روسيا وسوريا... و«البركان الأوكراني»

فتى على دراجة في ادلب شمال غربي سوريا في 2 الشهر الجاري ( أ ب )
فتى على دراجة في ادلب شمال غربي سوريا في 2 الشهر الجاري ( أ ب )
TT

روسيا وسوريا... و«البركان الأوكراني»

فتى على دراجة في ادلب شمال غربي سوريا في 2 الشهر الجاري ( أ ب )
فتى على دراجة في ادلب شمال غربي سوريا في 2 الشهر الجاري ( أ ب )

تطوران جديدان يخصان سوريا، يكشفان مرة جديدة مدى تأثرها بالحرب الروسية في أوكرانيا. وهذه المرة، تهب الرياح من بوابة الأمم المتحدة ومؤسساتها، ودورها السياسي والإنساني.
يعود الربط بين «الملفين» السوري والأوكراني إلى العام 2014، عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم «رداً» على التغيير الرئاسي، وهروب حليفها فيكتور يانوكوفيتش من قصر الرئاسة الأوكراني. حينها، طلبت موسكو من دمشق التشدد في مسار جنيف الأممي، ثم قررت التدخل عسكرياً في شكل مباشر نهاية 2015.
ومع بدء الحرب الأوكرانية، تفاقمت معاناة السوريين الاقتصادية وظهرت مؤشرات عن تشابك عسكري بين «الساحتين»: تراجع الدور العسكري الروسي في ساحة بسبب «الانشغال» بأخرى، مع محاولات إيرانية لملء الفراغ في سوريا، وتصاعد الضربات الإسرائيلية ضد مصالح طهران من جهة، وحصول اختبارات عسكرية روسية - أميركية عدة في الأجواء السورية من جهة ثانية، إضافة إلى سعي تركيا للإفادة من هذه التطورات بتوغل جديد شمال البلاد من جهة ثالثة.
حالياً، هناك تطوران: الأول، هو أن موسكو أبلغت دمشق بعدم المشاركة في اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف تحت قبة الأمم المتحدة، والآخر، إبلاغ روسيا الأطراف الغربية أنها لن تمدد القرار الدولي الخاص بإيصال المساعدات عبر الحدود لدى انتهاء مدته في 10 من الشهر المقبل.
دمشق كانت دائماً غير مرتاحة للمسار الأممي منذ صدور «بيان جنيف» في 2012 وانعقاد المؤتمر الدولي بداية 2014. فهي ضد تدويل الملف، وتريده محلياً، بأولويات واعتبارات وحسابات محلية. وكانت موسكو، لأسباب مختلفة، قد دفعت دمشق لقبول الغطاء الأممي في جنيف؛ لأن ذلك يعطي شرعية لجهودها ووجودها، ويوفر لها أيضاً منصة لحساباتها الدولية ومقايضاتها فيها، لكنها حافظت على خياراتها ومحاولاتها «تفكيك النفوذ الغربي بالأمم المتحدة». ولذا؛ خلقت مسارين متوازيين: الأول في آستانة بالتعاون مع إيران وتركيا، لبحث الأمور العسكرية، والآخر في سوتشي لبحث الأمور السياسية وعقد مؤتمر للحوار الوطني السوري.
فكرت موسكو أحياناً بالانقضاض على مسار جنيف والجهود الأممية، لكنها كانت تتريث وتفاوض، ثم تضغط على دمشق لإرسال وفودها إلى القصر الأممي الأول في أوروبا. أيضاً، كانت ترسل المبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنييف للقاء «الضامنين» التركي والإيراني، والمحاورين الأميركي والأوروبي. وباتت جنيف منصة لإطلالة دولية لروسيا على الملف السوري. وبات هذا المسار حاجة ملحة لجميع الأطراف، لتحقيق المكاسب أو تبرير العجز.
ماذا تغير الآن؟
الذي تغيّر وغيّر هو البركان الأوكراني. فبعض المؤسسات الأممية بدعم غربي، عاقبت روسيا على حربها. أيضاً، توقف المسار الخلفي الأميركي - الروسي الذي كان قائماً في جنيف. وقبل الجولة الأخيرة لاجتماعات اللجنة الدستورية نهاية مايو (أيار) الماضي، لم يلق لافرنييف الترحيب ذاته الذي كان يلقاه عادة.
هنا، أعلنت روسيا إأ سويسرا «ليست أرضاً حيادية»، وطلبت من دمشق أن تطلب بدورها من الأمم المتحدة البحث عن مكان جديد لاستضافة اجتماعات «الدستورية». وهناك أربعة خيارات بديلة: موسكو، سوتشي، دمشق أو الجزائر. الجانب الروسي يعرف أن إمكانية سفر المبعوثين الغربيين والمعارضة السورية إلى روسيا أو دمشق غير متوفرة. أيضاً خيار الجزائر التي ستستضيف القمة العربية بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لتبحث عودة عضوية دمشق بالجامعة العربية، خيار ليس واقعيا الآن.
مسار جنيف «الدستوري» بات بين خيارين: التجميد وعدم عقد الجلسة المقبلة نهاية الشهر المقبل، كما أعلن المبعوث الأممي غير بدرسين، بموجب اتفاقه مع الأطراف السورية، أو الإذعان للشروط الروسية بعد جولات تفاوضية مع الدول الغربية، باتت فرصها ضيقة بسبب أوكرانيا.
لقد بات هذا الملف ورقة، تضاف إلى التطور الثاني الذي يخص تمديد القرار الدولي الخاص بالمساعدات الإنسانية. فقبل سنة، لوّحت موسكو مرات عدة بأنها لن تمدد القرار وضغطت على المانحين لطرق أبواب دمشق. أما، واشنطن فرفعت السقف بأن تحدثت عن فتح ثلاثة معابر حدودية، اثنان منها مع تركيا والثالث مع العراق، واعتبرت تمديد القرار أولوية لإدارة جو بايدن الجديدة. انتهى الأمر، بعد جلسات تفاوضية سرية بين مبعوثي الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن بعد قمتها في جنيف منتصف يونيو (حزيران) العام الماضي، إلى صوغ مسودة قرار جديد تضمن التمديد لمعبر واحد بين تركيا وإدلب، وتراجعات أميركية، بينها تغيير لغة القرار، ودعم تمويل «التعافي المبكر» والمساعدات عبر خطوط التماس.
الوضع الآن، تغير كثيراً. فالخط السري بين القوتين العظمتين توقف، وهناك تصعيد عسكري في أوكرانيا، وبوادر صدام عسكري بين جيشيهما في سوريا. ومع اقتراب انتهاء ولاية القرار، هناك احتمال أن تبادر روسيا لطلب مشروع قرار يخص المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شرق أوكرانيا مقابل تمرير القرار إلى الشمال السوري. ومرة جديدة، الربط واضح بين «الملفين».
الاحتمال الآخر هو عدم التمديد والبحث عن خطط بديلة. وبالفعل، بحث مبعوث الدول الغربية خططاً بديلة. هل يمكن الاعتماد على المنظمات التركية كي تكون بديلاً؟ الدول الغربية لا تريد إعطاء تركيا هذه الميزة. هل يمكن تأسيس صندوق بتمويل غربي يستعمل المؤسسات والخطوط القائمة؟ هذا احتمال يبحث في شكل جدي.
وبين الخيارين «الإنسانيين» والتطورين السوريين، رفعت الأمم المتحدة من حدة خطابها، واستعملت مفردات جديدة. فقد دخل الأمين العام أنطونيو غوتيريش على الخط، وقدم بياناً تفصيلياً عن أهمية الحفاظ على دور الأمم المتحدة، وتمديد القرار الدولي لإغاثة أكثر من أربعة ملايين شخص، وتقديم مساعدات لـ14 مليون شخص في بلد يقبع 90 من شعبه تحت خط الفقر.
غوتيريش قال «من الناحية الأخلاقية، من الضروري معالجة معاناة وضعف 4.1 مليون شخص في المنطقة ممن يحتاجون إلى المساعدة والحماية؛ إذ إن 80 في المائة من المحتاجين في شمال غربي سوريا هم من النساء والأطفال».
هذا من الناحية الأخلاقية والإنسانية. فماذا عن الجانب الاستراتيجي والجيوسياسي؟ أغلب الظن أن الاختبارين الجديدين سيُظهران أن سوريا باتت رهينة لعبة دولية - إقليمية وأن السوريين قد يدفعون ثمن «البركان الأوكراني».


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».