تحقيق صحافي موسع يحاصر «أوبر» بماضيها

تحقيق صحافي موسع يحاصر «أوبر» بماضيها
TT

تحقيق صحافي موسع يحاصر «أوبر» بماضيها

تحقيق صحافي موسع يحاصر «أوبر» بماضيها

حاصر تحقيق صحافي موسع شمل دولاً عدة منصة «أوبر» بماضيها، إذ اتهم الشركة بـ«خرق القانون»، وباستخدام أساليب عنيفة لفرض نفسها رغم تحفظات السياسات وشركات سيارات الأجرة.
وحسب التحقيق الذي شاركت فيه صحيفة «الغارديان» البريطانية وهيئة الإذاعة البريطانية و«واشنطن بوست» الأميركية و«لوموند» الفرنسية فإن الشركة «خرقت القانون وخدعت الشرطة والمُنظمين، واستغلت العنف ضد السائقين، وضغطت سراً على الحكومات في كل أنحاء العالم». وأشار إلى أن الشركة الناشئة قد تكون قدمت أيضاً عدداً من أسهمها لسياسيين في روسيا وألمانيا، ودفعت لباحثين «مئات آلاف الدولارات لنشر دراسات حول مزايا نموذجها الاقتصادي».
كما وجدت «أوبر»، حسب التحقيق، حلفاء لها في دوائر السلطة على غرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قد يكون ساعد الشركة بشكل سري عندما كان وزيراً للاقتصاد.
وردت «أوبر» على التحقيق، قائلة إن وسائل الإعلام سبق أن غطت بشكل كبير «أخطاء» الشركة قبل عام 2017، مضيفة «اليوم، أوبر (...) باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لمائة مليون شخص»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.


مقالات ذات صلة

«أوبر للشباب» خدمة جديدة حصرية للمراهقين في السعودية

تكنولوجيا تم تصميم حسابات «أوبر» الخاصة بالشباب لتوفير مزيد من المرونة للعائلات عند تنقلهم مع المحافظة على الأمان (شاترستوك)

«أوبر للشباب» خدمة جديدة حصرية للمراهقين في السعودية

مبادرة جديدة من «أوبر» للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً تسمح بطلب توصيلات خاصة بهم بإشراف أولياء الأمور إلى جانب مجموعة من ميزات الأمان.

نسيم رمضان (لندن)
العالم مشاة يسيرون أمام صف من سيارات الأجرة في وسط سيدني (أ.ف.ب)

الحكم على أوبر بتعويضات 178 مليون دولار لسائقي الأجرة الأستراليين

حصل سائقو سيارات الأجرة الأستراليون المتأثرون بصعود شركة أوبر العملاقة لخدمات النقل التشاركي على تعويضات بقيمة 178 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
يوميات الشرق تستهدف «ويلي» العملاء ذوي الثروات العالية (صورة من الموقع الرسمي للشركة)

بسيارات «مرسيدس» و«بي إم دبليو»... كيف جذبت شركة منافسة لـ«أوبر» الأثرياء ورجال الأعمال؟

منذ تأسيسها في عام 2010، سعت شركة «ويلي» الخاصة لنقل الركاب، لتلبية احتياجات العملاء الأثرياء ورجال الأعمال عن طريق منحهم خدمات مميزة في سياراتها الفاخرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار شركة «أوبر» على لافتة إعلانية داخل بورصة نيويورك (رويترز)

«أوبر» تتيح حجز تذاكر الطيران في بريطانيا

أتاحت «أوبر» إمكانية حجز رحلات الطيران عبر تطبيقها في بريطانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة تركب سيارة تابعة لـ«أوبر» خارج مطار لوس أنجليس الدولي (رويترز)

«أوبر» تواجه ادعاءات بالاعتداء الجنسي من 500 امرأة أميركية

تواجه شركة «أوبر» العملاقة لخدمات النقل التشاركي دعوى قضائية جماعية من أكثر من 500 امرأة في الولايات المتحدة تزعم أنهن تعرضن لاعتداء جنسي أو سلوك عنيف من قبل السائقين. واتهمت المدعيات الشركة بالفشل في معالجة القضية لسنوات، على الرغم من إبلاغها بحجم المشكلة منذ عام 2014، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك العديد من حالات الاعتداء على الراكبات، بدءا من التحرش إلى الاختطاف والاغتصاب، وفقاً لـ«سلاتر سلاتر شولمان»، وهو مكتب المحاماة الأميركي الذي يمثل حوالي 550 عميلة لـ«أوبر».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ترقب أوروبي وقلق إسباني من احتمال استقالة رئيس الوزراء

أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني في تجمع للتعبير عن دعمهم لسانشيز بمدريد في 27 أبريل (رويترز)
أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني في تجمع للتعبير عن دعمهم لسانشيز بمدريد في 27 أبريل (رويترز)
TT

ترقب أوروبي وقلق إسباني من احتمال استقالة رئيس الوزراء

أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني في تجمع للتعبير عن دعمهم لسانشيز بمدريد في 27 أبريل (رويترز)
أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني في تجمع للتعبير عن دعمهم لسانشيز بمدريد في 27 أبريل (رويترز)

تعيش إسبانيا، منذ الأربعاء الماضي، حالة من عدم اليقين السياسي بعد الرسالة التي وجّهها رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى المواطنين، من غير التشاور أو التنسيق مع قيادات حزبه، ليقول إنه يفكّر في الاستقالة من منصبه بسبب الحملة الضارية وغير المسبوقة التي تشنّها عليه المعارضة اليمينية، والتي وصلت إلى حد التشهير بزوجته، وترويج معلومات ملفقة عنها استدعت، مطلع هذا الأسبوع، قراراً من أحد القضاة بفتح تحقيق معها.

وفي انتظار أن يعلن سانشيز قراره النهائي، يوم الاثنين المقبل، أعلنت قيادات الحزب الاشتراكي وأحزاب التحالف الحاكم تضامنها معه، وناشدته البقاء في منصبه حتى نهاية الولاية الاشتراعية، وذلك بعد أن طلبت المحكمة العليا من القاضي إغلاق ملفّ التحقيق إثر التصريحات التي أدلى بها، صباح الخميس، رئيس منظمة «الأيادي النظيفة» التي كانت قد دفعت بالاتهامات، حيث لم يستبعد أن تكون هذه الاتهامات قد استندت إلى معلومات غير صحيحة.

دعم واسع

وتشهد مدريد، منذ صباح السبت، تجمعات غفيرة تحت المطر أمام المقر الرئيسي للحزب الاشتراكي، الذي قرر أن يبثّ وقائع جلسة اللجنة التنفيذية الفيدرالية مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، للإعراب عن تضامن الحزب مع أمينه العام ومطالبته بعدم الاستقالة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الحزب الاشتراكي الإسباني، الذي تأسس منذ 140 عاماً، تعقد لجنته الفيدرالية اجتماعاً مكرّساً لشخص واحد هو بيدرو سانشيز الذي قرر متابعتها من مقر رئاسة الحكومة.

سانشيز خلال جلسة بالبرلمان في 24 أبريل (إ.ب.أ)

وقالت النائب الأول لسانشيز إن «إسبانيا تتقدم بقيادة رئيس اشتراكي، ولن نسمح بأن تتراجع إسبانيا؛ لأن الأنظمة الديمقراطية تتراجع عندما يعتقد المواطنون أن السلطة ليست نابعة من أصواتهم، ويشككون بشرعية الانتخابات. هذا ما يسعى إليه اليمين واليمين المتطرف من وراء استراتيجية التشهير».

ويردد سانشيز في مجالسه الخاصة منذ أسابيع أن العمل السياسي في إسبانيا أصبح شاقاً جداً، بسبب خطاب التخوين والتشهير والتحريض الذي لجأت إليه المعارضة اليمينية التي لم توفّر أحداً من الوزراء أو رؤساء البلديات الاشتراكيين.

مخاوف اليسار الإسباني

لكن إذا كان المشهد السياسي الإسباني يعاني من حالة انعدام اليقين في ذروة احتدام المواجهة بين الحكومة اليسارية والمعارضة اليمينية بعد هذه الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها سانشيز وترك خاتمتها معلقة حتى الاثنين المقبل، فإن الحزب الاشتراكي يعيش حالة من الذهول والقلق الشديد أمام احتمال انكفاء زعيمه الذي يستقطب وحده منذ 7 سنوات تأييد القاعدة الشعبية التقدمية في إسبانيا، والذي مكّنه مرة تلو أخرى من حصد نتائج انتخابية غير متوقعة. وتؤكد قيادات الحزب أن السيناريو الوحيد المطروح هو أن يقرر سانشيز، يوم الاثنين، البقاء في منصبه، وأنه ليس من الوارد الحديث عن إجراء انتخابات عامة مسبقة.

دعم دولي

وفور إعلان سانشيز، يوم الأربعاء الفائت، أنه يفكّر في الاستقالة، توالت الاتصالات المؤيدة له من القيادات التقدمية الدولية، كانت أبرزها من صديقه الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا، الذي نشر على وسائل التواصل تصريحاً جاء فيه: «لقوته ودوره أهمية كبيرة بالنسبة لبلده، وأوروبا والعالم».

يحظى سانشيز بدعم واسع في أوساط حزبه (رويترز)

ويعود هذا الاهتمام الدولي الواسع بالأزمة الناشئة عن خطوة سانشيز واحتمال استقالته، أنه في عزّ الموجة اليمينية واليمينية المتطرفة التي تجتاح العالم، خصوصاً أوروبا، وبعد التغيير الذي شهدته البرتغال مؤخراً، أصبح رئيس الوزراء الإسباني الحصن المنيع لليسار المعتدل الذي يتقهقر منذ سنوات في القارة الأوروبية.

يُضاف إلى ذلك أن سانشيز يقود القوة الاقتصادية الرابعة في الاتحاد الأوروبي، التي تسجّل أعلى نسبة نمو بين شركائها، فضلاً عن أن حزبه نال 32 في المائة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، أي أكثر من ضعف ما تحصل عليه الأحزاب الاشتراكية عادة في بلدان أوروبا الغربية.

حسابات أوروبية

على الصعيد الأوروبي نزلت خطوة سانشيز كالصاعقة، حيث إن أحداً لم يكن يتوقّعها، خصوصاً على أبواب الانتخابات الأوروبية وأعتاب توزيع المناصب القيادية في المؤسسات التي قد تتأثر حساباتها إذا قرر سانشيز الاستقالة. ويخشى الاشتراكيون الأوروبيون خسارة مقعد اشتراكي آخر في المجلس الأوروبي بعد استقالة البرتغالي أنطونيو كوستا، الخريف الماضي، بسبب حالة فساد طالت أحد معاونيه الذي خرج بريئاً منها لاحقاً.

ومن اللافت أن معظم وسائل الإعلام الدولية ركّزت على أن الدافع وراء خطوة سانشيز هي التهمة الموجّهة إلى زوجته باستغلال نفوذها، وليست المناورات القضائية والحملات التشهيرية التي تقودها الأوساط اليمينية المتطرفة ضد الحكومة لإسقاطها.

ولا يستبعد المراقبون، في حال قرر سانشيز الاستقالة، أن يدرج اسمه فوراً على قائمة المرشحين للمناصب القيادية في المؤسسات الأوروبية، خصوصاً أنه يحظى بتقدير واسع في الأوساط الأوروبية على اختلاف مشاربها السياسية.

وفي المقابل، ترى أوساط الحزب الشعبي المعارض في إسبانيا أن خطوة سانشيز ليست سوى تعبير عن ضعفه ومحاولته البقاء في الحكم بدافع الشفقة. ويقول زعيم الحزب الشعبي، ألبرتو فيخو، إن هذه الخطوة هي خطأ جسيم ارتكبه سانشيز بوضعه البلاد في حالة من الضياع طيلة 5 أيام عندما قرر أن ينقل مشكلاته العائلية إلى البرلمان.


المهاجرون في تونس ينتظرون العبور لأوروبا رغم المخاطر

نحو 20 ألف مهاجر يتحينون في ظروف مزرية فرصة الهروب للقارة العجوز بواسطة قوارب الموت (أ.ب)
نحو 20 ألف مهاجر يتحينون في ظروف مزرية فرصة الهروب للقارة العجوز بواسطة قوارب الموت (أ.ب)
TT

المهاجرون في تونس ينتظرون العبور لأوروبا رغم المخاطر

نحو 20 ألف مهاجر يتحينون في ظروف مزرية فرصة الهروب للقارة العجوز بواسطة قوارب الموت (أ.ب)
نحو 20 ألف مهاجر يتحينون في ظروف مزرية فرصة الهروب للقارة العجوز بواسطة قوارب الموت (أ.ب)

يمضي آلاف المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يومهم في حقول زيتون بالقرب من صفاقس في تونس، وهم يطبخون لحم دجاج قاسياً، ويقيمون تحت شوادر بلاستيكية، بانتظار رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا عن طريق البحر باستخدام «قوارب الموت».

وتؤكد عدة مصادر محلية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن ثمة ما لا يقل عن 20 ألف شخص ينتشرون في نحو 15 مخيماً مؤقتاً بالقرب من بلدتي العامرة وجبنيانة الزراعيتين في شمال محافظة صفاقس (وسط). وقد شرع هؤلاء بإقامة أكواخ بأغصان الأشجار، بدءاً من منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بعدما طردوا ونقلوا بحافلات من وسط مدينة صفاقس. وبعد ذلك التحق بهم آلاف آخرون أتوا مشياً إلى حقول الزيتون، حيث يتحينون الفرصة المناسبة للصعود إلى قوارب متهالكة، والإبحار باتجاه الشواطئ الإيطالية بشكل غير نظامي.

عدد من المهاجرين بمخيم جبنيانة شمال صفاقس في انتظار فرصة الهجرة سراً نحو أوروبا (د.ب.أ)

إبراهيم (اسم مستعار) واحد من هؤلاء، غادر بلاده غينيا منذ أكثر من عام للهجرة إلى أوروبا من أجل «توفير احتياجات والدته المريضة وأخيه الصغير». ودخل تونس عبر الحدود مع الجزائر، قبل أن يصل إلى حقول الزيتون قبل ثلاثة أشهر، في خضم فصل الشتاء بعدما مشى لمدة 20 يوماً.

مهاجرون يؤدون الصلاة جماعة بمخيم جبنيانة شمال صفاقس (د.ب.أ)

يقول إبراهيم، الطالب الجامعي البالغ 17 عاماً، واصفاً حياته وسط المخيم: «الوضع صعب للغاية هنا، حتى بالنسبة للتسوّق، فنحن نتنقل سرّاً. يمكننا الخروج للبحث عن عمل، ولكن في نهاية الشهر عندما يتعين عليهم دفع الراتب يقومون بالاتصال بالشرطة». ومطلع العام الفائت، أطلق الرئيس التونسي قيس سعيّد تصريحات تستهدف المهاجرين غير النظاميين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء، كان لها وقع شديد على وجودهم في البلاد. ونتيجة لذلك فقد المئات منهم مصادر رزقهم غير الرسمية في قطاعات مختلفة؛ كالبناء والمطاعم والمصانع الصغيرة، قبل أن يتم طردهم من مساكنهم. وفي 2023، ركب عشرات الآلاف البحر مجازفين بحياتهم، انطلاقاً من صفاقس، مركز انطلاق هذه الرحلات في تونس.

مهاجرون من جنسيات مختلفة

بالقرب من منطقة العامرة الزراعية، وداخل أكواخ مؤلفة من شوادر بلاستيكية، وأنابيب ريّ أخذت من الحقول، يمضي هؤلاء المهاجرون الليل على حصائر بالية في مجموعات من خمسة إلى عشرة أشخاص. وينقسم هؤلاء المهاجرون إلى ثلاث مجموعات. فالمتحدثون بالفرنسية في مكان، والناطقون بالعربية والإنجليزية في مكانين آخرين، وهم في غالبيتهم رجال، لكن ثمة نساء وأطفالاً أتوا من غينيا والسودان وسيراليون ونيجيريا وغيرها. وهؤلاء النسوة يقمن بإعداد حساء بلحم دجاج قاس، يشكل الطبق الرئيسي لغالبية المهاجرين.

غالبية المهاجرين رجال لكن ثمة نساء وأطفالاً أتوا من غينيا والسودان وسيراليون ونيجيريا وغيرها (أ.ف.ب)

يروي إبراهيم معاناته داخل المخيم في فصل الشتاء البارد: «كان الشتاء قاسياً جداً هذا العام، لكننا تمكنا من الصمود بفضل التضامن بين الإخوة الأفارقة... فإذا كان لدى شخص ما طعام وأنت لا تملكه، يعطيك بعضاً منه». في أوائل أبريل (نيسان) الجاري، وزّعت منظمة «الهلال الأحمر التونسي» و«المنظمة الدولية للهجرة» على المهاجرين سلالاً، تحوي مواد غذائية استفاد منها 7 آلاف شخص. ويفيد المتحدث الرسمي باسم منظمة «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، رمضان بن عمر، بأن تونس «تتحول إلى مركز احتجاز فعلي بسبب اتفاقيات مراقبة الحدود مع الاتحاد الأوروبي». ولذلك يطالب غالبية المهاجرين بالمساعدة من أوروبا، وإخراجهم من هذا الوضع.

مهاجرة أفريقية داخل أحد المخيمات التي بناها مهاجرون بضواحي صفاقس (أ.ف.ب)

ويتابع إبراهيم معرباً عن قلقه على الصعيد الصحي: «أنجبت الكثير من النساء هنا، ويوجد مرضى لكننا لا نستطيع الوصول إلى صيدلية أو مستشفى». فيما يؤكد مصدر في محافظة صفاقس أن كل يوم يولد طفل مهاجر في مستشفى جبنيانة، وأن الكثير من النساء الحوامل لا يخضعن لمتابعة. لكن الوضع الصحي يهدد بالتفاقم أكثر مع قدوم فصل الصيف الحار. وفي هذا السياق تقول سليمة البالغة 17 عاماً: «أنا هنا للعبور مع ابنتي الصغيرة البالغة من العمر 4 أشهر، لكن لا يوجد طعام ولا ماء ولا حفاضات للطفلة، ولذلك نضع البلاستيك تحت أردافها». لكنها عازمة رغم كل شيء على «الانتظار حتى يفتح المهربون أبواب المغادرة».

«العبور سباحة» نحو أوروبا

قامت قوات الأمن التونسية في الأسابيع الفائتة بحجز الخيام الصغيرة، وتدمير بعضها إثر شكاوى تقدم بها سكان في المنطقة. وشاهد فريق «وكالة الصحافة الفرنسية» في المكان بقايا شوادر بلاستيكية ممزقة، وقنابل مسيلة للدموع مرمية على الأرض. يقول سوكوتو (اسم مستعار) (22 عاماً)، الذي غادر غينيا قبل ثلاث سنوات: «الشرطة ترهقنا كثيراً، وأمس تم طردي من المحلات التجارية (في العامرة)». يحضر محمد البكري، التاجر الخمسيني وأحد سكان منطقة العامرة، بعض الماء والطعام للمهاجرين، لكنه يؤكد أن إزالة الخيام «ليس هو الحل، بل يجب على الدولة أن تجد حلاً عمليّاً. لم يكن حلاً أصلاً جلبهم إلى العامرة التي تسكنها 32 ألف نسمة، ولدينا الآن 28 ألف شخص من جنسيات دول جنوب الصحراء».

مهاجرون يبحثون عن الدفء داخل أحد مخيمات جبنيانة في شمال محافظة صفاقس (د.ب.أ)

وعلى الرغم من التوترات وهشاشة الوضع، لا يرغب أي من المهاجرين في العودة إلى بلدانهم. ويؤكد سوكوتو: «لقد خرجت لمساعدة عائلتي، وعانيت كثيراً للوصول إلى هنا، ولن أعود إلى غينيا حتى لو اضطررت إلى السباحة للعبور»..


مليارات من حشرات الزيز تستعد لغزو الولايات المتحدة

مليارات من حشرات الزيز تستعد لغزو الغابات الأميركية (غيتي)
مليارات من حشرات الزيز تستعد لغزو الغابات الأميركية (غيتي)
TT

مليارات من حشرات الزيز تستعد لغزو الولايات المتحدة

مليارات من حشرات الزيز تستعد لغزو الغابات الأميركية (غيتي)
مليارات من حشرات الزيز تستعد لغزو الغابات الأميركية (غيتي)

تستعد مليارات من حشرات الزيز، الصاخبة والمستعدة للتزاوج، لغزو الغابات الأميركية وضواحيها، إذ ستنتشر مجموعتان محددتان منها في الوقت نفسه خلال الأسابيع المقبلة، في ظاهرة لم تحدث منذ عام 1803، عندما كان توماس جيفرسون رئيساً، وهي السنة التي اشترت فيها الولايات المتحدة ولاية لويزيانا من فرنسا.

وتضم عائلة الزيز أكثر من 3000 نوع من الحشرات في العالم. معظمها يقضي حياته تحت الأرض، على شكل يرقات، ثم تخرج من الأرض عندما تصبح بالغة لتتكاثر.

وبينما يظهر بعضها كل عام، تخرج أخرى تُسمى الزيز «الدورية» من الأرض، كل 13 أو 17 عاماً، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

مجموعتان في نفس المكان

هذا العام، تُعنى بالظاهرة مجموعتان من حشرات الزيز؛ المجموعة التاسعة عشرة التي تظهر كل 13 عاماً، وقد بدأت بالظهور في شمال كارولينا وجنوبها، ثم ستليها في الغرب الأوسط (ميدويست) المجموعة الثالثة عشرة التي تظهر كل 17 عاماً. وفي وسط إلينوي في الشمال، قد توجد المجموعتان في المكان نفسه.

ويقول عالم الحشرات، جين كريتسكي، من جامعة ماونت سانت جوزف، الذي ابتكر تطبيقاً يمكّن الجميع من جمع بيانات عن هذه الحشرات ذات العيون الحمراء، إنّ الزيز «يخرج من الأرض بأعداد كبيرة، ما يثير اهتمام الآباء والأطفال».

وتبقى هذه الظاهرة في الأذهان، وتتناقل تفاصيلها الأجيال، على غرار مشاهدة الكسوف مثلاً.

ويقول كريتسكي: «إنّ هذا ما يفعله العلم، توضع فرضيات تقود إلى تنبؤات، ويتم التحقق من هذه التنبؤات (...) وهذا ينطوي على قيمة، في وقت يسعى بعض الناس إلى الإساءة للعلم».

براعم أشجار البلوط

تعتمد حشرات الزيز «الدورية» على أعدادها من أجل استمرار النوع وعدم انقراضه. وبفضل الجحافل التي تتزايد في الوقت نفسه، يتم إشباع الطيور والثعالب والراكون والسلاحف وغيرها من الحيوانات التي يعتمد نظامها الغذائي على هذه الحشرات، على ما يوضح لوكالة الصحافة الفرنسية الأستاذ في علم الأحياء بجامعة جورج واشنطن، جون ليل.

وفي دراسة نشرت أخيراً في مجلة «ساينس»، أظهر جون ليل وزملاؤه أن مجموعة من الزيزان ظهرت في واشنطن عام 2021 تسببت في زيادة عدد اليرقات التي أهملتها الطيور لتنقض بدل ذلك على الزيزان.

أما النتيجة فكانت في زيادة استهلاك شتلات أشجار البلوط الصغيرة.

وتظهر أبحاث أخرى أن السنوات التي تنتج خلالها أشجار البلوط معظم ثمارها يأتي دائماً بعد عامين من ظهور الزيز. وكلما زاد عدد الثمار، يرتفع عدد الثدييات التي تتغذى عليها، ما يعزّز من خطر الإصابة بمرض لايم لدى البشر.

ويضيف ليل أن هذه الظاهرة «تؤكد وجود تأثيرات بيئية محتملة طويلة الأمد تبقى لسنوات بعد ظهور حشرات الزيز».

الاحترار المناخي

وتتميز ذكور الزيز بإصدارها صوتاً صاخباً عند التزاوج.

وقال مكتب شرطة نيوبيري في ولاية كارولينا الجنوبية (جنوب شرق)، في منشور عبر «فيسبوك» هذا الأسبوع: «تلقينا مكالمات عدة بخصوص صوت يشبه صفارة الإنذار أو العويل أو الزئير».

وترى الباحثة في جامعة كنيتيكت، كريس سايمن، أن التغير المناخي يعطل الساعات البيولوجية لحشرات الزيز.

وفي ظل الاحترار المناخي بالولايات المتحدة، توفّر الإطالة في موسم نمو النباتات مزيداً من الغذاء، وتسرّع نمو الزيز. وتقول سايمن: «أتوقع أن أعداداً إضافية من حشرات الزيز البالغة 17 عاماً ستتحول إلى أخرى عمرها 13 عاماً، وفي النهاية ستصبح هذه السمة جينية».

ويشير ليل إلى أنّ التوصل إلى معلومات بشأن أثر ذلك على الزيز على المدى البعيد - مسألة صعبة.


خطوة فرنسية لـ«طي آلام الذاكرة» المشتركة مع الجزائر

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

خطوة فرنسية لـ«طي آلام الذاكرة» المشتركة مع الجزائر

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

بينما اتخذت إحدى بلديات ضواحي باريس خطوة نحو إحداث انفراجة في «أزمة الذاكرة» بين الجزائر وفرنسا، يرتقب أن يزور وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني الجزائر، في إطار التحضيرات الجارية لتنظيم زيارة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس، المقررة الخريف المقبل.

وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورني (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

وتكريماً لآلاف الجزائريين الذين قتلهم البوليس الاستعماري بشرق الجزائر في 8 مايو (أيار) 1945، أعلنت بلدية نانتير الفرنسية عن افتتاح رسمي للوحة تذكارية، وإزاحة الستار عنها في وسط المدينة، تخلَد الذكرى الأليمة، وذلك بمناسبة مرور 79 سنة على «مجازر سطيف وقالمة وخراطة»، وهي ثلاث مدن بشرق البلاد، خرج عشرات الآلاف من سكانها إلى شوارعها، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لمطالبة فرنسا بالوفاء بتعهداتها بتسليم الاستقلال إلى مستعمراتها، في حال انتصرت على ألمانيا النازية في الحرب. وكانت فرنسا استعانت بآلاف الجزائريين، ومن مستعمراتها الأفريقية الأخرى، في حربها ضد بلدان المحور.

غير أن البوليس الفرنسي واجه المظاهرات بقمع وحشي، فقتل 45 ألف جزائري في يوم واحد، وفق شهادات من عاشوا الأحداث، وكتب دوّنت لهذه الوقائع الأليمة.

صورة أرشيفية لمظاهرات 8 مايو 1945 بشرق الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

ووفق جمعيات بالمجتمع المدني بفرنسا، سيتم وضع اللوحة التذكارية بالقرب من المبنى القديم لقنصلية الجزائر بنانتير.

وتأتي هذه الالتفاتة، ذات الأبعاد السياسية الهامة، في سياق مسعى متفق عليه بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون، والفرنسي إيمانويل ماكرون، يخص «لملمة جراح الماضي»، أو ما يعرف بـ«محاولات طي آلام الذاكرة». وكان ماكرون قد وصف خلال حملته الانتخابية الأولى عام 2017 استعمار الجزائر بأنه «جريمة ضد الإنسانية»، وعبر عن رغبته في أن تتقدم العلاقات الجزائرية -الفرنسية، بالرغم من عداوات الماضي. غير أنه واجه ردود فعل عنيفة في الجزائر خلال ولايته الأولى، حين رفض إصدار اعتذار رسمي بسبب الجرائم التي ارتكبت في الجزائر، وعرض بدلاً من ذلك «أفعالاً رمزية» تهدف لـ«تشجيع المصالحة».

ومن بين هذه الأفعال، اعترافه في سبتمبر (أيلول) 2018 بمسؤولية الجيش الاستعماري عن مقتل، واختفاء موريس أودان، أستاذ الرياضيات والمناضل الشيوعي الذي كان مؤيداً لاستقلال الجزائر، مما عرضه للتعذيب في 1957. وروجت الرواية الرسمية للاستعمار آنذاك أنه «اختفى في ظروف غامضة بعد أن كانت الأبحاث جارية عنه».

ملصقة تخص اللوحة التذكارية لمجازر 8 مايو 1954 (جمعيات فرنسية مهتمة بالتاريخ)

وفي مارس (آذار) 2021 قدم ماكرون اعترافاً صريحاً بمسؤولية فرنسا عن تعذيب وقتل المحامي الجزائري الشهير علي بومنجل عام 1957، وذلك بعد فترة قصيرة من اعتقاله، في حين ادعى الفرنسيون أنه «انتحر برمي نفسه من طابق علوي من مقر الشرطة»، حيث كان يجري التحقيق معه، بخصوص نضاله في صفوف «جبهة التحرير الوطني».

وتأتي مبادرة اللوحة التذكارية لـ«مجازر الثامن من مايو 1945»، عشية زيارة مرتقبة لرئيس الدبلوماسية الفرنسي، ستيفان سيجورني، إلى الجزائر، حيث سيلتقي بنظيره أحمد عطاف، وأطر الخارجية الجزائرية، وذلك في إطار الترتيبات الجارية للزيارة التي ستقود الرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس في نهاية سبتمبر (أيلول)، أو بداية أكتوبر (تشرين الثاني)، حسب اتفاق جرى بين الرئيسين أثناء مكالمة هاتفية جرت في 11 مارس (آذار الماضي).

وفي لقاء جمعه بالصحافة المحلية، أول من أمس الخميس، أكد عطاف أنه «لا توجد أي مشاكل في العلاقات الجزائرية -الفرنسيةّ»، وأن هناك «لقاءً قريباً سيجمعه مع نظيره الفرنسي، تحضيراً لاستحقاقات مقبلة بين البلدين».

ومن المقرر أن تكون «قضية الذاكرة» من أهم الملفات التي سيبحثها تبون أثناء الزيارة، التي تم تأجيلها مرتين خلال عام 2023، بسبب خلافات حول «الذاكرة» تحديداً، وخاصة حول رفض فرنسا تسليم برنس وسيف الأمير عبد القادر الجزائري، وبقية أغراضه المحجوزة في قصر أمبواز بوسط فرنسا، حيث كان أسيراً من 1848 إلى 1852.


المنتدى الاقتصادي العالمي في السعودية لإعادة رسم مسارات التنمية

TT

المنتدى الاقتصادي العالمي في السعودية لإعادة رسم مسارات التنمية

أكثر من ألف من قادة العالم من 92 دولة يشاركون في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي في الرياض (موقع المنتدى)
أكثر من ألف من قادة العالم من 92 دولة يشاركون في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي في الرياض (موقع المنتدى)

ينتقل مجتمع الاقتصاد العالمي من دافوس إلى الرياض، التي تستضيف (الأحد) فعاليات الاجتماع العالمي الأول للمنتدى الاقتصادي العالمي برعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

«إنها أقوى قمة خارج دافوس حتى الآن»، بحسب توصيف وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم عشية هذا الاجتماع الخاص الذي يُعقد تحت شعار «التعاون الدولي والنمو والطاقة من أجل التنمية»، الذي يجمع أكثر من ألف من قادة العالم من 92 دولة بهدف دعم الحوار العالمي وإيجاد حلول عملية وتعاونية مستدامة للتحديات العالمية المشتركة.

يأتي الاجتماع على مدى يومي 28 و29 أبريل (نيسان)، في وقت تزعزع فيه الاضطرابات الجيوسياسية والتحديات الاقتصادية المعقدة استقرارَ العالم المنقسم. وبالتالي، فإنه يهدف إلى دعم الحوار العالمي، وإيجاد حلول للتحديات العالمية المشتركة، حيث سيعمل وفق أجندة هادفة إلى تعزيز أساليب التفكير المستقبلي في التعامل مع الأزمات.

واستناداً إلى قمة النمو الافتتاحية في سويسرا العام الماضي، سيعمل الاجتماع على تعزيز النهج الاستشرافي للأزمات المترابطة، والتحلي بالواقعية فيما يخص المقايضات قصيرة الأجل. كما سيعمل على سد الفجوة المتزايدة بين الشمال والجنوب بشأن قضايا مثل السياسات الاقتصادية الناشئة، والتحول في مجال الطاقة، والصدمات الجيوسياسية.

هذا الاجتماع يأتي بعد 3 أيام على إصدار التقرير السنوي لرؤية المملكة في عامها الثامن، وفي ذكرى إطلاقها في 25 أبريل 2016، الذي أبرز الإنجازات التنموية التي حققتها المملكة على مختلف الأصعدة. ففي منتصف رحلتها، حققت السعودية مستهدفاتها بسرعة أكبر، حيث إن 87 في المائة من مبادراتها مكتملة، أو تسير على المسار الصحيح، بينما 81 في المائة من مؤشرات الأداء الرئيسية للبرامج حققت مستهدفاتها السنوية.

وبالتالي، سيكون الاجتماع الخاص مناسبةً ليطلع المشاركون على هذا التقدم المحرز في استراتيجية التحول الاقتصادي، وفي بيئة الأعمال المتاحة أمام الاستثمار الأجنبي.

الإبراهيم

يقول الإبراهيم في لقاء مع الصحافيين، «لدينا كثير من الأرقام لنشاركها خلال الاجتماعات... لكي تطلعوا على كل ما بنيناه، وعلى الدروس المستفادة، والنجاحات، والأشياء التي ما زلنا نعمل عليها». أضاف: «بعد مرور 8 سنوات على إطلاق (رؤية السعودية 2030)، أظهرنا استعدادنا لقيادة المسار نحو نموذج متقدم للنمو المبني على التحول، الذي يتسم بالابتكار والاستدامة. تتمثل رؤيتنا في رسم المسار نحو اقتصاد مزدهر قائم على المعرفة والابتكار، مسار يطلق العنان للإمكانات الهائلة لرأسمالنا البشري».

وشرح أن معظم النمو الذي حققته المملكة خلال السنوات الماضية جاء من قطاعات اقتصادية جديدة بدأتها من الصفر وفقاً لرؤية 2030، مثل الرياضة والترفيه والسياحة، بالإضافة إلى القطاعات الصناعية، مضيفاً: «المملكة تراجع أولوياتها كلها وتعدلها بما يتناسب مع حاجاتها، وكل المشروعات تتقدم حسب المخطط ودون تأخير».

خلال مؤتمر صحافي مشترك بين الإبراهيم وبرينده وإلى جانبهما العضو المنتدب في المنتدى سعدية زاهدي (موقع المنتدى)

وكان الإبراهيم قال، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغي برينده في وقت سابق (السبت)، إن المملكة أثبتت قدرتها على قيادة نموذج مستدام عالمياً، مشيراً إلى أنها حققت 20 في المائة نمواً اقتصادياً منذ 2016، وأصبح الاقتصاد غير النفطي يمثل 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023.

أضاف: «في نقطة الانعطاف العالمية التي نعيشها اليوم، بات تعزيز التعاون الدولي أكثر أهمية من أي وقت مضى. وبتعاونه مع المملكة العربية السعودية شريكاً لهذا الاجتماع، فإن المنتدى قد اختار منصةً عالميةً راسخةً وديناميكيةً لقيادة الفكر والحلول والأعمال، لتكون خير مستضيف لهذا الاجتماع الخاص، في ظل الظروف الاستثنائية».

وأوضح الإبراهيم أنه «لتحقيق هذه الغاية، تحشد السعودية قوتها الدبلوماسية الكاملة لوضع خطط واضحة تعود بالفائدة على الجميع، ومن شأنها تحقيق الأهداف المشتركة كي يعم الرخاء والاستقرار في مختلف أنحاء العالم. وإننا نلتزم بأن تكون رؤيتنا لتحقيق هذا المستقبل المشترك شاملةً وعادلةً».

وشرح أن الاجتماع الخاص للمنتدى في الرياض يمثل فرصة فريدة لإعادة رسم مسارات التنمية في جميع الدول، وتبني نموذج جديد للتعاون الدولي يهدف للسير قدماً نحو تجاوز الانقسامات، وتحقيق الرخاء المشترك. وقال: «إن المشهد الاقتصادي العالمي متقلب، ويشهد عديداً من التحديات، كما بات التغير المناخي يشكل تحدياً كبيراً لمستقبل البشرية جمعاء، وأصبحت التقنيات تغيّر شكل الحياة التي عرفناها بسرعة كبيرة للغاية. بالتالي فإن التصدي لهذه التحديات يتطلب إجراء تحوّل ممنهج، وإعادة تقييم أساسي للخطط والسياسات، إلى جانب إعادة تقييم للروابط والنماذج الاقتصادية التي باتت أقل صلابة عمّا كانت عليه».

اجتماعات حول غزة

أما برينده، فقال إن الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي يحدث في لحظة حاسمة، وستكون له أهمية كبيرة، «في ظل التوترات الجيوسياسية والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي تزيد من حدة الانقسامات على مستوى العالم، بات التعاون الدولي والحوار الهادف أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى».

وأشار برينده إلى أن «اجتماع الرياض يوفر فرصة للقادة من مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية لتحويل الأفكار إلى أفعال على أرض الواقع، وإطلاق حلول قابلة للتطوير لعديد من التحديات التي نواجهها».

رئيس المنتدى بورغي برينده يتحدث مع مشاركين في الاجتماع (موقع المنتدى)

وقال برينده إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعدداً من المسؤولين الدوليين سيزورون العاصمة السعودية، الرياض، خلال الأسبوع الحالي؛ لإجراء محادثات تهدف إلى الدفع نحو التوصل إلى اتفاق سلام في غزة. وأضاف برينده: «اللاعبون الرئيسيون موجودون حالياً في الرياض، ونأمل في أن تؤدي المناقشات إلى عملية تفضي للمصالحة والسلام». وأوضح أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن «سيأتي مباشرة من زيارته في الصين وفي طريقه إلى إسرائيل».

وتابع: «الأزمة الإنسانية في غزة ستكون على جدول الأعمال... هناك الآن قدر من الزخم فيما يتعلق بالمفاوضات بشأن الرهائن، وكذلك وقف محتمل لإطلاق النار».

جدول أعمال الاجتماع

ويركز جدول أعمال الاجتماع على 3 عناوين أساسية وهي:

التعاون الدولي: في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة، سيعمل الاجتماع على تعزيز التعاون الدولي، والجهود الإنسانية والحوار؛ بهدف احتواء الآثار المتتابعة الناتجة عن عدم الاستقرار. كما سيناقش كيفية بناء اقتصاد عالمي أكثر مرونة من خلال تعزيز التعاون الدولي بين شمال العالم وجنوبه.

النمو الشامل: سيناقش الاجتماع كيف يمكن للاتجاهات الأخيرة في مجال الابتكار والسياسة الاقتصادية، مقارنة بالاستثمار في التنمية البشرية، أن تهدد المساواة العالمية، وأن تعيق الجهود العاملة على الحد من الفقر. كما سيناقش الفرص التي يمكن أن تساعد على مواجهة هذه المخاطر، في الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية.

الطاقة من أجل التنمية: في الوقت الذي يواجه فيه العالم ارتفاعاً محتملاً في درجات الحرارة، وفوارق كبيرة في إمكانية الوصول إلى مصادر الطاقة، سيسعى الاجتماع إلى إيجاد حلول لزيادة الطاقة النظيفة مع ضمان النمو العادل، لا سيما في الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية.

أبرز الحضور

وفق بيان صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن أكثر من 220 شخصية عامة من أكثر من 60 دولة تشارك في الاجتماع يتقدمهم القادة السياسيون. إذ سيشارك أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، ورئيس رواندا بول كاغامي، ورئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، وولي عهد سلطنة عمان ذي يزن بن هيثم آل سعيد، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ونائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية بدولة الإمارات الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، ورئيس الوزراء الأردني بشر هاني الخصاونة، ورئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف.

كما يشارك في الاجتماع الخاص، وفق بيان المنتدى، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، ووزير أوروبا والشؤون الخارجية في فرنسا ستيفان سيجورنيه، ووزيرة الخارجية الاتحادية في ألمانيا أنالينا بيربوك، ووزير الدولة البريطاني لشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية ديفيد كاميرون، ووزير الطاقة والثروة المعدنية في إندونيسيا عارفين تصريف، ووزير التجارة والصناعة والطاقة في كوريا آهن دوكغون، ووزير رئاسة جنوب أفريقيا للكهرباء كغوسينتسو راموكغوبا، ووزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك.

ومن بين قادة المنظمات الدولية المشاركة: المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، ومنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ، والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس.

المنتدى الاقتصادي المفتوح

وعلى هامش أعمال الاجتماع الخاص، يستضيف المنتدى بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط في السعودية، منتدى مفتوحاً بهدف تسهيل الحوار بين قادة الفكر والجمهور الأوسع حول مجموعة من الموضوعات، بما في ذلك التحديات البيئية، ودور الفنون في المجتمع، وريادة الأعمال في العصر الحديث، والعملات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية، والصحة النفسية. وسيوفر فرصة للطلاب ورجال الأعمال والمهنيين الشباب وعامة الناس لمناقشة هذه القضايا الحاسمة.


شعر سركون بولص... نبتة زُرعت في مكان ليس أرضها؟

سركون بولص
سركون بولص
TT

شعر سركون بولص... نبتة زُرعت في مكان ليس أرضها؟

سركون بولص
سركون بولص

مثلما تتغيّر اتجاهات الأدب ومعناه وطرق تناوله بمرور الزمن، يختلف النقد هو الآخر في كلّ حقبة، والنتاج الأدبيّ لكلّ أمة في حاجة إلى مراجعة للتجارب التي دُوّنتْ في الماضي، وأُخِذ بها من قِبل الجميع على أنها حقائق ثابتة، طالما وقفتْ وراءها أقلام حقّقت حظّاً طيّباً من الشهرة بين القرّاء عندما ظهرت للنور أوّل مرة. ولأجل أن يكون البناء النقدي متماسكاً، فإن هذه المراجعة يجب أن تنسحب إلى الخلف تباعاً، دون استثناء حقبة من الماضي، حتى البعيد منه والأبعد، وإن أدى هذا الفعل إلى خسائر في مُنجزنا الأدبي. إن لدى جميع الشعوب الكثير من الأيّام الماضية التي كابدتها، والتي لا تعتدّ بها الأجيال اللاحقة، والشعر القديم جزء من الماضي، فلا بدّ من أن تجري عليه المراجعة نفسها. من هذا العمل ما قام به طه حسين وهو يعيد قراءة المعلّقات، ناسباً الكثير من شعرها إلى علماء اللغة؛ لأن فعل الإبداع فيها معدوم، فهي تعداد ووصف لأجزاء بَدَن الناقة وغيرها من الدوابّ، وهذا عمل غرضه إثباتٌ معجميّ لألفاظ اللغة العربيّة لا غير، وعُدّ كلام نابغة مصر في زمانه مغامرة ربما عادت على صاحبها بالنيل من مكانته؛ لأن الماضي يصير لدى أهل التقليد مقدّساً، وكلّ ثلمة فيه تتحوّل إلى مصدر اتّهام لا يمكن توقّع نتائجه. يقول ميلان كونديرا: «العمل الأدبي الذي يكشف جزءاً مجهولاً من الوجود الإنساني هو وحده الذي يمتلك مبرّراً للكينونة». وبما أن وجودنا البشري على سطح الكوكب في حالة صيرورة دائمة، فإن الأدب هو الآخر في حالة متغيّرة باستمرار، والنقد لونٌ من ألوان الأدب، ويخضع، بالتالي، إلى قوانينه والظروف التي يعيش فيها، أو يندثر.

لم يتناول الدارسون بالتفصيل تجربة الشاعر سركون بولص منذ نشأته في العراق، ثم اتّصاله في بيروت بجماعة مجلة «شعر»، وارتحاله وتجواله في مدن أوروبا وأميركا. البحوث التي تناولت تجربة الشاعر ضئيلة إذا قورنت بالشهرة الكبيرة التي يحظى بها. وبدلاً عن الدراسات الأدبيّة نجد في المجلّات والصحف حوارات قام بها متأدّبون سألوه عن كلّ شيء في دنيا الأدب إلّا شعره، فإن جاء السؤال فهو موازٍ للجواب في الغالب، الذي هو ملغّزٌ أكثر من اللازم، ويعود بولص فيه إلى تنظيرات وآراء شعراء أميركان وإنجليز لم نسمع بأسماء بعضهم، ويتساءل المرء، في بعض الأحيان وهو يدرس شعره، إن كان نبتة ازدُرعت في مكان ليس أرضها، وإلا فلماذا جاءت قصيدته مغلقة بهذه الصورة على القارئ. بالإضافة إلى الحوارات، هنالك تذكارات مع أصدقائه الشعراء؛ سعدي يوسف وأدونيس وعباس بيضون، وغيرهم، ما يشبه الرثاء دوّنوه في مقالات بالصحف عقب وفاته، وهذا لا يدخل، في الغالب، في باب النقد الأدبي.

إن أصالة الشاعر لا تتجسّد في قصائده فحسب، وإنما في أفكاره وقناعاته وطريقته في العيش أيضاً، والنصّ الأدبي لا يعيش في عالم منفصل عن الكاتب، والمحاولات النقديّة التي سارت في هذا الاتجاه، خلال القرن الماضي، انتهت إلى طريق مسدود، أو أنه «لا يؤدي إلى أين»، إذا استعرنا عنوان مجموعة شعريّة لسركون بولص في وصف ما نريد.

الكتاب من نحو 500 صفحة، عنوانه: «سافرتُ ملاحقاً خيالاتي» مجموعة حوارات نشرتها دار الجمل، فيه فصل لحديث الروائيّة سلوى النعيمي مع بولص عام 1997: «أنا لا أكتب قصيدة نثر، أكتب شعراً»، (يصرخ) الشاعر في وجه الروائية النعيمي. «علينا أن نفقد ثقتنا بالعالم. عندما أرى إنساناً واثقاً من العالم أخاف منه. كيف أثق بأن القطار الذي يحملني لن يتفجّر بعد قليل، أو أن مجنوناً سيدخل المقهى حاملاً رشّاشاً يقتل مَن أمامه». وبالإضافة إلى العالم المحيط به، يعلن الشاعر صراحة عدم ثقته بالنقد الأدبي وبالمرأة. ثلاث قضايا لا رابط بينها في الواقع، لكنها التأمت مع بعضها في خياله وصارت جزءاً من ذاته. هل نستطيع عدّ هذا الشعور ما يطلق عليه علماء النفس «جنون الارتياب»؟ أمرٌ آخر يخافه سركون بولص هو اللغة: «أنا من النوع الذي يخاف من اللغة، وفي الوقت نفسه يستغلّها في عمليّة إرهابيّة لإجبارها على الخضوع. هناك نوع من الساديّة في هذه العلاقة». لم أفهم، في الحقيقة، مغزى الشاعر، وكان بإمكانه استعمال حركة أكثر هدوءاً عند تعامله مع كتاب اللغة: «القاموس، هذا الشيء الغريب، يحتوي كلّ شيء في حالة موات، في حالة سبات، يأتي الشاعر ليوقظه، برفسة إن احتاج الأمر». ثم يستعير بولص فِعل الإرهاب ثانية، ولا نعرف أيّة ساقية معتمة في نهر الواقع أو الخيال قادته إليه: «العلاقة بين الشاعر واللغة مختلفة عن علاقة الآخرين بها، إنها علاقة مثيرة يمكن له بواسطتها أن يفجّر العالم، كما يفعل أيّ إرهابي». تنتبه النعيمي إلى الشِّدّة في كلامه، وتسأله لماذا «تستعمل كثيراً تعبيرات مثل التفجير والإرهاب والقتل؟»، يجيبها الشاعر، وباللهجة نفسها: «نعم، أعتقد أن علاقتي (حدّية) مع العالم ومع الكتابة».

الشعر الشديد

إذا رجعنا إلى سنة ميلاد الشاعر 1944، معنى هذا أن عمره وقت الحوار تجاوز الخمسين؛ أي أنه غادر تقريباً هيجان الصبا والشباب، لكنه لا يزال يستعير أدوات تلك السنين في التعبير. وفي مكان آخر من اللقاء، يذكر بولص أسماء الشعراء الذين كان لهم السبق في كتابة قصيدة النثر العربية: يوسف الخال وأدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وشوقي أبو شقرا وعصام محفوظ، ويصف ما قاموا به بأنه «ثورة حقيقيّة» في الشعر العربي. وتُجادله السيّدة المحاورة بأن هذه الثورة تحوّلت إلى مأزق حقيقي؛ لأن ما جاء به هؤلاء مع تقادم السنين لم يكن غير شعرٍ «قليل الكثافة، أوصلَنا إلى ما يسمّيه بعضهم (القصيدة العربيّة الواحدة) المكتوبة أصلاً بلغة الترجمة، والتي لا نفرّق فيها بين شاعر وآخر»، يجيبها الشاعر بالكلام الغريب نفسه، والنبرة نفس النبرة، يابسة إلى حدّ أن القارئ يشكّ في أن «القطْرَ» أتاها ولو مرّة، عن التجديد والتجاوز وبركان اللغة وثورة اللغة وحرب اللغة، وغير ذلك من أوصاف كانت محبَّبة للشعراء، في النصف الثاني من القرن الماضي، على سبيل الافتتان بهذه الأفعال؛ لأنهم كانوا يسعون إلى تغيير الشعر، وبالتالي العالم، بهذه الطريقة الثوريّة!

وهم يتقلّبون محترقين بنار الموهبة، هل كان الشعراء يسيرون في خطّ مواز للدرب الذي سار فيه زعماء الأنظمة اليساريّة الذين ظلّوا يرفعون شعارات الحريّة والاشتراكيّة والتقدّم إلى أمام؛ إلى الأخير؛ أي إلى آخِر درجة من الهدم الذي قاموا به في بلدانهم؟! هذا التماثل بين الشاعر ورجل السلطة يعلنه صراحة فاضل العزّاوي، في كتابه «الرائي في العتمة»، الصادر عن منشورات الجمل، أيضاً: «أرى أن الديكتاتوريّات السابقة التي عشنا في ظلّها كانت تحترمنا حقّاً، ولو بطريقتها الخاصّة، بعكس ما يحدث الآن. كانت تُشعرنا بأهمّيتنا وخطورتنا كشعراء وكُتّاب ومفكّرين ومثقّفين، حين كانت تعتقلنا وتزجّ بنا في السجون، أو حتى حين تقتلنا. أما هؤلاء المسوخ الجدد، وهم جهلة من طراز فريد، فلا يكادون يشعرون حتى بوجودنا، باعتبارهم من سلالة أخرى غير سلالتنا».

أصالة الشاعر لا تتجسّد في قصائده فحسب وإنما في أفكاره وقناعاته وطريقته في العيش أيضاً

لا أتّفق مع الشاعر فيما قاله، واعترافه بهذه الصورة ليس دليلاً على أهمّية ما كان يؤلّفه في الماضي، ويُحكَم عليه بالسجن بسببه، وإنما هو تأكيد لهشاشة الأنظمة السابقة؛ حيث كان رجالها يرتعدون خوفاً من الأغنية واللوحة والمقالة وشريط السينما.

يقول الشاعر الجنوب أفريقي برايتن برايتنباخ: «الشعر عمل كريم؛ أي أنه ليس هبّة ذاتية، بل طريقة مشاركة لما هو مشترك بيننا، لما هو في أعمق ذواتنا». إن لغة الحوار تؤدي أحياناً ما تقوم به المرآة المكبّرة في كشف خفايا النص، كما أن من أول أسس النقد أن يكون الشخص العامل فيه قادراً على عزل القصيدة الرديئة عن الجيدة. لو أعدنا قراءة أكثر الشعر الذي قيل في النصف الثاني من القرن الماضي، لسركون بولص وفاضل العزّاوي، على سبيل المثال لا الاقتصار، لاكتشفنا أنه يتوزّع بين الرسم التجريدي، والألاعيب اللغويّة، والسفسطة، يقوم بها الشاعر من غير لحظة تفكير في أمر القارئ، وهل كان مشاركاً له عبر قناة تجمع بينهما، الحال التي تجري كذلك على الأنظمة الحاكمة التي ظلّت ترفع شعارات الثورية والتغيير للجماهير، وهي في الوقت نفسه بعيدة عنهم. يفهم الإنسان نفسه عندما يشعر بفهم الآخرين لكلماته، والشعر الشّديد في غموضه يشبه هبّةً ذاتيّة ينفعل بها المرء ولا تصل إلى غيره لأنها غير مفهومة حتى لنفسه. هبّة ذاتيّة تخرج من الذات وتعود إليها، حالها حال إعصار صغير يتشكّل في البريّة أيّام الصيف الحارّة ويُثير الأتربة لا غير، وله اسم في اللهجة العراقيّة أعفّ عن ذكره في هذا المقام، لكنه في الحقيقة أبلغ وأصدق وصف له.


فرنانديز يدعو يونايتد لزيادة دعم غارناتشو وماينو

كوبي ماينو وأليخاندرو غارناتشو نجما يونايتد هذا الموسم (غيتي)
كوبي ماينو وأليخاندرو غارناتشو نجما يونايتد هذا الموسم (غيتي)
TT

فرنانديز يدعو يونايتد لزيادة دعم غارناتشو وماينو

كوبي ماينو وأليخاندرو غارناتشو نجما يونايتد هذا الموسم (غيتي)
كوبي ماينو وأليخاندرو غارناتشو نجما يونايتد هذا الموسم (غيتي)

دعا برونو فرنانديز، قائد مانشستر يونايتد، المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، الفريق إلى زيادة جهوده في تقديم الدعم اللازم للاعبيه الشبان حتى يتسنى لهم التطور والانطلاق لمستوى أفضل مع الفريق.

وطالب فرنانديز بتهيئة بيئة مشجعة لمساعدة اثنين من أبناء أكاديمية الشباب في يونايتد، هما كوبي ماينو وأليخاندرو غارناتشو، على التألق، خاصة في ظل استمرار زيادة التوقعات داخل أروقة الفريق.

وأصبح المهاجم الأرجنتيني الدولي غارناتشو (19 عاماً) أساسياً في صفوف يونايتد، إذ شارك في 44 مباراة هذا الموسم في جميع المسابقات. وسجّل 9 أهداف، وشارك في تهيئة 5 فرص للتهديف.

وشارك اللاعب الصاعد ماينو (18 عاماً) في 29 مباراة مع يونايتد، وسجّل 3 أهداف، وصنع 3 أخرى. كما شارك لاعب خط الوسط مع منتخب إنجلترا لأول مرة الشهر الماضي.

وقال فرنانديز، في تصريحات لموقع النادي على الإنترنت: «قدّما أداء رائعاً... لكن حينما يقدم الفريق أداء أفضل سيخلق ذلك مكاناً أفضل لهما (لمواصلة التطور)».

وأضاف: «أعتقد أن الفريق يحتاج إلى زيادة جهوده في فترات معينة لجعلهما يشعران بالثقة في أوقاتهما الصعبة أو المباريات التي يقدمان فيها أداء سيئاً حتى السماح لهما بممارسة ضغط أقل على أنفسهما كي يكونا اللاعبين اللذين يجب أن يصنعا الفارق في أوقات معينة».

وتابع: «نعلم جميعاً أنهم في هذا النادي يتوقعون كثيراً من اللاعبين الأصغر سناً، وربما يتوقعون ما هو أكثر عندما يكونون قادمين من الأكاديمية، لأن هذا جزء من تاريخ النادي، وتقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة».

وقدّم يونايتد موسماً متذبذباً، وخرج من دور المجموعات في دوري أبطال أوروبا، ويحتل حالياً المركز السادس في ترتيب الدوري الممتاز. ورغم ذلك، وصل الفريق إلى نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي للمرة الثانية على التوالي.

كما دعا إريك تن هاغ، مدرب الفريق، أمس، إلى دعم المهاجم ماركوس راشفورد (26 عاماً) بعد تحدثه عن المعاملة القاسية التي واجهها عبر الإنترنت هذا الموسم بسبب تراجع مستواه.


ليفربول يعوض فينورد 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع سلوت

أرني سلوت مدرب ليفربول المرتقب (أ.ف.ب)
أرني سلوت مدرب ليفربول المرتقب (أ.ف.ب)
TT

ليفربول يعوض فينورد 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع سلوت

أرني سلوت مدرب ليفربول المرتقب (أ.ف.ب)
أرني سلوت مدرب ليفربول المرتقب (أ.ف.ب)

ذكرت تقارير إعلامية، السبت، أن أرني سلوت المدير الفني لفينورد الهولندي اقترب بشدة من تدريب نادي ليفربول، بعد أن وافق النادي الإنجليزي على دفع تعويض لفينورد بقيمة 11 مليون يورو (11 مليوناً و700 ألف دولار).

وأشارت تقارير إعلامية في بريطانيا وهولندا إلى أن الناديين توصلا لاتفاق شفهي بشأن هذه المسألة، ما يفتح الباب أمام سلوت (45 عاماً) لخلافة الألماني يورغن كلوب في تدريب ليفربول.

وذكرت تقارير إعلامية بريطانية أن فينورد سيتلقى تعويضاً بقيمة 11 مليون يورو، لكن صحيفة «دي تلغراف» الهولندية أشارت إلى أن التعويض قد يصل إلى 13 مليون يورو.

ويتبقى لسلوت عامان في عقده مع فينورد وصيف الدوري الهولندي.

ويرحل كلوب عن تدريب ليفربول بعد ولاية دامت أكثر من 8 أعوام، فاز خلالها بكل الألقاب الممكنة، من بينها الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري أبطال أوروبا.

وكان المدرب الألماني يرغب في إنهاء مسيرته مع ليفربول محققاً لقب الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الثانية، ولكن يبدو أن هذا غير مرجح بعد الخسارة التي تعرض لها الفريق أمام إيفرتون، الأسبوع الماضي، ثم التعادل مع وست هام، عصر السبت، حيث أصبح لدى آرسنال ومانشستر سيتي الأفضلية لنيل اللقب.

كان كلوب قد أعرب، الجمعة، عن اعتقاده أن سلوت سيحصل على «أفضل وظيفة في العالم» إذا تولى تدريب فريق ليفربول خلفاً له.

وخلال مؤتمر صحافي قال كلوب: «إنها أفضل وظيفة في العام، وأفضل نادٍ في العالم».

وأضاف: «من الواضح أنني أساعد حالياً بعدم إنهاء الموسم بشكل جيد، لذلك هناك مجال للتحسين».

وأردف: «إنها وظيفة رائعة، فريق رائع، أشخاص رائعون. سيحصل على وظيفة مثيرة جداً».


«الجماعة الإسلامية»: تنسيق ميداني مع «حماس»… دون ارتباط سياسي

السيارة التي استهدفت بمنطقة ميدون في البقاع الغربي مساء الخميس وأدت إلى مقتل القياديين في «الجماعة الإسلامية» مصعب وبلال خلف (الوكالة الوطنية للإعلام)
السيارة التي استهدفت بمنطقة ميدون في البقاع الغربي مساء الخميس وأدت إلى مقتل القياديين في «الجماعة الإسلامية» مصعب وبلال خلف (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

«الجماعة الإسلامية»: تنسيق ميداني مع «حماس»… دون ارتباط سياسي

السيارة التي استهدفت بمنطقة ميدون في البقاع الغربي مساء الخميس وأدت إلى مقتل القياديين في «الجماعة الإسلامية» مصعب وبلال خلف (الوكالة الوطنية للإعلام)
السيارة التي استهدفت بمنطقة ميدون في البقاع الغربي مساء الخميس وأدت إلى مقتل القياديين في «الجماعة الإسلامية» مصعب وبلال خلف (الوكالة الوطنية للإعلام)

اغتيال إسرائيل أحد أبرز القادة العسكريين لـ«قوات الفجر» ــ الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان، سلّط الضوء مجدداً على دور هذا التنظيم وفاعليته على جبهة جنوب لبنان، بينما عزا الجيش الإسرائيلي اغتيال مصعب خلف بواسطة طائرة مسيّرة في منطقة ميدون (البقاع الغربي)، إلى أنه «نفّذ عدداً كبيراً من الهجمات ضد إسرائيل بالتعاون مع فرع حركة (حماس) في لبنان».

واستهدفت مسيّرة إسرائيلية سيّارة رباعيّة الدفع في منطقة ميدون في البقاع الغربي، ما أدى إلى مقتل مصعب خلف وبلال خلف، وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن «الجماعة الإسلامية خططت مؤخراً، وروّجت لعدد كبير من الهجمات من الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل في منطقة هار دوف (مزارع شبعا)، فضلاً عن مناطق أخرى في شمال إسرائيل»، مؤكداً أن مصعب خلف «تعاون مع فرع حركة «حماس» في لبنان لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل».

تحاول إسرائيل عبر هذا البيان، ربط النشاط العسكري للجماعة الإسلامية بحركة «حماس» ودورها في لبنان، بينما سارعت الجماعة إلى نفي هذه الاتهامات، وشددت على «استقلالية عملها العسكري عن (حماس) وأي فصيل آخر». وقال رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية علي أبو ياسين: «نحن وحركة (حماس) أبناء مدرسة واحدة، ونقاتل من أجل قضيّة مشتركة هي قضيّة فلسطين التي تعني كلّ الأحرار في العالم». وأشار إلى أنه «على مستوى الأدوار والتنظيم «حماس» شيء والجماعة الإسلامية شيء آخر، والشهيدان مصعب خلف وبلال خلف يعملان لدى الجماعة الإسلامية، وليس لدى أي فريق آخر». ورأى أبو ياسين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «خلال العمل الميداني هناك تنسيق قائم مع «حماس» وغيرها من فصائل المقاومة في الجنوب، خصوصاً أننا على خطّ مواجهة واحد مع العدو، ومن غير المعقول والمنطقي ألّا يكون التنسيق قائماً، لكن ذلك لا يعني أننا نعمل عند (حماس) أو غيرها».

ورغم اعتراف الجماعة بأنها و«حماس» تقاتلان من أجل قضيّة واحدة، فإن ذلك لا يعني أنها موافقة أو مؤيدة بالمطلق للدور العسكري للحركة الفلسطينية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وأكد علي أبو ياسين أن «المشاركة العسكرية الفلسطينية انطلاقاً من لبنان هي موضع بحث ونقاش». وأضاف: «الأرض هي أرض لبنانية، والجبهة لبنانية، وإن كنّا نسعى جميعاً إلى استنزاف العدو كي لا يستفرد بغزّة، لكن لا بدّ من مراعاة الوضع اللبناني»، مشدداً على أنه «بعد انتهاء الحرب يجب أن نجلس إلى الطاولة، ونناقش بوعي جدوى العمل العسكري لـ(حماس) انطلاقاً من لبنان».

صحيح أن الجماعة و«حماس» تنضويان ضمن عقيدة «الإخوان المسلمين»، لكن ذلك لا يعني ذوبان أي منها بالأخرى، وهذا ما أكده الخبير العسكري العميد وهبي قاطيشا، الذي أشار إلى أن «الانخراط العسكري المبكر للجماعة الإسلامية، كان ينمّ عن اعتقاد أن الحرب في غزّة لن تطول، وأنها (الجماعة) ستحقق مكسباً سياسياً عبر هذا الدور الرمزي». ولم يستبعد قاطيشا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إمكانية «التواصل والتنسيق بين (حماس) ومصعب خلف، وتسهيل مهمّة الحركة في العمل الميداني، لكن ذلك لا يعني أن الجماعة قد تذوب ضمن حركة (حماس)». وتحدّث عن «اختلاف بالرأي داخل قيادة الجماعة عن جدوى الانخراط عسكرياً في جبهة الجنوب».

ويستمرّ الانقسام السياسي حول توريط لبنان في الحرب مع إسرائيل بحجة مساندة جبهة غزّة، وشدد العميد قاطيشا على أن «تحويل لبنان إلى جبهة إشغال لإسرائيل لم يقدّم شيئاً للقضية الفلسطينية»، مشيراً إلى أن «كل صاروخ يطلق من لبنان يستدرج ردّاً إسرائيلياً مدمراً، بدليل سقوط مئات الضحايا اللبنانيين بينهم مدنيون، وتدمير قرى بكاملها»، مذكراً بأن «انتفاضة الحجارة لأطفال فلسطين أضرّت بإسرائيل أكثر من العمل المسلّح، بدليل أن إسحق رابين ذهب إلى توقيع اتفاق أوسلو مع (الرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات». وذكّر قاطيشا أنه «لا يمكن محاربة العدو بالأداة التي يتفوّق بها».


«انقسامات حادّة» تُهدّد وحدة أعرق الأحزاب في موريتانيا

أحمد ولد داداه رئيس حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» في تجمع خطابي (أ.و.ب)
أحمد ولد داداه رئيس حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» في تجمع خطابي (أ.و.ب)
TT

«انقسامات حادّة» تُهدّد وحدة أعرق الأحزاب في موريتانيا

أحمد ولد داداه رئيس حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» في تجمع خطابي (أ.و.ب)
أحمد ولد داداه رئيس حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» في تجمع خطابي (أ.و.ب)

بعد شدّ وجذب، وصراع بين أجنحة حزب «تكتل القوى الديمقراطيّة» استمر لأشهر، تمكّن الجناح الإصلاحي في الحزب أخيراً من إجراء تغييرات على مستوى هيكلته، خلال مؤتمر استثنائي عُقد الشهر الماضي، حيث أبقت مخرجات ذلك المؤتمر على أحمد ولد داداه رئيساً للحزب، بالإضافة إلى تعيين 9 نواب له، وأمين خزينة، ورئيس المجلس الوطني، ورئيس لجنة الحكماء. لكن الجناح المُعارض في الحزب لم يعترف بتلك التغييرات الجديدة، وعدّ المؤتمر نفسه غير قانوني، وأن مخرجاته غير ملزمة، كما عدّ تحويل الاختلاف مع قيادة الحزب في نقاط معيّنة إلى مؤتمر استثنائي «أمراً غير مقبول» بالنسبة له. وكانت الأزمة قد بدأت تطفو على السطح الشهر الماضي، حين أصدر الحزب بياناً موقّعاً من رئيسه ولد داداه، يدعو فيه إلى مؤتمر استثنائي لتجديد هياكل الحزب، وإجراء مراجعة نقديّة بعدما لم يتمكّن الحزب من الحصول على أيّ مقعد في البرلمان خلال الانتخابات المحليّة الماضية.

ورغم أن الخلافات والانقسامات كانت تدبّ في جسد الحزب، فإنّها ظلّت داخل الغرف المغلقة، دون أن تظهر للعلن إلا مع الانتخابات الماضية، حين أعلن عدد من قيادات الحزب الانسحاب احتجاجاً على اللوائح، التي دفع بها التكتّل في الانتخابات. وتعمّقت تلك الاختلافات حين أعلنت الدعوة للمؤتمر الاستثنائي.

* شدّ وجذب

يتصارع جناحان، يتمثّلان في المكتب التنفيذيّ، وبعض القيادات الأخرى التي تُعارض انعقاد المؤتمر، إذ يتراشق الجناحان بالبيانات الموقّعة باسم رئيس الحزب، الذي يمرّ بظرف صحيّ جرّاء تقدّمه في العمر، جعله غير قادر على أداء مهامه رئيساً للحزب.

رئيس الحزب يمرّ بظرف صحيّ جرّاء تقدّمه في العمر جعله غير قادر على أداء مهامه رئيساً للحزب (الشرق الأوسط)

ويسوّغ المكتب التنفيذي للحزب انعقاد هذا المؤتمر بأنّه جاء بناء على دعوة شخصية من ولد داداه، وقد أوكل المكتب لجنة للتحضير للمؤتمر، لم يصل إليها منه أي قرار بالتأجيل أو الإلغاء. لكن محمد عبد الله ولد أشفاغه، رئيس اللجنة المكلّفة التحضير للمؤتمر، قال إنّ الأعضاء تفاجأوا بإغلاق المقر المركزي في 23 مارس (آذار) الماضي، وهو اليوم الذي كان من المفترض أن ينعقد فيه المؤتمر. وهذا الوضع دفع هذا المكتب إلى عقد اجتماع، قرّر فيه تأجيل المؤتمر. ويرى الجناح المؤيد للمؤتمر أنّ الحزب بحاجة إلى إجراء إصلاحات شاملة تعيد إليه هيبته، التي افتقدها في السنوات الأخيرة. لكن في المقابل، يرى الجناح المعارض أنّ هذا الوقت ليس ملائماً لعقد مؤتمر استثنائي، نظراً للانقسامات الحادة وتباين الآراء بين قيادات الحزب. كما يرى المعارضون أنّ الاجتماعات الداخليّة والحوارات البنّاءة «يجب أن تسبق أي محاولة لعقد مؤتمر استثنائي، من أجل ضمان توافق الآراء، وتجنّب تفاقم الانقسامات».

* مرحلة شيخوخة

لم يعد التكتل في السنوات الأخيرة كما كان واجهة للمعارضة، وامتلاك قاعدة شعبية مؤثرة في الانتخابات، خاصة بعد انشقاق كتل كبيرة وانسحابها، ما زاد انحرافه عن الطريق التي انتهجها، المتمثلة في معارضة الأنظمة. في هذا السياق، يرى الصحافيّ سيدي محمد ولد بلعمش أنّ من أسباب تراجع «حزب التكتل» تعرّضه لهزّات كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة، تمثّلت في تلك الانشقاقات والانسحابات. وقال ولد بلعمش، في حديث لوكالة «أنباء العالم العربي»، إنّ الحزب يمرّ بمرحلة «شيخوخة» نتيجة عدم مجاراته للتغيرات، التي تشهدها الساحة السياسيّة وانعدام البرنامج السياسيّ الواضح. مشيراً إلى أنّ تقدّم زعيم الحزب أحمد ولد داداه في العمر، وقلّة قدرته على النشاط والمواكبة أثّرا في التكتل، وأظهرا أنه حزب مرتبط بشخص، وليس مؤسسة قائمة. لكن أعضاء في الحزب يقللون في المقابل من أهمية هذا السقوط، الذي يقولون إنه يشابه كثيراً المرحلة، التي عاشها الحزب في السنوات الأخيرة من حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

أعضاء في الحزب يقللون من أهمية هذا التراجع ويقولون إنه يشابه المرحلة التي عاشها الحزب في حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع (الشرق الأوسط)

وكان التكتّل في حقبة ولد الطايع واجهة المعارضة الراديكاليّة، التي خاضت حرباً شرسة ضدّه، وتعرّض قادة الحزب لمضايقات، وسُجن الرئيس المؤسس، لكن حملة الاعتقالات تلك لم تُثنِه عن مواصلة نهجه المعارض. وبعد أن غادر ولد الطايع، تبخّر الحزب الجمهوري الحاكم آنذاك، فكان أكثر المنتصرين هو «حزب التكتل»، الذي كان مشروعاً سياسيّاً استقطب النُخب، ورجال الأعمال، وزادت شعبيته في أنحاء البلاد. وبعد ذلك، دخل الحزب بقوّة في انتخابات محليّة وتشريعيّة عام 2006، تعد أول انتخابات ديمقراطيّة نزيهة شهدتها موريتانيا، وحصل الحزب في تلك الانتخابات على 18 مقعداً برلمانيّاً، لتكون مؤشراً على قوّته وتأثيره في الشعب الموريتاني.

* بداية الانهيار

وفقاً لمحللين، فإنّ الانتخابات التشريعيّة الأخيرة العام الماضي كشفت عن ضعف في الحزب، وانهيار متواصل في ظل رؤية ضبابيّة، وافتقار إلى النُخبة التي بإمكانها إعادة الحزب إلى جادة الطريق.

الانتخابات التشريعيّة الأخيرة العام الماضي كشفت عن ضعف واضح في الحزب (الشرق الأوسط)

غير أنّ عدداً من المتابعين يرون أنّ المرحلة التي يمر بها الحزب «حرجة»، وتختلف عن تلك الهزّات التي تعرّض لها منذ تأسيسه، إذ تأتي في ظل تقدّم ولد داداه في السن، وعدم قدرته على التجديد والبناء لمرحلة جديدة. في هذا السياق، قال الصحافي أحمد عبد الله لوكالة «أنباء العالم العربي» إنّ «حزب التكتل» أضاع كثيراً من الفرص، التي كانت متاحة أمامه لإعادة البناء، وإجراء إصلاحات عميقة تضعه على مسار النجاح، والتأثير الإيجابي في المشهد السياسي. مضيفاً أنّ الحزب، الذي كان يُعدّ من أبرز القوى السياسيّة في موريتانيا، يواجه اليوم واقعاً مريراً، حيث تراجعت شعبيّته وتأثيره بشكل كبير، وموضحاً أنّ الحزب لم يعد في صفوفه سوى العشرات من الأعضاء. من جانبه، عدّ ولد بلعمش أنّ الأزمة التي يشهدها حزب التكتّل «ليست مجرّد انقسام داخلي، بل تبدو كأنها بداية لانهيار حزب كبير وعريق». وبحسب محللين، فإنّ الانقسامات والانسحابات ليست السبب في تراجع الحزب. ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ تقارب الحزب مع نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، مع وصوله إلى السلطة، وتوقيع ميثاق جمهوري معه، أدى إلى تقهقره.

التقارب مع النظام الحالي ورموزه جعل البعض يرى أنّ الحزب قد انحرف عن مساره السابق وتخلّى عن مبادئه (صحافة محلية)

يقول الصحافي أحمد عبد الله إن «حزب التكتل» كان يعتمد في السابق على موقفه المعارض للأنظمة السابقة لكسب دعم واسع من الشعب، لكنّ التقارب مع النظام الحالي جعل البعض يرى أنّ الحزب قد انحرف عن مساره السابق وتخلّى عن مبادئه. ويرى عبد الله أنّ بداية الانهيار كانت عندما اختار «حزب التكتل» التقارب مع النظام الحاكم، وتخلّى عن مساره التقليدي كقوة معارضة، عادّاً أنّ هذا الخيار، الذي لم يكن من أعراف الحزب، «أدى إلى فقدانه دعم الشرائح التي كان يمثلها، وتبخّرت شعبيته التي اكتسبها من خلال معارضته الحازمة للأنظمة السابقة».