ليبيون يبحثون عن رفات أبنائهم في ترهونة

بعد تجديد ولاية بعثة تقصي الحقائق الأممية تسعة أشهر

مقبرة جماعية عثر عليها مؤخراً في مدينة ترهونة غرب ليبيا (الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين)
مقبرة جماعية عثر عليها مؤخراً في مدينة ترهونة غرب ليبيا (الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين)
TT

ليبيون يبحثون عن رفات أبنائهم في ترهونة

مقبرة جماعية عثر عليها مؤخراً في مدينة ترهونة غرب ليبيا (الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين)
مقبرة جماعية عثر عليها مؤخراً في مدينة ترهونة غرب ليبيا (الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين)

تمسّكت أسر ضحايا «المقابر الجماعية» بمدينة ترهونة (90 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس)، بسرعة التحقيق في الجرائم التي قالوا إن ميليشيا «الكانيات» ارتكبتها في المدينة، حتى منتصف عام 2020، بينما يواصل البعض منهم البحث في الصحراء المتاخمة لمنازلهم عن رفات مواطنين آخرين لا يزالون مفقودين.
وتواجه ميليشيات «الكانيات» اتهامات بتصفية مئات من الأسرى، الذين وقعوا في قبضتها انتقاماً لمقتل آمرها محسن الكاني، وشقيقه عبد العظيم، ودفنهم في «مقابر جماعية» على أطراف المدينة.
وتكوّنت «الكانيات» من ستة أشقاء وأتباعهم، وكانت تتمتع بقوة عسكرية مطلقة في المدينة قبل عام 2020، وقد بثّ عناصرها الرعب في صفوف السكان المحليين، فيما قُضي بشكل منهجي على الأصوات الناقدة، حتى إن أقاربهم لم يسلموا من بطشهم، وذهبوا إلى حد استخدام «الأسود» لبث الرعب في ترهونة.
وتجري النيابة العامة الليبية تحقيقات واسعة مع بعض الأشخاص بعد القبض عليهم مؤخراً بتهمة التورط في جرائم «المقابر الجماعية»، من بينهم فوزي الجوّادي، الذي أقر بارتكاب «الكانيات» جرائم كثيرة منذ أن بسطت قبضتها على المدينة، على أن تستكمل التحقيقات عقب عيد الأضحى، بحسب مصدر قضائي مطلع على القضية.
وتواصل فرق الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، البحث عن مقابر جديدة في محيط ترهونة، كما سعت بعض الأسر التي فقدت عائلها أو أبناءها، خلال الأيام الماضية، للبحث عن رفاتهم بالتنقيب في صحراء المدينة.
وروى المواطن أحمد فرج منصور، في تحقيقات النيابة، كيف «قتلت عصابات الكانيات نجليه علي ومحمد أمامه دون رحمة»، مشيراً إلى أنه «يواصل البحث عن أي أثر لهما بين رفات المفقودين الذي يعثر عليه من وقت لآخر».
وأحدث العثور على «مقابر جماعية» في ترهونة ردود فعل غاضبة؛ حيث دعت منظمات دولية ومحلية إلى تحقيق «سريع وشفاف في هذه الجرائم»، وبحث مصير السكان المفقودين على يد تلك الميليشيات. كما سبق للهيئة، الإعلان عن العثور على عشرات «المقابر الجماعية» منذ هروب «الكانيات» من المدينة في أعقاب انتهاء الحرب على طرابلس.
وقالت بعثة تقصي الحقائق، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في 22 يونيو (حزيران) 2020، إنها توصلت إلى «أسباب معقولة للاعتقاد بأن أفراد من ميليشيا الكانيات ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية» متمثلة في «الإبادة، والسجن، والتعذيب، والاضطهاد، والاختفاء القسري ضد سكان محددين»، في ترهونة، منذ أن فرضوا سيطرتهم على المدينة حتى يونيو 2020.
وأوضحت البعثة، في تقرير رفعته مطلع يوليو (تموز) الجاري، إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن «الكانيات استهدفت بشكل منهجي جميع أشكال المعارضة الفعلية والمتصورة، وقضت عليها»، وقالت إنها وثّقت «جرائم فظيعة» ضد مواطني المدينة.
ومدّد مجلس حقوق الإنسان ولاية البعثة في ليبيا، تسعة أشهر إضافية، على أن تكون «فترة نهائية غير قابلة للزيادة». وطالبها، بحسب موقعه الإلكتروني، مساء أول من أمس، بتقديم توصياتها الختامية خلال انعقاد دورته الثانية والخمسين المقبلة.
ويفترض، بحسب موقع البعثة، أن تحث السلطات الليبية على «وضع خطة عمل وطنية تتعلق بحقوق الإنسان؛ لمتابعة التحقيقات فيما توصلت إليه بعثة تقصي الحقائق، وتنفيذ التوصيات الصادرة عن المعاهدات الدولية، وتعزيز سيادة القانون، بما في ذلك دعم العمليات القضائية وإنفاذ القانون».
وكانت بعثة تقصي الحقائق حضّت على «إنشاء محكمة خاصة للنظر في الجرائم المرتكبة في ترهونة، وذلك بدعم فني دولي ومساعدة الخبراء المختصين»، داعية إلى ضرورة عدم تطبيق قوانين التقادم والعفو على مثل هذه الجرائم الدولية الواقعة ضمن اختصاص هذه المحكمة التي رأت أنها لا بد أن تتمتع بقوة إنفاذ قانون قضائية مستقلة لتنفيذ قراراتها وضمان حمايتها من أي تدخل.
وتعرفت عشرات الأسر على هوية ضحاياها بعد مطابقة عينات الحمض النووي (DNA) مع أسرهم في مختبرات الهيئة العامة، كان آخرهم المواطن البشير عاشور، من مواليد عام 1986، الذي ترك 7 أبناء، بحسب عملية «بركان الغضب» التابعة لقوات «الوفاق». وسبق وخطفته ميليشيا «الكانيات» في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2019 برفقة إخوته عبد الحكيم وعبد الباسط وأسامة؛ حيث عُثر على أسامة وعبد الباسط سابقاً في «المقابر الجماعية»، فيما لا يزال عبد الحكيم مفقوداً.
وعقب انتهاء الحرب التي شنّها «الجيش الوطني» على طرابلس مطلع يونيو 2020، عثر المواطنون في مدينة ترهونة على مقابر، ضمّت مئات الجثث من مختلف الأعمار. كما أظهرت مقاطع فيديو بثتها عملية «بركان الغضب»، التابعة لقوات حكومة «الوفاق» السابقة، عمليات الكشف وانتشال عشرات الجثث لأشخاص، بعضهم مكبل اليدين، بينهم أطفال، من مواقع بصحراء ترهونة، وحاوية حديدية، وبئر معطلة بالقرب من المدينة.
في السياق ذاته، قالت الهيئة العامة إنها راجعت عدداً من ملفات أسر المفقودين والتقارير المبدئية للطب الشرعي والتدقيق مع (إدارة الرفات) ومقارنتها بنتائج تحاليل البصمة الوراثية المتحصل عليها من إدارة المختبرات، لافتة إلى أن عدد الملفات المتعرف عليها أصحابها عن طريق مختبرات الهيئة وصل إلى 150 ملفاً.
ولفتت الهيئة إلى أنها نظمت دورة تدريبية للدعم النفسي للفرق الميدانية التي تواصل البحث عن «المقابر الجماعية». وتهدف الدورة، التي تصل إلى أسبوعين، إلى مساعدتهم نفسياً في ظل ما يقابلهم من مشاهد مروعة فور اكتشافهم مقابر جديدة.
وسبق أن زار وفد من المحكمة الجنائية الدولية ترهونة في ديسمبر 2020 لمعاينة المقابر، كما سبق لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» المطالبة بالتحقيق في القضية.


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

الرباط تحتضن الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المغربية - الفرنسية

العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
TT

الرباط تحتضن الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المغربية - الفرنسية

العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)

تنفيذاً لتعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، ترأس الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، مع الجنرال تييري بوركهارد، رئيس أركان القوات المسلحة للجمهورية الفرنسية، الاثنين، في العاصمة الرباط، الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المختلطة المغربية - الفرنسية، بحسب ما أوردته تقرير لوكالة الأنباء المغربية الرسمية.

وذكر بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية أن المباحثات بين المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية تمحورت حول مختلف أوجه التعاون العسكري الثنائي، وكذا الوضع الأمني الإقليمي والدولي.

وأضاف المصدر ذاته أن المسؤولين أشادا بالمستوى المتميز للتعاون بين القوات المسلحة للبلدين؛ ما يعكس الروابط القوية التي تجمعهما، والتي ما فتئت تتعزز في مختلف القطاعات. كما اتفقا على الاستفادة من الدينامية التي أحدثتها الشراكة الاستثنائية المعززة، التي أرساها قائدا البلدين، الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون.

وخلال اللقاء، ركزت اللجنتان على بحث نتائج التعاون العسكري الثنائي لعام 2024، وكذا الأنشطة التي سيتم تنفيذها في عام 2025.

كما أجرى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف إدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، في اليوم نفسه، مباحثات بمقر الوزارة مع الجنرال تيري بوركهارد، رئيس أركان القوات المسلحة للجمهورية الفرنسية.

وخلال هذه المحادثات، يضيف البلاغ، أعرب المسؤولان عن ارتياحهما للدينامية الإيجابية لعلاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين، وكذا آفاق توسيعها لتشمل مجالات الفضاء والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي خدمة للقوات المسلحة والصناعة الدفاعية.