عبر مشاريع ثقافية بحثية امتدت على مدار السنوات الماضية وستستمر خلال المرحلة المقبلة، يعدن ثلاث فنانات تشكيليات مصريات إلى الماضي للمساعدة على قراءة الحاضر من خلال سير ذاتية وكتب وأغراض منزلية وألبومات عائلية ولوحات ومشغولات يدوية وتجهيز في الفراغ.
وفي محاولة لمشاركة الجمهور جانباً من هذه المشروعات أقامت صاحبات المشروع راوية صادق، وهاجر عز الدين، ونادية منير، معرضاً فنياً يستمر حتى نهاية يوليو (تموز) المقبل في مركز الصورة المعاصرة بالقاهرة نتعرف من خلاله على ملامح من الحياة المصرية.
يدور بحث المترجمة والفنانة راوية صادق عن السيرة الذاتية للرائدة النسوية المصرية درية شفيق، ودورها التنويري ومطالبتها بحقوق المرأة في وقت مبكر من التاريخ الحديث للمنطقة العربية، والمثير أن المشروع يرسم أوجه تشابه مع تاريخ عائلة راوية نفسها والتجارب المشتركة للنضالات والنجاحات والانكسارات التي تشترك فيها كلتاهما.
تقول صادق لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت فكرة مشروعي أثناء قيامي بترجمة مختارات من الدواوين الشعرية لدرية شفيق من الفرنسية إلى العربية في إطار سلسلة الشعر المترجم الصادرة عن المركز القومي للترجمة، فقد جذبتني صاحبة الثقافة الفرنسية والمستغرقة في قضايا الوطن والمرأة إلى عالمها ما بين دورها الريادي وموهبتها الأدبية وصلابة شخصيتها وأناقتها التي تشبه أناقة أمي، مروراً بعزلتها لمدة 18 عاماً كاملة وصولاً إلى الانتحار في السبعينات من القرن الماضي».
وتتابع: «خرج الأمر بالنسبة لي من دائرتي السياسة والأدب إلى تجربتها الإنسانية الغنية بالأحداث والمشاعر وربطت ذلك كله بحياتي وتاريخ عائلتي، فكأنما يسير مشروعي بالتوازي بين درية شفيق وتجربتي الذاتية من حيث الزمان والمكان، على سبيل المثال ثمة تواريخ مشتركة بيننا شهدت أحداثاً مصيرية في حياتنا وثمة أمكنة تشاركنا في زيارتها إلى جانب ثقافتنا الفرنسية».
تهتم راوية صادق مواليد 1952 بالعمل الفني التفاعلي متعدد الوسائط في التعامل مع سرديات تاريخية وثقافية معاصرة. ويُعد المعرض الحالي إحدى حلقات مشروعها، فقد سبقته عدة نشاطات وفعاليات، من بينها ورشة «الحكي والخياطة» و«قراءة في نصوص جلوريا آنزالدوا». كما شاركت راوية أجزاء من مشروعها في معرضها الفردي «عن الصدفة والشيخوخة والاكتئاب» في غاليري «تاون هاوس».
وفي المعرض المقام تحت عنوان «استحضار الغياب» قامت راوية بعمل تجهيز في الفراغ يتكون من كتابين ينتميان لما يعرف فنياً باسم «كتاب الفنان»، وهو ثري بكتاباتها ورسوماتها على الحواشي، إضافة إلى 5 ألبومات فوتوغرافية تضم نحو 25 صورة عائلية لجد الفنانة وجدتها ووالدتها وصور للبرلمان ولدرية شفيق ولإضرابها الشهير، و27 لوحة فنية أكريلك وألوان جواش وطباعة وكولاج.
وتضيف: «أرى أن عنوان المعرض مُعبر للغاية عن مشروعاتنا الثلاثة، إذ إن هناك حالة من غياب بعض الشخوص أو المعاني أو العناصر الحياتية المصرية، ونقوم نحن باستدعائها ونجذبها للوقت الحاضر بأساليب متنوعة، لمحاولة فهم وقتنا الراهن، وربما خير مثال هو انتحار شفيق الذي تعددت حالاته في مجتمعنا حالياً، أو رجعية بعض الأفكار القديمة تجاه المرأة».
وتتابع: «بالنسبة لي الأمر ليس إعادة كتابة تاريخ أو راوية سرد منضبط عن حياة درية، لكنني أطارد روحها في الأماكن التي زارتها وعاشت فيها، وما تبقى من مواد أرشيفية مصورة ومكتوبة من حياتها».
«خيالات منزلية» هو عنوان مشروع الفنانة هاجر عز الدين الممتد عن تواريخ وجماليات الأسرة والحياة المنزلية في منازل الطبقة المتوسطة المصرية خلال ثمانينات القرن الماضي. بدأ المشروع بتتبع وجمع شذرات من المواد والصور والمجلات والأدوات المنزلية مدعومة بعدة لقاءات مع سيدات من الطبقة المتوسطة بغرض إعادة تشكيل عوالم الطبقة المتوسطة في مصر.
حين نتنقل بين أعمالها في المعرض نشعر أنها كما لو كانت تقوم في مشروعها بجوانبه البحثية والفنية والمفاهيمية بمراقبة العمل المنزلي لسيدات الطبقة المتوسطة وما يستغرقه من وقت ومجهود لتحاكيه وتعيد تقديمه لنا في ضوء عملية الإنتاج الفني نفسها والتي يقبع أغلبها خفياً داخل المنتج النهائي المعروض.
وتقول الفنانة الشابة لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت تناول الطبقة المتوسطة بحديث مع والدتي تطور إلى مناقشات مع سيدات من الأقارب والجيران والمعارف من نفس الفئة العمرية حول أعمالهن في المنزل ومقتنياتهن وأثاث منزلهن وقضاء وقت فراغهن، وتأثير ذلك على قوة العلاقات الاجتماعية».
نتعرف على مشروعها في المعرض من خلال لوحتين رسم على الحائط منهما لوحة تمثل أرنباً كبيراً صنعت له بروازاً مزخرفاً، تقديراً لارتباطه بطفولتها، والأخرى تجميع لأشكال (كانفاه) شاهدتها لدى أخريات، إلى جانب 6 لوحات رسم على ورق شفاف لصقته على ورق حائط ملون، تجسد أعمالاً منزلية لسيدات الطبقة المتوسطة بشكل غير مرئي، في إشارة إلى عدم تقدير المجتمع لهذه الأعمال، إلى جانب 4 شبابيك خشبية كرمز لإطلالة مشروعها على مرحلة مهمة من تاريخ مصر.
في مشروعها الفني تقدم نادية منير، ألبوم الصور العائلي وما يشكله من ذكريات لتستخدمها في التفكير حول ممارستها الفنية المهتمة بالفوتوغرافيا وتاريخها الشخصي.