة ويقول: «إنها أكثر من ذلك بكثير، فهي أسلوب حياة».
يؤكد جيروم لامبرت أنه يرفض الاستكانة لأمجاد الدار، ويحرص أن يضع بصمته عليها، وهو ما أنجزه بالفعل منذ التحاقه بها منذ 18 شهرا تحديدا. ما ساعده على تحقيق المراد أنه يتمتع بالكاريزما وبخبرة طويلة في مجال الساعات الفاخرة، إذ سبق له العمل مع كل من «جيجير لوكولتر»، و«أ. لانغة أند صونة».
صحيح أن 18 شهرا ليست بالفترة الطويلة التي تسمح بتقييم أي رئيس تنفيذي بشكل نهائي، لكنه يعترف بأنه يشعر كما لو أنه ينتمي إلى الدار منذ أكثر من عشر سنوات. فهو يعيش فيها من الصباح إلى المساء، يتنفس روائح جلودها وهو يتحدث مع الحرفيين في فلورنسا ويسألهم عن استراتيجيتهم وآخر التصاميم، وينصت لنبض كل ساعة وهو يزيد قوة في «مينرفا»، معامل الدار بفيليريه.
لا يخفي لامبرت أن ارتباط الدار بأقلام «مايسترستوك»، وما تتمتع به هذه الأيقونة من مكانة عالمية، شكل تحديا أقرب إلى الاختبار بالنسبة له. فقد كانت ابتكارا ثوريا عندما طُرحت لأول مرة ولا تزال، وبالتالي لم يكن نجاحه ممكنا لو لم يتسلح بالجرأة ودخول مجالات لم يكتشفها الغير ليرسخ مكانته. بيد أنه لم يتجاهل «مايسترستوك» فهي تدخل في صلب جينات الدار وأحد أقوى دعائمها، وما قام به أنه درس مكامن قوتها من كل الجوانب لكي يستفيد منها ويبنى عليها.. «لو لم أفعل ذلك لفشلت في مهمتي. فقد كان مهما أن أركز على إرث الدار وفي الوقت ذاته أن أضخه بجرعة متوازنة من الحداثة والعصرية».
كان واضحا من كلامه أن ديناميكية الدار أصابته بالعدوى وهو يقول: «كلما غُصت فيها وفي إرثها أكثر، اكتشفت عمقا أكبر وشعلة ملتهبة من الحماس والإبداع». لكنه كان حريصا أن يشير أن أقوى عنصر تسلح به عندما دخل «مون بلان» حبه وشغفه للعمل.. «أعتقد أن أي شخص لا يشعر تجاه عمله بالشغف، عليه أن يغيره ويبحث عن آخر يتيح له المتعة، لأنه من دونها ومن دون شغف، لا يمكن التألق أو التميز في أي مجال». يلتقط أنفاسه ثم يخفف من حدة كلامه معترفا، بابتسامة خفيفة، أنه يُدرك أنه أكثر حظا من غيره، لأنه من السهل الوقوع في حب مجال المنتجات المترفة، لما تتيحه من فرص للمسها ومتابعة كيف تولد من فكرة بسيطة تتبلور إلى قطعة فاخرة وأنيقة تؤجج الحلم والرغبة فيها. يردد والسعادة بادية على ملامحه: «أنا أعيش الحلم بشكل يومي».
خلال الحفل الذي قدمت فيه الدار مجموعتها الأخيرة «سفوماتو» استعرضت أيضا أجود أنواع الجلود التي تستعملها، وبراعة حرفييها الفلورنسيين الذي كانوا يشرحون للحضور خطوات صناعة كل حقيبة وكل محفظة، من الألف إلى الياء. شرحوا أيضا أن تقنية «سفوماتو» وتعني بالإيطالية «المدخن»، هي أسلوب مميز للرسومات الفنية تم ابتكاره وتطويره في عصر النهضة على يد فنانين كبار من أمثال ليوناردو دا فينشي، واستخدمته «مون بلان» في مشغلها «بيلاتيريا» بفلورنسا لمعالجة الجلود وإبراز جمالها الطبيعي، باللعب على تحوّلات غير محسوسة بين الدرجات اللونية. تتلقف كل كلمة ينطق بها الحرفيون، بلكنتهم الإيطالية القوية التي تتميز بتمديد الحروف إلى أقصى حد، فتشعر أنهم مثل رئيسهم التنفيذي يشعرون بالفخر، أو بالأحرى، بأنهم محظوظون، إذ يرددون، وكأنهم حفظوا نفس الدرس، بأنهم يتطلعون دائما إلى العالي. عندما يرون نظرات الحضور الإنجليزي غير المتعودة على هذا النوع من المبالغة، يعقبون بأن «مون بلان» هو اسم الجبل الأبيض، أعلى الجبال الواقعة في أوروبا الغربية، وبالتالي فإن الدار التي يعملون بها راسخة وعالية تشرئب إلى السماء مثل الجبل.
يوافقني لامبرت الرأي عندما أشير إلى هذه النقطة ومدى الانتماء الذي يشعر به هؤلاء الحرفيون تجاه الدار قائلا: «بالفعل، في شركة (جيجير لوكولتر) مثلا، عليك أن تأخذ بالك من ذلك الحب في العمل الذي ذكرت سابقا حتى تبقى الشعلة مشتعلة، بينما هذه الشعلة متأججة هنا تنبع من الأساس وتتدفق على شكل طاقة نحو الأفق البعيد».
يعيد الفضل في هذا إلى كونها «لا تعتمد على شخص واحد، بل على فريق يشمل مصممين فنيين ومهندسين وحرفيين وباحثين، يتشاركون الأفكار والطموحات والأهداف. ففي شركة متخصصة في مجال معين، مثل الساعات، ينصب كل الاهتمام على المنتج بعد تصوره وتصميمه، بينما في (مون بلان) تلمسين تفاعلا دائما بين الفريق، حيث يتبادلون الأفكار ووجهات النظر حتى النهاية، وطوال هذه النقاشات، تخضع التفاصيل للتغيير لتعزيز المنتج وتجميله أكثر». وهنا على ما يبدو يكمن دور جيروم لامبرت، الذي يتمثل في قيادة هذا الفريق وتحفيزه على المزيد من العطاء.. «الأمر بمثابة عود الخشب الذي نضعه في الماء المالح. في البداية يكون مجرد عود عادي وغير جذاب، لكن ما إن تسحبه من الماء بعد أن يلتصق بالملح المتبلور، تختفي صورة ذلك العود العادي ويحل محله شكل مختلف تماما، عبارة عن قطعة مضيئة مفعمة بالروعة والجمال.. مهمتي تتلخص في وضع هذا العود الصغير والعادي بداخل الماء المالح، فيما تتركز مهمة الفريق على توفير باقي الوسائل لإخراجه بشكل أجمل».
كلما توغل الحديث في التصميم وأناقة الدار، تتبخر من الذهن تلك الصورة القديمة عن الرؤساء التنفيذيين، بأنهم يهتمون بالاستراتيجيات والإنتاج أكثر مما يهتمون بالجماليات والتفاصيل الجانبية. فلامبرت مختلف، ربما لأنه فرنسي يتذوق الجمال ويفهم الأناقة والموضة بشكل فطري، رغم أنه لا يذكر كلمة موضة على الإطلاق طوال حديثه، ويكرر في المقابل، أن منتجات الدار أنيقة يحرص فيها أن تنفذ بطريقة تبقى مع الزبون طويلا.. «إنها ليست استهلاكية» على الإطلاق. كيف يحقق هذه المعادلة بين الأنيق والعملي؟ الجواب بكل بساطة أنه يضع نفسه مكان الزبون، ويسأل نفسه عما يروق له وما يطمح إليه. هذا الاحترام الدفين للزبون هو الذي يجعله يتدخل في العمل لفهم كل تفاصيله من التصميم إلى الإنجاز، رغم أنه لا يدعي أنه مصمم.. «فلو طلبت مني الآن أن أرسم أي شيء، وإن كان خربشة بسيطة، ستتأكدين أني لست مصمما، ولا حتى مشروع مصمم».
يكرر جيروم عنصر المفاجأة والجرأة عدة مرات، وتشعر بأنها تعني له الكثير، فهو يطبقهما منذ التحاقه بها. في معرض جنيف الأخير، مثلا فاجأتنا «مون بلان» بساعة يد رفيعة تتضمن تعقيدات كثيرة، لكن بسعر يخاطب متوسطي الدخل. لم تكن الفكرة منها استراتيجية لاستقطاب زبائن جدد، ولا حتى دمقرطة سوق الساعات الفاخرة، كل ما في الأمر أن «الزبون يستحقها»، حسب قوله. ويعقب مبتسما: «يذكرني هذا القول بالإعلان الشهير لشركة (لوريال) الذي تظهر في عارضات وهن يملن برؤوسهن يمنة ويسرة في دلال ويرددن: (أنا أستحق ذلك). من المنطلق نفسه، رأيت أن زبوننا يستحق هذه الساعة، وكل ما في الأمر أننا تسلحنا بالجرأة لخض السوق».
بالفعل حققت الدار الهدف وجعلت كل من في المعرض يتحدث عنها. فعندما تضاف وظيفة مبتكرة أو تعقيد جديد في الساعة، فإن هذا يعني أنها ستكون بسعر عال، وليس لزبون عادي لا يهتم بالتقنيات العالية والتعقيدات أو لا يقدرها. «مون بلان» سبحت ضد التيار وقدمت ساعة بمقاييس عالية وأسعار معقولة، فقط لأنها تحترم زبونها، ولا تستهين بخبرته وذوقه. طبعا هناك سبب مهم آخر وهو أنه بإمكانها ذلك بحكم أنها تصنع كل الحركات في معاملها الخاصة. الساعة التي نقصدها هي ساعة كرونوغراف ميكانيكية مجهزة بمقياس النبض «بولسوميتر» وتدريجاته، على طول محيط مينا الساعة، وقد تمت معايرة هذا المقياس اللوغاريتمي على 30 نبضة مع تقسيمات فرعية كل عشرة وكل خمسة مع مسار بنمط سكة القطار. تحيط تدريجة «بولسوغراف» بشكل مركز بمقياس الكرونوغراف للثواني المنقضية والمقسم بخطوات كل واحدة منها خُمس الثانية بما يتوافق مع تردد عنصر التوازن وهو 2.5 هرتز.
يشرح لي لامبرت أن الفكرة ليست تخفيض السعر لجذب الزبون، بقدر ما هي تقديم شيء مختلف تشعر من خلاله «مون بلان» أنها لا تزال سباقة ورائدة في المجالات التي تخوضها، سواء كان ذلك ساعة أو حقيبة يد. صحيح أن الجزء الخارجي، مثل التصميم واللون، أول ما يلفت النظر في حقيبة يد أو ساعة، إلا أن الابتكار الحقيقي يكون في غالب الأحيان بالداخل، في كل غرزة وكل خيط أو حركة أو وظيفة.
بإمكان أي شركة أن تقدم منتجا أرخصا، لكن المهم أن يكون بجودة عالية «فالمسألة ليست مسألة سعر، بل منح الزبون الإحساس بالمفاجأة والسعادة عندما يحصل على منتج فخم وبسعر معقول». هذا تحديدا سر احتفاظ «مون بلان» بشبابها وشعلتها المتأججة رغم أنها تعدت القرن بسنوات.



دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
TT

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

في مجموعته من خط «الريزورت لعام 2020» أثار مصمم دار «كارولينا هيريرا» ويس غوردن موجة من الاستياء والغضب في المكسيك. اتُهم حينها بالسرقة الفنية والثقافية، لأنه استلهم من تطريزات تراثية مكسيكية بشكل شبه حرفي من دون أن يطلب الإذن من أصحابها ولا أشار إليهم. وصل الأمر إلى تدخل حكومي، جاء على لسان وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو التي وجَهت رسالة تتهم فيها دار «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية، وما إذا كان هؤلاء سيستفيدون بأي شكل من الأشكال.

جاءت كل إطلالة وكأنها لوحة مرسومة بالأزهار والورود (كارولينا هيريرا)

كان رد المصمم سريعاً وهو أن فكرة الانتحال لم تكن تخطر بباله، وأن ما قصده كان تكريم الثقافة المكسيكية والاحتفال بها، مُعترفاً أنه لا ينفي أن «المكسيك بالفعل حاضرة بقوة في هذه المجموعة. لكن حرصي على إبراز هذا التراث هو دليل على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته الحرفية التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».

ريزورت 2025

مرت أربع سنوات وأشهر عديدة، وها هو يؤكد أن قوله لم يكن لمجرد التبرير للخروج من ورطة غير محسوبة. هو فعلاً يحب الثقافة المكسيكية، وإلا ما عاد إليها في عرضه الجديد من خط «الريزورت لعام 2025». الاختلاف هذه المرة أنه اتخذ كل التدابير التي تقيه أي جدل أو هجوم. فالعرض كما تشرح الدار «رحلة من الاستكشاف تُعززها العلاقة الممتدة على مدى عقود طويلة بينها وبين المكسيك».

استلهم المصمم ألوانه من غروب الشمس في مكسيكو سيتي والطبيعة المحيطة (كارولينا هيريرا)

عُرضت التشكيلة في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي. اختار لها المصمم غروب الشمس توقيتاً، ومتحف أناهواكالي، مكاناً.

اختيار متحف «اناكاهوالي» مسرحاً للعرض له دلالته. فهو يحتوي على قطع أثرية تعود إلى ما قبل كولومبوس وتحيطه مناظر خلابة تشكلها النباتات المحلية مما جعله مثالياً لعرض يزخر بالتاريخ والفن والجمال. يُعلَق المصمم غوردن «إن مكسيكو سيتي لها مكانة رائدة كمركز عالمي للفنون والإبداعات المعمارية وتجارب الطهو والثقافة، فضلاً عن المهارة العالية التي يتمتع بها الحرفيون المحليون».

اختار المصمم مزيجاً من الألوان التي تتناغم مع بعضها رغم تناقضها (كارولينا هيريرا)

كان واضحاً أنه اتبع هنا مبدأ «ابعد عن الشر وغني له». اكتفى بألوان الطبيعة المستلهمة تحديداً من غروب الشمس والصخور الركانية في مكسيكو سيتي والمناطق المجاورة لها، و تعاون مع أربع فنانات مكسيكيات، ليُرسِخ احتفاءه بالمهارة الفنية والثقافة المكسيكي من دون أن يتعرَض لأي هجوم أو انتقاد.

وهكذا على طول الفناء الأمامي للمتحف الذي تم بناؤه على حجر بركاني منحوت، تهادت العارضات وهن يتألق في تصاميم تراقصت فيها الألوان الزاهية مثل الأزرق والأخضر العشبي، والعنابي، والأصفر الساطع، إلى جانب قطع بالأبيض والأسود. لم يخف المصمم ويس غوردن أنها لوحة رسمها وطرَزها بالتعاون مع فنانات مكسيكيات لهن باع وشغف في مجالات متنوعة، ساهمت كل منهن بضخها بالألوان والديناميكية الجريئة التي تتميز بها الفنون المكسيكية، وهن:

الفنانة ناهنو Nähñu

فنانات برعن في التطريز لهن يد في تشكيل مجموعة من التصاميم (كارولينا هيريرا)

وهي خبيرة تطريز تعود أصولها إلى نانت في تينانجو دي دوريا في ولاية هيدالغو. تفنّنت في ابتكار ثماني قطع قطنية مطرزة مع تدرجات لونية متباينة ظهرت في قمصان وفساتين وسراويل. وتعليقاً على هذا الموضوع، علَقت الفنانة: «تمنحني الأقمشة مساحة للتعبير عن أسلوبي الإبداعي وحالتي المزاجية في مختلف الأوقات. فعندما أشعر بالسعادة أستخدم ألواناً حيوية، بينما أعتمد الألوان الداكنة للتعبير عن شعوري بالحزن». وأضافت ابنتها بيبيانا هيرنانديز، التي ساهمت هي الأخرى في هذه الإبداعات: «نجحنا في هذا المشروع بالتعبير عن أسلوبنا المميز في عالم التطريز. فهو الذي يفسح لنا المجال لإبراز مواهبنا والتعبير عن مشاعرنا المختلفة في الوقت ذاته».

فيرجينيا فيرونيكا آرسي آرسي

من الطبيعة والثقافة المحلية استلهمت الفنانات المتعاونات تطريزاتهن (كارولينا هيريرا)

هي أيضاً فنانة متخصصة في التطريز. أبدعت للدار تطريزات مستوحاة من جمال الطبيعة المحيطة بمدينتها، سان إيسيدرو بوين سوسيسو، بولاية تلاكسالا، التي تشتهر بامتداد منحدرات جبلها البركاني المعروف باسم لا مالينشي.

اكتسبت فيرجينا مهارة التطريز من والدها وهي في سن الـ15، وتعهدت منذ ذلك الحين أن تحافظ على هذه الحرفة وتعمل على تطويرها كلغة فنية لما تُشكله من جزء هام من هوية المجتمع. وتبرز أعمالها في ثلاثة فساتين من الدانتيل المطرز.

جاكلين إسبانا

خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض كان حاضراً في هذه التشكيلة (كارولينا هيريرا)

مساهمتها تجلّت في تخصصها في خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض، والذي يشكل جزءاً رئيسياً من النسيج الثقافي في سان بابلو ديل مونتي بولاية تلاكسالا.

عشقت جاكلين هذا النوع من الخزف منذ طفولتها، فعملت على استكشاف مزاياه الإبداعية بعد إنهاء دراستها في مجال الهندسة الكيميائية. وقالت في هذا الصدد أن خزف تالافيرا «يشكل في منطقتنا إرثاً عريقاً نحرص باستمرار على الحفاظ عليه واستخدامه كزينة في المناسبات الخاصة فقط. ولذا، وقع عليه اختياري لاستخدامه في أعمالي الفنية عموماً، وفي هذه التشكيلة خصوصاً».

استلهمت الفنانة من الخزف ألوانه ومن الطبيعة المكسيكية أشكالها (كارولينا هيريرا)

كان دورها أن تبتكر تفاصيل ومجوهرات من الخزف المرسوم يدوياً لتزين بها قطع أزياء وأقراط، كما تشرح: «بصفتي متخصصة بخزف تالافيرا، ألتزم بالحفاظ على إرث هذا الخزف المتوارث عبر الأجيال، والاحتفاء بجوهره والعمل على تطويره من خلال وضعه في أروع الإبداعات».

ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»

تعاونت الدار مع ورشات مكسيكية لإبداع إكسسوارات لافتة بألوانها (كارولينا هيريرا)

تعاونت الدار أيضاً مع ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»، التي تتخذ من أواكساكا دي خواريز بمدينة أواكساكا مقراً لها. وتعتبر مركز الأعمال الحرفية في المكسيك، إذ تتعاون الورشة مع أبرز الفنانين لإعادة ابتكار بعض القطع التقليدية برؤية عصرية. لهذا المشروع عملت الورشة مع حدادين متخصصين في النحاس ومطرزين ورسامين لتزيين الخيكارا، وهي أوعية تقليدية مصممة من قشور القرع المجففة، تُستخدم فيها الألوان وفن التطريز وأنماط المقرمة وغيرها من المواد.

تقول مؤسسة الورشة نيبرا: «أستمد إلهامي من الطبيعة من حولي، بما تحمله من نباتات وأزهار حسب المواسم التي تظهر فيها، إضافة إلى ألوان غروب الشمس». لهذه التشكيلة، نجحت نيبرا وفريقها في ابتكار مجموعة من المجوهرات الملونة يدوياً تشبه أعمالها فن الخيكارا.

لمسات كارولينا هيريرا

حافظت التشكيلة على أسلوبها الراقص على نغمات من الفلامينكو (كارولينا هيريرا)

لم تكتف «كارولينا هيريرا» بهذه التعاونات. عرضت أيضاً مجموعة مصغرة من ألبسة الجينز بالتعاون مع شركة «فرايم دينم»، إلا أن مصممها وبالرغم من شغفه بالثقافة المكسيكية، لم يتجاهل جينات الدار الأساسية، التي ظهرت في أزياء المساء والسهرة. فهذه حافظت على أسلوبها المعروف بأناقتها الكلاسيكية الراقصة على نغمات من الفلامنكو، إضافة إلى تلك الفخامة التي تعتمد فيها دائماً على الأقمشة المترفة والأحجام السخية، والورود المتفتحة.