لبنانيات يتنشّقن الحرية على «إطارين»... ولو بعد الخمسين

السيدة لارا نعماني على متن دراجتها النارية خلال نزهة مع الأصدقاء (الشرق الأوسط)
السيدة لارا نعماني على متن دراجتها النارية خلال نزهة مع الأصدقاء (الشرق الأوسط)
TT

لبنانيات يتنشّقن الحرية على «إطارين»... ولو بعد الخمسين

السيدة لارا نعماني على متن دراجتها النارية خلال نزهة مع الأصدقاء (الشرق الأوسط)
السيدة لارا نعماني على متن دراجتها النارية خلال نزهة مع الأصدقاء (الشرق الأوسط)

ببنطال جلدي لامع، وخوذة مدببة، وسترة جلدية مزينة بدبابيس وشارات تروي قصة مشاوير وتحديات تخوضها على متن دراجتها النارية، تجوب السيدة اللبنانية لارا نعماني (52 سنة) لبنان، والدول العربية، بل العالم، على «إطارين أشبه بالأجنحة»، على حد وصفها.

ولم تمارس لارا، وهي أم لولدين في العقد الثاني من العمر، شغفها «الأزلي» بهواية ركوب الدراجات النارية في سن صغيرة، بل كان عليها الانتظار، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت دائماً أرى الحلم يبعد مع كل مسؤولية جديدة، كان الأهم تربية ولدي وتأمين مستقبلهما. كنت أعتقد أن حلمي لن يتحقق أبداً».
كثيراً ما يُقال إن النصف الأول من حياتنا مكرس لوظائفنا وواجباتنا، بينما النصف الثاني ملك لنا للاستمتاع بالحياة، لكن في مجتمع شرقي يقسّم الهوايات جندريا، ويخضعها في معظم الأحيان لروزنامة العمر، فيصف النساء اللاتي يعتزمن تحقيق أحلامهن في سن كبيرة بـ«المتصابيات»، واللاتي يمارسن هواية وضعتها الأعراف على خانة الذكور بـ«المسترجلات»، ضربت سيدات لبنانيات، من بينهن لارا وبيليندا زكا (55 سنة)، عرض الحائط كل تلك «المحظورات» واتبعتا شغفهما في سبيل «ذلك الشعور بالحرية المطلقة... ولو بعد حين».
وتروي لارا، المعروفة وسط مجتمع سائقي دراجات «الهارلي» بـ«لولوش» و«أم عمر»، أن قلبها كان يرقص فرحاً كلما رأت سيدة تقود دراجة، وتتحدث السيدة، التي أصبحت رائدة اليوم في مجال التأمين والبوالص لـ«الشرق الأوسط»، عن الشرارة التي دفعتها إلى المضي قدماً في مطاردة حلمها «وهو صاحب شركة في مجال التأمين، قابلته في عام 2018».

وتحكي: «خلال الاجتماع عندما كنت في مكتبه سرقت أنظاري خوذة وسترة جلدية، شتتتا تركيزي كلياً، وعندما سألته أخبرني أنه يقود دراجة نارية»، الرجل الذي كان عمره 64 سنة حينها، صدم لارا «فهو مسن بدأ بممارسة هوايته في عمر الـ60»، على حد تعبيرها، فألهمتها قصته وأشعلت في قلبها الشغف من جديد.
أما مغامرات بيليندا التي تصف نفسها بأنها «متمردة وتسير عكس التيار»، فبدأت منذ الصغر، وتخبر «الشرق الأوسط» أنها في عمر الـ13 سنة كانت تخفي عن والديها ركوبها خلف شباب المنطقة الذين يقودون الدراجات النارية الرياضية السريعة، تقول: «أمي وأبي كانا يوبخانني باستمرار وكان والدي يهددني بالعقاب عندما يكتشف الموضوع، فهو رجل متحفظ جداً وكان يخاف من كلام الناس».

لم يخفت شغف بيليندا، وهي فنانة تبرع في تصميم قطع فنية ولوحات ثلاثية الأبعاد وتصمم مجوهرات، لقيادة الدراجات النارية السريعة يوماً، إلا أنها لم ترغب في تحدي عائلتها ووالدها بالأخص، وفقاً لها، إلى أن زارتها زبونة في متجرها في منطقة مار تقلا في الحازمية (ضواحي بيروت).

وتقول السيدة الملقّبة بـ«بي»: «خلال دردشتنا أخبرتني الزبونة أنها تقود دراجة نارية، أخبرتها حينها عن حبي لهذه الهواية رغم رفض أهلي، فكان جوابها أشبه بنداء اليقظة. قالت لي حينها: عذراً! عمرك 45 سنة وتنتظرين موافقة أهلك!».
وتحكي بيليندا: «في الشهر الأول اشتريت الخوذة، والشهر الثاني اشتريت السترة وكل شهر كنت أشتري قطعة من المعدات الضرورية إلى أن اشتريت دراجة رياضية سريعة وبدأت التعلم على قيادتها. كنت أركنها لدى المدرب خوفاً من المشاجرة مع أهلي».
أما لارا، وبعدما جوبهت بمعارضة كلّية من زوجها، اشترت دراجة «هارلي سبورستر» بالتقسيط، وتمرّنت على قيادتها، وتضيف: «عندما حان وقت امتحان السواقة، كان لا بد لي من إخبار زوجي وعائلتي... لكن كيف؟!».
لم يكن أمام لارا سوى رمي الخبر في وجه زوجها كالقنبلة، وتذكر: «وبقيت سنة كاملة أقود الدراجة من دون رضاه».

وتقبل الزوج فكرة أن زوجته «رايدر» (سائقة دراجات نارية) بعدما شاهد بأم العين «الاحترام الذي اكتسبته في هذا المجتمع، ومحبة الناس لي وتمكني ومضاهاتي للرجال في القيادة» تشرح، وتتابع: «بعدما كان من أشد المعارضين أصبح فخوراً بي».
وفي لبنان، تقود العديد من السيدات، خصوصاً الشابات، دراجات نارية، أكان للهواية كلارا وبيليندا، أو كوسيلة نقل اقتصادية. وفي حين يتقبّل الجيل الشاب هذه الظاهرة بل ويشجعها، لا يحبّذ السواد الأعظم من الجيل الأكبر الفكرة ويعتبرها «مسيئة لصورة المرأة».


ورغم ذلك، تعتبر لارا، أن والدها كان سيبارك خطوتها هذه لو كان على قيد الحياة بعكس والدتها التي يكبلها الخوف على ابنتها من أن تصاب بأي مكروه، والتي لا تتردد في التعبير عن امتعاضها من «تصرّف» ابنتها كلما سنحت لها الفرصة.
أما في العائلة الكبيرة، لارا ابنة بيروت، كانت محبوبتها وفقاً لها، وتضيف: «لكن بسبب قيادتي للدراجة النارية تغيرت نظرتهم لي وخسرت محبتهم...».
بيليندا فجّرت القنبلة أيضا، فقررت المواجهة وقامت بركن دراجتها أمام المنزل، «وكانت المشاجرة الكبرى. منذ ذلك الحين اختلفت علاقتي بوالدي وتوفي في عام 2013 من دون أن تعود علاقتنا كما كانت في السابق»، حسبما تروي. أما والدتها فتقبلت الموضوع بعد مدة لكنها طلبت منها توخي الحذر، وفقاً لها.

الأزمة الاقتصادية
ولكن في بلد يعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث ويحرم المواطنين من أدنى حقوقهم المعيشية، تعتبر رياضة ركوب الدراجات النارية، وهي هواية مكلفة جداً، بحسب بيليندا ولارا، من الكماليات، فكيف يمكن لمحبيها المواظبة على ممارستها وسط كل الأزمات التي تعيشها البلاد؟
تؤكد السيدتان أن تلك الهواية تأثرت حتما بالأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات وقطع غيار وصيانة الدراجات النارية.

وخلال السنة الماضية، نادراً ما ذهبت بيليندا في نزهة مع النادي، وتقول: «أقل قطعة في (الهارلي) باهظة الثمن، واليوم بعدما حجزت المصارف على أموالنا وتراجعت إنتاجية العمل أصبح لا بد من التفكير ألف مرة قبل الإقدام على أي عملية تصليح أو صيانة، كذلك قلّصنا عدد النزهات بسبب أزمة المحروقات وارتفاع أسعار البنزين».
https://www.facebook.com/watch/?v=429288074891034&ref=sharing

من جهتها، تشير لارا التي تولت رئاسة نادي «هوكس لبنان» (Hawks) في عام 2021، أي في خضم أزمة المحروقات في البلاد والطوابير أمام محطات الوقود التي تلاها رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، إلى أنه كان من أولويات النادي حينها الأخذ بعين الاعتبار ظروف كل الأعضاء الموجودين. وتتحدث عن أن النادي عمد إلى اختصار عدد النزهات ومسافتها أيضاً، وبعدما كانت «الرايد» (النزهة) لا تقل عن 300 و400 كيلومتر قبل رفع الدعم عن مادة البنزين، أصبحت لا تزيد على 100 أو 150 كيلومتراً بعده، بهدف تخفيف الكلفة عن الأعضاء والسماح بمشاركة العدد الأكبر.
وتلفت إلى أن النادي ألغى العديد من النزهات بسبب أزمة المحروقات وصعوبة تأمين مادة البنزين من جهة، وارتفاع الكلفة على الأعضاء من جهة أخرى، خصوصاً أن المداخيل لم تكن قد عدّلت حينها.

لكن ما هو الشعور الذي يستحق كل هذا التحدي... والتكلفة؟
على حد تعبير بيليندا، التي غيرت دراجتها الرياضية السريعة بأخرى من نوع «هارلي سبورستر» بعد خمس سنوات من ممارسة الهواية وقبل أن تطل الأزمة الاقتصادية برأسها، فإن قيادة الدراجة النارية تحررها من شعور الحزن والكآبة والعصبية، وهي مصدر إلهام لها.
أما عن سبب التغيير، فتقول بيليندا: «كنت أقود أحياناً بسرعة 170 كلم بالساعة، وخوفي مما قد يحصل لوالدتي في حال أصابني أي مكروه دفعني إلى اتخاذ القرار بإنهاء حقبة (السبيد بايك)، خصوصاً أنني تقدمت أكثر في العمر، فاشتريت (هارلي) منذ أربع سنوات وهي دراجة نارية تساق بهدوء إجمالاً».

وتشرح السيدة الوحيدة في مجموعتها «ليبانون رايدرز»: «نزهة صغيرة على متن دراجتي تعيد البسمة إلى وجهي وتغير مشاعري... أحس بالسعادة وأنني في عالم آخر... هو الشعور بالهواء الذي يلامس وجهي... القرب من الطبيعة... هي الحرية»، وتضيف: «دراجتي النارية أشبه بطفلي المدلل».

أما لارا التي تمتلك اليوم دراجتين من نوع «هارلي» واحدة من طراز «سبورستر» وأخرى «فات بوي»، فتقول: «لو استعنت بكل القواميس من الجلدة إلى الجلدة لأشرح شعوري لن أستطيع التعبير عن مشاعري بشكل كافٍ».
وتسترسل بوصف ذلك الشعور: «الشخص الذي يقود دراجة نارية يشعر بنسمة الهواء التي تداعب وجهه وأذنيه وعينيه، ويستمتع برجرجة المحرك وصوته، والأهم الشعور بالحرية... هي قيادة للحرية على إطارين ومن دون مرشد»، وتضيف: «الشخص الذي يقود دراجة نارية يقودها بقلبه، وجسمه يلحق قلبه».

من الهواية إلى الرئاسة
شغف لارا واندفاعها ومثابرتها في ممارسة هوايتها، سلّط الضوء عليها في مجتمع راكبي دراجات «الهارلي»، وبعد سنة واحدة من انضمامها إلى مجموعة «HOG LEBANON CHAPTER»، طلب منها رئيس النادي في عام 2019 تولي منصب مسؤولة «THE LADIES OF HOG»، وهي مجموعة تضم السيدات اللاتي يمارسن تلك الهواية، وتنظم أحداثاً ترفيهية وتوعوية وتسهم في جمع التبرعات للقضايا الإنسانية أيضاً، على سبيل حدث «PINKTOBER» الذي نظمته المجموعة للتوعية بأهمية الكشف المبكر على مرض سرطان الثدي في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وجمع التبرعات للمساهمة في علاج المصابات به.

نجاحها في هذا المكان، سلط الضوء عليها أكثر فأكثر، وفقاً لها، وفي عام 2021 طلب منها نادي «هوكس»، المنتشر في أكثر من بلد عربي، تأسيس فرع للنادي في لبنان وتولي رئاسته، وتقول لارا: «كان هذا تحدياً، وخلال مدة رئاستي للنادي انضم 110 أعضاء، وبرعنا في تنظيم أحداث ناجحة جداً»، وتضيف: «بعد سنة من هذا العمل التطوعي الذي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين كان لا بد لي من فتح الباب لأعضاء آخرين في اللجنة لتولي المنصب، للالتفات إلى عملي وولدي».

إناث وسط «معشر الرايدرز الذكور»
وعن تقبل المجتمع الذكوري في لبنان والعالم العربي لأن تكون امرأة رئيسة نادٍ لقيادة الدراجات النارية، توضح: «في البداية كان هناك تشجيع، لكن المجتمع الذكوري نفسه الذي شهد على نجاحي في رئاسة النادي لم يتقبل الموضوع لاحقاً، لكنني استمررت ونجحت باعتراف لبنان والعالم العربي ومؤسسي (هوكس)».
من ناحيتها، تؤكد بيليندا أن السيدة التي تقود دراجة نارية تنال احترامها وسط مجتمع أغلبية هواته من الذكور نظراً لمدى تمكنها من القيادة، وتقول: «عندما يشاهد راكبو الدراجات النارية مدى تمكني من القيادة يرفعون لي القبعة، هم لا ينظرون لي كامرأة تقود دراجة نارية، بل كشخص يحب هذه الهواية ويبرع فيها بغض النظر عن جنسه، لذلك هم لا يعارضون أبداً أن أكون في الصفوف الأمامية في النزهة».

وعادة ما يتولى الصفوف الأمامية الأشخاص الأكثر تمكناً من القيادة ويقومون بتمرير الإشارات إلى الخلف لتحذير السائقين من المطبات والجور والسيارات وغيرها من الإرشادات المرورية الضرورية في أثناء القيادة.

لكنها تلفت أيضاً إلى أن «هناك بعض الرجال الذين يظنون أن السيدة التي تقود دراجة نارية سهلة أو سيئة السمعة»، وتضيف: «تكتسب السيدة احترامها من خلال تصرفاتها وكيفية تعاطيها مع هذا المجتمع تماماً كما في الحياة».
وعن الاهتمام بمظهرها الأنثوي أثناء قيادة الدراجة النارية، تقول لارا: «أحرص على القيادة بقوة الرجل، مقابل إظهار الأنوثة بالشكل الخارجي، أحاول الحفاظ على مزيج مختلف على ماكينة شبابية وقاسية بطبعها وصوتها وشكلها... وهذا الأمر أكسبني لقب (ليدي لارا) بين محبي هذه الهواية».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
TT

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)

في تسجيل مصور مدته نحو دقيقة، يروي شاب يمني أنه تم التغرير به وبزملائه الذين يظهرون معه في الفيديو، للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات أمنية خاصة، ليجدوا أنفسهم في جبهات الحرب الروسية مع أوكرانيا.

وأبدى الشاب الذي غطى وجهه، وزملاؤه رغبتهم في العودة إلى اليمن، ورفضهم أن يقتلوا كما قُتِل زملاؤهم.

وتكشّف، أخيراً، كثير من التفاصيل حول تجنيد القوات المسلحة الروسية لمئات الرجال اليمنيين للقتال في أوكرانيا، من خلال عملية تهريب غامضة، تبين وجود كثير من أوجه التعاون المتنامية بين موسكو والجماعة الحوثية في اليمن.

كما كشفت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية في تقرير لها، الأحد الماضي، عن تفاصيل تحويل مئات الرجال اليمنيين إلى مقاتلين في صفوف الجيش الروسي، من خلال «عملية تهريب غامضة».

وفي هذه التسجيلات تتكشف جوانب من تفاصيل ما تمارسه مجموعة من المهربين الحوثيين الذين يستغلون الظروف الاقتصادية الصعبة لليمنيين لتنفيذ حملة تجنيد للمئات منهم، وإرسالهم للقتال إلى جانب القوات الروسية، وتعمل هذه المجموعة من داخل اليمن ومن دول عربية أخرى، بالتعاون مع آخرين داخل الأراضي الروسية.

وتسهل الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية في اليمن قبل نحو عشرة أعوام، تجنيدَ كثير من الشباب اليمنيين الذين نزحوا خارج البلاد وفشلوا في البحث عن فرص عمل أو الوصول إلى دول أوروبا، سواء بالهجرة الشرعية أو غير الشرعية لتقديم طلبات لجوء.

وتمكن السماسرة من تجنيد المئات من هؤلاء وإرسالهم للقتال في روسيا، وفق ما أكدته مصادر مقربة من عائلاتهم وأخرى في الحكومة اليمنية.

وفي مقطع مصور آخر، يظهر مجموعة من الشبان اليمنيين، ويذكر أحدهم أنهم كانوا يعملون في سلطنة عمان، وأن شركة للمعدات الطبية تابعة للقيادي الحوثي عبد الولي الجابري أغرتهم بالحصول على عمل لدى شركة روسية في المجال الأمني وبرواتب مجزية.

مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

ويضيف: «غرورا بنا بأنهم سيدفعون رواتب شهرية تعادل 2500 دولار لكل فرد، وعند وصولنا إلى المطار في روسيا، استقبلنا مندوبون عن وزارة الدفاع الروسية، وأبلغونا أنه سيتم توظيفنا حراسَ أمن في منشآت».

وبعد يومين من وصولهم، تم إرسالهم إلى معسكرات للتدريب، حيث يجري إعدادهم للقتال منذ شهرين، ولم يتقاضوا من الرواتب التي وُعِدوا بها سوى ما بين 185 دولاراً و232 دولاراً (ما بين 20 إلى 25 ألف روبل فقط).

ويؤكد الشاب أن الروس أخذوا 25 من زملائه إلى الجبهات، وأن هؤلاء جميعاً لقوا مصرعهم؛ إما داخل العربات التي كانوا يستقلونها، أو داخل المباني التي كانوا يتمركزون فيها، بينما هو وبقية زملائه ينتظرون، بقلق، نقلهم من موقع وجودهم في معسكر قريب من الحدود الأوكرانية، إلى الجبهات. وطالب الحكومة اليمنية بالتدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

شركة أدوية للسمسرة

لكن أحد اليمنيين، واسمه أحمد، وهو على معرفة بإحدى المجموعات التي تم تجنيدها، يوضح أنه وأصدقاء له حذروا هؤلاء الشبان من الذهاب إلى روسيا؛ لأن هناك حرباً قد يتورطون فيها، إلا أنهم ردوا عليه بأنهم قادرون على الفرار إلى أوروبا لطلب اللجوء كما فعل المئات من اليمنيين سابقاً، حين وصلوا إلى روسيا البيضاء، ومن هناك تم تسهيل نقلهم إلى الأراضي البولندية.

أحد الشباب اليمنيين داخل عربة عسكرية روسية وتفيد المعلومات بمصرعه داخل العربة (فيسبوك)

وبحسب ما أفاد به أحد أعضاء الجالية اليمنية في روسيا لـ«الشرق الأوسط»، فإن سماسرة يقومون بإغراء شبان يمنيين للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات مقابل رواتب تصل إلى 2500 دولار شهرياً، ويتم نقل الراغبين إلى عواصم عربية؛ منها مسقط وبيروت ودمشق، ليجري نقلهم إلى الأراضي الروسية.

ويتابع أنه، وبعد وصولهم، تم إدخالهم معسكرات للتدريب على الأسلحة، بزعم أنهم موظفون لدى شركة أمنية، لكنهم بعد ذلك يرسلون إلى جبهات القتال في أوكرانيا، حيث يوجد شبان عرب من جنسيات أخرى ذهبوا إلى روسيا للغرض نفسه.

ويقدر ناشطون وأفراد في الجالية اليمنية في روسيا بأن هناك نحو 300 شاب يمني يرفضون الذهاب إلى جبهات القتال ويريدون العودة إلى بلدهم، وأن هؤلاء كانوا ضحية إغراءات بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشها اليمن نتيجة الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام.

وطبقاً لأحد الضحايا الذين نشروا أسماء وأرقام المتورطين في هذه العملية، فإن أبرز المتهمين في عمليات التجنيد، عبد الولي الجابري، وهو عضو في البرلمان التابع للجماعة الحوثية، ويساعده في ذلك شقيقه عبد الواحد، الذي عينته الجماعة مديراً لمديرية المسراخ في محافظة تعز.

القيادي الحوثي الجابري المتهم الرئيسي بتجنيد الشبان اليمنيين خلال زيارة صالح الصماد رئيس مجلس الحكم الحوثي السابق له بعد إصابته في المعارك (إعلام حوثي)

وتضم المجموعة، وفقاً لهذه الرواية، شخصاً يدعى هاني الزريقي، ومقيم في روسيا منذ سنوات، ومحمد العلياني المقيم في دولة مجاورة لليمن.

تخفّي السماسرة

ويتهم اثنان من أقارب المجندين الجابري ومعاونيه بترتيب انتقال المجندين من اليمن إلى البلد المجاور، ومن هناك يتم إرسالهم إلى موسكو، بحجة العمل لدى شركات أمنية خاصة، وأن هؤلاء السماسرة يحصلون على مبالغ بين 10 إلى 15 ألف دولار عن الفرد الواحد.

وانتقل القيادي الحوثي الذي يدير الشركة أخيراً إلى مكان غير معروف، وبدّل أرقام هواتفه وانقطع تواصله مع الضحايا، بعد انتشار مقاطع مسجلة لمناشداتهم الحكومة اليمنية التدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

وعينت الجماعة الحوثية الجابري، إلى جانب عضويته بالبرلمان التابع لها، قائداً لما يسمى بـ«اللواء 115 مشاة»، ومنحته رتبة عميد، بينما صدر بحقه حكم إعدام في عام 2020 من محكمة في مناطق سيطرة الحكومة، كما أن ابن أخيه، جميل هزاع، سبق وعُيِّن في اللواء نفسه، في منصب أركان عمليات، وهو حالياً عضو ما يسمى مجلس الشورى التابع للجماعة.

ولا تقتصر مهام سماسرة التجنيد على إرسال شبان من اليمن للقتال في روسيا، بل تتضمن تجنيد عدد من اليمنيين المقيمين هناك للقتال في صفوف الجيش الروسي.

وأُعْلِن منتصف العام الحالي عن مقتل الدبلوماسي اليمني السابق في موسكو، أحمد السهمي، في إحدى الجبهات، حيث كان يقاتل إلى جانب القوات الروسية، وبحسب رواية زملاء له، أنه وبعد انتهاء فترة عمله، أقدم على المشاركة في القتال من أجل الحصول على راتب يمكنه من مواجهة التزاماته لعائلته وأطفاله.

ومنذ شهر، كرّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشاب اليمني، سعد الكناني، الذي قُتل في جبهة لوغانسك، وكان قد حصل على الجنسية الروسية قبل فترة قصيرة من التحاقه بالقتال في صفوف القوات الروسية.