جانب جديد من عمق وعراقة الحضارة المصرية يتجلى في اجتماع تماثيل بناة الأهرامات متحفياً للمرة الأولى فيما يشبه قمة معمارية موسعة تبرز جماليات وأسرار فنون العمارة عند قدماء المصريين، إذ يعرض المتحف المصري بالتحرير تماثيل خوفو وخفرع ومنكاورع في قاعة واحدة بالطابق الأرضي لأول مرة ضمن عملية إعادة توزيع مقتنيات المتحف لتناسب الاتجاه العلمي الجديد للعرض المتحفي الذي يرتكز على فكرة الموضوع الأثري ورواية قصة تاريخية من خلال المقتنيات مع مراعاة تسلسل الحقب الزمنية للرواية الأثرية من خلال سيناريو عرض متحفي متطور مع اقتراب انتهاء مشروع تطويره وتحديثه.
بدأت عملية إعادة توزيع مقتنيات المتحف المصري بميدان التحرير بنقل تماثيل الملوك خوفو وخفرع ومنكاورع بناة الأهرامات الثلاثة ليجتمعوا معا للمرة الأولى في قاعة واحدة بالطابق الأرضي فيما يشبه قمة معمارية موسعة، إذ إن أهرامات الملوك الثلاثة ما زالت تشكل لغزا مبهما في فنون العمارة وأسرارها وتشكل إلهاما للمعماريين طوال آلاف السنين٬ بينما استقرعلى مقربة منهم في الممر المجاور بالقرب من مدخل المتحف تمثال الملك زوسر صاحب هرم زوسر المدرج الشهير.
ولم تتوقف عملية نقل القطع الأثرية عند تماثيل الملوك وحسب، بل يتم إعادة توزيع ثروة المتحف النادرة من تماثيل متنوعة منها تماثيل الكهنة والموظفين لتتناسب مع سيناريو العرض المتحفي الحديث الذي تم استحداثه ضمن مشروع تطوير وتحديث المتحف، وفق صباح عبد الرازق، مدير عام المتحف المصري بالتحرير، والتي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «إعادة توزيع مقتنيات المتحف تأتي ضمن خطة التطوير والتحديث، وسيناريو عرض متحفي متطور يركز على فكرة الموضوع الأثري والتسلسل التاريخي، وبدأنا بتوزيع التماثيل، حيث ننقل كبيرة الحجم ليلا عقب ساعات العمل، وهو ما جمع بناة الأهرامات في قاعة واحدة، وفي قاعة مجاورة تماثيل الكهنة ثم كبار رجال الدولة وأشهرها تمثال الكاتب المصري والقزم سنب».
ووصل مشروع تطوير المتحف المصري إلى مرحلة اللمسات النهائية الأخيرة، ويجري تنفيذه بمنحة من الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع خمسة متاحف أوروبية هي اللوفر الفرنسي بباريس، المصري بتورين بإيطاليا، القومي للآثار بلايدن «هولندا»، ومتحف برلين «ألمانيا»، والمتحف البريطاني بلندن.
وتشكل إعادة توزيع مقتنيات المتحف ملمحا بارزا في مشروع التطوير يرتكز على سيناريو عرض متحفي يعتمد على التسلسل التاريخي للقطع، حيث يبدأ الزائر جولته من المدخل الذي يضم قطعا تنتمي إلى عصر ما قبل التاريخ ثم الدولة المصرية القديمة وعصر بناة الأهرامات، ويليه الدولة الحديثة، ويستمر العرض وصولا إلى العصر الروماني اليوناني، وتشير عبد الرازق إلى أن: «سيناريو العرض المتحفي الجديد يعتمد أيضا على وحدة الموضوع الأثري كأنه يروي قصة ما، مثل بناة الأهرامات، وتوحيد قطري مصر الشمالي والجنوبي، وشكل الحياة اليومية والأدوات المستخدمة في عصور ما قبل التاريخ، كما تم تطوير بطاقات الشرح الموجودة على القطع، حيث تصنع من مادة معدنية غير قابلة للتلف وتتضمن معلومات أكثر تفصيلا عن كل قطعة».
ويمتلك المتحف المصري ثروة نادرة من التماثيل المتنوعة التي تؤرخ للحضارة المصرية والحياة اليومية منذ عصور ما قبل التاريخ بعضها لا يوجد منه نسخا أخرى في أي متحف آخر، ويعد تمثال الملك زوسر «صاحب الهرم المدرج» أقدم تمثال مصري معروف بالحجم الطبيعي، عثر عليه عام 1925 في غرفة سرداب ملحقة بالهرم المدرج بسقارة، وهو مصنوع من الحجر الجيري الملون، وأيضا لا يوجد نسخ من تمثال الملك خوفو سوى تلك الموجودة بالمتحف، فيما يبرز تمثال الملك منكاورع الثلاثي «ثالوث منكاورع» براعة الفنان المصري القديم في التعبير بالنحت، وعثر على التمثال عام 1908 بالمجموعة الهرمية للملك، وسمى بالثالوث لأنه يضم ثلاثة تماثيل معا، الملك و«الإله» والحاكم، حيث يتوسط الملك منكاورع الثالوث وهو يرتدى تاج مصر العليا، وبجانبه المعبودة حتحور فى الصورة الآدمية، وأعلى رأسها «الإله رع» ممثلا فى قرص الشمس وقرني البقرة، ومن الجانب الآخر تمثال امرأة تمثل حاكمة الإقليم في صورة تحتضن الملك والمعبودة حتحور.