استعادت القوات العراقية مجموعة من القرى والبلدات في صحراء جنوب شرقي مدينة الرمادي من تنظيم داعش خلال الأيام القليلة الماضية مقتربين من المدينة الكبرى استعداد لتنفيذ هجوم مضاد. مع ذلك لا تدع الأعلام الصفراء والخضراء، التي تصطف على جوانب الطرق التي تم تأمينها حديثًا، وترفرف على الأسطح، مجالا للشك في أن الطرف الذي يقود المعارك هو تنظيم «كتائب حزب الله» الذي صنفته الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي.
وتنافس حليفا العراق الرئيسيان، وهما إيران والولايات المتحدة، على النفوذ في معركة العراق لاستعادة الأراضي التي استولى عليها تنظيم داعش العام الماضي. وفي الوقت الذي تقود فيه الجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران القتال في أماكن أخرى، اتخذ الجيش العراقي المدعوم من الولايات المتحدة ووحدات مكافحة الإرهاب مواقعهم على خطوط المواجهة في محافظة الأنبار بدعم من حملة جوية بقيادة الولايات المتحدة دخلت شهرها الثامن.
ومع سقوط مدينة الرمادي الشهر الماضي باتت للميليشيات المدعومة من إيران اليد العليا. ومن ضمن هذه الميليشيات «كتائب حزب الله» المسؤولة عن آلاف الهجمات على جنود أميركيين حاربوا في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003.
وكانت الحكومة العراقية حتى وقت قريب تعزف عن إعطاء أوامر لما يعرف باسم «الحشد الشعبي» المؤلفة من جماعات مسلحة شيعية ومتطوعين وتشكلت الصيف الماضي، بالتوجه إلى الأنبار. وكانت السلطات تخشى من أن يؤدي إرسالها إلى نشوب صراعات طائفية في منطقة ذات أغلبية سنية. مع ذلك، أرسلهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عند انهيار القوات النظامية في مدينة الرمادي، وطلب سياسيون محليون المساعدة من «الحشد».
وتتجه جماعات مسلحة شيعية، من بينها منظمة بدر، حاليا نحو مدينة الرمادي من الجهة الشمالية الشرقية، فيما تتوجه كتائب حزب الله نحو المدينة من الجهة الجنوبية الشرقية.
وفي قاعدة الجيش العراقي في الحبانية، والتي تقع على بعد نحو 20 ميلا من مدينة الرمادي، أوضح اللواء قاسم المحمدي، قائد عمليات الأنبار، أن الجيش العراقي والجماعات المسلحة يقاتلون «جنبا إلى جنب». وفي الخارج، ترفرف أعلام «كتائب حزب الله» على بعد بضعة أقدام من مكتبه. ورغم قول قادة الجيش في محافظة الأنبار إنهم لا يزالون يتولون قيادة المعركة، يزعم أفراد الجماعات المسلحة عكس ذلك. كذلك يتم تسليح قوات العشائر في المنطقة، حيث انضم 800 مقاتل منهم إلى القتال رسميًا في الحبانية الأسبوع الماضي.
ويشكو مقاتلو «الحشد الشعبي» من بطء خطى العملية. وقال زيد علي السوداني، أحد مقاتلي «كتائب حزب الله»: «لقد حررنا هذه المنطقة منذ خمسة أيام. ويساعدنا الجيش حاليا في ترسيخ سيطرتنا على الأرض». وزيد من البصرة وكان يتخذ موقعه على خط دفاع بالقرب من قرية العنكور جنوب الرمادي الأسبوع الماضي. وأضاف قائلا: «نتمنى أن يكون الجيش بمستوى (الحشد الشعبي). في الواقع هم أضعف كثيرا». وتتفاخر «كتائب حزب الله» بما تمتلكه من ترسانة صواريخ أرض - جو، وأسلحة ثقيلة.
وقال أبو مصطفى، أحد أفراد «كتائب حزب الله» مستخدما اسما مستعارا: «لدينا صواريخ (غراد) و(كاتيوشا) منذ سنوات طويلة». وأضاف: «بدأ الجيش لتوه في الحصول على تلك الأنواع من الأسلحة».
وازدادت مصداقية الولايات المتحدة في العراق بعد طرد قوات تنظيم داعش من مدينة تكريت في بداية العام الحالي، حيث كان للهجمات الجوية، التي كان يشنها التحالف، فضل كبير بحسب ما ذكر كينيث بولاك، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد «بروكينغز» في مقال نشر حديثا. مع ذلك قوض سقوط مدينة الرمادي ثقة العراقيين في الولايات المتحدة، على حد قوله. وكتب أنه إذا لعبت الجماعات المسلحة الشيعية دورًا في استعادة الرمادي، فمن شأن هذا أن يعزز نفوذ طهران في بغداد على حساب واشنطن.
وكان اكتشاف حقيقة الحكومة الأميركية واضحا في الحبانية. وكان فالح العيساوي، نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار، ينتظر لقاء رئيس أركان الجيش الخميس الماضي، ولا يزال غاضبا من سقوط المدينة. وقال منفعلا: «لقد كنت أول حليف للولايات المتحدة في الأنبار. مع ذلك لقد كذب الرجل الكبير وقال إن الرمادي لن تسقط».
وأشار إلى أنه على الأنبار الاختيار بين حليفين إما الولايات المتحدة وإما إيران الشيعية، والأخيرة ليست حليفا طبيعيا في منطقة أغلبيتها من المسلمين السنة. وأضاف العيساوي قائلا: «اخترنا أميركا. اخترنا دولة قوية، لكننا كنا مخطئين».
ويضع التحول المستمر باتجاه إيران الولايات المتحدة في صراع من أجل تأكيد نفوذها في الجيش العراقي الذي أنفقت 25 مليار دولار عليه. وبعد سقوط مدينة الرمادي، بدأت الحكومة الأميركية في تزويد القوات العراقية بألفي صاروخ محمول مضاد للدبابات لمساعدتها في التصدي للسيارات المفخخة التي يستخدمها تنظيم داعش. وخلال الأسبوع الماضي في إحدى قواعد الجيش العراقي في بسماية، جنوب شرقي بغداد، تفاخرت فرقة من الجنود العراقيين بنتائج تسعة أشهر من التدريب على أيدي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويقول قائد عمليات الأنبار، إنه حذر منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من خطر سقوط الرمادي في حال عدم زيادة الهجمات الجوية الأميركية أو عدم الاستعانة بالجماعات الشيعية المسلحة.
وقد تحصل الأنبار الآن على كليهما. ولطالما ظلت الحكومة الأميركية تشعر بالقلق من العمل مع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، وكان الجيش الأميركي يصر على انسحابها من تكريت قبل زيادة عمليات القصف الجوي على المدينة. مع ذلك يقول مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية الآن إنهم سيوفرون غطاء جوي لكل القوات المقاتلة في الرمادي تحت قيادة الحكومة العراقية. ويزعم محمدي أن هذا يشمل «كتائب حزب الله». وأوضح قائلا: «سوف يقدم التحالف دعما جويا للجميع. وهذا هو الحل الأمثل».
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
اليد العليا للميليشيات الموالية لإيران بعد انهيار الجيش العراقي المدعوم أميركيًا في الأنبار
«الحشد الشعبي» يؤكد: ليس القادة العسكريون من يقود المعارك
اليد العليا للميليشيات الموالية لإيران بعد انهيار الجيش العراقي المدعوم أميركيًا في الأنبار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة