نيران الحرب في أوكرانيا تهدد بإحراق الاقتصاد الأوروبي

صورة مركبة تجمع أنبوباً للغاز الطبيعي وعلمَي روسيا والاتحاد الأوروبي (رويترز)
صورة مركبة تجمع أنبوباً للغاز الطبيعي وعلمَي روسيا والاتحاد الأوروبي (رويترز)
TT

نيران الحرب في أوكرانيا تهدد بإحراق الاقتصاد الأوروبي

صورة مركبة تجمع أنبوباً للغاز الطبيعي وعلمَي روسيا والاتحاد الأوروبي (رويترز)
صورة مركبة تجمع أنبوباً للغاز الطبيعي وعلمَي روسيا والاتحاد الأوروبي (رويترز)

تعددت تعريفات الحرب على مر التاريخ، لكنها أجمعت على أنها نزاع مسلح بين أمّة وأخرى أو داخل أمّة واحدة تضم مجموعات مختلفة. وإذا كانت الحساسيات القومية أو الدينية من أسباب الحرب، فإنها تبقى ثانوية أمام «المصالح»، وهي كلمة تجمع كلمتين: الأرض والموارد.
قال كلاوس فون كلاوسيفيتز (1780 – 1831)، الجنرال البروسي (الألماني) والمنظّر الإستراتيجي، إن «الحرب ليست سوى مبارزة على نطاق واسع... عمل عنيف يهدف إلى إجبار خصمنا على تحقيق ما نريد». ولعل عبارة «ما نريد» شرحها المؤرخ الألماني المعاصر يوهانز فريد عندما كتب عن أهداف الحرب أنها «الفوائد الإقليمية أو الاقتصادية أو العسكرية أو غيرها من الفوائد المتوقعة بعد الخاتمة الناجحة للحرب».
مهما تعدّدت القراءات تظل الأرض ومواردها السبب الأول للنزاعات، وبتعبير آخر الاقتصاد هو السبب الأول، وفي الموازاة هو المتأثر الأول بالحرب سلباً أو إيجاباً، سلباً للأكثرية وإيجاباً لمن يحسن اقتناص الفرص وتحويل التداعيات لمصلحته.
وبما أن أوكرانيا هي مسرح الحرب فإن اقتصادها تضرر وسيتضرر أكثر بطبيعة الحال. وعلى الطرف الآخر لا يبدو أن اقتصاد روسيا تضرر كما كان متوقعاً، لأن مبيعات الطاقة لا تزال نشطة على الرغم من عدم انتقال مشروع «نورد ستريم 2» لنقل الغاز إلى ألمانيا إلى حيّز التنفيذ، فيما الروبل يتقدم على حساب الدولار واليورو. غير أن البحث هنا لا يتصل بأوكرانيا وروسيا، بل بأوروبا، وهي «المسرح الأكبر» للحرب والمتوجس الأول من تداعياتها.
أوكرانيون ينتظرون تلقي مساعدات غذائية في بلدة قريبة من كييف (إ.ب.أ)
ورد في مدوّنة صندوق النقد الدولي أن الحرب في أوكرانيا «تمثل انتكاسة خطيرة لانتعاش أوروبا غير المكتمل بعد مرحلة جائحة كورونا، الأمر الذي جعل الاستهلاك والاستثمار أقل بكثير من المستويات التي كانا عليها ما قبل الجائحة (...). ويؤدي الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والغذاء إلى توليد ضغوط عميقة على مالية الأُسر، كما أن حالة عدم اليقين تبطئ حركة الاستثمار».
ولا ننسى أن الكارثة الإنسانية في أوكرانيا تنعكس مباشرة على كل دول أوروبا، لأن حوالى 5 ملايين أوكراني تركوا بلادهم في أكبر نزوح جماعي شهدته القارة منذ الحرب العالمية الثانية. وتوجه العدد الأكبر من النازحين إلى بولندا ورومانيا والمجر ومولدوفا. وكان لا بد للاتحاد الأوروبي من أن يحتضن الذين شردهم الغزو الروسي، ويمنحهم أذونات إقامة وعمل، ويمدّهم بالمساعدات الاجتماعية. وبالطبع يشكل هذا الأمر عبئاً اقتصادياً كبيراً على دول تعاني ماليتها العامة في الاصل عجزاً تتفاوت نسبه بين دولة وأخرى.
*توقعات سلبية
يفيد أحدث تقرير لصندوق النقد عن التوقعات الاقتصادية في أوروبا بأن النمو المقدَّر على صعيد القارة تراجع نقطة مئوية واحدة إلى 3% عام 2022 مقارنة بتوقعات يناير (كانون الثاني). أما في ما يخص الاقتصادات الناشئة في القارة، فقد تراجع النمو المتوقع بمقدار 1.5 نقطة مئوية إلى 2.7%. وتبدو المشكلة أكثر حدة في الاقتصادات الكبرى، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، إذ إنها لن تحقق سوى نموّ ضئيل، بل مع احتمال أن يكون النمو سلبياً لربعين متتاليين هذا العام.
الموقع الإلكتروني للدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية (الاتحاد الأوروبي)، لا يرسم صورة أفضل. ويكتب في مدوّنة الموقع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل: «الحرب في أوكرانيا هي الصدمة الثالثة غير المتكافئة، كما يسميها الاقتصاديون، التي شهدها الاتحاد في العقدين الماضيين، بعد الأزمة المالية والاقتصادية عام 2008 وأزمة منطقة اليورو التي تلتها، ثم جائحة كوفيد - 19. الصدمة غير المتكافئة هي التغيّر المفاجئ في الظروف الاقتصادية التي تؤثر على بعض دول الاتحاد الأوروبي أكثر من غيرها. في الواقع، للحرب في أوكرانيا تأثير أكبر بكثير على البلدان المجاورة بسبب تدفق اللاجئين والاعتماد الكبير على الغاز الروسي».
يحيلنا هذا الكلام مباشرة على أزمة الطاقة التي سبّبها الهجوم الروسي على أوكرانيا، وما تبعه من عقوبات على موسكو طاولت قطاع النفط، فما كان من فلاديمير بوتين إلا أن راح يقفل صمامات ضخ الغاز إلى أوروبا تدريجاً، فيما طفق يبحث عن أسواق بديلة (الصين خصوصاً) لمنتجات الطاقة التي تخرج من أرض بلاده. وهذا ما أدى إلى ارتفاعات خيالية لأسعار الطاقة، خصوصاً الغاز الذي تجعل أسعاره تفكير الدول الأوروبية في البرد الآتي مع حلول الخريف ثم الشتاء كابوساً حقيقياً...
متسوّقون في سوبرماركت بلندن (رويترز)
لا شك في أن المؤشر الاقتصادي الأكثر تعبيراً وصدقاً هو معدّل التضخم، أي الغلاء بلغة المستهلك العادي. فقد بلغ معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو (الدول الـ19 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تعتمد العملة الموحّدة) 8.1٪ في مايو (أيار) الماضي مقابل 7.4% في مارس (آذار)، ارتفاعًا من 7.4٪ في أبريل (نيسان)، وفقًا للجهاز الإحصائي للاتحاد الأوروبي «يوروستات». وخارج الاتحاد بلغ التضخم في بريطانيا، على سبيل المثال، 9.1% في مايو، وهو المستوى الأعلى في أربعة عقود.
وبقليل من التفصيل، سجلت أسعار الطاقة أعلى معدل للتضخم على أساس سنوي بلغ 39.2% في مايو مقارنة بـ 37.5% في أبريل. وحلت في المرتبة الثانية أسعار الأغذية والتبغ (7.%)، تلتها السلع الصناعية (4.2%) والخدمات (3.5%).
*سلسلة تحديات
في ظل هذه الوقائع، تواجه القارة الأوروبية تحديات اقتصادية هائلة، في موازاة الأخطار الجيوسياسية والأمنية.
أول التحديات ضرورة لجم التضخم الذي يضرب القدرة الشرائية للفرد والأسرة. ولم نرَ حتى الآن من تدابير سوى رفع المصارف المركزية لأسعار الفوائد خفضاً للاستهلاك. إلا أن هذا الأمر يقوّض البيئة الاستثمارية، وبالتالي يؤدي إذا استمر إلى فقدان وظائف وإبطاء النمو وصولاً إلى الانكماش والركود...
على الدول الأوروبية التفكير في مصادر بديلة من روسيا للطاقة، خصوصاً الغاز الذي لا غنى عنه لتوليد الكهرباء والتدفئة وتحريك النشاط الصناعي... وحتى الآن لا ملامح واضحة لهذه البدائل، الأمر الذي يعطي روسيا اليد الطولى في هذا المجال، خصوصاً إذا وجدت هي البدائل لتصريف إنتاجها وتخلت عن الأسواق الأوروبية، علماً أن بعض هذه لا تريد أن تستغني عن الغاز الروسي، وهو ما ينعكس خلافات سياسية داخل عائلة الاتحاد الأوروبي.
لا تستطيع الدول الأوروبية المضيّ في فرض الحزمة تلو الأخرى من العقوبات على روسيا، لأن هذا الأمر يجعل سلاسل التوريد العالمية تضطرب، ولا سيما إمدادات الغذاء. وليس منطقياً هنا أن تطالب الدول روسيا بتسهيل تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، وفي الوقت نفسه تواصل مراكمة العقوبات عليها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
إذا كان مفروغاً منه أن الدول الأوروبية ستبقى بجانب أوكرانيا في الحرب، فإن عليها أن تصارح مواطنيها أكثر بأن لذلك ثمناً، ليس أقله التضخم وأكلاف المعونات التي تقدَّم للنازحين الأوكرانيين والمساعدات العسكرية الكبيرة التي تذهب إلى كييف...
يضاف إلى ذلك كله أن على قادة أوروبا أن يفكروا أيضاً أنه بعد نهاية هذه الحرب المدمّرة لا بد من إعادة بناء أوكرانيا قوية اقتصاديًا لتشجيع اللاجئين على العودة. ولا شك في أن إعادة بناء البنية التحتية سيتطلب تمويلاً كبيراً قد يستعاد بعضه وقد يكون البعض الآخر هبات ومنحاً.
الخلاصة، أن الحرب في أوكرانيا تشكل في وجهها الاقتصادي عبئاً كبيراً على طرفيها بالطبع، ولكن أيضاً على أوروبا والعالم. وإذا كان هناك من يظن أن طريق الانتعاش والازدهار لا بد أن يمر في قيعان الانكماش والركود، فإن عليه أن يفكر في الأثمان التي تدفعها على امتداد هذا الطريق الشاق المجتمعات والشعوب...


مقالات ذات صلة

خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

الاقتصاد خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

خلاف «النسبة» يهيمن على {المركزي} الأوروبي

يتجه المصرف المركزي الأوروبي الخميس إلى إقرار رفع جديد لمعدلات الفائدة، وسط انقسام بين مسؤوليه والمحللين على النسبة التي يجب اعتمادها في ظل تواصل التضخم والتقلب في أداء الأسواق. ويرجح على نطاق واسع أن يقرّر المصرف زيادة معدلات الفائدة للمرة السابعة توالياً وخصوصاً أن زيادة مؤشر أسعار الاستهلاك لا تزال أعلى من مستوى اثنين في المائة الذي حدده المصرف هدفاً له.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد انقسام أوروبي حول خطط إصلاح قواعد الديون

انقسام أوروبي حول خطط إصلاح قواعد الديون

واجه وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، اقتراحا من قبل المفوضية الأوروبية لمنح دول التكتل المثقلة بالديون المزيد من الوقت لتقليص ديونها، بردود فعل متباينة. وأكد وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر أن مقترحات المفوضية الأوروبية لمراجعة قواعد ديون الاتحاد الأوروبي «ما زالت مجرد خطوة أولى» في عملية الإصلاح.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد نمو «غير مريح» في منطقة اليورو... وألمانيا تنجو بصعوبة من الركود

نمو «غير مريح» في منطقة اليورو... وألمانيا تنجو بصعوبة من الركود

ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة بلغت 0,1 % في الربع الأول من العام 2023 مقارنة بالربع السابق، بعدما بقي ثابتا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2022، وفق أرقام مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات). بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي برمّته، انتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي بزيادة بلغت نسبتها 0,3 % بعد انخفاض بنسبة 0,1 % في الربع الأخير من العام 2022، وفق «يوروستات». وفي حين تضررت أوروبا بشدة من ارتفاع أسعار الطاقة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما يغذي تضخما ما زال مرتفعا للغاية، فإن هذا الانتعاش الطفيف للنمو يخفي تباينات حادة بين الدول العشرين التي تشترك في العملة الموحدة. وخلال الأش

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد أوروبا تشتري الوقت لتقليص الديون

أوروبا تشتري الوقت لتقليص الديون

من المقرر أن تحصل دول الاتحاد الأوروبي المثقلة بالديون على مزيد من الوقت لتقليص الديون العامة، لتمكين الاستثمارات المطلوبة، بموجب خطط إصلاح اقترحتها المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: «نحتاج إلى قواعد مالية ملائمة لتحديات هذا العقد»، وأضافت «تمكننا الموارد المالية القوية من الاستثمار أكثر في مكافحة تغير المناخ، ولرقمنة اقتصادنا، ولتمويل نموذجنا الاجتماعي الأوروبي الشامل، ولجعل اقتصادنا أكثر قدرة على المنافسة». يشار إلى أنه تم تعليق قواعد الديون والعجز الصارمة للتكتل منذ أن دفعت جائحة فيروس «كورونا» - حتى البلدان المقتصدة مثل ألمانيا - إلى الا

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
TT

تحسّن ثقة المستهلك الأميركي بأكثر من المتوقع في بداية ديسمبر

رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)
رجل يتسوق في قسم الأجهزة بمتجر هوم ديبوت في واشنطن (رويترز)

أظهرت البيانات الأولية الصادرة يوم الجمعة ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان إلى 53.3 نقطة في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مقارنةً بقراءة نهائية بلغت 51 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزاً توقعات الاقتصاديين عند 52 نقطة، لكنه لا يزال منخفضاً بشكل كبير مقارنة بمستوى 71.7 نقطة في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وشهد تقييم المستهلكين للظروف الاقتصادية الحالية انخفاضاً طفيفاً، بينما تحسّنت توقعاتهم المستقبلية إلى حد ما. كما تراجعت توقعات التضخم للعام المقبل إلى 4.1 في المائة مقابل 4.5 في المائة في الشهر السابق، مسجلة أدنى مستوى منذ يناير، مع استمرار الضغوط على الأسعار بسبب الرسوم الجمركية على الواردات، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وقالت جوان هسو، مديرة المسوحات الاقتصادية في ميشيغان: «الاتجاه العام للآراء يبقى قاتماً، حيث يواصل المستهلكون الإشارة إلى عبء ارتفاع الأسعار». على الرغم من تراجع التضخم عن أعلى مستوياته منتصف 2022، إلا أنه يظل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة بثبات.


مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يتباطأ في سبتمبر

يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
TT

مؤشر التضخم المفضل لـ«الفيدرالي» يتباطأ في سبتمبر

يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)
يتسوق أشخاص في سوبر ماركت في لوس أنجليس (رويترز)

تباطأ مؤشر التضخم المفضل لدى «الاحتياطي الفيدرالي» قليلاً في سبتمبر (أيلول)، مما يمهّد الطريق على الأرجح لخفض أسعار الفائدة المتوقع على نطاق واسع من قِبل البنك المركزي الأسبوع المقبل.

وأعلنت وزارة التجارة، يوم الجمعة، أن الأسعار ارتفعت بنسبة 0.3 في المائة في سبتمبر مقارنة بأغسطس (آب)، وهي نسبة الشهر السابق نفسها. وباستثناء فئات الغذاء والطاقة المتقلبة، ارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 0.2 في المائة، وهو معدل مماثل للشهر السابق، ويقارب هدف «الاحتياطي الفيدرالي» للتضخم البالغ 2 في المائة إذا استمر على مدار عام كامل، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وعلى أساس سنوي، ارتفعت الأسعار الإجمالية بنسبة 2.8 في المائة، بزيادة طفيفة عن 2.7 في المائة في أغسطس، في حين ارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 2.8 في المائة مقارنة بالعام السابق، بانخفاض طفيف عن 2.9 في المائة المسجلة في الشهر السابق. وأظهرت البيانات التي تأخرت خمسة أسابيع بسبب إغلاق الحكومة، أن التضخم كان منخفضاً في سبتمبر، مما يعزز مبررات خفض سعر الفائدة الرئيسي لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» في اجتماعه المقبل يومَي 9 و10 ديسمبر (كانون الأول).

رغم ذلك، لا يزال التضخم أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة، جزئياً بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب، لكن العديد من مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» يرون أن ضعف التوظيف، والنمو الاقتصادي المتواضع، وتباطؤ مكاسب الأجور؛ سيؤدي إلى انخفاض مطرد في مكاسب الأسعار خلال الأشهر المقبلة.

ويواجه «الاحتياطي الفيدرالي» قراراً صعباً الأسبوع المقبل: الحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة لمكافحة التضخم، مقابل خفضها لتحفيز الاقتراض ودعم الاقتصاد، وسط تباطؤ التوظيف وارتفاع البطالة ببطء.


«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
TT

«وول ستريت» تختتم أسبوعاً هادئاً... والأسهم تلامس المستويات القياسية

متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)
متداول يراقب شاشة تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (رويترز)

اقتربت الأسهم الأميركية، يوم الجمعة، من مستوياتها القياسية، مع توجه «وول ستريت» نحو نهاية أسبوع اتسم بالهدوء النسبي.

وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.3 في المائة، ليصبح على بُعد 0.2 في المائة فقط من أعلى مستوى له على الإطلاق، فيما صعد مؤشر «داو جونز» الصناعي بـ46 نقطة (0.1 في المائة). أما مؤشر «ناسداك» المركّب فزاد بنحو 0.4 في المائة، في حين تراجع مؤشر «راسل 2000» لأسهم الشركات الصغيرة بنسبة 0.2 في المائة بعدما لامس مستوى قياسياً في الجلسة السابقة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وفي قطاع الشركات، سجّل سهم «نتفليكس» انخفاضاً بنسبة 2.1 في المائة، بعد إعلانها خططاً لشراء «وارنر براذرز» إثر انفصالها عن «ديسكفري غلوبال»، في صفقة تبلغ 72 مليار دولار نقداً وأسهماً. وارتفع سهم «ديسكفري» التابعة للشركة بنسبة 2.6 في المائة.

وقفز سهم «ألتا بيوتي» بنسبة 11 في المائة بعد إعلان نتائج فصلية فاقت توقعات المحللين من حيث الأرباح والإيرادات، مع إشارتها إلى تحسّن ملحوظ في التجارة الإلكترونية، مما دفعها إلى رفع توقعاتها للإيرادات السنوية.

كما حققت «فيكتوريا سيكريت» أداءً قوياً، إذ سجّلت خسارة أقل من المتوقع ورفعت توقعاتها لمبيعات العام، ليرتفع سهمها بنسبة 14.4 في المائة.

أما سهم «هيوليت باكارد إنتربرايز» فانخفض 3.9 في المائة رغم تحقيق أرباح أعلى من التوقعات، نتيجة إعلان الشركة إيرادات دون المستوى المأمول.

وجاء هذا الأداء في أسبوع هادئ نسبياً بالنسبة إلى السوق الأميركية، بعد أسابيع شهدت تقلبات حادة بفعل مخاوف مرتبطة بتدفقات كبيرة على قطاع الذكاء الاصطناعي وتوقعات تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

بعد فترة من التردد، يتوقع المستثمرون الآن بالإجماع تقريباً أن يخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي الأسبوع المقبل لدعم سوق العمل البطيئة. وسيكون ذلك الخفض الثالث هذا العام إن حدث.

وتحظى أسعار الفائدة المنخفضة بدعم المستثمرين، لأنها تعزّز تقييمات الأصول وتحفّز النمو الاقتصادي، لكنها قد تزيد الضغوط التضخمية التي لا تزال أعلى من هدف «الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.

ويدعم توقع خفض الفائدة عودة مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى مشارف مستوياته القياسية المسجلة في أكتوبر (تشرين الأول)، في حين يترقب المستثمرون إشارات جديدة من اجتماع «الفيدرالي» حول مسار الفائدة العام المقبل.

وفي أسواق السندات، استقرت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عند 4.11 في المائة، في حين ارتفع العائد على السندات لأجل عامَين إلى 3.54 في المائة من 3.52 في المائة.

وعالمياً، ارتفعت المؤشرات في معظم أوروبا وآسيا؛ فقد صعد مؤشر «داكس» الألماني بنسبة 0.9 في المائة، وقفز مؤشر «كوسبي» الكوري الجنوبي بنسبة 1.8 في المائة.

في المقابل، تراجع مؤشر «نيكي 225» في طوكيو بنسبة 1.1 في المائة بعد بيانات أظهرت انخفاض إنفاق الأسر اليابانية بنسبة 3 في المائة في أكتوبر على أساس سنوي، وهو أكبر تراجع منذ يناير (كانون الثاني) 2024، وسط تقلبات أثارها احتمال رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة.