الخدمات في لبنان تتساقط كأحجار الدومينو: لا كهرباء ولا مياه ولا خبز

TT

الخدمات في لبنان تتساقط كأحجار الدومينو: لا كهرباء ولا مياه ولا خبز

ينشغل اللبنانيون بتأمين مقومات العيش الأساسية التي باتت صعبة المنال، ما يكمل مشهد الانهيار اللبناني يوماً بعد يوم، مع تعطل القطاع العام نتيجة الإضراب المفتوح لموظفيه، وتوقف معظم الخدمات، وانقطاع مواد حيوية كالبنزين والخبز والمياه والكهرباء.
وفيما يحاول الناس التأقلم والتعايش مع الأزمات من خلال اجتراح حلول على صعيد فردي كاللجوء للطاقة الشمسية مثلاً لمواجهة الانقطاع المتواصل للكهرباء، يواجهون كل يوم تحدياً جديداً يجدون أنفسهم عاجزين عن التعاطي معه. آخر الأزمات التي انفجرت بوجه اللبنانيين بعدما كانوا قد بدأوا يلمسون بعض تداعياتها منذ فترة، أزمة المياه، مع إعلان وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض قبل أيام أن الخدمة تدنت بنسبة 70 في المائة بسبب عدم توفر الطاقة. وينعكس انقطاع الكهرباء على محطات الضخ التي بات قسم كبير منها لا يعمل أو يتم تقنين عمله لاضطرار الجهات المعنية على تأمين المازوت بأسعار مرتفعة لتشغيلها عبر المولدات.
وبعدما ارتفعت أصوات الناس بشكل كبير مؤخراً وخصوصاً في العاصمة بيروت نتيجة انقطاع المياه في بعض الأماكن منذ 20 يوماً، أعلنت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أنها مستمرة «في تقديم كل ما تستطيعه من خدمة للبنانيين، وذلك بغض النظر عن الظروف القاسية التي يئن البلد تحت وطأتها والتي تنعكس على الإدارة والموظفين الذين تراجعت قيمة رواتبهم إلى أكثر من خمسة وتسعين في المائة»، متحدثة عن «أزمات متراكمة» تؤدي للواقع الحالي «بدءاً من شح مادة المازوت الذي ينعكس تقنيناً حاداً بالتغذية بالمياه في أكثر من خمسة وستين في المائة من محطات الضخ، والأعطال التي يتطلب تصليحها في غالبية الأحوال قطع غيار بالعملة الصعبة التي لا تمتلكها المؤسسة، وصولاً إلى مكافحة نتائج السرقات التي تتكرر في أكثر من محطة». ودعت «الجهات المانحة التي كانت قد قدمت دعماً في الفترة السابقة، إلى «الاستمرار بمواكبة المواطنين اللبنانيين في هذه المحنة الصعبة». وكان الوزير فياض قد طلب مساعدة المجتمع الدولي نهاية الأسبوع الماضي خلال اجتماع عقده مع عدد من سفراء الدول العربية والأجنبية، عرض خلاله واقع قطاع المياه في لبنان.
ويعتبر المدير العام السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون أن غياب التمويل يؤدي إلى عدم التمكن من تأمين المحروقات اللازمة لتأمين الكهرباء، وهي العنصر الأساسي لتسيير المرافق وتأمين الخدمات الأساسية وعلى رأسها المياه كما تشغيل المستشفيات وغيرها من المرافق الحيوية، لافتاً إلى أن ما يحصل أشبه بلعبة «الدومينو» بحيث إنه حين يسقط أحد الأحجار تسقط بقية الأحجار تباعاً. ويشير بيضون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الدولة تعبر عن وجودها عادة من خلال الإدارات والوزارات والمرافق والقضاء وكلها تشهد تراجعاً حاداً في ظل الإضراب المفتوح للقطاع العام»، لافتاً إلى أن «لا حلول حالياً للأزمات الراهنة وعلى رأسها أزمة الكهرباء، إنما إجراءات تخفف من حدتها»، مضيفاً: «المباشرة بإنتاج الكهرباء على الغاز هي الإجراء المنطقي والعقلاني الذي كان يفترض أن نسير به منذ زمن، لكن يبدو أنه لن يتم الإفراج عن الغاز المصري الذي وُعدنا به قبل سيرنا بعدد من الأمور المطلوبة منا».
وينعكس الشح باحتياطات مصرف لبنان على كل القطاعات. وهو طال مؤخراً ربطة الخبز. فرغم تأكيد وزير الاقتصاد أمين سلام أن «لا أزمة رغيف ما لم يفتعلها أصحاب الأفران باعتبار أن الدعم لا يزال مستمراً والاعتمادات مفتوحة»، قال نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم، إن سبب أزمة الخبز هو «إقفال عدد من المطاحن بسبب عدم توافر القمح المدعوم» وأضاف: «علينا توقع الأسوأ».
ويصطف عشرات المواطنين أمام الأفران في معظم المناطق اللبنانية منذ ساعات الصباح سعياً لتأمين ربطة خبز لعائلاتهم، فيما عمد بعض التجار لبيعها في «السوق السوداء» بأسعار خيالية، ما دفع وزير الاقتصاد إلى إحالة أخبار إلى النيابة العامة المالية «موثقة بالأرقام والأدلة تُظهر بيع الطحين المدعوم المخصص للخبز العربي في السوق السوداء بأثمان مضاعفة من قبل الأفران، وإدخال محسنات عليه لاستعماله في صناعة الحلويات والكعك والخبز الإفرنجي بما يدر عليهم أرباحاً مضاعفة»، طالباً التحرك السريع لمحاسبتهم.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، شهدت عدة محطات بنزين عودة طوابير السيارات بعد سريان شائعات عن التوجه لتسعير صفيحة البنزين بالدولار ورفع الدعم نهائياً عنها من قبل مصرف لبنان الذي لامست احتياطاته منذ فترة الخطوط الحمر. ورد عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس أزمة نهاية الأسبوع لـ«الشائعات غير الصحيحة عن تحويل سعر البنزين من دولار «صيرفة» إلى دولار السوق السوداء، وكذلك نتيجة التأخر في تفريغ باخرة بنزين»، موضحاً أن «الباخرة بدأت تفرغ حمولتها، وأن البنزين عاد يُوزع على المحطات بشكل طبيعي». ويعتقد خبراء اقتصاديون «أننا نتوجه عاجلاً أو آجلاً لتسعير البنزين بالدولار بعد المازوت تمهيداً لدولرة المواد الغذائية والاستهلاكية في السوبر ماركات وضمنها ربطة الخبز».
وفي هذا المجال توضح الباحثة في الشأنين الاقتصادي والمالي والأستاذة الجامعية الدكتورة ليال منصور أن «الاقتصاد اللبناني مدولر منذ أكثر من 40 عاماً أي يعتمد بـ20 و30 في المائة على الدولار، واليوم مع الإجراءات الأخيرة المتخذة نتجه أكثر فأكثر باتجاه مزيد من الدولرة التي قد تصل لحدود الـ90 في المائة وهذا يشكل كارثة، لذلك فإن ما نطالب به هو «الدولرة الشاملة» أي الاعتراف رسمياً بالدولار كعملة وطنية لأن أي علاج آخر للأزمة الراهنة لم يعد ينفع».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

37 سنة على تأسيسها... ماذا بقي لـ«حماس» بعد «الطوفان»؟

يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
TT

37 سنة على تأسيسها... ماذا بقي لـ«حماس» بعد «الطوفان»؟

يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)

من غير المعروف كيف ستحيي حركة «حماس» الذكرى السابعة والثلاثين لتأسيسها، التي تصادف يوم السبت 15 ديسمبر (كانون الأول). لكن المؤكد هو أن إسرائيل تتوقف طويلاً عند هذا التاريخ. والجيش الإسرائيلي -ومعه كل أجهزة الأمن والمخابرات- يُجري أبحاثاً ومداولات حول هذه المناسبة، تتضمّن جرد حساب وإعادة تقييم، وكبار الجنرالات القدامى فيها ينظرون إلى الوضع في سوريا ويصيحون محذرين: لا تقعوا في مسلسل الخطأ الذي وقعنا فيه، ولا تسمحوا بتكرار تجربتنا مع «حماس» في تعاملكم مع القيادات السورية الجديدة. فهي من الطينة والجينات نفسها.

كما هو معروف، «حماس» (حركة المقاومة الإسلامية)، تأسّست بوصفها حركة سياسية في مثل هذا اليوم من سنة 1987، بعد انفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ففي حينه، كانت الحركة الخصم (فتح) معاً وبقية الفصائل في منظمة التحرير، تقود النضال الفلسطيني متعدد الجوانب والمجالات (سياسية وعسكرية) لسنوات طويلة جداً. ونجحت في اجتراح تأييد الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. وحقّقت إنجازات سياسية على الساحة الدولية وحتى على الساحة الإسرائيلية، حيث ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بالحقوق المشروعة وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وإسرائيل التي كانت تخلّد الاحتلال الفلسطيني وجدت في «فتح» العدو الأول والأساس، ورأت في كل إنجاز لها ضربة لمشروعاتها. وكانت تفتش بسراج وفتيل عن منافس لها وفشلت. حاولت ذلك مع المخاتير ثم مع روابط القرى ثم مع رؤساء البلديات ثم مع الحل الأردني.

فلسطينية تنتظر الحصول على مساعدة غذائية في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

لكن الجذور الأصلية لـ«حماس» كانت قد نبتت في مطلع السبعينات. ففي سنة 1973 تقدّمت جماعة «الإخوان المسلمين» بطلب إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، بطلب إقامة جمعيات خيرية، تعمل على التربية الاجتماعية والعودة إلى القيم الإسلامية وتقديم المساعدات إلى المحتاجين، فعدّت السلطات الإسرائيلية هذا الأمر فرصة لإيجاد البديل عن منظمة التحرير. فأُقيم ما يُعرف باسم «المركز الإسلامي»، بقيادة الشيخ أحمد ياسين. وامتد نشاطه من غزة إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وسمحت إسرائيل له أن يمتد حتى إلى العرب لديها.

لقد أقنع الشيخ أحمد ياسين الإسرائيليين بأنهم تيار معتدل ينشد السلام، على عكس حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية. وتعزّز ذلك لديهم، وهم يرقبون كيف بدأت ظاهرة التفسخ والاقتتال في صفوف الفلسطينيين، لأول مرة بشكل حاد. واعتقد الكثيرون في تل أبيب أن الاقتتال الداخلي بين التنظيمات الإسلامية ومنظمة التحرير الفلسطينية العلمانية سيؤدي إلى إضعاف الأخيرة تحت مبدأ العدو يدمر نفسه. وهكذا، لم تتدخل الحكومة الإسرائيلية في المعارك بين منظمة التحرير الفلسطينية والحركات الإسلاموية. واعترف يتسحاق سيغيف الذي شغل منصب الحاكم العسكري الإسرائيلي لغزة في ذلك الوقت، بتمويله «المركز الإسلامي». وقال، خلال برنامج للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي في سنة 2009: «أعطتني الحكومة الإسرائيلية ميزانية، وسلطات الحكم العسكري أعطتني المساجد». وقال مسؤول الشؤون الدينية الإسرائيلي في غزة، أفنير كوهين، في البرنامج نفسه: «مع الأسف. لقد تم إنشاء (حماس) بأيدي إسرائيل». وأكد أنه حذّر رؤساءه من دعم الإسلاميين، لكنهم لم يعيروا تحذيره أهمية.

مؤسس حركة «حماس» أحمد ياسين (يسار) يتحدث مع قائدها السابق إسماعيل هنية عام 2002 (رويترز)

وحتى عندما بدأت «حماس» تظهر بوادر تفكير في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، لكي تجاري «فتح»، واصلت إسرائيل دعمها. وفي عام 1984 اعتقلت إسرائيل الشيخ ياسين واتُّهم ورفاقه بجمع أسلحة لأغراض معادية لها. وقال ياسين في التحقيق إن الغرض من هذه الأسلحة هو الدفاع عن النفس أمام سطوة «فتح»، ولن تُستخدم إلا ضدها والقوى الفلسطينية العلمانية التي تهدد الإسلام. وقد أُطلق سراح ياسين في مايو (أيار) 1985 بوصفه جزءاً من عملية تبادل أسرى. وبعد الإفراج عنه، أنشأ «المجد» (اختصار لـ«نظام الجهاد والدعوة»)، برئاسة الزعيم الطلابي السابق يحيى السنوار وروحي مشتهى، المكلف بالتعامل مع الأمن الداخلي ومطاردة المخبرين المحليين. وعندما انطلقت اتفاقيات «أوسلو»، انتقلت «حماس» إلى العمل المسلح بقوة شديدة ونفذت عشرات العمليات المسلحة ضد الجيش الإسرائيلي وضد المدنيين الإسرائيليين. وكلما أضرت إسرائيل في الاتفاقيات مع الفلسطينيين كان نشاط «حماس» يحظى بتأييد مزيد من المواطنين. وبعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة، وجدتها «حماس» فرصة للاستيلاء على الحكم ونفّذت انقلابها. وفي عهد بنيامين نتنياهو، كان يتعمّد الإبقاء على حكم «حماس» ضعيفاً تجاه إسرائيل وقوياً تجاه السلطة الفلسطينية، فأتاح دخول منحة مالية من دولة خليجية بقيمة 30 مليون دولار في الشهر، على أمل أن تقويها على حساب السلطة، وتعمّق الانقسام الفلسطيني.

دخان فوق غزة جراء القصف الإسرائيلي (أرشيفية - رويترز)

وقد نجحت إسرائيل في مهمتها هذه، لكنها وقعت في فخ. فقامت «حماس» بهجومها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الذي زلزل إسرائيل. وقامت بالرد الجنوني المعروف، الذي ألحقت فيه الدمار الجبار بقطاع غزة والضفة الغربية ثم لبنان وسوريا وطالت أياديها حتى إيران. ويرون في إسرائيل أنهم نجحوا في قلب المعادلة، خصوصاً ضد «حماس». ويقولون: «بالإضافة إلى اغتيال قادة الحركة الأساسيين، وفي مقدمتهم رئيسا المكتب السياسي، إسماعيل هنية ويحيى السنوار، تم ضرب نحو 90 في المائة من القدرات العسكرية لـ(حماس) وضرب قوة المساندة من (حزب الله)، وباتت (حماس) تنفّذ عمليات محدودة وبالأساس دفاعية، وتدخل في صدام مع الناس؛ لأنها تقمع المواطنين حتى الآن، وهي ضعيفة، وتصادر المساعدات وتبيع بعضها في السوق السوداء، مما أدى إلى مضاعفة الأسعار عشرات المرات، على سبيل المثال ارتفع سعر الرغيف من 5 سنتات إلى دولارين، وسعر السيجارة الواحدة 20 دولاراً. وتسود فيها خلافات شديدة بين القيادات الميدانية وقيادات الخارج، وملاحظة وجود فوضى في الشارع».

لكن الأمر الجوهري في إسرائيل بقي حول السؤال: «كيف تظهر (حماس) اليوم بعد 37 عاماً؟». فمع أنها فقدت قوتها الأساسية وخسرت حكمها وحلفاءها، تظل إسرائيل تحلم اليوم بتصفيتها نهائياً. إلا أن الجنرالات القدامى، الذين يتحمّلون المسؤولية عن تأسيس «حماس» وتقويتها، يطلبون من حكومتهم ألا تكرّر الخطأ في سوريا ولا تعتمد على وعود أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) بإقامة علاقات آمنة مع إسرائيل أكثر مما كان في عهد الأسد. ولهذا جاءت الضربات العسكرية للجيش السوري وجاء احتلال كل رؤوس جبل الشيخ وعدة قرى في الجولان الشرقي. ومع أن إسرائيل تقول إن هذا الاحتلال سيكون مؤقتاً، فإن المؤقت يعني هنا شهوراً طويلة وربما سنوات.