«على جبل يشكُر»... رواية تضعنا أمام حياة موازية لأخرى مضت

رباب كساب تنحت «الغرابة» المكتسية بعباءة الخرافة

«على جبل يشكُر»... رواية تضعنا أمام حياة موازية لأخرى مضت
TT

«على جبل يشكُر»... رواية تضعنا أمام حياة موازية لأخرى مضت

«على جبل يشكُر»... رواية تضعنا أمام حياة موازية لأخرى مضت

هل تصلح لعبة التوازي روائياً مع أثر تاريخي، في إنقاذ حياة وبعثها في ولادة أخرى، ولو بالتماهي مع الأثر نفسه، وادعاء الانتساب إليه... يصلح هذا التساؤل برأيي في التعاطي مع رواية «على جبل يشكر» للكاتبة الروائية رباب كساب، فالرواية تحفز قارئها عليه، بداية من عنوانها بدلالته المكانية التي تفوح منها رائحة الأثر، ثم تفاصيل سير وحيوات أبطالها، وصراعاتهم مع الجني؛ وذلك وسط تعدد أقنعة الأثر نفسه والسرديات المروية عنه، التي رسختْ في الوجدان العام والذاكرة الشعبية لسنوات طويلة، مازجة ما بين الواقعي والأسطوري، ومنها ما يقال إن من أراد أن يستجاب دعاؤه فليقف على هذا الجبل، وإن سفينة نوح رست به، وموسى ناجى ربه من فوقه، وغيرها من الحكايات التي تنسج في «بيت الكريتلية» الذي بحضنه الجبل، مثل حكاية البئر المسحورة والوطاويط وكبير الجان وبناته السبع.
وسط كل هذا يبرز فعل المعايشة، كحلقة وصل بين زمانين مفارقين، فالكاتبة لا تستدعي الأثر من عباءة الماضي فحسب، بل تعيشه كلحظة متصلة مع واقعها الراهن، ومن ثم تضعنا أمام حياة موازية لحياة مضت. وتصل هذه المعايشة إلى حد الوقوع في لعنة الأثر نفسه... «راجية» بطلة الرواية الشابة التي تعمل محاسبة بإحدى الشركات، مسكونة بقرين لها، تشبهها وتكاد تكون صورة طبق الأصل منها، تكسب وصية الجد في الحلم حكاية هذا القرين مصداقية ما، وذلك في شكل رسالة لحفيدته إلى خالتها «راقية» قائلاً: «لا تنظري في المرآة، فلا الصورة حقيقية، ولا أنتِ أنتِ. المرآة خادعة».
في هذه المسافة الملتبسة تبدأ مناورة الرواية فيما يمكن تسميته «نحت الغرابة»، التي تنعكس بتراوحات متباينة في مرايا الشخوص، وتبرز في ظلال خطواتهم المسكونة بفراغ قاتل وموحش، وفي ذواتهم المنقسمة على نفسها، وأحلامهم التي يختلط فيها الوهم بالحقيقة، إلى حد الشعور بالفصام، ولا تجد هذه الشخوص سوى اصطناع الحكي لتسد به فجوة هذا الفراغ، وتبقى قريبة من نفسها، أو على الأقل في مسافة آمنة.
تحت وطأة الولع بالغرابة، تغادر راجية بيت العائلة الكبير، وتستقل بنفسها، في شقة صغيرة في جوار «بيت الكريتلية»، أو بمعنى آخر بيت الأجداد، فجدها سليمان الكريتلي حارس ضريح ومقام الشيخ هارون الحسيني، روى تاريخ البيت وأساطيره لجابر أندرسون الطبيب والضابط الإنجليزي الذي عشق البيت وحوّله إلى متحف بعد أن اشتراه من الحكومة. في هذا البيت تتعرف على قرينتها، وتكتشف أن اسمها لطفية، ولا أحد يراها أو يلمسها سواها. تنجح راجية في تحريضها للخروج من البيت ومغادرة زمنها الماضي العتيق للتعرف على زمن آخر ابن اللحظة الراهنة. تنزع عن وجهها الوشاح، وتنطلق بها في زيارة مفاجئة للخالة راقية.
هنا تبرز سمة أساس في نحت الغرابة، وهي اللعب مع الزمن إلى حد سرقته، وكأنه صراع بين لصين، يتعاقبان عليه من أزمنة مختلفة. تقول في الفصل الخامس بعنوان «سيدي هارون»: «كانت طريقة خالتي غريبة، لم تكن في حالتها الطبيعية، اليوم كله أشعر بغرابتها، أحس بأني أكلم امرأة أخرى... لها فوق العمر عمران، لكنها ما أن قالت ذلك حتى تغير كل شيء من حولي، كأنني في زمن غير الزمن، السيارات تتراجع إلى الخلف، تنحسر على الجانبين، تتجه نحو الحوائط والجدران، صارت كحشرات تسير على جدران العمارات، تتسع عيناي عن آخرهما، تتعاظم دهشتها، الناس تطير في الهواء، يزحفون على حوائط البيوت، يصعدون، أنا وهي فقط على الأرض».
يشكل هذا المشهد الخاطف المعجون بإيقاع السينما مفتاحاً مهماً للوقوف على كنه الغرابة وعلاقتها بالزمن. ومن ثم تبدو الصورة أكثر اتساقاً لو نظرنا إلى هذه العلاقة من زاوية أخرى، هي سرقة الغرابة نفسها، وكأنها وديعة حميمة في جعبة الزمن، على النص أن يسرقها بمهارة وخفّة، من أجل أن يبقى الصراع ممتداً في الروح والجسد. أيضاً يمكن أن ننظر من هذه الزاوية إلى لطفية، قرينة راجية وتوأم مرآتها، باعتبارها وديعة الزمن، التي مثلت برأيي التجلي الأعمق للعلاقة بالأثر في الرواية؛ حيث تنساب مشاعر الغرابة بينهما بحنو وتلقائية، بلا فوصل أو عقد زمنية سميكة، خالصة في الوقت نفسه من شوائب ورتوش الاصطناع والمبالغة التي شابت علاقة الذات الساردة (الكاتبة) ببعض الشخوص الأخرى، على سبيل المثال علاقتها بالجارة المسنة البذيئة.
لا تتوقف علاقة الغرابة بالزمن عند هذا الحد، إنما تلوِّن مدارات الحكي برذاذها، فيصبح خفيفاً وشفيفاً، في الحكي عن الشخصيات التاريخية الملتصقة بالمكان المسرود عنهم، مثل الجد، والشيخ هارون، وأبي زياد، التاجر الحلبي، وظهوره الحلمي المفاجئ، وهو يرسي مركبه على شط النيل، لا تحضر هذه الشخصيات بسمتها الواقعي، وإنما تظل بؤرة تنوير مؤثرة في المشهد، في المقابل يتسم الزمن بالثقل والوطأة والتشتت والانقسام، خاصة في مكابدات قصة راجية وحبيبها ناجي الصحافي المرموق، المأزوم بمثاليته وثقته المفرطة في نفسه، حتى أصبح جزءٌ منها يحبه، وجزءٌ آخر يرفضه.
في اللعب مع الجني ومراودته، تكتسي الغرابة بعباءة الخرافة، في مظانها الشعبية، واللافت أن الجني يتلبس النساء فحسب، معتبراً أن كل من تلبسهن ملكية خاصة له، يسعى إلى الوقيعة بينهن، ويقر بفشله مع الرجال. تمثل الخالة راقية نموذجاً لذلك، فبعد التقاعد المبكر عن العمل، وفقد ابنها الوحيد، ورحيل زوجها، وتعرضها لحادث سير مروع أقعدها بالمشفى لبضعة أيام في غيبوبة، توصد أبواب شقتها القديمة وترحل إلى سكن جديد، تتوسل بالحكايات المعبقة برائحة الماضي والذكريات التي تحكيها لثلة من أصدقائها في النادي لسد فراغ ناتئ في العمر والروح، ويتحول الجني الذي وصفها بـ«المدنسة» إلى بئر للحكايات، لكن تظل تطاردها عقدة الماضي واختلاط الحلم بالحقيقة إلى حد الوهم والوقوع في النسيان. فتتخفف في حلمها من كرهها لزميلها صبري الذي أصبح مديرها، وتخلط بينه وبين زوجها ياسر الطبيب الحاذق الشهير، فتراه بملابس صبري التي اختارتها له، وكأنهما يتبادلان أقنعة لا ترى.
يصل اللعب مع الجني إلى حد المسامرة والمزاح أحياناً، لكنه يصبح أكثر درامية وفتكاً حين يشارف العشق بمعناه الحسي كما في علاقة «شَهد» به، التي تمنت منذ الصغر أن تصاحب جنياً وتتلبسها هذه الروح، لتتخفف من ثقل الحياة وأعبائها، ومن ثقل بدنها وأعبائه أيضاً. في ظل هذه الأجواء بمفارقاتها الكابوسية، لا يجد زوجها سبيلاً للنجاة، سوى طلاقها، وأخذ طفليها منها بعد أن تركتهما نهباً للتشرد. تصف الرواية هذه الحالة (ص90) على هذا النحو: «كانت تتمنى أن تلتقي جنياً ويعيش معها في الفراغ، أن تطير في الهواء وتتنقل في لمح البصر إلى أي مكان، ألا يطلب منها أحد من أقاربها ألا تجلس في الخلف، حتى لا تكون ثقلاً على عجلة سيارته العتيقة. كم ملّت كونها نغمة نشازٍ وسط تجمعات أصدقائها وأقاربها، لا شيء يميزها سوى بدانتها، تكره كل صورها معهم، هناك في عالم الجن، ستكون مثلهم، لها خفتهم، وقد تكون لها قدرات خارقة، فتفقد من وزنها عشرات الكيلوغرامات».
بيد أن هذه الخفة التي تحلم بها «شهد» تعكس مأزقاً طفيفاً للسرد في الرواية، فرغم أن الحكايات مفتوحة، بعضها على بعض، تسلم نفسها من طرف إلى آخر بسلاسة شيقة، إلا أن ثقل تراكمها يقربها من إيقاع الحواديت والحكايات الشعبية المعتادة عن عالم الجن والعفاريت، أيضاً لم تسلم رمزية قراءة الفنجان في الرواية وكسره من إيقاع العادة والمألوف، فلا جني في الفنجان، بل مجرد علاقة قاع ملوث بسطح فارغ يعكسان الحالة النفسية لصاحبه، وهي حالة ظنية وتخمينية محضة.
تبني الكاتبة شخوصها بذكاء وحساسية لافتين، لكن لا زمن خالصاً لذاته، معظم الشخوص مشدودة إلى حجر ما في الماضي، لا تزال تفتش عن نفسها في ظلاله، إنه زمنها الهارب من الحكاية والجني والأثر، زمن اللهفة البكر والنشوة الأولى، هنا تتكشف الغرابة عن أحد أوجه خفّتها الثرية المحلِّقة في الرواية؛ حيث تصبح المصادفة جزءاً من السرد ونسيج وجودنا الرخو. في مرآتها تخطف «شهد» ياسر الطبيب الحاذق الذي يعتبر نفسه عبقرياً في مهنته، تقرأ له الفنجان بالمشفى، وتخبره بأن في حياته ثلاثَ زيجات، يسخر منها، ثم يقع في حبها تاركاً وراءه كل شيء، ويحكي لها عن الماضي، عن مصادفة لقائه بزوجته الأولى «سليمة» السيدة العراقية الثرية الجميلة، التي كانت تكبره بتسع سنوات. كان لم يزل طالباً بالكلية، لكنه عاش معها الحب في صيرورة تتجدد يومياً. بعد سنوات تضجر من القاهرة، فتغادرها للعيش في لندن دون أن تلزمه بأي شيء.
في الفصول الثلاثة الأخيرة تلهث الرواية وكأنها تريد أن تضع الجني في القمقم وتتنفس هواء جديداً، تترك الأبواب مفتوحة، على كل شيء ولا شيء، على الحب واللا حب، بينما ومضات ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الشاردة في ثنايا الحكي، تبدو وكأنها حلم ضل الطريق إلى نفسه. تعود راجية إلى زمنها الواقعي الحقيقي: «أحب القرن الحادي والعشرين، أحب التكنولوجيا التي أحس بجهلي أمامها، أحب حداثة حياتنا، أحب تاريخ نضال المرأة التي تطورت معه»، ويطلق ناجي صرخته المأزومة الموثقة في آخر مقال كتبه بالصحيفة.
«لطشة» النهاية هذه ليست قناعاً لمرثية في الهواء الطلق، إنما للرواية والثورة معاً. تسقط الثورة في العسف والمطاردة والاعتقال والسجن، ويسقط الأثر في لعنته التي صنعها البشر بحكاياتهم العجيبة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
TT

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

أعلنت «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» انتهاء المرحلة الأولى من عملية التحكيم للقائمة الطويلة التي شارك فيها 1967 مشاركاً من 49 دولة حول العالم، وبدء المرحلة الثانية للجائزة لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر (كانون الأول) قبل إعلان الفائزين في فبراير (شباط) المقبل.

وأكد الدكتور سعد البازعي، رئيس الجائزة خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين في الرياض، أن أرقام المشاركات التي تلقتها اللجنة مبشّرة وتعطي سمة عالمية من حيث عدد الدول التي جاءت منها المشاركات، مبيناً أن «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» تربط بين الرواية والسينما، وهو أمر لم نعتد على رؤيته من قبل، على حد تعبيره.

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

وكانت هيئة الترفيه السعودية أطلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي «جائزة القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً»، التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر قابلية للتّحويل أعمالاً سينمائية، بمجموع جوائز يصل لـ740 ألف دولار، وإنتاجات سينمائية لعدد من الأعمال الفائزة.

وعدّ المستشار تركي آل الشيخ، حينها، الجائزة فرصة لظهور جيل جديد من الكتاب باللغة العربية، والمساهمة في الوصول إلى بنك متكامل من الروايات والمحتوى العربي، الذي يتواكب مع الإنتاجات السعودية والعربية الضّخمة.

وأوضح البازعي في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بأن الجائزة قد تدعم مستقبلاً ترجمة أعمال عربية إلى لغات أخرى، دعماً للأدب العربي، وقال: «إذا كان هناك حضور للأدب العربي عالمياً لا يمكن أن يكون إلا من خلال الترجمة، وتحويله عملاً سينمائياً وترجمته، الأعمال السينمائية والروائية التي حققت قدراً من العالمية كانت مترجمة، نحن في حاجة إلى دعم الأدب العربي بالتأكيد، وأعتقد أن الترجمة مهمة ويُحمَد للجائزة أنها تدعم الترجمة، وربما في المستقبل ندعم ترجمة الأعمال العربية إلى لغات أخرى، هذا قد يكون من التطورات المطلوبة التي أتمنى أن تحصل».

المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

انتهاء المرحلة الأولى

استهل الدكتور سعد حديثه بإعطاء لمحة عن مراحل الجائزة الأساسية التي بدأت في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأضاف: «الجائزة أنهت المرحلة الأولى من التحكيم التي انتهت من القائمة الطويلة كما هو معلن، وبدأت المرحلة الثانية والعمل على القائمة الطويلة للخروج بالقائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر، ومن ثم إعلان الفائزين في فبراير المقبل».

انتهت المرحلة الأولى للتحكيم على أن تبدأ مرحلة اختيار القائمة القصيرة قبل إعلان الفائزين فبراير المقبل (جائزة القلم الذهبي)

جائزة متفردة

ذكر رئيس جائزة القلم الذهبي مزايا عدة للجائزة تجعل منها متفردة وتصل للعالمية، من أبرزها التأكيد على الشفافية، وتوخي الحياد في التحكيم، إلى جانب السماح للأفراد بالمشاركة، ودعم العلاقة بين الرواية والسينما.

وفنَّد ذلك بقوله: «الأعمال تُرسَل رقمياً لكل المحكمين ولا يعرفون مَن هو مؤلف العمل، كذلك من المسائل التي اختلفت بها الجائزة عن غيرها أنها تسمح للأفراد بتقديم أعمالهم، والأكثر تفرداً للجائزة أنها تدعم العلاقة بين الرواية والسينما، حيث تكافئ الأعمال الكبرى بأربع جوائز تحولها أفلاماً سينمائية، اثنتان رواية واثنتان سيناريو».

د. سعد البازعي رئيس الجائزة يستعرض تفاصيلها خلال إطلاق الجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

وعدّ البازعي قيمة الجائزة الكبيرة المقدرة بـ740 ألف دولار بأنه ليس الرقم النهائي، حيث يتطلب تحويل الأعمال الفائزة أفلاماً سينمائية إلى ملايين، وقال: «الهيئة العامة للترفية التزمت بتحويل هذه الأعمال أفلاماً سينمائية، بما في ذلك من تكلفة إضافية ستجعل من الجائزة الأعلى من نوعها بالمطلق». وتابع: «نحن أمام تكريم نوعين بينهما علاقة وثيقة لم نعتد رؤية جائزة تربط بينهما الرواية والسينما، وهذا فيه خدمة كبيرة لصناعة السينما السعودية، التي ظل صناعها يشتكون من قلة النصوص لسنوات طويلة، الآن نتمنى أن تتوفر لأن من شروط قبول الرواية أن تكون صالحة لتحويلها فيلماً».

1969 مشاركة من 49 دولة

الأرقام التي وصلت للجائزة - بحسب الدكتور سعد البازعي - بلغت 1967 مشاركة من 49 دولة، يضيف بقوله: «هذه سمة عالمية للجائزة، نحن أمام جائزة عالمية بمعنى الكلمة، هناك مشاركات من أميركا، أستراليا، الأردن، السعودية وغيرها». تصنيفات الجائزة تشير إلى أن عدد المشاركين الذكور بلغ 69.7 في المائة، في حين حظيت مشاركة الإناث بنحو 30 في المائة، وشاركت 1347 رواية أصلية، 508 روايات مترجمة، إلى جانب 93 عمل سيناريو. وأشار البازعي كذلك إلى أن هنالك جوائز أخرى لم تفز بالجوائز الكبرى، لكنها تفوز بالتصنيف، مثل الكوميديا، الرعب، التشويق، الروايات التاريخية، الرومانسية، الغموض والجريمة، التشويق والإثارة، الفنتازيا، والواقعية.

القائمة الطويلة

أوضح رئيس لجنة القلم الذهبي أن اللجان فرزت نحو 2000 عمل للقائمة الطويلة، حيث تم اختيار 30 رواية، 7 روايات مترجمة، 10 أعمال سيناريو، بالإجمالي 47 عملاً. وأضاف: «معظم النصوص التي أُرسِلت لا علاقة لها بالسرد أو الرواية، وكان على اللجنة الاحتفاظ بالأعمال الجديرة، وأن يكون لها ترقيم دولي، وحقوق نشر، وإذا كانت مترجمة فحقوق ترجمة، كذلك كان على اللجنة مواجهة احتمالات التلاعب، سواء إدخال عمل لا يستحق أو الرقم الدولي غير صحيح، وعملية التأكد هذه أخذت وقتاً وجهداً».

القائمة الطويلة شملت 47 عملاً بين رواية ورواية مترجمة وسيناريو (جائزة القلم الذهبي)

القائمة القصيرة

سيتعين على لجنة التحكيم خلال الفترة المقبلة العمل على تحديد القائمة القصيرة من الأعمال التي تم اختيارها وعدد 47 عملاً، وفقاً للدكتور البازعي، الذي أوضح أن العدد لم يحدد بعد، ويعتمد ذلك على متغيرات كثيرة، منها عدد الأعمال الجيدة التي سيتم اختيارها، على حد تعبيره. وقال: «لو كان عدد الأعمال الجيدة 20 عملاً مثلاً، سنرفع عدد القائمة وتصبح قائمة طويلة، هناك مرونة». وتضم لجنة تحكيم «جائزة القلم الذهبي» روائيين ونقاداً ومخرجين وكتاب سينما، إلى جانب منتجين؛ وهو ما يجعلها قادرة على التعامل مع مختلف الأعمال المشاركة بشكل احترافي وشفاف، وفقاً للدكتور سعد البازعي. وفي رده على سؤال بشأن أبرز التحديات التي واجهت اللجان، أشار البازعي إلى أن ورود أعمال لا علاقة لها بالجائزة، وحدوث ازدواجية بين دور النشر والكتاب عبر إرسال العمل مرتين كانت من أبرز الصعوبات.

جائزة رقمية

وأكد الدكتور سعد البازعي أن «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» تعدّ رقمية وغير ورقية، وهي الفكرة التي ابتكرها المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، وقال: «الأعمال تصل بنسخة (PDF)، وتصنف بأرقام دون ذكر اسم المؤلف ويقرأها أكثر من شخص، وفي النهاية يظهر من حصل على أكبر عدد من الترشيحات».

لأول مرة تتيح «جائزة القلم الذهبي» مشاركة الأفراد بأعمال أدبية (جائزة القلم الذهبي)

دعم صناعة السينما السعودية

ومن المتوقع أن يكون لـ«جائزة القلم الذهبي» تأثير إيجابي على المشهد الثقافي السعودي، لا سيما صناعة السينما، وفقاً للبازعي الذي أردف بقوله: «هذه الجائزة سيكون لها تأثير نوعي؛ لأنها تدعم الأدب الروائي، والأدب السينمائي، تدعم صناعة السينما، تأثيرها سيكون كبيراً، إذا أنتجت محلياً 4 أفلام رئيسة من روايات عربية معروفة هذا إنجاز كبير، الجوائز بصفة عامة تشجع الإنتاج وتحفّز الآخرين عليه».

وفي الختام، كشف الدكتور سعد، عن أن هنالك جائزةً ستكون مخصصة للجمهور ضمن القائمة الطويلة، حيث سيُفتح المجال للجمهور للتصويت، مشيراً إلى أن ذلك «فرصة للجمهور لكي يقول رأيه وجائزة مرصودة لعمل يفوز نتيجة التصويت الجمهور».

اقرأ أيضاً