الليثي: لا بد من كوادر إعلامية لإزالة «الإسلاموفوبيا»

رئيس اتحاد الإذاعات الإسلامية قال لـ«الشرق الأوسط» إن الخطاب الديني بحاجة لإعادة تأهيل

وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي مع الليثي (الشرق الأوسط)
وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي مع الليثي (الشرق الأوسط)
TT

الليثي: لا بد من كوادر إعلامية لإزالة «الإسلاموفوبيا»

وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي مع الليثي (الشرق الأوسط)
وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي مع الليثي (الشرق الأوسط)

شدّد الدكتور عمرو الليثي، رئيس اتحاد الإذاعات الإسلامية، على أن الخطاب الإعلامي الديني يحتاج في هذه المرحلة، التي تعاني من صور مغلوطة للإسلام أو بما يعرف بـ«الإسلاموفوبيا» إلى إعادة تأهيل للإعلاميين. والهدف هو صياغة رسالة إعلامية يتعزز، بالتوازي مع إيجاد كوادر إعلامية متخصصة لتتولّى نشر قيم التسامح والمنهج الوسطي، وتبني مبدأ الحوار والصياغة الموضوعية، وزيادة الوعي بالمواطنة.
كلام الدكتور الليثي، جاء ضمن حوار مع «الشرق الأوسط»، تناول تحضيرات اتحاد الإذاعات الإسلامية، بالتعاون مع هيئة الإذاعة والتلفزيون المرئي والمسموع في المملكة العربية السعودية، لتغطية وقائع موسم حج هذا العام 1443هـ (2022 م)، وغيرها من الفعاليات الإسلامية والعربية والعالمية. وتناول أيضاً جوانب أخرى من مسارات الخطاب الإعلامي في هذه المرحلة، والإصلاحات التي يشهدها اتحاد الإذاعات الإسلامية بعد أن تولى رئاسته.

- توضيح حقيقة الإسلام
الليثي قال إن «الخطاب الإعلامي الديني، يحتاج أيضاً إلى تحرير المفاهيم حول ماهية الجهاد، أو عن ماذا يعني تطبيق الشريعة الإسلامية، أو قبول الإسلام للآخر... فالإسلام ليس كما يتوهم البعض، أو كما يروّج أعداء الإسلام بأنه انتشر بالسيف، لأنه حقاً انتشر بالأخلاق الحسنة». وأردف: «أكبر دولة مسلمة الآن في العالم، وهي إندونيسيا، وصل إليها الإسلام وإلى غيرها من دول جنوب شرقي آسيا من خلال التعامل الحسن للتجار الذين وصلوا إليها... إذ اتصفوا هناك بالصدق والالتزام بالخلق الحسن الذي اتصف به النبي صلّى الله عليه وسلم».
وحول استعدادات الإذاعات الإسلامية لتغطية ونقل وقائع حج هذا العام إذاعياً وتلفزيونياً، أشار الليثي إلى وجود «تعاون كبير بين الاتحاد ووزارة الإعلام السعودية، ممثلة في هيئة الإذاعة والتلفزيون المرئي والمسموع برئاسة محمد فهد الحارثي، وقطاع الإعلام الخارجي برئاسة الدكتور خالد الغامدي وكيل أول الوزارة للإعلام الخارجي». وأوضح أن الخطة «تتمثل بمشاركة الاتحاد هذا العام، ولأول مرة بشكل كبير من خلال أكبر غرفة عمليات تقام ويعمل فيها مجموعة من خيرة الإعلاميين الذين يعملون في اتحاد إذاعات الدول الإسلامية».
كذلك، كشف الدكتور الليثي عن «إقامة أول ورشة عمل لجميع الدول الأعضاء الـ57 في اتحاد الإذاعات الدول الإسلامية قبل بدء موسم الحج، حضرها جميع كبار قيادات اتحاد الإذاعة والتلفزيون ووزارة الحج. وتلقّت جميع الدول الأعضاء شرحاً حول الإجراءات التي ستتخذ لتيسير النقل التقني لشعائر الحج التي بدأت منذ أول أيام استقبال الحجيج في المدينة المنوّرة ثم مكة المكرمة والمشاعر».
ومن ثم بيّن أن «اتحاد الإذاعات الإسلامية يعمل من خلال غرفة عمليات على مدار 24 ساعة، من أجل تسهيل مهام الزملاء الصحافيين الإعلاميين الذين يأتون لتغطية الحج، أو لإرسال إشارات البث التلفزيوني للدول الأعضاء في كل أنحاء العالم الإسلامي، خاصة أن هناك دولاً إسلامية لا تستطيع أن تلتقط الإشارات من خلال (عربسات)، بل تلتقطها على القمر الأوروبي (يوتلسات)، وجرى التنسيق التام مع هيئة الإذاعة والتلفزيون في السعودية لتذليل هذه العقبات وتيسير أمور النقل التلفزيوني لجميع الدول الأفريقية والدول الإسلامية».
وتابع الليثي: «غرفة العمليات اعتمدت التواصل مع جميع الزملاء لمدّهم بكل المعلومات والمواد الوثائقية عن الحج، ذلك أن التلفزيون السعودي مشكوراً خصّص قناة باللغة الإنجليزية تتولّى بث شعائر الحج وجميع البرامج التلفزيونية للحجيج والإرشادات الخاصة بالحج. وأيضاً أنشأ اتحاد الإذاعات بدوره قناة باللغة الفرنسية للناطقين بغير العربية والإنجليزية، من أجل إمداد الدول الإسلامية بإشارات للمحتوى البرامجي باللغة الفرنسية».
وردّاً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الإصلاحات التي اتخذها منذ توليه رئاسة اتحاد الإذاعات الإسلامية من حيث البنية التحتية أو النظام الإداري، أجاب الدكتور الليثي: «عندما تولّيت رئاسة الاتحاد كانت لدي خطط وتصورات عدة للتطوير، تتمثل في إعادة البنى التحتية للاتحاد الذي يحتوي على مبنى متهالك لم تمسه يد التطوير والإصلاح منذ إنشاء الاتحاد عام 1975. وبالفعل، رُمم المقر الرئيسي في مدينة جدة بدعم من الوزير الدكتور ماجد القصبي، وزير الإعلام السعودي ورئيس المجلس التنفيذي، بشكل جيد ومتكامل يرقى للأسلوب العصري. وزوّد بالوسائل والأساليب الفنية والتقنية الحديثة، وأنشئ استوديو تلفزيوني ممتاز باستغلال المساحات الكبيرة الموجودة في المقر، وكذلك مركز إعلامي تدريبي كبير للإذاعة والتلفزيون يحتوي على الوسائل الجديدة والحديثة».

جانب من توقيع الاتفاقية بين الاتحاد والمهن التمثيلية والسينمائية في القاهرة (الشرق الأوسط)
- توقيع وإبرام اتفاقيات

على صعيد متصل، أفاد الدكتور الليثي عن أن «بين الأمور التطويرية توقيع وإبرام اتفاقيات وبروتوكولات بين الاتحاد وعدد كبير من الهيئات والمنتظمات في بلدان العالم العربي والإسلامي في شتى المجالات، بجانب تنظيم دورات عدة في مجال إعداد مقدمي البرامج، ضمنها بروتوكول تعاون مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لعمل برنامج تلفزيوني خصيصاً لاتحاد الإذاعات... ويضاف إلى ذلك اتفاق مع الهيئة الوطنية للإعلام في مصر على تنظيم دورة لرؤساء إذاعات القرآن الكريم في القاهرة، واتفاق مع مفتي الديار المصرية على عمل دورة لتأهيل مقدمي البرامج الدينية لأعضاء الاتحاد، واتفاق مع دولة غامبيا على عمل دورة تدريبية، ولقد تكفلت دولة غامبيا مشكورة بجميع مصاريف هذه الدورة. ثم هناك أيضاً اتفاق مع مصر على إعداد مجموعة من الدورات على نفقة الحكومة المصرية بدأناها بشهر مايو (أيار) الماضي بالتنسيق مع الوزير الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، وكانت حول المواطنة حضرها 23 دولة إسلامية ورؤساء إذاعات ومقدمي برامج واستمرت لمدة أسبوعين».
هذا، ووصف الليثي التعاون القائم بين اتحاد الإذاعات الإسلامية وهيئة الإذاعة والتلفزيون في المملكة، بأنه «قوي ومتين ووطيد الصلة، ونحن بصدد توقيع أكثر من اتفاقية تعاون بيننا وبين الهيئة... ولدينا خطة هذا العام بدعم كبير من الدكتور ماجد القصبي رئيس المجلس التنفيذي، لإقامة مهرجان تلفزيوني كبير للدول الإسلامية بالكامل في مختلف فنون الإعلام المرئي والمسموع. والاتحاد مهتم جداً بموضوع التدريب وسننظم هذا العام 40 دورة في الدول المختلفة مخصصة لتدريب الكوادر الإعلامية».
وكشف من جهة ثانية عن إنشاء «أكاديمية إذاعية - تلفزيونية للتدريب في مقر الاتحاد بعد تطويره، تستوعب عدداً كبيراً من الطلاب... كما جرى إبرام اتفاقيات مع نقابة المهن السينمائية في مصر ونقابة الممثلين، ومع جهات في دول أخرى، للاستعانة بالكوادر الإعلامية في السعودية والكويت والبحرين والأردن وسلطنة عُمان وتونس لإعطاء دورات تدريبية وإلقاء المحاضرات في الأكاديمية التي ستُفتتح عقب عيد الأضحى المبارك، وهي على غرار الأكاديميات الكبيرة والمتقدمة». كذلك كشف عن تعاون مع الجامعة الأميركية بالقاهرة، لإقامة أكبر دورة تدريبية للحفاظ على اللغة العربية وهويتها واستخدامها في كل أجهزة الإعلام المقروء والمسموع والمرئي». وتابع أنه نُظّمت ورشة عمل في مايو الماضي مع الجامعة لتدريب كتاب الدراما التلفزيونية للحفاظ أيضاً على هوية اللغة العربية، وأوضح أن الاتحاد يعد الذراع الإعلامي لمنظمة التعاون الإسلامي، ومن بين الأعمال المقدمة، اتفاقية بين الاتحاد والتحالف العسكري الإسلامي، وعدد من وكالات الأنباء، مثل وكالة الأنباء الروسية ووكالة الأنباء الإسلامية، وغيرها.
ورداً على سؤال ختامي حول التعاون بين اتحاد الإذاعات الإسلامية ووزارة الإعلام البحرينية لإنتاج مسلسل تاريخي ضخم، قال الليثي: «على هامش مهرجان الخليج الذي احتضنته العاصمة البحرينية المنامة، تم الاتفاق مع وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان النعيمي على إنتاج مسلسل تلفزيوني كبير، ويجري حالياً تكليف بعض كبار الكتّاب لوضع تصوّر لأفكار هذا المسلسل الذي يشارك في بطولته مجموعة من الفنانين من دول عربية وإسلامية، وهي بادرة الأولى من نوعها أن يكون هناك عمل تلفزيوني يجمع فنانين من دول العالم الإسلامي».


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.