خبراء دوليون يعلنون سوريا «جمهورية كبتاغون»

انتشار واسع للتجارة والتعاطي في دمشق

صورة نشرتها «سانا» في نوفمبر2021 لأكياس كبتاغون صودرت قبل تصديرها للخارج (أ.ف.ب)
صورة نشرتها «سانا» في نوفمبر2021 لأكياس كبتاغون صودرت قبل تصديرها للخارج (أ.ف.ب)
TT

خبراء دوليون يعلنون سوريا «جمهورية كبتاغون»

صورة نشرتها «سانا» في نوفمبر2021 لأكياس كبتاغون صودرت قبل تصديرها للخارج (أ.ف.ب)
صورة نشرتها «سانا» في نوفمبر2021 لأكياس كبتاغون صودرت قبل تصديرها للخارج (أ.ف.ب)

مع أن المشهد في دمشق يؤكد تزايد تجارة وتعاطي المخدرات بشكل واسع، وتأكيد مسؤولي إنفاذ القانون في 10 دول وخبراء دوليين وإقليميين وسوريين تحول مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى مناطق مصنعة للمخدرات، ووصفها بـ«دولة مخدرات» و«جمهورية الكبتاغون»، إلا أن الحكومة بدت كمن يريد حجب الشمس بكفه، بقولها إنها «تواجه هذه الآفة بكل عزيمة وإصرار» وإن مناطقها «بعيدة كل البعد عن زراعة وصناعة المخدرات».
وترصد «الشرق الأوسط» منذ فترة طويلة مشهد أشخاص جالسين على أرصفة في شوارع دمشق والحدائق، وقد بدت عليهم مظاهر الفتور والخمول وترديدهم لعبارات غير مفهومة، بسبب تعاطيهم للمخدرات على الأغلب، بعدما كانت رؤية مثل هذه المشاهد نادرة قبل عام 2011، كما اشتكى سكان في أحياء دمشق مراراً لـ«الشرق الأوسط» من مشاجرات تحدث بشكل شبه يومي بين شبان في مناطق سكنهم خصوصاً في فترة منتصف الليل، بسبب تعاطيهم للمخدرات والخلافات التي تحصل بين بعضهم البعض عندما تكون المادة متوفرة لدى أحدهم وغير متوفرة لدى الآخر، وتلفظ هؤلاء بعبارات خارجة عن الأدب والأخلاق. ويلفت الانتباه في شوارع دمشق أيضاً مشهد توقف كثير من الشبان عند باعة بسطات دخان وأكشاك، وقولهم لأصاحبها عبارات «المعلوم معلم» و«معلم كيفنا» في إشارة إلى طلب شراء مخدرات، بينما بات كثر من رواد المقاهي وبمجرد جلوسهم إلى الطاولة يرفقون طلبهم من النادل أو النادلة إعطاءهم الشاي أو القهوة بعبارة «روقونا كمان».
ومؤخراً كثرت شكاوى أمهات وآباء من حصول تغيير في تصرفات أبنائهم، منها «الانطواء على الذات»، و«إهمالهم لدراستهم» و«إقامتهم صداقات جديدة» و«تزايد طلبهم للمال»، وهي سلوكيات تدل على تعاطيهم للمخدرات. ونشر «مركز الحوار السوري» منتصف مارس (آذار) الماضي، ورقة حول تجارة المخدرات في سوريا، ذكر فيها أن سوريا عُرفت قبل عام 2011 بكونها معبراً لتجارة المخدرات القادمة من أفغانستان وإيران؛ وليس مستهلكاً، فقد نشطت شبكات التهريب التي أشرفت عليها شخصيات مقربة من النظام، وأُنشئت أيضاً ورشاتٌ لتصنيع المخدرات ظل إنتاجها محدوداً وموجهاً للاستهلاك المحلي. وأشارت الورقة إلى أنه ومع انطلاق الثورة السورية منتصف مارس 2011، انخرط العديد من تجار المخدرات ومهربيها في عمليات قمع المتظاهرين، وأسسوا لاحقاً ميليشيات مسلحة شاركت في العمليات العسكرية لصالح النظام، وقد بدأ الحديث عن تزايد نشاط تجارة المخدرات منذ عام 2013؛ إذ أصبحت أحد مصادر تمويل العمليات العسكرية والميليشيات. ولفتت إلى أن سوريا بدأت بتصدير «الكبتاغون» عام 2013، بالتزامن مع انكماش اقتصادها الرسمي بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية والفساد داخل النظام، وتحولت مصانع الكيمياويات في مدينتي حلب وحمص إلى مصانع لهذه الأقراص.
وأشارت دراسة صادرة عن «مركز التحليلات العملياتية والأبحاث» السوري المستقل، حجم المواد المخدرة القادمة من سوريا والتي تمت مصادرتها بين 2013 - 2015، زاد بين 4 إلى 6 أضعاف مقارنة بما كانت عليه عام 2011. وذكرت الورقة، أنه مع استعادة النظام معظم المناطق الخارجة عن سيطرته عام، 2018. انتقلت تجارة المخدرات إلى مرحلة جديدة، ارتفع معها حجم المخدرات المصادرة القادمة من سوريا في الأعوام بين 2018 - 2020 ما بين 6 - 12ضعفاً، مقارنة مع عام2011. وتزايدت مراكز وورشات التصنيع المحلي للمخدرات بهدف التجارة، وازدادت أيضاً عمليات التهريب ونقل المخدرات القادمة من لبنان أو من إيران، وكذلك عدد الشحنات التي تم اعتراضها، وأصبح إخفاء الشحنات أكثر تطوراً من الناحية التقنية.
وكشفت دراسة محلية على ما ذكرت الورقة، عن رصد 50 موقعاً حالياً لتصنيع المخدرات في سوريا، إذ يوجد قرابة 14 مركزاً لتصنيع «الكبتاغون»، و12 مركزاً لتصنيع الكريستال ميث، و23 مركزاً لتصنيع الحشيش. وحسب الورقة، تُغادر المواد المخدرة سوريا – خصوصاً شحنات «الكبتاغون» – متجهة إلى ثلاث وجهات رئيسة: شمال أفريقيا، شبه الجزيرة العربية، وأوروبا، حيث تشير الأدلة المتوفرة إلى أن تلك القارة تشكل الآن محطة عبور للمواد المخدرة المتجهة إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وذكرت أنه مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده سوريا نتيجة سياسات النظام، تراجعت الأنشطة الاقتصادية التقليدية لصالح تنامي أنشطة تصنيع المخدرات الذي أصبح قطاعاً مربحاً، تعود عائداته إلى جيوب المرتبطين بالنظام وحلفائه الأجانب وأمراء الحرب.
صحيفة «نيويورك تايمز» وفي تحقيق نشرته نهاية العام الماضي، استند إلى معلومات من مسؤولي إنفاذ القانون في 10 دول، وعشرات المقابلات مع خبراء دوليين وإقليميين وسوريين لديهم معرفة بتجارة المخدرات ومسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، ذكرت أن مختبرات «الكبتاغون» تنتشر بشكل أساسي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وفق شهادات سوريين يعيشون في هذه المناطق، أو في الأراضي التي يسيطر عليها «حزب الله» بالقرب من الحدود اللبنانية، أو خارج العاصمة دمشق وحول مدينة اللاذقية الساحلية. كما ينخرط في هذه التجارة مجموعة رجال أعمال يتمتعون بصلات وثيقة بالنظام و«حزب الله»، وأعضاء آخرون من أسرة الأسد يحظون بحماية النظام في ممارسة الأنشطة غير المشروعة؛ وفق تحقيق لصحيفة «تايمز» البريطانية.
وقد استفادت هذه الشبكة من كل إمكانيات سوريا، سواء الإمكانيات البشرية، تحويل معامل الأدوية إلى ورشات للتصنيع، استخدام المرافق والمخازن والمرافئ المتصلة بممرات الشحن في البحر الأبيض المتوسط، وطرق تهريب برية إلى الأردن ولبنان والعراق خضعت لحماية أمنية من الدولة، على ما جاء في ورقة «مركز الحوار السوري». وذكرت الورقة، أن مراكز تصنيع جديدة لـ«الكبتاغون» أقيمت في مصانع صغيرة مقامة في هنغارات حديدية أو في فيلات مهجورة، تخضع لحراسة أمنية من قبل جنود الجيش النظامي، تُصنع فيها الحبوب بآلات بسيطة، فيما وُضعت أمام منشآت أخرى لافتات تفيد بأنها مواقع عسكرية مغلقة؛ وفيها يتم إنتاج نوعين من حبوب «الكبتاغون»: النوع الأول ذو الجودة المتدنية، وهو مخصص للاستهلاك المحلي، تُباع فيه الحبة الواحدة بدولار واحد، ونوع مرتفع الجودة مخصص للأسواق الخارجية تُباع الحبة الواحدة منه بـ14 دولاراً.
ولفتت إلى أن حجم اقتصاد المخدرات السوري – خصوصاً قيمة تجارة حبوب «الكبتاغون»– في البلاد، يقدر بما يقارب 16 مليار دولار أميركي سنوياً، وهو ما يعادل 3 أضعاف ميزانية الحكومة السورية لعام 2022. وقد خَلُصت تحليلات المركز إلى أن السلطات في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورة رئيسة، صادرت ما لا يقل عن 173 مليون حبة «كبتاغون» (34.6 طن) و(12.1) طن من الحشيش المصدرة من سوريا في عام 2020 مقدرة القيمة السوقية لهذه الكمية المصادرة من حبوب «الكبتاغون» بما يقارب 3.46 مليار دولار أميركي، فيما ذكر تحقيق نشرته المجلة الألمانية «دير شبيغل»، أن قيمة شحنات المخدرات المصنعة في سوريا، وصلت إلى 5.7 مليار دولار عام 2021 حسب بعض التقديرات. ولفتت ورقة «مركز الحوار السوري»ـ إلى أن «تجارة المخدرات وتصنيعها، جمعت الحلفاء (إيران ونظام الأسد و«حزب الله») على مصلحة واحدة، الهدف منها إيجاد مصادر تمويل جديدة تسمح بالتهرب من العقوبات، والوصول إلى أسواق جديدة، وإيجاد مصادر تمويل ذاتي للميليشيات، وتأمين قطع أجنبي».
وذكرت أنه ورغم أن المخدرات مُعدة للتصدير الخارجي؛ فإن النظام أغرق المجتمع السوري بمنتجاته ذات النوعية الرديئة، حيث لجأ الكثير من الناس لتعاطي المخدرات وسيلة للهروب من اليأس وحالة انسداد الأفق والإحساس بالعجز والوضع الاقتصادي المتردي. وأشارت إلى أنه رغم كل ادعاءات الحكومة السورية حول قيامها بمداهمات وإلقاء القبض على بعض المروجين، فإن هذه العمليات تطول صغار المروجين والمتورطين، فيما لم تقترب من الشخصيات والجهات التي تدير أو تحمي هذه التجارة. ومع تزايد التقارير عن تحول سوريا إلى «دولة مخدرات» و«جمهورية الكبتاغون»، ذكر محمد الرحمون وزير الداخلية السوري في اليوم العالمي لمكافحة ظاهرة المخدرات الذي صادف في السادس والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي، أن «سوريا تشارك المجتمع الدولي في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات تأكيداً منها على التزامها في مواجهة هذه الآفة الخطيرة»، وأن الوزارة «تواجه هذه الآفة بكل عزيمة وإصرار»، وأن جهودها أثمرت في التصدي لتجار ومهربي المواد المخدرة وضبط كميات كبيرة عابرة ومخبأة بطريقة فنية معقدة.
صحيفة «الوطن» شبه الحكومية وفي اليوم التالي، ذكرت أن نضال جريج مدير إدارة مكافحة المخدرات، كشف أن عدد قضايا المخدرات التي تم تسجيلها خلال العام الحالي، وصلت إلى 4991، على حين وصل عدد المتهمين إلى 6408 شخصاً، مشيراً إلى أنه في العام الماضي تم تسجيل 9260 قضية، في حين وصل عدد المتهمين إلى 11730، وقال جريج،. إن «سوريا ما زالت بلد عبور بحكم موقعها الجغرافي، وهي بعيدة كل البعد عن زراعة وصناعة المخدرات».


مقالات ذات صلة

أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

الولايات المتحدة​ ناقلة النفط «إيفانا» راسية عند ميناء في فنزويلا يوم 21 ديسمبر (أ.ب)

أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

نقلت القوات الأميركية المزيد من طائرات النقل والشحن إلى منطقة الكاريبي، مضيقة الخناق عسكرياً ونفطياً على حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي جنود من الجيش الأردني يقومون بدوريات على طول الحدود مع سوريا لمنع تهريب المخدرات (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش الأردني يتعامل مع جماعات تهرب الأسلحة والمخدرات على الحدود الشمالية

قالت وكالة الأنباء الأردنية إن القوات المسلحة تتعامل مع جماعات تعمل على تهريب الأسلحة والمخدرات على الحدود الشمالية للمملكة.

«الشرق الأوسط» (عمان)
الولايات المتحدة​ الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحضر معرض «أكسبو موتوريس برودكتيف» الذي يُسلّط الضوء على الإنتاج الزراعي والغذائي والصناعي في كراكاس (رويترز)

مادورو يطالب ترمب بالاهتمام بأميركا بدل التركيز على فنزويلا

طالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالتنحي، فيما ضرب فيه الجيش الأميركي قارباً آخر يشتبه في تهريبه المخدرات إلى الولايات المتحدة.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لقطة من شريط فيديو لاستهداف القوات الأميركية لقارب في المحيط الهادئ (أرشيفية - رويترز)

مقتل شخص بضربة أميركية استهدفت قاربا يشتبه بتهريبه المخدرات

أعلن الجيش الأميركي الاثنين أنه قتل شخصا يشتبه في أنه تاجر مخدرات على متن قارب كان يبحر على طريق عبور معروف وفقا له بأنه يستخدم لتهريب المخدرات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم خلال جلسة استماع أمام لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب في مبنى الكابيتول في واشنطن يوم الخميس 11 ديسمبر 2025 (أ.ب) play-circle

وزيرة الأمن الداخلي الأميركية: على مادورو «الرحيل»

قالت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم إن على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو «الرحيل».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».


العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
TT

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، على رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة في بلاده، أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، مؤكداً أن حماية المركز القانوني للدولة، ووحدة القرار السياسي تمثلان أولوية وطنية لا تقبل المساومة.

وفي إشارة إلى تصعيد مجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، حذّر العليمي من أن أي مساس بوحدة الدولة سيقود إلى فراغات أمنية خطيرة، ويقوض جهود الاستقرار، ليس في اليمن فحسب، بل على أحد أهم خطوط الملاحة الدولية.

جاءت تصريحات العليمي خلال استقباله في الرياض، الأربعاء، سفيرة فرنسا لدى اليمن كاترين قرم كمون، حيث جرى بحث مستجدات الأوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات في المحافظات الشرقية، والدور المعول على المجتمع الدولي في دعم جهود التهدئة التي تقودها السعودية، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة.

وأشاد العليمي - حسب الإعلام الرسمي - بالدور الفرنسي الداعم لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، وبموقف باريس الثابت إلى جانب وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، على النحو الوارد في بيان مجلس الأمن الدولي الصادر، الثلاثاء. كما جدّد تقديره للعلاقات التاريخية بين البلدين، معرباً عن ثقته باستمرار الدعم الفرنسي المتسق مع مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وتطرق اللقاء - وفق ما أوردته وكالة «سبأ» الحكومية - إلى التحديات المتشابكة التي تواجهها القوى الوطنية في مسار استعادة الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، في ظل الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج الأطر الدستورية ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

تحذير من المخاطر

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الدولة ستقوم بواجباتها كاملة في حماية مركزها القانوني، مشدداً على أن هذا المسار يتطلب موقفاً دولياً أكثر وضوحاً لدعم الإجراءات الدستورية والقانونية التي تتخذها مؤسسات الشرعية. وأشاد في هذا السياق بالتوصيف المُقدَّم للأزمة اليمنية الوارد في إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وحذّر العليمي من أن أي تفكك داخلي سيعزز نفوذ الجماعات المتطرفة، ويخلق بيئات رخوة للجريمة المنظمة، مؤكداً أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن يبدأ من استقرار الدولة اليمنية، وليس من شرعنة كيانات موازية أو مكافأة أطراف منقلبة على التوافق الوطني.

حشد في عدن من مؤيدي المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي إلى الانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

وأوضح أن ضبط النفس الذي مارسته القيادة خلال السنوات الماضية لم يكن تعبيراً عن ضعف، بل كان التزاماً وطنياً ومسؤولية سياسية لتجنُّب مزيد من العنف، وعدم مضاعفة معاناة الشعب اليمني، واحتراماً لجهود الأشقاء والأصدقاء الرامية إلى خفض التصعيد.

وجدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام المجلس بحل عادل للقضية الجنوبية، يستند إلى الإرادة الشعبية، والانفتاح على الشراكات السياسية، وخيارات السلام، مع التأكيد على الرفض القاطع لتفكيك الدولة أو فرض الأمر الواقع بالقوة.

وفي سياق متصل، جدّد الاتحاد الأوروبي التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية. وأعلن الاتحاد، في بيان، الأربعاء، تأييده للبيان الصادر عن أعضاء مجلس الأمن، مؤكداً دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن، والعمل من أجل سلام مستدام وازدهار دائم للشعب اليمني.

ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى خفض التصعيد، وتعزيز الجهود الدبلوماسية، مرحباً بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في مسقط بشأن مرحلة جديدة لإطلاق سراح المحتجزين.

كما أدان الاتحاد الأوروبي بشدة استمرار احتجاز الحوثيين لموظفين أمميين وعاملين في منظمات إنسانية ودبلوماسية، مطالباً بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.


«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الجماعة الحوثية لتبادل نحو 2900 أسير ومحتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق أحد أكثر الملفات الإنسانية تعقيداً، بعد سنوات من التعثر والفشل.

فعلى الرغم من الترحيب الواسع بالاتفاق محلياً ودولياً، فإنه لا تزال الشكوك تحيط بآليات التنفيذ، في ظل غياب القوائم النهائية، واستمرار الغموض حول مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان، المختطف منذ قرابة عشرة أعوام.

وحسب مصادر قريبة من المحادثات، فإن الاتفاق الذي رعاه مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، وبمساندة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لا يتجاوز في هذه المرحلة كونه اتفاقاً مبدئياً، يفترض تنفيذه خلال فترة لا تتجاوز شهراً.

العبء الأكبر يقع على الوسطاء لإنجاح الصفقة اليمنية لتبادل الأسرى (إعلام حكومي)

وأوضحت جهات مطلعة على مسار التفاوض لـ«الشرق الأوسط» أن البند الأول من الاتفاق يقتصر على إطلاق سراح أسرى تابعين لتحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان، فيما لا تزال بقية تفاصيل الصفقة، وأسماء المشمولين بها، خاضعة لمقايضات ومفاوضات لاحقة بين الأطراف والوسطاء.

وأشارت المعطيات ذاتها إلى أن ما تم التوصل إليه حتى الآن لا يعني حسم الملف، إذ لطالما ارتبطت جولات التفاوض السابقة بمطالب حوثية معقدة، شملت إدراج أسماء مقاتلين مفقودين في الجبهات، تزعم الجماعة أنهم أسرى لدى الحكومة، من دون تقديم أدلة على ذلك، فضلاً عن رفضها المتكرر إدراج أسماء مختطفين مدنيين بحجة أنهم «قيد القضاء».

تغيّر المفاوضين

رأت الأوساط القريبة من المفاوضات أن ترؤس ممثل الحوثيين في اللجنة العسكرية، يحيى الرزامي، لفريق المفاوضين عن الجماعة، بدلاً من عبد القادر المرتضى، أسهم في تهيئة الأجواء للتوصل إلى هذا الاتفاق المبدئي.

وذكرت أن المرتضى، المتهم بالتورط في تعذيب بعض المعتقلين، كان سبباً رئيسياً في إفشال عدة جولات تفاوض سابقة، بسبب تشدده وإصراره على شروط وصفت بغير الواقعية.

مخاوف حكومية يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

وأضافت تلك الأوساط أن وجود الرزامي على رأس فريق الحوثيين سهّل النقاشات، ومهّد للاتفاق على مبدأ تبادل شامل للأسرى والمعتقلين من الطرفين، وإن كان ذلك لا يزال مشروطاً بمدى التزام الحوثيين بتعهداتهم، وصدق نواياهم في تقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول المحتجزين.

في المقابل، أبدت الحكومة اليمنية، وفق التقديرات نفسها، مخاوف جدية من سعي الحوثيين إلى إفراغ الاتفاق من مضمونه الإنساني، عبر المماطلة، أو إعادة طرح الشروط ذاتها التي أفشلت محاولات سابقة.

وتؤكد هذه المعطيات أن نجاح الصفقة مرهون بجدية الحوثيين في الوفاء بالتزاماتهم، والكشف الكامل عن مصير جميع المختطفين، وفي مقدمتهم محمد قحطان.

قحطان وعقدة الثقة

يظل مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان من أبرز العوائق أمام المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق. فعلى الرغم من إدراج اسمه ضمن المرحلة الأولى من الصفقة، فإن مصيره لا يزال مجهولاً منذ اعتقاله في عام 2015 من إحدى النقاط الأمنية عند مدخل مدينة إب. وحتى اليوم، لم يفصح الحوثيون عما إذا كان الرجل لا يزال على قيد الحياة أم لا.

وحسب المصادر، فإن هذا الغموض قوض تفاهمات سابقة، وأدى إلى إفشال جولات تفاوض سابقة، بعد أن اشترط الحوثيون الحصول على ثلاثين أسيراً في حال كان قحطان حياً، أو ثلاثين جثة إذا ثبت مقتله.

وترى الجهات المعنية بالملف أن هذا السلوك يثير شكوكاً كبيرة حول مصير الرجل، بعد أكثر من عشر سنوات وثمانية أشهر على إخفائه قسراً، ويضعف فرص بناء الثقة اللازمة لإنجاح بقية مراحل اتفاق التبادل.

وتؤكد المصادر أن نجاح أي صفقة تبادل لا يمكن أن يتحقق دون معالجة ملف قحطان بوضوح وشفافية، بوصفه قضية إنسانية وسياسية في آن واحد، واختباراً حقيقياً لمدى التزام الحوثيين بالقانون الدولي الإنساني.

مراحل التنفيذ

وفقاً للتفاهمات المعلنة، فقد جرى الاتفاق على تنفيذ الصفقة عبر ثلاث مراحل رئيسية. المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح أسرى تحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان. وفي المرحلة الثانية، التي تبدأ بعد نحو أسبوع، سيتم تشكيل لجنة مشتركة للقيام بزيارات ميدانية إلى أماكن الاحتجاز، وتوثيق أسماء جميع المحتجزين على ذمة الصراع.

وبعد ذلك، ترفع اللجنة القوائم التي تم التحقق منها إلى مكتب المبعوث الأممي الخاص باليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليجري اعتمادها رسمياً والشروع في تنفيذ عملية التبادل. أما المرحلة الثالثة، فستُخصص لملف «الجثامين»، وتشمل تبادل جثامين القتلى، والبحث عن رفات المفقودين في مناطق المواجهات، وصولاً إلى إغلاق هذا الملف المؤلم.

وتشير المصادر إلى أنه تم الاتفاق على عدد المشمولين بالصفقة من الطرفين، على أن يتم التوافق على أسمائهم خلال شهر، إضافة إلى انتشال جميع الجثامين من مختلف الجبهات وتسليمها عبر الصليب الأحمر. كما اتُفق على تشكيل لجان لزيارة السجون بعد تنفيذ الصفقة، وحصر من تبقى من الأسرى، تمهيداً لإطلاقهم.

وسيكون العبء الأكبر، حسب المصادر، على الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لضمان تنفيذ الاتفاق، ومنع أي طرف من الالتفاف عليه، ووضع آلية زمنية واضحة تبدأ بتجميع الأسرى والمختطفين في نقاط محددة، ومطابقة القوائم، وتحديد يوم البدء بعملية التبادل.