وثيقة أطلسية تاريخية تحدد أولويات الحلف في ضوء حرب أوكرانيا

البلدان الأعضاء ترى عدم استبعاد وقوع اعتداء آخر على إحدى الدول الحليفة

وثيقة أطلسية تاريخية تحدد أولويات الحلف في ضوء حرب أوكرانيا
TT

وثيقة أطلسية تاريخية تحدد أولويات الحلف في ضوء حرب أوكرانيا

وثيقة أطلسية تاريخية تحدد أولويات الحلف في ضوء حرب أوكرانيا

اعتمدت القمة التي عقدها قادة حلف شمال الأطلسي «ناتو» أواخر الأسبوع الفائت، في العاصمة الإسبانية مدريد، «المبدأ الاستراتيجي» الذي يحدد إطار أنشطة الحلف والخطوط التوجيهية لعملياته في مواجهة التحديات التي تواجه الدول الأعضاء والتهديدات التي يحتمل أن تتعرض لها خلال السنوات العشر المقبلة. هذا المبدأ الاستراتيجي الجديد، وهو التاسع منذ تأسيس الحلف عام 1949 في واشنطن، يهدف إلى التكيف مع التغيير العميق الذي طرأ على المشهد الجيوسياسي الدولي بعد دخول الجيش الروسي إلى أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي. وكان هذا التطور قد أنهى ربع قرن من التعايش السلمي بين «ناتو» والاتحاد الروسي بعدما تعرض لاهتزاز قوي عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014. أما أبرز ما في العناوين الرئيسية لاستراتيجية الدفاع الأطلسية الجديدة فهو تحديدها روسيا مصدراً لـ«التهديد المباشر الأكثر خطورة» على أمن الدول الأعضاء، ولأول مرة في تاريخ الحلف وضعت «العملاق الصيني» في مرتبة «التحدي المنهجي الأول» على امتداد القرن الـ21، غير أن هذه ليست وحدها المستجدات التي تتضمنها هذه الوثيقة الأساسية التي ستكون «خريطة الطريق» الغربية في الصراع الذي سيحدد معالم المعادلات الأمنية الدولية في العقود المقبلة. وهي التي تشكل إشارة الانطلاق نحو مرحلة جديدة بالنسبة لهذا الحلف الذي كان دخل في حالة «موت سريري» منذ أشهر ليصبح اليوم الأداة الأساسية في مواجهة «مرحلة حرجة بالنسبة للاستقرار والسلم في العالم»، كما جاء في نص الوثيقة.
«نحن رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في حلف الدفاع الأطلسي، المجتمعين في مدريد إبان مرحلة حرجة بالنسبة لأمننا وللسلم والاستقرار في العالم، قررنا اعتماد المبدأ الاستراتيجي الجديد الذي يضمن جهوزية الحلف (ناتو) والموارد التي تمكنه من التصدي لتحديات المستقبل».
بهذه الفقرة الاستهلالية يحدد قادة الحلف المسافة البعيدة الفاصلة بين السياسة الدفاعية الجديدة، وتلك التي كانت المنظمة الأطلسية وضعتها في «قمة لشبونة» عام 2010، وكانت يومها اكتفت بالإشارة إلى استعداد الحلف لمواصلة دوره في الدفاع عن الأمن المشترك للدول الأعضاء. وبذلك تكون «قمة مدريد» قد أعلنت نهاية مرحلة الانفراج الذي ساد العلاقات بين الغرب وموسكو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية «الحرب الباردة».
- تعهد صريح
أيضاً، يتعهد قادة «ناتو» في الوثيقة الدفاعية الجديدة «القيام بما يلزم لحماية المليار مواطن في الدول الأعضاء، والدفاع عن أمنهم وديمقراطيتهم وسلامة أراضيهم»، ويعقدون العزم على «التصدي متحدين لكل التهديدات بغض النظر عن مصدرها».
هذا التعهد الصريح يؤسس لما يعتبره الحلف حقه في الدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد والقوانين، والذي انتهكه فلاديمير بوتين بشكل مفضوح ويتعرض للتهديد غير المباشر من الصين. وهو مفهوم يتجاوز بوضوح الاعتبارات الجغرافية التقليدية للدفاع، انطلاقاً من التشخيص الأطلسي الذي مفاده أن موسكو وبكين كانتا قد اتفقتا، قبيل بداية غزو أوكرانيا، على رص الصفوف لإنشاء نظام بديل عن النظام الديمقراطي الليبرالي الذي تعتبره روسيا والصين أداة بيد الغرب للهيمنة على العالم.
من ناحية ثانية، رغم إعلان القادة الأطلسيين عن استعدادهم للتعاون الوثيق مع البلدان الأخرى والمنظمات الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، للمساهمة في توطيد السلم والأمن الدوليين، فإنهم يعتبرون «أن العدوان الذي شنه الاتحاد الروسي ضد أوكرانيا دمر السلم وأحدث تغييراً خطيراً في المشهد الأمني، بعد الانتهاكات المتكررة للقانون الإنساني الدولي والدمار الهائل الذي أوقعه. الأمر الذي يجعل من المستحيل التنبؤ بما يمكن أن تحمله المرحلة المقبلة من تطورات، ويستدعي تعزيز الجهوزية لمواجهتها». غير أن «خريطة الطريق» الجديدة للحلف لا تقف فحسب عند «الأعمال العدوانية التي تقوم بها روسيا ضد جيرانها ولمنطقة المحيط الأطلسي عموماً»، بل تضيف إليها تهديدات الإرهاب واتساع دائرة الاضطرابات في معظم المناطق، والمنافسة الاستراتيجية المتنامية، وصعود الأنظمة الاستبدادية التي تشكل هي أيضا تهديداً لمصالح حلف شمال الأطلسي وقيم أعضائه.
- توسيع دائرة المواجهة
هذه المقاربة الجغرافية الجديدة التي توسع دائرة المواجهات المحتملة لتشمل جهات العالم الأربع، تولي أيضا اهتماماً خاصاً بالتهديدات التي تواجه «بلدان الجنوب» مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان، وتدعو إلى تعزيز قدرات الردع والدفاع عن طريق زيادة ملحوظة في موازنات الإنفاق العسكري. إذ تشدد الوثيقة الاستراتيجية الأطلسية على أهمية القدرات الوطنية والمشتركة والاستثمار في مجال الابتكار التكنولوجي ومواجهة تداعيات التغير المناخي وتدفقات الهجرة من البلدان المجاورة. وكذلك تفرد الوثيقة باباً خاصاً لضرورة تأمين جميع سلاسل الإمدادات الحيوية، بعد الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها أسواق الحبوب والطاقة وأظهرت كيف أن الترابط العالمي بينها من شأنه أن يتحول إلى سلاح فاعل جداً. وهو ما يقضي بزيادة القدرات على الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية والاستراتيجية، أو الاعتماد على مصادر توريد صديقة.
ومن جهة أخرى، تدعو الوثيقة إلى توطيد العلاقات مع الدول التي تتبنى مبادئ احترام السيادة الوطنية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والقانون الدولي، والتي وإن كانت تقع خارج الإطار الجغرافي التقليدي للحلف فإنها تندرج ضمن دائرة مواجهة دولية على أسس آيديولوجية، وبالأخص، تلك الواقعة في الشرق الآسيوي مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا... التي دعيت للمرة الأولى للمشاركة في قمة أطلسية.
وللمرة الأولى أيضا، يشير المبدأ الاستراتيجي إلى أن الحلف هو «المنظمة الوحيدة، والأساسية، والتي لا غنى عنها» لتنسيق السياسات الدفاعية بين الدول الأعضاء. وهو ما يمكن تفسيره بأنه إشارة إلى المسارات الأخرى للاندماج العسكري، كالذي تدعو إليه بعض الدول داخل الاتحاد الأوروبي، التي بات من الواضح أنها لا بد أن تبقى تحت المظلة الأطلسية بعدما عززت الحرب في أوكرانيا الدور المحوري للحلف.
- احتمالات عدوان آخر
ولكن لعل التطور الأهم في المبدأ الاستراتيجي الجديد، الذي تمخضت عنه قمة مدريد، هو إعلان البلدان الأطلسية اقتناعها بأن انتهاك الاتحاد الروسي للقواعد والمبادئ التي يقوم عليها الأمن الأوروبي يفرض عليها عدم استبعاد وقوع اعتداء آخر على أحد الدول الحليفة ووحدة أراضيها، فضلاً عن اعتبار التهديدات التي تواجه الحلف أصبحت «عالمية» و«مترابطة».
هذا الموقف لا يرقى إلى «إعلان حرب» - يردد «ناتو» على الدوام منذ بداية غزو أوكرانيا - أنه يريد أن يتحاشاها، إلا أنه اتهام صريح ومباشر لروسيا بأنها المسؤولة عن انتهاك القواعد التي كانت تضمن السلم والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية. ويجدر التذكير أنه في حين كان المبدأ الاستراتيجي الأخير الذي اعتمده الحلف في «قمة لشبونة» يعرب عن الارتياح لكون «المنطقة الأوروبية الأطلسية تنعم بالسلم، ويتدنى خطر تعرض البلدان الأعضاء لهجوم بالأسلحة التقليدية»، يشير المبدأ الجديد إلى «تهديدات عالمية ومترابطة». كما يوجه الحلف اتهامات ضد «الجهات المستبدة التي تهدد مصالحنا وقيَمنا وأسلوب العيش الديمقراطي» باستثماراتها المتنامية في الأجهزة الحربية التقليدية والنووية والصاروخية المتطورة من غير شفافية أو احترام للقواعد والتعهدات الدولية المرعية، واستغلالها للترابط الرقمي المفتوح في البلدان الغربية.
لا تسمي الوثيقة الجهات التي توجه إليها أصابع الاتهام، إلا أن أسماء البلدان المقصودة واضحة من غير الحاجة للإشارة إليها صراحة. فالاستثمارات الضخمة في المجال العسكري تحال إلى الصين التي تطور ترسانتها الحربية بوتيرة غير مسبوقة، والتدخل في العمليات الديمقراطية تقف وراءه روسيا بمحاولاتها التأثير في الانتخابات، واستغلالها تدفقات الهجرة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي في محاولة لزعزعة الاستقرار السياسي في هذه البلدان.
يُذكر أنه في العام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أسقط «ناتو» من خطابه لغة المواجهة مع موسكو واستعاض عنها بالتنسيق والتعاون. بل إنه توصل إلى توقيع ميثاق تأسيسي لتطوير العلاقات مع روسيا مع احتمال انضمامها إلى أسرة الحلف. وفي العام 2010 كان الرئيس الروسي - آنذاك - ديميتري ميدفيديف ضيف الشرف في «قمة لشبونة» الأطلسية. لكن ارتماء أوكرانيا في أحضان الغرب أثار حفيظة موسكو، ثم غضبها، فكانت خطوة ضم شبه جزيرة القرم التي شكلت بداية انهيار التعايش السلمي بين الطرفين.

- روسيا مصدر تهديد
تعتبر الوثيقة الاستراتيجية الجديدة للحلف أن الاتحاد الروسي هو «أخطر تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة الأطلسية». وهي تتهم موسكو بأنها تسعى إلى إرساء مناطق نفوذها وسيطرتها المباشرة عن طريق التهديد والتخريب والعدوان، مستخدمة الوسائل التقليدية والسيبرانية والهجينة ضد أعضاء الحلف وشركائه. وإذ تنبه الوثيقة من أن لجوء روسيا إلى استخدام القوة لتحقيق أهدافها السياسية يقوض النظام الدولي القائم على القواعد والقوانين، فإنها تحذر من تطوير ترسانتها النووية والمنظومات الصاروخية والتهويل باستخدامها.
ومن ثم تضيف الوثيقة أن موسكو تهدف إلى زعزعة الاستقرار في بلدان أوروبا الشرقية والجنوبية، في حين تعرقل حرية الملاحة في شمال المحيط الأطلسي. وتسعى كذلك إلى توسيع دائرة نفوذها العسكري في البلطيق والبحر الأسود والمتوسط ما يشكل خطراً مباشراً على المصالح الأطلسية، خاصة بعد الاندماج العسكري الذي بات وشيكاً بين موسكو و«جارتها النووية» أيضا بيلاروسيا. ولكن في المقابل، يعرب الحلف عن استعداده لإبقاء قنوات الاتصال والحوار مفتوحة مع موسكو بهدف إدارة المخاطر والحد منها، ومنع التصعيد في الأزمات. ويؤكد أن أي تعديل في العلاقة يبقى مشروطاً بوقف الأعمال العدوانية التي تقوم بها موسكو وامتثالها التام للقانون الدولي. ويتابع أنه إلى أن يتحقق ذلك يقرر «ناتو» إنهاء الشراكة الاستراتيجية التي أقامها مع روسيا منذ ثلاثين سنة، تاركاً نافذة مفتوحة للحوار من أجل احتواء التصعيد بين الترسانتين النوويتين الكبريين في العالم.
وللمرة الأولى أيضا تشير الوثيقة الاستراتيجية للحلف إلى بلدان الجوار الجنوبي - خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والساحل - التي تواجه أزمات أمنية وديموغرافية واقتصادية وسياسية مترابطة تتفاقم جراء تغير المناخ والجوائح الصحية وانعدام الأمن الغذائي، ما يشكل أرضاً خصبة لتنامي الجماعات الإرهابية ويسهل تغلغل المنافسين الاستراتيجيين للحلف في هذه المناطق.
وأما بالنسبة إلى الصين، فهي كانت غائبة بشكل كلي عن الاستراتيجية الدفاعية التي اعتمدها «ناتو» في لشبونة، أفردت لها استراتيجية مدريد باباً كاملاً يعرض التحديات الناشئة عن الوتيرة السريعة لزيادة القدرات العسكرية الصينية، وتطوير أنظمة صاروخية معقدة، والتمدد في المحيط الإقليمي وخارجه.
أخيراً، من النتائج التاريخية الأخرى التي أسفرت عنها «قمة مدريد» الأطلسية كان قبول ترشيح السويد وفنلندا لعضوية «ناتو»، بعد قرار تركيا سحب «الفيتو» على طلب الترشيح الذي يقتضي موافقة الدول الأعضاء عليه بالإجماع. ومعروف أن أنقرة كانت قد اشترطت لسحب «الفيتو» أن تتجاوب الدولتان مع مطالبها لتسليم المطلوبين المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية والمشاركة في محاولة الانقلاب الأخيرة، ورفع الحظر المفروض على تصدير أسلحة وأجهزة حربية متطورة إلى تركيا. ورغم التفاؤل الذي شاع في الأوساط الأطلسية بعد القرار التركي الذي فتح أبواب المنظمة العسكرية أمام اثنتين من الدول التي منذ عقود تجسد سياسة الحياد بين المعسكرين، ذكرت أنقرة بأن موافقتها اقتصرت على قبول الترشيح، وأن الموافقة النهائية على العضوية - التي تقتضي تصديق برلمانات الدول الحليفة - تبقى مشروطة بالخطوات العملية التي تتخذها السويد وفنلندا للوفاء بالتعهدات.

ستولتنبرغ

- ينس ستولتنبرغ... من مناضل في الحركات السلمية إلى أمين عام لـ«ناتو»
> حتى بلوغه العاشرة من العمر لم يكن النرويجي ينس ستولتنبرغ قد تعلم القراءة والكتابة، إذ كان يواجه صعوبة كبير في النطق، بجانب معاناته من السمنة. ثم إنه لم يكن في طفولته أي شيء يوحي بأنه سيصل إلى زعامة الحزب الأبرز في بلاده، ثم يتولى رئاسة الحكومة مرتين، قبل أن يصبح أميناً عاماً لحلف شمال الأطلسي «ناتو» وتجدد ولايته في ذروة أخطر أزمة دولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكن ستولتنبرغ «رضع» السياسة منذ نعومة أظفاره في البيت، حيث كان والداه من الناشطين التقدميين الملتزمين الدفاع عن قضايا التحرر الوطني. وكان يرى المناضلين الأفارقة يترددون على بيت العائلة آتين من أنغولا وموزمبيق وجنوب أفريقيا، بمن فيهم نيلسون مانديلا. ورغم أن ميوله الأكاديمية كانت بعيدة عن السياسة إذ دفعته إلى دراسة الرياضيات، انتهى به الأمر في صفوف حزب العمال النرويجي حيث راح يتدرج صعوداً إلى أن تولى زعامته قبل أن يرأس الحكومة النرويجية لولايتين متتاليتين.
إبان رئاسة ستولتنبرغ للحكومة هزت النرويج أفظع حادثة إرهابية في تاريخها السياسي. ففي العام 2011 سقط 77 قتيلاً معظمهم من الشباب الذين كانوا يشاركون في مخيم صيفي للحزب الاشتراكي في جزيرة أوتويا، التي اعتاد أن يمضي فصل الصيف فيها مع عائلته. ويقول ستولتنبرغ في إحدى مقابلاته أن تلك كانت أكبر الصدمات التي واجهته في بلد ليس معتاداً على أعمال العنف، ودفعته إلى إعادة النظر في كثير من المواقف التي كان يدافع عنها.
وفي العام 2014 تولى منصب الأمين العام لأكبر حلف دفاعي في العالم يعيش تحت مظلته مليار شخص ويضم نصف الترسانة العسكرية الدولية. وعندما تزامنت ولايته مع وجود دونالد ترمب في البيت الأبيض مر الحلف بأصعب المراحل منذ تأسيسه، عندما شكك الرئيس الأميركي في مبررات وجوده خلال قمة العام 2018، ورغم ما يقال عنه إنه يسير بتوجيهات واشنطن وحسب رغباتها، فإنه حرص في تلك الأزمة على وحدة الدول الأعضاء، ولم ينتبه أحد خلال تلك القمة كيف كان محافظاً على هدوئه وتركيزه فيما كان والده على فراش الموت في أوسلو.
وبعدما أسفرت أزمة حلف شمال الأطلسي التي تفاقمت على عهد ترمب عن الانسحاب المهين من أفغانستان، بدأ الحديث عن أن المنظمة الدفاعية دخلت في «موت سريري» وأن أيامها أصبحت معدودة. بيد أن الحرب في أوروبا أعادت لها مهمتها التاريخية لاحتواء الرغبات التوسعية الروسية، وهذا بينما كان ستولتنبرغ يصل إلى نهاية ولايته ويقبل عرضاً من بلاده لرئاسة المصرف المركزي النرويجي... لكن الحرب في أوكرانيا دفعت بأعضاء الحلف إلى اقتراح تجديد ولايته، غير أنه اكتفى بقبول تمديدها حتى نهاية العام المقبل أملاً في أن تكون الحرب قد انتهت.


مقالات ذات صلة

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.

العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم {الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

{الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

اعترضت مقاتلات ألمانية وبريطانية ثلاث طائرات استطلاع روسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق، حسبما ذكرت القوات الجوية الألمانية اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. ولم تكن الطائرات الثلاث؛ طائرتان مقاتلتان من طراز «إس يو – 27» وطائرة «إليوشين إل – 20»، ترسل إشارات جهاز الإرسال والاستقبال الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.