الحقيبة الثقافية

مارسيل كوبر شوك
مارسيل كوبر شوك
TT

الحقيبة الثقافية

مارسيل كوبر شوك
مارسيل كوبر شوك

* «عنقاء الجزيرة العربية» يروي سيرة «سوق عكاظ»‬
* الدمام: «الشرق الأوسط» في مسعى لتوثيق المراحل التي مرّ بها «سوق عكاظ» كمهرجان ثقافي سعودي يعيد إحياء السوق التاريخي، أصدرت اللجنة المشرفة على السوق كتابًا بعنوان «عنقاء الجزيرة العربية» يتتبع المراحل التي مرّ بها هذا المشروع منذ انطلاقته في عام 2011، حتى اليوم.
يفتتح الكتاب بكلمة من الأمير خالد الفيصل، يؤكد فيها أن «سوق عكاظ كان سوقا تجاريا وثقافيا وفكريا كذلك، الآن يعود سوق عكاظ ويجب ألا يكون فقط لمحاكاة الماضي، وإنما لا بد أن نطرح فيه النظرة إلى المستقبل ومحاكاة القادة وسوق عكاظ في الجاهلية، وفي صدر الإسلام كان يقدم آنية اللحظة وآنية الفكر وآنية الثقافة وآنية التجارة، فيجب أن نعيد هذا المفهوم ونضيف إليه أن يقدم لنا آمالنا المستقبلية».
يقتبس الكتاب عنوانه من طائر العنقاء الذي اشتهر بالقوة والجمال، ويرى خالد الفيصل أن سوق عكاظ تفوق على طائر العنقاء «بعد أن فاقه جمالا بالعمل الجاد على تطويره على مدى الـ8 سنوات الماضية بنكهة تاريخية».
وتناول الكتاب في فصله الخامس تحديد موقع سوق عكاظ من جميع اتجاهاته، مستشهدا بالأدلة والشهادات حول موقع السوق، ناقلا القارئ إلى مشهد حي عن منطقة العرفاء بأدق تفاصيلها الجغرافية ومكوناتها التضاريسية.
ووثق كتاب «عنقاء الجزيرة العربية» سوق عكاظ، في فصله السادس الكتب والمعاجم التي تناولت سوق عكاظ عبر العصور، بدأها بكتاب «سوق عكاظ» للكاتب محمد موسم المفرجي، والذي جميع فيه عددا من المقالات التي تناقش موقع السوق والآراء حوله والذي صدر عام 1417ه، مرورا بمعجم «الأماكن الواردة بالمعلقات العشر» لسعد بن جنيدل والصادر عن مركز حمد الجاسر الثقافي في الرياض عام 1435ه، انتهاء بالمعجم الجغرافي لمحافظة الطائف، والذي ألفه حماد بن حامد السالمي الذي شمل جميع المواقع الجغرافية للمحافظة بما فيها سوق عكاظ.

* تعاون بين «جداول» ودار «بريل» الهولندية لترجمة التراث الشفهي
* أعلنت دار جداول للنشر والترجمة في بيروت أنها وقّعت عقدا مع دار بريل الهولندية (Brill) العريقة، التي تأسست عام 1683، والمعنية بدراسات تاريخ الشرق الأوسط والتراث العربي، وذلك لترجمة المشروع الرائد الذي قام به المستشرق مارسيل كوبر شوك، والمعنون بـ«التراث الشعري والقصصي الشفهي لوسط الجزيرة العربية، FROM CENTRAL ARABIA ORAL POETRY AND NARRATIVES»، والذي احتوى على خمسة مجلدات، خصّص الباحث الهولندي الجزء الأول منه للشاعر الشهير الدندان، بينما تضمن المجلد الثاني دراسة موسعة وشاملة عن الشاعر الشهير شليويح العطاوي، حياته وشعره. في حين تضمن المجلد الثالث دراسة عن أربعة شعراء من قبيلة الدواسر، وهم: ابن بتلا، والدندان، ونابت بن ظافر، وبخيتان بن ضافي.
وتضمن المجلد الرابع مأثورات من قبيلة الدواسر. أما المجلد الخامس فقد جعل منه المؤلف قاموسا للمجلدات الأربعة، تضمن شرحا للمعاني والكلمات الواردة في القصص والقصائد، وربطها المؤلف بلسان العرب.
وقالت جداول أنها ستباشر أعمال الترجمة خلال الأيام القادمة. كما ستقوم دار جداول لاحقًا بترجمة أعمال المستشرق الهولندي التي يعمل عليها حاليًا، والتي تتضمن دراساته عن الشاعر الشهير عبد الله بن سبيل، والشاعر الأكثر شهرة وجدلاً حميدان الشويعر.
والدكتور مارسيل كوبر شوك، سبق وأن عمل سفيرا لبلاده في السعودية، واستغل فترة بقائه فيها للعمل على مشاريعه الثقافية، الخاصة بثقافة الصحراء، وهو يوصف بأنه «قاهر الصحراء»، ثم تنقل بعد ذلك سفيرا في عدد من الدول، واستقر أخيرا للعمل في جامعة نيويورك.



ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.