«كاوست»: أسلوب واعد للطباعة الحيوية الثلاثية الأبعاد

هيدروجيل حيوي يسهم في تشكيل خلايا لأنسجة قادرة على البقاء

الباحث هيبي هاري سوسابتو في الفريق المطور لأسلوب الطباعة الحيوية الجديد
الباحث هيبي هاري سوسابتو في الفريق المطور لأسلوب الطباعة الحيوية الجديد
TT

«كاوست»: أسلوب واعد للطباعة الحيوية الثلاثية الأبعاد

الباحث هيبي هاري سوسابتو في الفريق المطور لأسلوب الطباعة الحيوية الجديد
الباحث هيبي هاري سوسابتو في الفريق المطور لأسلوب الطباعة الحيوية الجديد

شهدت الفترة ما بين 1984 وحتى 1988 ميلادي ولادة التصنيع الإضافي، أو ما يعرف باسم الطباعة ثلاثية الأبعاد على يد المهندس الأميركي تشاك هال. ومنذ ذلك الوقت تعددت الاستخدامات الحديثة لهذه التقنية لتشمل تقريبا كافة مناحي الحياة بما فيها المجال الصحي والطبي.
وتكمن ميزة استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد (التجسيمية) بشكل عام في قابلية أتمتتها ومساهمتها في زيادة تشكيل الأعضاء وإنتاجها على نطاق أكبر فضلاً عن الدقة الكبيرة التي تتمتع بها. ومن أبرز تطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد في المجال الطبي، إنتاج أطراف وأجزاء صناعية مخصصة لتناسب مرتديها، وكذلك الضمادات الذكية، وتركيبات الفم والأسنان، والأدوات الطبية.

- طباعة حيوية
كما حقق العلماء وشركات التقنية الحيوية تقدما كبيرا خلال السنوات الماضية في استخدام أدوات الطباعة الحيوية لإنشاء نسيج حي صناعي في المختبر عبر وضع طبقات الخلايا الحية، المسماة بـ«الحبر الحيوي»، فوق بعضها البعض، وطباعة الأعضاء والأنسجة للمساعدة على دراستها في المختبر وفي الأبحاث الطبية.
ويمكن تعريف الطباعة الحيوية على أنها طباعة ثلاثية الأبعاد تشتمل على خلايا حية ومواد حيوية في صورة أحبار لتصنيع الخلايا والأنسجة والهياكل الحيوية بمساعدة الكومبيوتر. وبمعنى آخر أنها منصة تصنيع تنتج هياكل تشبه الأنسجة الحية ثلاثية الأبعاد بما فيها من أوعية دموية دقيقة.
هذه التقنية تتمتع بإمكانية إحداث ثورة كبيرة في هندسة الأنسجة حيث يتم التركيز على تطوير بدائل بيولوجية قادرة على أن تحل محل الأنسجة التالفة أو إصلاحها في جسم الإنسان، مما يمهد لطباعة أعضاء بشرية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد يمكن زرعها في المستقبل في الجسم البشري. أيضاً تدعم هذه التقنية توجهات الطب الشخصي خاصةً فيما يتعلق بتشخيص الأمراض وتطوير الأدوية لها، وذلك بتجربة اختبار تأثيرها على الأعضاء المطبوعة ودراسة أعراضها، والاستغناء عن تجربتها على الحيوانات، قبل طرحها واستخدامها.

أسطوانات مطبوعة حيوياً يصل ارتفاعها إلى أربعة سنتيمترات تحتفظ بقوامها جيداً

- أسلوب جديد
الآن أصبح باستطاعة عملية جديدة مؤتمتة طورها باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)؛ من طباعة «سقالة هيدروجيل» قائمة على «الببتيد»، وفي داخلها خلايا موزعة بشكل منتظم. وتحتفظ السقالات بشكلها بمهارة، كما تسهل عملية نمو الخلايا الذي يستمر لأسابيع.
ويذكر أن الطباعة الثلاثية الأبعاد ساهمت في عملية تصنيع الأنسجة الحيوية، وقد نجحت في طباعة «أحبار هيدروجيل الحيوية»، بالإضافة إلى إمكاناتها الكبيرة في استخدام الخلايا الجذعية في الطباعة الحيوية، بجعلها قادرة على إنتاج أنسجة وأعضاء جديدة للإنسان.
و«الهيدروجيل» عبارة عن مادة آمنة ثلاثية الأبعاد مترابطة ذات مظهر صلب مكونة من سلاسل متشابكة من البوليمرات لديها القدرة على امتصاص كمية كبيرة من الماء والاحتفاظ بها، ويمكن للخلايا أن تنمو بداخلها. ويمكن الحصول على هذه البوليمرات من الطبيعة أو عن طريق تصنيعها.
اختبر العلماء «أحباراً حيوية» منها الطبيعي والصناعي؛ لطباعة السقالات التي تثبت الخلايا في مكانها حيث تنمو وتشكل نسيجا له قوام خاص. ولكن هناك تحديات تمثل حجر عثرة أمام بقاء الخلية وديمومتها. وذلك نظراً لأن الأحبار الحيوية الطبيعية، مثل: الجيلاتين والكولاجين تحتاج إلى المعالجة بالمواد الكيميائية أو الأشعة فوق البنفسجية للحفاظ على شكلها، مما يؤثر على حيوية الخلية. بالإضافة إلى أن الهلاميات المائية القائمة على البوليمرات الصناعية، والتي تم اختبارها حتى الآن، تتطلب استخدام مواد كيميائية قاسية وظروف تهدد بقاء الخلية.
لكن هذا العائق لم يثنِ فريق البروفسورة شارلوت هاوزر، رئيسة قسم الهندسة الحيوية بـ«كاوست» عن هدفه؛ حيث طور عملية طباعة حيوية باستخدام «الببتيدات فائقة القصر» كركيزة أساسية في عملية تحبير السقالات، وذلك بتصميم ثلاثة «ببتيدات» باستخدام تركيبات مختلفة من الأحماض الأمينية مثل: إيزولوسين، لايسين، فينيل ألانين، وسيكلوهكسيل ألانين.
و«الببتيد» هو سلسلة من الأحماض الأمينية مرتبطة مع بعضها البعض مكونة ما يسمى بـ«الببتيدات» إذا ما زاد عدد الأحماض الأمينية عن 100 حمض بالبروتينات.

- منتجات فعلية
وإذا تطرقنا إلى الحديث عن الطباعة الفعلية، فقد استخدم الفريق فوهة جديدة ثلاثية المدخل؛ حيث ينتقل ببتيد «الحبر الحيوي» إلى مدخل واحد، وينتقل محلول منظم إلى مدخل آخر، ويتم إضافة الخلايا من خلال مدخل ثالث. وبالتالي فإن آلية عمل الطباعة الحيوية المذكورة تسمح لببتيد الحبر بالاختلاط تدريجياً مع المحلول المنظم، ثم يتحد مع الخلايا عند مخرج الفوهة. وبمجرد إخراج الحبر، فإنه يتصلب على الفور، ويحتجز الخلايا الموجودة داخل هيكله.
يقول هيبي هاري سوسابتو، الباحث في مرحلة الدكتوراة بـ«كاوست»: «إن العثور على مادة حيوية صديقة للخلايا، وتعزز بقاءها على المدى الطويل، ويمكن طباعتها أيضاً هو أمر عسير». ويردف قائلاً: «لكن الأحبار الحيوية الخاصة بنا والمصنوعة من الهلاميات المائية لببتيد فائق القصر وذاتي التجمع تجعل منه أمراً يسيراً».
بالاستعانة بهذه التقنيات، تمكن الفريق من طباعة أسطوانات يصل ارتفاعها إلى أربعة سنتيمترات، وأنف يشبه أنف الإنسان، وجميعها تحتفظ بقوامها جيداً.

- نجاة دماغ الفأر
علاوةً على ذلك، تمكنت الخلايا الليفية البشرية، والخلايا الجذعية الوسيطة لنخاع العظم البشري، والخلايا العصبية لدماغ الفأر من النجاة وتكاثرت جيداً داخل مصفوفة «الهيدروجيل». وحفز العلماء الخلايا الجذعية الوسيطة للنخاع العظمي للتمايز داخل سقالة مطبوعة إلى نسيج مرن يشبه الغضروف خلال فترة 4 أسابيع.
وبعد التحقق من نجاة الخلية، يعمل الفريق في الوقت الراهن على تغيير كيمياء السطح لأحبارهم الحيوية بحيث تصبح مشابهة إلى حد كبير لبيئة الخلية في جسم الإنسان. وتعرب هاوزر عن طموحاتها في التطوير، فتقول: «إن خطوتنا التالية تكمن في الطباعة الحيوية لنماذج الأمراض ثلاثية الأبعاد وأعضاء مصغرة، وتشخيصها، ولاختبار الأدوية بإنتاجية عالية». وتضيف: «يمكن أن يسهم ذلك في تقليل وقت وتكلفة البحث عن أدوية شخصية وأكثر فاعلية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان
TT

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في اكتشاف وتوقع جوانب مختلفة في علاج جذور الأسنان المسماة من قِبل عامة الجمهور بـ«حشوات العصب» Endodontics.

الذكاء الاصطناعي يرصد جذر الأسنان

في مجال الاكتشاف، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الآفات والخراجات حول قمة جذور الأسنان، وكسر التاج والجذر، وتحديد طول الجذر، وكشف تشريح الجذور والقنوات. تشمل مهام التنبؤ تقدير الحاجة إلى إعادة العلاج. تُعد الخراجات حول قمة جذور الأسنان، شائعة وتُشكّل تحديات في التشخيص وتخطيط العلاج للأطباء. ويمكن أن يُحسّن التعرف المبكر على هذه الآفات من نتائج العلاج من خلال منع انتشار المرض إلى الأنسجة المحيطة.

إن علاج جذور الأسنان أو حشوات العصب، المعروف أيضاً باسم «علاج العصب»، فرع من فروع طب الأسنان يركز على تشخيص، ومعالجة أمراض لب الأسنان (العصب) والجذور.

يتضمن هذا العلاج إزالة اللب التالف أو المصاب داخل السن (لب السن المحتوي على العصب والشريان والوريد والأوعية اللمفاوية وكثير من الخلايا لكن الكل يسمي اللب بالعصب!)، وتنظيف وتعقيم القنوات الجذرية، ثم حشوها بمواد طبية خاصة لمنع العدوى المستقبلية، وحماية الأسنان من مزيد من التلف.

أهمية علاج جذور الأسنان

- تخفيف الألم: يساعد علاج الجذور في تخفيف الألم الشديد الناتج عن التهابات العصب، إذ قالت العرب: «لا ألم إلا ألم الضرس».

- إنقاذ الأسنان: يمكن أن يمنع العلاج الفقدان الكامل للسن المتضررة، مما يحافظ على الأسنان الطبيعية بدلاً من اللجوء إلى التعويضات الصناعية.

- منع العدوى: العلاج الفوري والعناية الجيدة تمنعان انتشار العدوى إلى الأنسجة المحيطة والعظام، وقد تم تسجيل بعض حالات الوفاة من انتقال الصديد من خراجات الأسنان إلى الدورة الدموية.

وحسب المكتب العربي في منظمة الصحة العالمية فإن هناك أكثر من 130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان، ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب.

الذكاء الاصطناعي يسابق جراحي الأسنان

* رصد الخراجات: أجرى العالم البريطاني أندرياس وزملاؤه دراسة مقارنة ما بين أداء خوارزمية الذكاء الاصطناعي و24 جراح فم ووجه في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان على الأشعة البانورامية. وخلصت الدراسة إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلم العميق تفوقت على بعض الجراحين. وبالمثل، أظهرت دراسة أخرى أن نماذج الشبكات العصبية التلافيفية CNN، (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي المستلهمة من العصب البصري لتحديد الأشكال)، أدت أداءً أفضل من ثلاثة أطباء استشاريي أشعة فم ووجه، في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان أثناء المحاكاة على الأشعة داخل الفم.

وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة «طب الأسنان» البريطانية أخيراً، استخدم العالم أورهان وزملاؤه أكثر من 100 أشعة مقطعية للأسنان لاختبار نظام الذكاء الاصطناعي، وذكروا دقة اكتشاف عالية مقارنة باختصاصي الأشعة.

تشخيص كسور الجذور وأطوالها

* تشخيص كسور الجذور الأفقية والعمودية: وهو مهمة تتطلب الخبرة، ويفشل تقريباً 75 في المائة من الأطباء في تحديدها على الأشعة. تم تطوير نماذج من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف كسور الجذور تلقائياً على الصور الشعاعية للأسنان ثنائية وثلاثية الأبعاد.

أظهرت دراسة لفوكودا وزملائه أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة واعدة لتشخيص الكسور الجذرية العمودية على الأشعة البانورامية. وأظهرت دراسة أخرى للدكتور جوهاري من «هارفارد» وزملائه أداءً ممتازاً باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي للكشف عن الكسور الجذرية العمودية بدقة 96.6 في المائة.

* تحديد طول الجذر بدقة: خطوة حاسمة لنجاح علاج قناة الجذر أو حشوات العصب، حيث إن 60 في المائة من فشل علاج حشوات العصب بسبب عدم الحساب الدقيق لطول قناة العصب، ما يؤدي إلى قصر أو زيادة الحشوة، ويؤدي بدوره إلى فشل العلاج، وتفاقم الخراج مع خطورة ذلك.

أظهرت الدراسات أن الشبكات العصبية الاصطناعية (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي) يمكن استخدامها لتحديد طول الجذر بدقة. أبلغ الدكتور ساغيري وزملاؤه في بحث منشور أخيراً في مجلة «طب الأسنان» الأميركية أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه أداة إضافية لتحديد موقع خروج العصب من قمة جذر الأسنان، وقد أثبت ذلك عدم وجود فروق في قياسات طول الجذر عند مقارنة الذكاء الاصطناعي مع القياسات الفعلية بعد إجراء القياسات الفعلية.

معدلات نجاح عالية

وهكذا فقد أظهرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على CNN معدلات نجاح عالية في الكشف التلقائي عن الأسنان وتجزئتها على الأشعة ثنائية وثلاثية الأبعاد.

ويتمتع الذكاء الاصطناعي بمستوى عالٍ، مقارنة بالمراقبين البشريين، ولكن مع أوقات معالجة أسرع بكثير. وبما أن تحديد تشريح الجذور والقنوات هو أمر ضروري لنجاح علاج قناة الجذر، فإن لدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي القدرة على المساهمة في هذه المهام.

*رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان في الشرق الأوسط.

حقائق

130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب