في سنته العاشرة، مر أسبوع لندن للموضة الرجالية لربيع وصيف 2023 مرور الكرام. على الأقل بالنسبة للمتابع العادي الذي تعود على الكثير من الإثارة وصور مهووسي موضة تصرخ بأن الجنون فنون. لم يكن عدد المصممين المشاركين فيه كبيرا مقارنة بالمواسم الماضية، كما أن أغلبهم، إن لم نقل كلهم كانوا من المصممين الشباب، حيث غابت الأسماء الكبيرة مثل «بيربري» و«ألكسندر ماكوين» وغيرهما، وحتى بعض الأسماء الواعدة التي كانت تجذب وسائل الإعلام العالمي، مثل تشارلز جيفري وماتي بوفان ووايلز بونر وكريغ غرين. الطريف أن غياب هذه الأسماء المهمة كان نعمة بالنسبة للمشاركين الشباب. أو هذا ما شرحه المصمم النيجيري الأصل أولوبيي ثوماس، قائلا بأنه لم يكن هناك مفر للمشترين العالميين سوى التركيز عليهم بينما في الأسابيع الأخرى حيث تكون المشاركة كبيرة، فإن أولوياتهم تختلف ويحصل الكبار على نصيب الأسد من اهتمامهم ووقتهم.
من عرض «لابروم» (رويترز)
عندما انطلق الأسبوع منذ عشر سنوات، كان واعدا وقويا، حيث افتتحه الأمير تشارلز بنفسه وكان عنوانه آنذاك «لندن كوليكشنز: مين». جاء تأسيسه في فترة شهدت انتعاشا قويا للأزياء الرجالية. في عام 2016 تم تغيير اسمه لأسبوع الموضة الرجالي. لكن لم تساعد إعادة التسمية على إنقاذه من التغيرات التي كانت الموضة بدأت تشهدها آنذاك في ظل المناداة بحماية البيئة والاتهامات الموجهة لصناعة الموضة من قبل المناهضين لاستعمال الفرو والجلود الطبيعية وحماة المناخ ممن يروون أن تأثير الاستهلاك والإنتاج غير المقنن على البيئة أسوأ من الكثير من الصناعات الأخيرة. ثم أتت الجائحة لتضربه في الصميم. بدأ الكل يتساءل عن مدى جدواه، وما إذا كان ضمه لأسبوع الموضة النسائي أفضل من الناحية اللوجيستية على المدى البعيد. بيد أن مجلس الموضة البريطاني لا يريد أن يعترف بالهزيمة، واعتبر أن تنظميه ضروريا لاستمراريته عدا عن أهميته بالنسبة لشريحة مهمة من المهتمين. ورغم أن المجلس لا يعرف بدقة عدد هؤلاء المهتمين، حيث إن كل العروض كانت متفرقة ومن تنظيم المصممين أنفسهم، إلا أنه متأكد أن فتيل الاهتمام لا يزال مشتعلا تحت الرماد ولا يحتاج سوى إلى «نفس طويل» لضمان استمراريته. فصناعة الأزياء الرجالية إرث تاريخي بالنسبة لبريطانيا وبالنسبة لكارولاين راش، الرئيس التنفيذي لمجلس الموضة البريطانية «فإن لندن تحتضن مصممين مهرة في هذا المجال يستحقون أن نوفر لهم منبرا خاصاً لنبرز قدراتهم ونفتح أمامهم المجال للتحليق بخيالهم». لم تنس كارولاين أن تشير أيضاً إلى الحماس الذي يحرك المصممين الشباب وحديثي التخرج على حد سواء. فهؤلاء يعتبرون الأسبوع فرصة ذهبية لجذب الأنظار إليهم «والأسبوع يوفر لهم على الأقل وجود مشترون من مواقع ومحلات عالمية إلى جانب وسائل إعلامية تغطي عروضهم وتسلط الضوء عليهم». رأي يوافقها عليه العديد من المتابعين، وأكبر دليل على صحته ما أثاره حضور مايكل بورك، الرئيس التنفيذي لدار «لويس فويتون» لعرض المصممة البريطانية ذات الأصول الجامايكية، مارتين روز من اهتمام فتح الباب أمام الكثير من التكهنات والتوقعات، إذ أن البحث عمن يخلف الراحل فيرجيل أبلو كمصمم القسم الرجالي للدار الفرنسية العريقة لا يزال جاريا. تواجده في لندن لمتابعة هذه العروض يؤكد أيضاً أن العبرة ليس بعدد التغطيات والفرقعات الإعلامية بل بأهمية المشاركين وما تتيحه من فرص مستقبلية لهم من جهة ولصناعة الموضة من جهة ثانية. من جهتهم يؤكد المصممون أنه كلما كان الأسبوع صغيرا كلما زادت حميميته ونجح في خلق علاقات بعيدة المدى مع المستهلك. «وبغض النظر عما يتكبده المصممون الشباب من تكاليف، فهي تبقى متنفسا لهم للتعبير عن قدراتهم الإبداعية» حسب قول المصممة الشابة برييا ألووايليا، التي كان عرضها من أهم العروض التي شهدها الأسبوع. كان بعنوان «أفريقيا بلا حدود» واحتفلت فيه المصممة ذات الأصول الهندية النيجيرية، بالثقافات الغنية ومتعددة الأبعاد للقارة السمراء، معتمدة على مجموعة من المراجع والتقنيات مثل تقنيات اللف التقليدية المستعملة في الصومال وكينيا، والنمط التونسي العتيق والديكور الكيني والرواندي.
زي من «لابروم» (رويترز)
لم يختلف فوداي دومبويا، مؤسس علامة «لابروم» عن برييا في محاولته رد الاعتبار لأصوله الأفريقية، مشيرا إلى أنه أسس علامته في عام 2015 بلندن لتحكي قصصاً غير معروفة عن أفريقيا الغربية وكل أمله أن تكون الخيط الذي يجمع كل الثقافات ببعضها من دون حدود أو قيود. وهذا تحديدا ما قدمه في عرض بعنوان «حرية الحركة» ميزته تصاميم بخطوط بلا قيود وألوان دافئة ومتنافرة أحيانا. شرح أن سبب عودته إلى الجذور رغبة في تصحيح وضع لم يكن متوازنا: «في الماضي لم يكن هناك تقدير للأفارقة، لكن الآن عدد الناس الذين يحتضنون هذه الثقافة بكل تنوعها في تزايد، لهذا سأحكي القصة كما هي ومن دون خجل».
لم تختلف باقي العروض عن عرضي بريا وأولوبيي من ناحية تفاؤلها. فالمستقبل لا بد أن يكون أفضل بالنسبة للأسبوع الرجالي، ولندن كانت ولا تزال تعتز باحتضانها مبدعين من ثقافات متنوعة، تستمد منهم قوتها وجمالها بغض النظر عن أهوائهم وميولهم ولونهم. الآن أكثر من أي وقت مضى فإن الأبواب مشرعة أمامهم لوضع بصماتهم، ويبدو أن مصممين من أصول أفريقيا استغلوا هذا التغيير لصالحهم ليعودوا إلى الجذور بتفصيلهم صورا جديدة سواء في الأزياء أو الإكسسوارات التي تأخذنا إلى عقر كينيا أو الصومال أو ليبيريا وغيرها.
طبول أفريقيا تقرع في لندن
أبناء القارة السمراء يعيدون لها الاعتبار في أسبوع ربيع وصيف 2023 للموضة الرجالية
طبول أفريقيا تقرع في لندن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة