«رحلة مواطن كوني»... مشاهد مركبة في فضاء السماء

رسومات معرض التشكيلية هدى بعلبكي تسرد تجارب شخصية تسبح بين الواقع والخيال

جانب من المعرض في غاليري «أرت أون 56» (الشرق الأوسط)  -  تأثرت بعلبكي بالقرية فنقلتها بريشتها على طريقتها (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض في غاليري «أرت أون 56» (الشرق الأوسط) - تأثرت بعلبكي بالقرية فنقلتها بريشتها على طريقتها (الشرق الأوسط)
TT

«رحلة مواطن كوني»... مشاهد مركبة في فضاء السماء

جانب من المعرض في غاليري «أرت أون 56» (الشرق الأوسط)  -  تأثرت بعلبكي بالقرية فنقلتها بريشتها على طريقتها (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض في غاليري «أرت أون 56» (الشرق الأوسط) - تأثرت بعلبكي بالقرية فنقلتها بريشتها على طريقتها (الشرق الأوسط)

الاضطراب بكل أشكاله والخوف بطبقاته المتراكمة اللذان أحدثتهما جائحة «كورونا» فتحا عيني الفنانة التشكيلية هدى بعلبكي على جمال ما وراء الظلمة. فابنة بلدة العديسة الجنوبية تنقل لنا في لوحاتها ضمن معرض «رحلة مواطن كوني» تجارب شخصية ترجمتها بريشة حرّة. وفي غاليري «آرت 56» في مار مخايل، تعرض أعمالها الملونة بشخبطات وخرطشات ووجوه ومجسمات يغلب عليها فرح الطفولة. أفكارها وموضوعاتها التي ترجمتها بريشة ومجحاف وببصمة من أناملها، تقدم لزائر المعرض نموذجاً حياً عن علاج لنفس أتعبتها الحياة فبحثت بين حنايا الذاكرة للتخلص من آثارها السلبية عليها.
وأنت تتنقل بين غرف المعرض تأخذك بعلبكي في رحلة بين السماء والأرض. الطبيعة تغلب عليها بتفاصيلها الدقيقة فتتنشق رائحة التراب وتجذبك أشكال الورود والأشجار وكأنها حاضرة معك. أما الألوان الزاهية المخيمة على هذه القطع الفنية فتُحدث لديك لا شعورياً، وقفة مع الطفولة. كيف لا وهدى التي عادت إلى ممارسة عملها بعد غياب 6 سنوات، كان محفزها الأول على ذلك رسومات تلامذتها الأطفال. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «بعد تخرجي في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، كرهت الرسم وتوقفت عن الرسم. ورحت أعطي حصصاً دراسية لتعليم الرسم للأطفال. معهم عادت شهيتي إلى الرسم حين كنت أطلب منهم أن يرسموا ما يخطر على بالهم وكأنهم يرسمون عني».
عالجها عملها مع الأطفال، وشفيت من ندبات حملتها معها في مشوارها مع الحياة كما تقول. «لقد تأثرت بأسلوبهم وتخليت تماماً عن دروسي الأكاديمية والقواعد التي تتضمنها. هذه العفوية أنقلها اليوم في أعمالي وفيها الكثير من الوضوح والشفافية مع ميل إلى الغموض من خلال فن الـ«أبستراكشن».
وفي لوحات عنونتها تحت أسماء: «الوردة» و«البيت المهجور»، و«المنزل الأسود»، و«التلة الصفراء» و«الشاعر المنفصم» وغيرها، تخلت هدى عن المزاجات المملة. وركونها إلى الألوان الزاهية لم يأتِ من الفراغ، وهي تعلل استخدامها قائلة: «لقد حزمت أمري وقررت أن أواجه كل الحزن الذي يخالجني بالفرح. في الماضي كنت ألجأ إلى الرمادي، ولكن هنا ولغاية في نفسي لا يمكنني تفسيرها، رحت صوب الألوان الزاهية».
كل الضجيج الذي يلحظه زائر معرض «رحلة مواطن كوني»، في كل لوحة يتمعن بها، يمثل ذكرى عند الفنانة بعلبكي. «هي نماذج حياة أدرجتها في رحلة ممتعة غنية بمشاهد وجزئيات حياة مختلفة. وأنا أرسم لوحاتي، كنت كمن يقطف الورود وثمار الشجر، وأتطلع إلى السماء الزرقاء من وجهة نظري فأحلق فيها بلا حدود».
تشرح بعلبكي «لوحة البيت المهجور» وتقول: «هو منزلي الذي غادرته في الحارة بعد أن سقط سقفه. ومعاناتي في أعماقي عندما تركت موقعاً عزيزاً على قلبي، ترجمتها بهذه اللوحة».
التأثر نفسه الذي يلازم بعلبكي وهي تتحدث عن بيتها في الحارة، نراه في عينيها مرة أخرى وهي تخبرنا قصة لوحة «البيت الأسود والتلة الصفراء». فالغيوم المتناثرة فوقه تحكي مشاعرها بصراحة: «مرات هي بمثابة هموم، ومرات أخرى تصور الحلم. إنها أحاسيس حقيقية أخرجتها من ذاتي. وهذه الألوان من أصفر وأحمر وأخضر وأزرق وغيرها، تصور مسيرة طويلة أمضيتها بين القرية والمدينة». وعن الطفولة التي تسكن لوحاتها تقول: «هي واحدة من مراحل حياتي التي أردت نقلها بريشتي إضافة إلى مراحل من شبابي ومراهقتي. ولكن طابع الطفولة هذا الذي تلمسينه، يعود لتأثري بتلاميذي كما سبق وأخبرتك. فالفنان هو باحث مجتهد لا يكل ولا يتعب، وهو ما أوصلني اليوم إلى تثبيت هويتي الفنية. لم أعد هائمة وضائعة، واستغرق الأمر مني وقتاً طويلاً. وأتوقع أن أتطور مع الوقت، لأن الفنان لا يوقفه الزمن بل يسير معه باحثاً عن التطور الدائم». حتى الوردة التي ترسمها بعلبكي في دوائر متداخلة، تحمل رؤية فلسفية لها مع الحياة. «إنها كون وعالم بحد ذاته، أغوص بهما على طريقتي، وبتفاصيلها الصغيرة تمثل الأكوان مجتمعة».بعلبكي التي تعكس لوحاتها ما يخالجها من أفكار وأحاسيس، يدرك ناظرها أنها تجسد رغبة الفنانة في إثبات شخصية تلمستها بعد أن بنتها على أسس روحانية وفلسفية وكأنها تقول «أنا هنا». وتشرح لـ«الشرق الأوسط»: «التأكيد على هذه الذات المتألمة والفرحانة معاً، هو حوار يخوضه الفنان مع نفسه وريشته. وكما كان يقول أستاذي في الجامعة حسن جوني، الفنان يرسم ليجد أجوبة عن أسئلة كثيرة تواجهه. فالمخ هو ماكينة تفرز لنا الخيال والواقع انطلاقاً من الذات».
وعن لوحة «شاعر منفصم الشخصية» تقول بعلبكي: «عرفته حزيناً دائماً، حاملاً هموم الدنيا في ملامح وجهه وعلى كتفيه. كانت أفكاره غنية ومنوعة تحمل الوطن والحب والكآبة والاضطراب، ولذلك ترين كل هذه المشاهد المجزأة تحيط به. وهذا العصفور الذي يقف على كتفه تصورته يوشوشه ويزوده بالأمل. كل منا يمكن أن يفهم لوحة رسمت على طريقته، وأنا شخصياً لم أعد قادرة على التعبير عن الحزن بالحزن، بت أعيشه بحالة نكران لأني أخافه، فأواجهه بكل هذه الألوان».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

أنغام تراهن على مواكبة الصيحات الموسيقية بألبومها الجديد

أنغام تطلق ألبومها الجديد «تيجي نسيب» (الشركة المنتجة)
أنغام تطلق ألبومها الجديد «تيجي نسيب» (الشركة المنتجة)
TT

أنغام تراهن على مواكبة الصيحات الموسيقية بألبومها الجديد

أنغام تطلق ألبومها الجديد «تيجي نسيب» (الشركة المنتجة)
أنغام تطلق ألبومها الجديد «تيجي نسيب» (الشركة المنتجة)

تراهن الفنانة المصرية أنغام على مواكبة أحدث الصيحات الموسيقية العالمية في ألبومها الجديد «تيجي نسيب» الذي احتفلت بإطلاقه، الأربعاء، في حفل كبير بإحدى دور العرض السينمائية المصرية، بحضور صناع أغنيات الألبوم، وعدد من الفنانين ورموز الإعلام المصري.

وشهد الحفل عرض كليب أغنية «تيجي نسيب» لأول مرة، الذي عرض بتقنية «Dolby Atmos» التي تمنح الجمهور تجربة استماع ثلاثية الأبعاد تضيف بعداً جديداً للموسيقى.

ويذكر أن ألبوم أنغام الجديد «تيجي نسيب» هو من إنتاج شركتها الجديدة «صوت مصر»، وتضمن 12 أغنية هي: «وبقالك قلب»، و«تيجي نسيب»، و«موافقة»، و«إيه الأخبار»، و«خليك معاها»، و«اسكت»، و«أقولك إيه»، و«كان بريء»، و«القلوب أسرار»، و«مكانش وقته»، و«بنعمل حاجات»، و«هو أنت مين».

وتعاونت في الألبوم مع نخبة من صناع الأغنية المصرية أبرزهم: أمير طعيمة، وطارق مدكور، وهالة الزيات، ومحمود خيامي، ومصطفى حدوتة، وإيهاب عبد الواحد، وأكرم حسني، ونادر حمدي، ونور عبد الله، ومصطفى العسال، ومحمد العشي، وتامر عاشور، ومحمد الشرنوبي، وعزيز الشافعي، وخالد سليمان.

كانت أنغام قد فاجأت جمهورها بضم أغنية «وبقالك قلب»، التي تستحوذ على حقوقها منذ أكثر من 17 عاماً، للألبوم لتكون «هيد» عملها الفني الجديد، وهي من ألحان الموسيقار الراحل رياض الهمشري.

ووصفت أنغام ألبومها خلال لقائها مع وسائل أإعلام بأنه «تجربة مميزة»، قائلة: «ألبوم (تيجي نسيب)، هو تجربة مميزة في مسيرتي الفنية، حاولت من خلالها مواكبة التطور الموسيقي في العالم، من خلال تقديم أشكال موسيقية لم تقدم من قبل في الشرق الأوسط، وأتوقع أن الأجيال القادمة التي ستستمع للألبوم، ستشكر فريق العمل على ما قدموه بهذا التطور وبتلك التقنيات».

وحول سبب إطلاقها اسم «صوت مصر» على شركتها الفنية الجديدة، قالت أنغام: «من يتابعني جيداً، يعلم أن هذا اللقب يطلق علي منذ فترة طويلة، وهو أمر ليس بجديد علي، وفي النهاية أنا لست متعمقة في الأمور الإدارية مقارنة بالغناء والموسيقى».

الفنانة أنغام شكرت فريق العمل على ما قدموه من أغانٍ (الشركة المنتجة)

وقدمت الفنانة المصرية الشكر لكل فريق عمل ألبومها الجديد وبالتحديد الفنان أكرم حسني، مضيفة: «رحلة العمل على ألبوم (تيجي نسيب) تجربة ممتعة وصعبة، والمبدعون الذين شاركوني تلك الرحلة كانوا على مستوى عالٍ من الرقي والفن، وهم سبب نجاحي، وأقدم شكراً خاصاً للفنان أكرم حسني، الذي أصبح في مصاف كبار الشعراء في الوطن العربي، بعد أن ظهرت حقيقته وموهبته في الشعر مثلما هي في التمثيل».

وأعرب الموسيقار محمود الخيامي عن سعادته البالغة لمشاركته الفنانة أنغام في ألبومها الجديد بأغنية «هو أنت مين»، وكشف عن كواليس الأغنية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الفكرة بعد أن أعجبت بأغنية أنغام التي قدمتها في ألبومها الماضي (يا ريتك فاهمني)، التي أراها إحدى أغنياتها العظيمة من ألحان الفنان تامر عاشور، ولا أنكر أنني استلهمت فكرة أغنيتي منها، ثم عملت على الأغنية مع الشاعرة هالة الزيات، وقدمنا الأغنية لأنغام، التي تحمست لها كثيراً، ووافقت فوراً على تقديمها في ألبومها الجديد، وبعد نجاح الأغنية اقترحت علي أنغام دمج أغنية (هو أنت مين) مع أغنية (يا ريتك فاهمني) في حفلاتها الغنائية».

أما الشاعر أمير طعيمة الذي قدّم لأنغام في ألبومها 4 أغنيات، فتحدث قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «منذ ما يقرب من 20 عاماً، وأنا وأنغام دائماً ما نقدم سنوياً أعمالاً غنائية، نحن أصبحنا معتادين على بعضنا البعض، ونفهم ما نريده، ولذلك لم أجد صعوبة في العمل معها خلال هذا الألبوم، ربما فكرة الأغنيات الـ4 التي قدمتها لها هذا العام بها النزعة الهجومية أعلى من الرومانسية بعض الشيء».

كشف طعيمة عن الأغنية الأقرب لقلب أنغام من كلماته قائلاً: «أعتقد أن الأغنيات الأربع قريبة من قلب أنغام، وربما أقربها (مكنش وقته)، لأننا وقتها تحدثنا كثيراً عن الأغنية وفكرتها».