لبنان: الحكومة العتيدة تواجه معضلة «الثقة المسيحية»

خبير دستوري: ميقاتي أمام مهمة شاقة ومضنية

النائب جبران باسيل معلناً بعد الاستشارات النيابية عدم تسمية أحد لتشكيل الحكومة (إ.ب.أ)
النائب جبران باسيل معلناً بعد الاستشارات النيابية عدم تسمية أحد لتشكيل الحكومة (إ.ب.أ)
TT

لبنان: الحكومة العتيدة تواجه معضلة «الثقة المسيحية»

النائب جبران باسيل معلناً بعد الاستشارات النيابية عدم تسمية أحد لتشكيل الحكومة (إ.ب.أ)
النائب جبران باسيل معلناً بعد الاستشارات النيابية عدم تسمية أحد لتشكيل الحكومة (إ.ب.أ)

أرخى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، بتشكيل آخر حكومات عهد الرئيس ميشال عون، بثقله على المشاورات غير الملزمة التي سيجريها مطلع الأسبوع المقبل مع الكتل النيابية، ويحاول تعويض ما خسره في لعبة التسمية من خلال العدد المتواضع من أصوات النواب الذي حصل عليه، عبر تأليف حكومة قادرة على احتواء التناقضات السياسية والأقليات التي أفرزتها نتائج الانتخابات الأخيرة، كي تحظى حكومته العتيدة بثقة مسيحية وازنة، كي لا تفقد قوتها التمثيلية وتصبح عرضة للتشكيك بميثاقيتها.
ويواجه ميقاتي صعوبة بالغة في إقناع الجميع بالانخراط في الحكومة، خصوصاً الكتل المسيحية الكبرى التي رفضت تكليفه، وسط استحالة حقيقية بإشراك كتلة «الجمهورية القوية» التي يرأسها الدكتور سمير جعجع، وتكتل «لبنان القوي» الذي يقوده جبران باسيل في حكومة واحدة، وهنا يرى الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك، أن مهمة ميقاتي «شاقة ومضنية وعليه أن يبذل في الاستشارات غير الملزمة جهوداً جبارة مع جميع النواب ليضع تصوراً لحكومة الممكن». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المادة 95 من الدستور تنص على أن الحكومة تشكل مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وهذا سيحصل ولا جدال حوله، لكن غير المحسوم مشاركة المسيحيين الممثلين للشارع»، معتبراً أن «تشكيل أي حكومة بعيداً عن التيارين المسيحيين الكبيرين قد يضع علامات استفهام حولها، لأن الحضور السياسي المسيحي ضروري على الصعيد الميثاقي».
وكرس اتفاق الدوحة الذي حصل إثر اجتياح «حزب الله» بيروت عسكرياً بدعة الميثاقية، التي منحت الأحزاب الطائفية ورقة تعطيل الاستحقاقات الأساسية، لا سيما تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية، ولفت المحامي سعيد مالك، إلى أن «طرح الميثاقية متشعب وقابل للكثير من البحث والتأويل»، مشدداً على أن «تشكيل السلطات لا يجب أن تحكمه الميثاقية بمعناها الضيق بل الأداء في الحكم وتظهير الميثاقية في التمثيل والأداء»، معتبراً أنه «إذا أراد ميقاتي حكومة ناجحة عليه أن يذهب إلى حكومة أكثرية تحكم وأقلية تعارض، لأن حكومات الوحدة الوطنية أثبتت فشلها».
وامتنعت الكتل المسيحية الكبرى الممثلة لكل من «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب اللبنانية» عن تسمية ميقاتي، كلاً وفق شروطها، وما زالت تتعاطى مع استحقاق الحكومة وفق هذه الشروط، وأكد القيادي في «القوات اللبنانية» النائب السابق وهبة قاطيشا، أن موقف فريقه من الحكومة العتيدة يتوقف على طبيعتها وممن ستتشكل. وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «إذا كانت حكومة إنقاذ حقيقي وليست سياسية سنمنحها الثقة، لكن حكومة ما يسمى (الوحدة الوطنية) لن نشارك فيها، لأنها ستكون تحت رحمة من يحمل السلاح». وقال قاطيشا، «لا نستطيع أن نكون شركاء مع (حزب الله) بالسلطة وهو يقاتل على امتداد المنطقة، ونتكفل نحن بتغطيته في الداخل، هذا انتحار وليس شراكة».
والتقى حزب «القوات» مع «التيار الوطني الحر» على عدم تسمية أي شخصية سنية لرئاسة الحكومة، وأعطى كل منهما تفسيراً مغايراً لخياره، بخلاف «الكتائب اللبنانية» التي سمى نوابها السفير السابق نواف سلام لهذا المنصب، وهذا ما سيعقد مخاض التأليف في الأسابيع المقبلة، ورأى النائب السابق وهبة قاطيشا، أن «الحل يبدأ مع حكومة إنقاذ متوازنة توحي بالثقة للشعب اللبناني في الداخل وللأشقاء والأصدقاء في الخارج»، مشدداً على أن «(القوات اللبنانية) لن تشارك بحكومة أحزاب تعرف أن الغلبة فيها للفريق المسلح الذي يقود لبنان إلى الدمار، وبالتأكيد هكذا حكومة لن تحصل على ثقتنا».
وبخلاف المواصفات التي تضعها بعض الأطراف المسيحية لتحديد موقفها من الحكومة العتيدة، فإن حزب «الكتائب اللبنانية» حسم خياره بعدم منح الحكومة الثقة أياً كان شكلها ومواصفاتها، وأكد قيادي كتائبي بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن «رئيس الحكومة المكلف (نجيب ميقاتي) جزء من المنظومة السابقة، لذلك لن نعطي حكومته الثقة أياً كانت هذه الحكومة». وقال القيادي، الذي رفض ذكر اسمه، إن «(الكتائب) غير معنية بمواقف القوى المسيحية الأخرى التي أوصلت ميقاتي إلى التكليف حتى ولو لم تسمه، لأنها أحجمت عن تسمية رئيس حكومة تغييري»، معتبراً أن البعض يحاول أن يفاوض والبعض الآخر يريد أن يساير للمقايضة على السلطة لاحقاً.
وآثرت كتلة «الكتائب اللبنانية» برئاسة سامي الجميل، وكتلة «اللقاء الديمقراطي» برئاسة تيمور وليد جنبلاط، مع عدد من النواب التغييريين، تسمية السفير نواف سلام، ليدخل لبنان مرحلة التغيير بعد الانتخابات النيابية، وتوقع القيادي في حزب «الكتائب» أن «تستمر حكومة تصريف الأعمال إلى موعد الانتخابات الرئاسية (في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل)، وفي أحسن الأحوال قد يحصل تعديل طفيف على الحكومة المستقيلة، ولذلك لن نعطيها الثقة»، معتبراً أن «الميثاقية المشكوك فيها لا تتوقف على المكون المسيحي، بل سيكون الدعم السني لها ضعيفاً والدعم الدرزي شبه معدوم، وبالتالي لا أمل بأي حكومة ما لم تنبثق عن إرادة قوى المعارضة لملامسة هموم الناس».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مبادرات لبنانية للتواصل مع القيادة السورية الجديدة

جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)
جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

مبادرات لبنانية للتواصل مع القيادة السورية الجديدة

جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)
جنبلاط (الوكالة الوطنية للإعلام)

أكدت مصادر سورية واسعة الاطلاع بدء «محاولات تواصل من الجانب اللبناني مع القيادة السورية الجديدة».

وأوضحت المصادر أن هذه المحاولات «تتم على المستوى الحكومي بين البلدين بمبادرة من الجانب اللبناني»، فيما كان الرئيس السابق لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أول من تواصل لبنانياً مع قائد «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع المكنى «أبو محمد الجولاني».

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن مسؤولاً حكومياً لبنانياً بادر إلى طلب الاتصال برئيس الحكومة السورية المؤقتة محمد البشير، وأن ثمة مساعي لترتيب الاتصال المباشر «حين تسمح الظروف»، مشددةً على أن «لا موانع تحول دون ذلك».

وهنّأ الزعيم الدرزي قائد الإدارة الجديدة في سوريا والشعب السوري بـ«الانتصار على نظام القمع وحصوله على حريته بعد 54 عاماً من الطغيان». وخلال اتصال هاتفي أجراه بالشرع، شددا، حسب بيان صادر عن «الحزب التقدمي الاشتراكي» في لبنان، على «وحدة سوريا بكافة مناطقها، ورفض كل مشاريع التقسيم، والعمل على بناء سوريا الجديدة الموحّدة، وإعادة بناء دولة حاضنة لجميع أبنائها، كما اتفقا على اللقاء قريباً في دمشق».

واعتبر الشرع، وفق البيان، أن جنبلاط «دفع ثمناً كبيراً بسبب ظلم النظام السوري، بدءاً من استشهاد كمال جنبلاط، وكان نصيراً دائماً لثورة الشعب السوري منذ اللحظة الأولى».

وبهذا يكون جنبلاط أول زعيم ومسؤول لبناني يجري تواصلاً مباشراً ومعلناً مع الشرع.

من جهته، عدَّ رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري سقوط الأسد «سقوطاً لنهج الاستفراد بالحكم والاستقواء بالخارج. هو سقوط لتأجيج الطائفية، والظلم باسم طائفة كريمة استغلها بأبشع الصور»، لافتاً في تصريح له إلى أن «سقوط الدكتاتور لا يعني شيئاً، إلا إذا تم إسقاط نهجه الذي قام على الاستقواء على الأفراد كما الطوائف والتعسف في ممارسة السلطة»، مضيفاً: «وحده دفن هذه الممارسات بعد سقوط النظام يضمن قيامة سوريا وطناً ودولة لكل سورية وسوري، وإثبات للسوريين والعالم بأن الثورة السورية أكبر من أن تقع بفخ نهج الأسد، وأقوى من أن تسقط بمستنقع الفتنة والفوضى، وبعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال التطرف».