هل الحقّ قوّة أم القوّة حق؟

جندي أوكراني يعاين دبابة مدمّرة في إقليم لوغانسك، في 17 يونيو (أ.ف.ب)
جندي أوكراني يعاين دبابة مدمّرة في إقليم لوغانسك، في 17 يونيو (أ.ف.ب)
TT

هل الحقّ قوّة أم القوّة حق؟

جندي أوكراني يعاين دبابة مدمّرة في إقليم لوغانسك، في 17 يونيو (أ.ف.ب)
جندي أوكراني يعاين دبابة مدمّرة في إقليم لوغانسك، في 17 يونيو (أ.ف.ب)

إلى حدٍّ ما، قد ينطبق توصيف علاقة القوّة بين روسيا وأوكرانيا على توصيف العلاقة نفسها بين أثينا وجزيرة ميلوس، خلال حرب البيليبونيز التي دارت رحاها بين أثينا وإسبارطة في القرن الخامس قبل الميلاد: «الأقوياء يفعلون ما في وسعهم، ويعاني الضعفاء ما يجب عليهم فعله».
أراد الأثينيّون استغلال الجزيرة في حربهم على إسبارطة، مع أنها تبعد 110 كيلومترات عن الشاطئ اليونانيّ، وذلك رغم حيادها في الحرب. ولم يرد الأثينيّون تضييع وقتهم في تفسير سبب الاحتلال من منظار أخلاقي، فهم اعتبروا أن القوّة هي الحقّ.
في الحرب على أوكرانيا، حُوِّر التاريخ من قِبل الرئيس بوتين. فأوكرانيا ليست موجودة على الخريطة، ولا يملك الرئيس بوتين الوقت الكافي لشرح أخلاقيّات حربه عليها. فإذا انتظر أكثر، فقد يخسر أوكرانيا إلى غير رجعة. فهي تحوّلت نحو الغرب مع جيل لا يعرف مآثر الاتحاد السوفياتي. وكوّنت رابطاً قوميّاً بين جيل الشباب. وإذا خسرها، فقد يؤدّي هذا الأمر إلى تفتّت روسيا على أساس قوميّ، بسبب التراجع الديمغرافي المُخيف.
وهو -أي بوتين- يلوم فلاديمير لينين على منحه أوكرانيا عام 1920 استقلالها، مع أن لينين كان قد منح الاستقلال لأوكرانيا بسبب خوفه من التفتت على أسس إثنيّة، وذلك بُعيد تأسيسه الاتحاد السوفياتي.
فهل يريد الرئيس بوتين دخول التاريخ من باب التشبّه بالقياصرة الذين بنوا أمجاد الإمبراطوريّة الروسيّة؟ فما فعله بطرس الأكبر منذ 350 سنة، يُعتبر بالنسبة له النبراس والقدوة.
يريد بوتين استعمال أوكرانيا في صراعه مع الغرب. فهي على تماس جغرافي مباشر يُقدّر بـ2200 كيلومتر. منها تأتي المخاطر، وفيها ذكريات أليمة، كون كييف كانت ممرّاً للجيش النازي إلى موسكو، خلال الحرب العالميّة الثانيّة.
كما خاض السوفيات حرباً دمويّة ضد الجيش النازي المنسحب من موسكو حول مدينتي أزيوم وخاركيف في عام 1942. وخسر السوفيات هذه المعركة، وتكبّدوا خسائر بشريّة هائلة تُقدّر بـ200 ألف قتيل.
لام خروتشيف ستالين على هذه الكارثة، بسبب عناده وقصر نظره. لكن بالطبع، بعد موت ستالين.

حرب أوكرانيا إلى أين؟
كيف يُقاس النجاح في أوكرانيا؟ متى يعتبر الرئيس بوتين أنه حقّق كل أهدافه؟ كيف يعتبر الرئيس زيلينسكي أنه انتصر؟ بالصمود أو التحرير؟ الصمود الأوكراني يتعلّق بمدى صبر ودعم الغرب. أما التحرير فهو -حسب موازين القوى الحاليّة- يعتبر من سابع المستحيلات.
طلب مستشار الرئيس زيلينسكي دعماً من الغرب لتحقيق التكافؤ والتوازن، وبأسرع وقت ممكن. لكن طلباته مستحيلة التنفيذ، وهي اشتملت على: 500 دبابة، و300 راجمة صواريخ، و1000 مدفع ميداني.
وإذا سلَّمنا جدلاً بأن قرار الموافقة قد أتى من الغرب على هذه الطلبات، فإن العوائق ستتظهّر على الشكل التالي: قرار التنفيذ والتسليم، التدريب على العتاد والتعهد، التدريب على الذخيرة، شحن هذه الأسلحة إلى أوكرانيا، ومن ثمّ إلى الجبهات، استمرار تدفّق التموين بالذخيرة. وهذه أمور تتطلّب وقتاً طويلاً لا تملكه أوكرانيا في وضعها الحالي. هذا عدا احتمال الردّ العسكري الروسي على هذا القرار، سواءً في الداخل الأوكراني أو خارجه.

ماذا بعد دونباس؟
إذا خرج بوتين منهكاً من الحرب في الشرق، فقد يكتفي بضمّ الإقليم إلى روسيا، مع القسم الجنوبي الذي تسيطر عليه روسيا، وذلك على غرار ما فعل مع شبه جزيرة القرم.
وإذا تبقّى لديه من القوّة والاندفاعة، فقد يعمد إلى العودة إلى كييف مرّة أخرى لإخضاعها، حتى من دون الدخول إليها، أو قد يعمد إلى الوصول عسكريّاً إلى نهر الدنيبر لشقّ أوكرانيا إلى قسمين: شرق النهر وغربه، على أن يُشكّل النهر الحاجز الطبيعي الدفاعي للقوات الروسيّة المنهكة والمستنزفة. وبانتظار الانتهاء من إقليم دونباس كله، فإن غداً لناظره قريب.


مقالات ذات صلة

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته أمام السفراء الفرنسيين 6 يناير 2025 بقصر الإليزيه في باريس (رويترز)

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن على الأوكرانيين «خوض محادثات واقعية حول الأراضي»؛ لأنهم «الوحيدون القادرون على القيام بذلك»، بحثاً عن تسوية النزاع مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جندي روسي خلال تدريبات عسكرية في الخنادق (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

روسيا تعلن السيطرة على «مركز لوجيستي مهم» في شرق أوكرانيا

سيطرت القوات الروسية على مدينة كوراخوف بشرق أوكرانيا، في تقدّم مهم بعد شهور من المكاسب التي جرى تحقيقها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا ترمب وزيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: ترمب قادر على وقف بوتين

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الخميس إن بمقدور الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أن يحسم نتيجة الحرب المستعرة منذ 34 شهرا مع روسيا،

«الشرق الأوسط» (كييف)

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قد يعلن استقالته هذا الأسبوع

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو متحدثا أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني 16 ديسمبر الماضي (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو متحدثا أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني 16 ديسمبر الماضي (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قد يعلن استقالته هذا الأسبوع

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو متحدثا أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني 16 ديسمبر الماضي (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو متحدثا أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني 16 ديسمبر الماضي (أرشيفية - رويترز)

أفادت صحيفة «غلوب آند ميل» الأحد أنه من المرجح أن يعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو استقالته هذا الأسبوع، في ظل معارضة متزايدة له داخل حزبه الليبرالي.

ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مصادر لم تسمها لكنها وصفتها بأنها مطلعة على شؤون الحزب الداخلية، أن إعلان ترودو قد يأتي في وقت مبكر الاثنين. كما رجحت الصحيفة وفقا لمصادرها أن يكون الإعلان أمام مؤتمر للحزب الليبرالي الوطني الأربعاء. وذكرت الصحيفة أنه في حال حدثت الاستقالة، لم يتضح ما إذا كان ترودو سيستمر في منصبه بشكل مؤقت ريثما يتمكن الحزب الليبرالي من اختيار قيادة جديدة.

ووصل ترودو إلى السلطة عام 2015 قبل ان يقود الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

لكنه الآن يتخلف عن منافسه الرئيسي، المحافظ بيار بواليافر، بفارق 20 نقطة في استطلاعات الرأي.