الليثي: لا بد من كوادر إعلامية لإزالة «الإسلاموفوبيا»

رئيس اتحاد الإذاعات الإسلامية قال لـ«الشرق الأوسط» إن الخطاب الديني بحاجة لإعادة تأهيل

وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي مع الليثي (الشرق الأوسط)
وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي مع الليثي (الشرق الأوسط)
TT

الليثي: لا بد من كوادر إعلامية لإزالة «الإسلاموفوبيا»

وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي مع الليثي (الشرق الأوسط)
وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي مع الليثي (الشرق الأوسط)

شدّد الدكتور عمرو الليثي، رئيس اتحاد الإذاعات الإسلامية، على أن الخطاب الإعلامي الديني يحتاج في هذه المرحلة، التي تعاني من صور مغلوطة للإسلام أو بما يعرف بـ«الإسلاموفوبيا» إلى إعادة تأهيل للإعلاميين. والهدف هو صياغة رسالة إعلامية يتعزز، بالتوازي مع إيجاد كوادر إعلامية متخصصة لتتولّى نشر قيم التسامح والمنهج الوسطي، وتبني مبدأ الحوار والصياغة الموضوعية، وزيادة الوعي بالمواطنة.
كلام الدكتور الليثي، جاء ضمن حوار مع «الشرق الأوسط»، تناول تحضيرات اتحاد الإذاعات الإسلامية، بالتعاون مع هيئة الإذاعة والتلفزيون المرئي والمسموع في المملكة العربية السعودية، لتغطية وقائع موسم حج هذا العام 1443هـ (2022 م)، وغيرها من الفعاليات الإسلامية والعربية والعالمية. وتناول أيضاً جوانب أخرى من مسارات الخطاب الإعلامي في هذه المرحلة، والإصلاحات التي يشهدها اتحاد الإذاعات الإسلامية بعد أن تولى رئاسته.

- توضيح حقيقة الإسلام
الليثي قال إن «الخطاب الإعلامي الديني، يحتاج أيضاً إلى تحرير المفاهيم حول ماهية الجهاد، أو عن ماذا يعني تطبيق الشريعة الإسلامية، أو قبول الإسلام للآخر... فالإسلام ليس كما يتوهم البعض، أو كما يروّج أعداء الإسلام بأنه انتشر بالسيف، لأنه حقاً انتشر بالأخلاق الحسنة». وأردف: «أكبر دولة مسلمة الآن في العالم، وهي إندونيسيا، وصل إليها الإسلام وإلى غيرها من دول جنوب شرقي آسيا من خلال التعامل الحسن للتجار الذين وصلوا إليها... إذ اتصفوا هناك بالصدق والالتزام بالخلق الحسن الذي اتصف به النبي صلّى الله عليه وسلم».
وحول استعدادات الإذاعات الإسلامية لتغطية ونقل وقائع حج هذا العام إذاعياً وتلفزيونياً، أشار الليثي إلى وجود «تعاون كبير بين الاتحاد ووزارة الإعلام السعودية، ممثلة في هيئة الإذاعة والتلفزيون المرئي والمسموع برئاسة محمد فهد الحارثي، وقطاع الإعلام الخارجي برئاسة الدكتور خالد الغامدي وكيل أول الوزارة للإعلام الخارجي». وأوضح أن الخطة «تتمثل بمشاركة الاتحاد هذا العام، ولأول مرة بشكل كبير من خلال أكبر غرفة عمليات تقام ويعمل فيها مجموعة من خيرة الإعلاميين الذين يعملون في اتحاد إذاعات الدول الإسلامية».
كذلك، كشف الدكتور الليثي عن «إقامة أول ورشة عمل لجميع الدول الأعضاء الـ57 في اتحاد الإذاعات الدول الإسلامية قبل بدء موسم الحج، حضرها جميع كبار قيادات اتحاد الإذاعة والتلفزيون ووزارة الحج. وتلقّت جميع الدول الأعضاء شرحاً حول الإجراءات التي ستتخذ لتيسير النقل التقني لشعائر الحج التي بدأت منذ أول أيام استقبال الحجيج في المدينة المنوّرة ثم مكة المكرمة والمشاعر».
ومن ثم بيّن أن «اتحاد الإذاعات الإسلامية يعمل من خلال غرفة عمليات على مدار 24 ساعة، من أجل تسهيل مهام الزملاء الصحافيين الإعلاميين الذين يأتون لتغطية الحج، أو لإرسال إشارات البث التلفزيوني للدول الأعضاء في كل أنحاء العالم الإسلامي، خاصة أن هناك دولاً إسلامية لا تستطيع أن تلتقط الإشارات من خلال (عربسات)، بل تلتقطها على القمر الأوروبي (يوتلسات)، وجرى التنسيق التام مع هيئة الإذاعة والتلفزيون في السعودية لتذليل هذه العقبات وتيسير أمور النقل التلفزيوني لجميع الدول الأفريقية والدول الإسلامية».
وتابع الليثي: «غرفة العمليات اعتمدت التواصل مع جميع الزملاء لمدّهم بكل المعلومات والمواد الوثائقية عن الحج، ذلك أن التلفزيون السعودي مشكوراً خصّص قناة باللغة الإنجليزية تتولّى بث شعائر الحج وجميع البرامج التلفزيونية للحجيج والإرشادات الخاصة بالحج. وأيضاً أنشأ اتحاد الإذاعات بدوره قناة باللغة الفرنسية للناطقين بغير العربية والإنجليزية، من أجل إمداد الدول الإسلامية بإشارات للمحتوى البرامجي باللغة الفرنسية».
وردّاً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الإصلاحات التي اتخذها منذ توليه رئاسة اتحاد الإذاعات الإسلامية من حيث البنية التحتية أو النظام الإداري، أجاب الدكتور الليثي: «عندما تولّيت رئاسة الاتحاد كانت لدي خطط وتصورات عدة للتطوير، تتمثل في إعادة البنى التحتية للاتحاد الذي يحتوي على مبنى متهالك لم تمسه يد التطوير والإصلاح منذ إنشاء الاتحاد عام 1975. وبالفعل، رُمم المقر الرئيسي في مدينة جدة بدعم من الوزير الدكتور ماجد القصبي، وزير الإعلام السعودي ورئيس المجلس التنفيذي، بشكل جيد ومتكامل يرقى للأسلوب العصري. وزوّد بالوسائل والأساليب الفنية والتقنية الحديثة، وأنشئ استوديو تلفزيوني ممتاز باستغلال المساحات الكبيرة الموجودة في المقر، وكذلك مركز إعلامي تدريبي كبير للإذاعة والتلفزيون يحتوي على الوسائل الجديدة والحديثة».

جانب من توقيع الاتفاقية بين الاتحاد والمهن التمثيلية والسينمائية في القاهرة (الشرق الأوسط)
- توقيع وإبرام اتفاقيات

على صعيد متصل، أفاد الدكتور الليثي عن أن «بين الأمور التطويرية توقيع وإبرام اتفاقيات وبروتوكولات بين الاتحاد وعدد كبير من الهيئات والمنتظمات في بلدان العالم العربي والإسلامي في شتى المجالات، بجانب تنظيم دورات عدة في مجال إعداد مقدمي البرامج، ضمنها بروتوكول تعاون مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لعمل برنامج تلفزيوني خصيصاً لاتحاد الإذاعات... ويضاف إلى ذلك اتفاق مع الهيئة الوطنية للإعلام في مصر على تنظيم دورة لرؤساء إذاعات القرآن الكريم في القاهرة، واتفاق مع مفتي الديار المصرية على عمل دورة لتأهيل مقدمي البرامج الدينية لأعضاء الاتحاد، واتفاق مع دولة غامبيا على عمل دورة تدريبية، ولقد تكفلت دولة غامبيا مشكورة بجميع مصاريف هذه الدورة. ثم هناك أيضاً اتفاق مع مصر على إعداد مجموعة من الدورات على نفقة الحكومة المصرية بدأناها بشهر مايو (أيار) الماضي بالتنسيق مع الوزير الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، وكانت حول المواطنة حضرها 23 دولة إسلامية ورؤساء إذاعات ومقدمي برامج واستمرت لمدة أسبوعين».
هذا، ووصف الليثي التعاون القائم بين اتحاد الإذاعات الإسلامية وهيئة الإذاعة والتلفزيون في المملكة، بأنه «قوي ومتين ووطيد الصلة، ونحن بصدد توقيع أكثر من اتفاقية تعاون بيننا وبين الهيئة... ولدينا خطة هذا العام بدعم كبير من الدكتور ماجد القصبي رئيس المجلس التنفيذي، لإقامة مهرجان تلفزيوني كبير للدول الإسلامية بالكامل في مختلف فنون الإعلام المرئي والمسموع. والاتحاد مهتم جداً بموضوع التدريب وسننظم هذا العام 40 دورة في الدول المختلفة مخصصة لتدريب الكوادر الإعلامية».
وكشف من جهة ثانية عن إنشاء «أكاديمية إذاعية - تلفزيونية للتدريب في مقر الاتحاد بعد تطويره، تستوعب عدداً كبيراً من الطلاب... كما جرى إبرام اتفاقيات مع نقابة المهن السينمائية في مصر ونقابة الممثلين، ومع جهات في دول أخرى، للاستعانة بالكوادر الإعلامية في السعودية والكويت والبحرين والأردن وسلطنة عُمان وتونس لإعطاء دورات تدريبية وإلقاء المحاضرات في الأكاديمية التي ستُفتتح عقب عيد الأضحى المبارك، وهي على غرار الأكاديميات الكبيرة والمتقدمة». كذلك كشف عن تعاون مع الجامعة الأميركية بالقاهرة، لإقامة أكبر دورة تدريبية للحفاظ على اللغة العربية وهويتها واستخدامها في كل أجهزة الإعلام المقروء والمسموع والمرئي». وتابع أنه نُظّمت ورشة عمل في مايو الماضي مع الجامعة لتدريب كتاب الدراما التلفزيونية للحفاظ أيضاً على هوية اللغة العربية، وأوضح أن الاتحاد يعد الذراع الإعلامي لمنظمة التعاون الإسلامي، ومن بين الأعمال المقدمة، اتفاقية بين الاتحاد والتحالف العسكري الإسلامي، وعدد من وكالات الأنباء، مثل وكالة الأنباء الروسية ووكالة الأنباء الإسلامية، وغيرها.
ورداً على سؤال ختامي حول التعاون بين اتحاد الإذاعات الإسلامية ووزارة الإعلام البحرينية لإنتاج مسلسل تاريخي ضخم، قال الليثي: «على هامش مهرجان الخليج الذي احتضنته العاصمة البحرينية المنامة، تم الاتفاق مع وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي على إنتاج مسلسل تلفزيوني كبير، ويجري حالياً تكليف بعض كبار الكتّاب لوضع تصوّر لأفكار هذا المسلسل الذي يشارك في بطولته مجموعة من الفنانين من دول عربية وإسلامية، وهي بادرة الأولى من نوعها أن يكون هناك عمل تلفزيوني يجمع فنانين من دول العالم الإسلامي».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.