«وادي الفن» في العُلا... حوار مع الطبيعة بكل الاتجاهات

خمسة معارض مفتوحة دائمة لسعوديين وأميركيين تستكشف الماضي وتمدّ يدها للحاضر

الفنان الأميركي جيمس توريل
الفنان الأميركي جيمس توريل
TT

«وادي الفن» في العُلا... حوار مع الطبيعة بكل الاتجاهات

الفنان الأميركي جيمس توريل
الفنان الأميركي جيمس توريل

في نهار مشمس حار وفي وسط صحراء العُلا العتيقة، أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا عن إطلاق مشروع سيحول الأودية الرملية إلى معارض فنية مفتوحة دائمة. تحت اسم «وادي الفن»، ينطلق المشروع عملاقاً مدعماً برؤية طموحة واستراتيجية طويلة الأمد وفرق من الخبراء والفنانين المحليين والعالميين.
خلال اللقاء الصحافي كانت الأسئلة كثيرة، ولكنها وجدت إجابات شافية قدر الإمكان؛ حفاظاً على تفاصيل ما زالت تحت الدراسة والنظر. جمعٌ من الصحافيين من عدد من دول العالم يمثلون مطبوعات رائدة اجتمعوا مع إيونا بلازويك، القيمة الفنية للمشروع، والتي تأتي للعُلا محملة بتاريخ طويل من النجاحات الفنية وإطلاق المواهب الواعدة، من ينسى أنها أطلقت موهبة داميان هيرست في عام 1992، وتولت إدارة «وايت تشابل» غاليري في لندن لعقدين من الزمان شهد فيها نجاحات كبيرة؟
مع إيونا، التقينا أحمد ماطر ومنال الضويان، وهما من أهم الأسماء في ساحة الفن المعاصر في السعودية. تحدثت إيونا أولاً عن «وادي الفن» المشروع الذي سيحل ضيفاً لطيفاً على الصحراء والجبال المحيطة. تشرح بلازويك، أن مشروع «وادي الفن» سيحوّل أحد الأودية في صحراء العلا - على مساحة 65 كم مربعاً - إلى معرض مكشوف ودائم لأعمال فنية ضخمة من تنفيذ خمسة فنانين عالميين، وهم إلى جانب أحمد ماطر ومنال الضويان: جيمس توريل من أميركا، أغنيس دينيس الأميركية من أصل مجري، والأميركي مايكل هايزر، ثلاثة أسماء لامعة في سماء الفن العالمي يجمعهم إنجاز أعمال فنية ضخمة في مساحات مفتوحة. بحسب البيان الصحافي، يتوقع أن يكون «وادي الفن» جاهزاً لاستقبال الزوار بحلول عام 2024، وبذلك يسجل الخطوة الأولى في برنامج مستمر من التكليفات الفنية لفنانين آخرين سيعلن عنهم في حينه.
تحرص بلازويك على الحديث عن التحديات التي يمثلها الموقع بجغرافيته وبطقسه الصحراوي لأي مشروع فني «كل منها (الأعمال) سيضع في الحسبان هذا المناخ، قوى الطبيعة، عوامل التعرية وغيرها». غير أن المكان الجغرافي يمثل عاملاً واحداً في أي مشروع فني بهذا الحجم في مساحة مفتوحة. لهذا تضيف؛ أن كل فنان من المشاركين سيكون عليه الأخذ في الاعتبار أهمية التواصل مع السكان والمجتمع المحلي الذي سيحل ضيفاً عليهم، وترى القيمة في ذلك فرصة للتفاعل مع «الأطفال والشباب والعائلات؛ فهذه الأعمال ستحمل أصواتهم وستمثل المجتمعات السكانية في العلا». تمد ببصرها للمستقبل قائلة «سنرى في الأعمال الفنية التي ستحلّ ضيفة على رمال الصحراء استمراراً لما تركه النبطيون من آثار حفروها في الجبال. أعتقد أن الأعمال بحجمها وبالرؤية الفنية خلفها ستكون مصدر جذب للناس ربما لقرون قادمة. الأعمال ستكون غامرة وستجذب الاهتمام والتفاعل، وستتراوح من الهندسة الخاصة إلى الإنساني البحت».

الفنانة أغنيس دينيس (الهيئة الملكية للعلا)  -  الأميركي مايكل هايزر (الهيئة الملكية للعلا)
 

- حوار الفن والطبيعة
بحسب الرؤية الفنية للمشروع، سيوفر «وادي الفن» فرصة عميقة لإقامة حوار بين الفن والطبيعة. ينطلق من استجابة الفنانين لطبيعة العلا بتضاريسها الدرامية والآفاق المتموجة والنظام البيئي المعقد. أكثر من مرة تشير القيمة ويشير الفنانين أحمد ماطر ومنال الضويان إلى احترام الطبيعة والعمل بلطف معها لتكوين رؤيتهما الفنية.
العامل المجتمعي مهم جداً في الطرح الأول للمشروع، حيث ينطلق من تصور حوار مع المجتمع المحلي إلى جانب الحوار مع الطبيعة، وهنا سيكون لكل فنان أسلوبه في جذب أفراد المجتمع المحلي وتفاعلهم لعمله.
بالنسبة للسياسة الأعم يطمح المشروع إلى توفير فرص مميزة للمجتمعات المحلية لتجربة الفن كمصدر للتعليم والإثراء. من خلال خلق فرص العمل وتنمية المهارات والمشاركة مع المبدعين المحليين، سيعمل «وادي الفن» على تعزيز الاقتصاد الثقافي في العلا، وإلهام جيل جديد من محترفي الفنون وتحسين نوعية الحياة لسكانها.
من المهم الالتفات لحقيقة، أن «وادي الفن» طور تماشياً مع التزام الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالتنوع البيولوجي والتراث الطبيعي في المنطقة، والذي يشمل إعادة الحياة البرية وحماية النباتات والحيوانات الأصلية. وسيستخدم لإنشاء الأجنحة والممرات التابعة للأعمال الفنية في الموقع، مواد من مصادر محلية وستتم مراعاة حرية حركة قطعان الإبل والأنواع المحلية الأخرى.
- رؤية وبرنامج
وبحسب البيان الصادر أمس، فسيصاحب الكشف عن الأعمال الفنية الخمسة الأولى برنامج عام ديناميكي وجذاب سيشمل عروضاً وجولات في الوادي وبالشراكة مع مدرسة الديرة في العلا. وستوفر الأعمال في «وادي الفن» فرصاً تعليمية للمجتمعات المحلية، بما في ذلك المشاركة العملية القائمة على المهارات في عملية تصور الأعمال الفنية وتركيبها، وجلسات مع متخصصين في الفن لتطوير المهارات وفصول رئيسية للمبدعين المحليين مع وادي فنانو الفن المكلفون.
تعلق نورا الدبل، مديرة البرامج الفنية والثقافية في الهيئة الملكية لمحافظة العلا «سيعيد (وادي الفن) إشعال فتيل الإبداع في العلا وسيقدم تجارب جديدة للسكان المحليين والزوار على حد سواء. بوصفنا رعاة هذه الأرض التي تحمل تاريخ 200 ألف عام من التاريخ الطبيعي والثقافي يتوجب علينا أن نستمر في تسخير الإرث الفريد للعلا لبناء مستقبلها. إنه لشرف كبير أن أعمل مع هؤلاء الفنانين المحترمين والمشهورين لمساعدة طموحاتنا في ترسيخ مكانة العلا كمركز عالمي رائد للفن والثقافة».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
TT

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

وأظهرت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة كوينزلاند في أستراليا، ونُشرت نتائجها، الجمعة، في دورية «The Lancet Psychiatry»، أن كثيرين من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العناية اللازمة، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 300 مليون شخص الاكتئاب، مما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن 5 في المائة من البالغين يعانون هذا المرض. وضمّت الدراسة فريقاً من الباحثين من منظمة الصحة العالمية وجامعتيْ واشنطن وهارفارد بالولايات المتحدة، وشملت تحليل بيانات من 204 دول؛ لتقييم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية النفسية.

وأظهرت النتائج أن 9 في المائة فقط من المصابين بالاكتئاب الشديد تلقّوا العلاج الكافي على مستوى العالم. كما وجدت الدراسة فجوة صغيرة بين الجنسين، حيث كان النساء أكثر حصولاً على العلاج بنسبة 10.2 في المائة، مقارنة بــ7.2 في المائة للرجال. ويُعرَّف العلاج الكافي بأنه تناول الدواء لمدة شهر على الأقل، إلى جانب 4 زيارات للطبيب، أو 8 جلسات مع متخصص.

كما أظهرت الدراسة أن نسبة العلاج الكافي في 90 دولة كانت أقل من 5 في المائة، مع تسجيل أدنى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بنسبة 2 في المائة.

وفي أستراليا، أظهرت النتائج أن 70 في المائة من المصابين بالاكتئاب الشديد لم يتلقوا الحد الأدنى من العلاج، حيث حصل 30 في المائة فقط على العلاج الكافي خلال عام 2021.

وأشار الباحثون إلى أن كثيرين من المرضى يحتاجون إلى علاج يفوق الحد الأدنى لتخفيف معاناتهم، مؤكدين أن العلاجات الفعّالة متوفرة، ومع تقديم العلاج المناسب يمكن تحقيق الشفاء التام. وشدد الفريق على أهمية هذه النتائج لدعم خطة العمل الشاملة للصحة النفسية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (2013-2030)، التي تهدف إلى زيادة تغطية خدمات الصحة النفسية بنسبة 50 في المائة على الأقل، بحلول عام 2030. ونوه الباحثون بأن تحديد المناطق والفئات السكانية ذات معدلات علاج أقل، يمكن أن يساعد في وضع أولويات التدخل وتخصيص الموارد بشكل أفضل.

يشار إلى أن الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ويرتبط بشكل مباشر بمشاعر الحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، مما يؤثر سلباً على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.