نظرة فلسفيّة في معنى «الإعجاب» على مواقع التواصل

كأنها عُملة «رأس مال» اجتماعي

نظرة فلسفيّة في معنى «الإعجاب» على مواقع التواصل
TT

نظرة فلسفيّة في معنى «الإعجاب» على مواقع التواصل

نظرة فلسفيّة في معنى «الإعجاب» على مواقع التواصل

لقد غيّر انتشار الإنترنت أشياء كثيرة في هذا العالم. ولا شك في أن تأثيره على مجال التواصل بين البشر كان ثوريّاً بحق، إذ جعل من هذا الكوكب المترامي الأطراف قرية صغيرة، بحيث يمكن بأقل الجهد وأرخص التكاليف ربط أي عدد من الأشخاص معاً، وتبادل الرسائل فيما بينهم بأشكال مختلفة، كما منح الجميع فرصة تأسيس دوائر اتصال تتراوح بين عدد محدود من الأقرباء والأصدقاء إلى جمهور عالمي قد يغدو كبيراً، وكل ما بينهما.
التغيير الأهم مع ذلك مسّ معنى التواصل وماهيته، إذ إن الشبكات الاجتماعيّة أضافت جوانب جديدة لصيغ التخاطب الإنساني، مثل «الإعجابات» أو إعادة التغريد، كما أشكال جديدة للتعبير، مثل «الإيموجي»، والتعبيرات المختصرة، والـ«جي آي إف»، وغيرها، والتي أصبحت خلال أقلّ من عقد واحد جزءاً لا يتجزأ من خبرة التواصل لما يقارب 4 مليارات مستخدم للمنصات الاجتماعيّة عبر العالم، يقضي كل منهم ما معدله ساعتين ونصف يومياً في التفاعل معها.
ومع كل هذه التغييرات الهائلة المتسارعة، ما زال البحث الفلسفي والقانوني واللغوي بشكل عام متأخراً عن تفكيك وتفسير سرعة أدوات الخطاب الجديد تلك. ومن ذلك -مثلاً- الجدل القانوني الذي شهدته محكمة في زيوريخ (سويسرا) عام 2020، بعدما حكم القضاة بأن وضع علامة الإعجاب على منشور مسيء على «فيسبوك» يرتقي كي يكون عملاً جرمياً، على اعتبار أن علامة الإعجاب إشارة إلى تأييد المحتوى –المسيء في هذه الحالة– والمساعدة على نشره، بحكم أن خوارزميات هذه المنصة توصل المنشورات بطريقة أو بأخرى إلى جمهور صاحب علامة الإعجاب. وهناك حالات قانونيّة سُجلت في بريطانيا والهند وتايلاند لأناس استُدعوا إلى المساءلة أو اعتُقلوا جراء إبدائهم الإعجاب بمنشورات معينة.
ومن المعروف أن خاصية الإعجاب بالتحديد تمتاز بسهولتها المطلقة، إذ لا تتطلب كبير جهد سوى الضغط على الزر المناسب. لكن قبل إضافتها لمواقع التواصل كان رد الفعل الممكن الوحيد هو كتابة تعليق، الأمر الذي لا يفضله كثيرون لما يتطلبه من وقت وجهد وحذر أيضاً. والواقع أن استخدام خاصية الإعجاب على الشبكات الاجتماعيّة لا تعني بالضرورة أن الشخص يقول بأنّه يمتدح محتوى المنشور، بقدر ما هو ينخرط في سلوك اجتماعي أقرب إلى تعابير الوجه أو الابتسامة أو التلويح باليد أو الأصوات التي نصدرها كي نُشعر الآخر بأننا نستمع له، أو حتى تلك التعابير الفارغة من المعنى التي نتبادلها كنوع من المجاملة، مثل: «كيف الحال»، و«يا له من طقس جميل»، وهكذا. وهو ربما يعني مديح المحتوى للبعض؛ لكنه أيضاً قد يكون بمثابة تقدير متبادل بين طرفين يتبادلان الإعجابات، ربما دون الاطلاع على تفاصيل مادة المنشور. وهناك حتى أمثلة لمنشورات تعلن عن وفاة أشخاص حازت إعجابات مليونيّة، لم يكن أصحابها بالتأكيد يعبرون عن إعجابهم بموت نجومهم، بقدر ما كان نوعاً من إبداء المشاركة العاطفيّة في الحدث الحزين، أو حتى تأكيداً اجتماعيّاً للاطلاع على ذلك المنشور. ولذلك فإن المعنى الحقيقي للإعجاب يظل في أفضل الأحوال ملتبساً وغير محسوم.
وحتى عندما حاولت منصة «فيسبوك» –أكبر الشبكات الاجتماعيّة على الإطلاق بحوالي 2.5 مليار مستخدم– إضافة تعبيرات أدق للتعبير عن المشاعر تجاه المنشورات، فإن معناها النهائي أيضاً غير مؤكد. فهل إشارة الضحك تعني تأييداً للمنشور أم سخرية منه؟
على أنّ إبداء الإعجاب الفردي قد يكون أقل أهميّة في بيئة الشبكات الاجتماعيّة من عمليّة تراكمه، التي يبدو أنّها تمنح عند تكرره وتضخم أعداده، صاحب الحساب، نوعاً من مكانة أو سلطة، كأنها «رأس مال اجتماعيّ» على الصيغة التي وصفها عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، يمكن أن يستثمر تالياً لكسب رأس مال سياسي أو اقتصاديّ، ناهيك عن قيمتها المضمرة كشبكة علاقات اجتماعيّة، تقارب تلك التي ينسجها المرء من خلال عضويته في نادٍ اجتماعي أو لجنة تطوعيّة.
وفي الحقيقة، فإن الحصول على الإعجابات قد يتضمن جوانب أبعد حتى من مسألة اكتساب المكانة تلك. فطبيعة التواصل عبر المنصات الافتراضيّة تبدو من دون تلقي ردود أفعال من الآخرين، أشبه بالصراخ في فضاء مفتوح، ولذلك فإن الإعجابات من تلك الناحية ضروريّة لمنح صاحب المنشور الشعور باكتمال عمليّة التواصل (مرسل ورسالة ومتلقٍّ)، وإن ما عبّر عنه يلقى نوعاً من القبول الاجتماعي، أقلّه على سبيل الافتراض، وإلا فغالباً ما سينتهي إلى الانسحاب من العمليّة.
وأيضاً، لا شكّ في أن منح الإعجابات يخلق بشكل عام نوعاً من الأجواء الإيجابيّة في العلاقات الاجتماعيّة، كما الهدايا أو البطاقات البريديّة التي يتم تبادلها في المناسبات، وبالطبع يبقى معناها النهائي مرتبطاً بالشخصين وطبيعة علاقتهما؛ سواء الحقيقية أو الافتراضيّة، مع الصلاحيّة للمتلقي دائماً في قبولها من عدمه، لا سيما في حالات تتعلق بشخصيات تقتصر معرفتنا بها على الشبكات، أو تتعلق بأفراد من جنسين مختلفين، إذ يمكن في بعض الأحيان أن تقرأ تلك الإعجابات في إطار إيماءات أقرب للغزل –الافتراضي دائماً-.
ولبناء رأس مال اجتماعي من وراء الإعجابات، سيكون ضرورياً الاستمرار في إنتاج المنشورات والتفاعل مع الآخرين على شبكة التواصل، وهي عمليّة تتطلب وقتاً وجهداً، ويضطر بعض المشاهير لتوكيل إدارتها اليوميّة لمساعدين. على أن الأبحاث أظهرت أن تلقي الإعجابات بأعداد كبيرة على الشبكات الافتراضيّة يمنح الشخص شعوراً بالسعادة، إذ وُجد أنها تطلق مادة «الدوبامين» في الدّماغ، تماماً كما لو كان الشخص قد تلقى هديّة مالية مثلاً، ولذلك فإن كثيرين ينتهون إلى مستوى ما من الإدمان على تلقي الإعجابات، والشعور بآثار الانسحاب عند انحسارها.
ويتفق كثيرون اليوم على أن الصيغة التي بُنيت عليها خوارزميات شبكات التواصل تساعد بشكل عام في نشر معلومات ومعارف وتحديثات وآراء، لم يكن ممكناً في أوقات سابقة الوصول إليها، أقلّه بالسهولة التي تقدّمها الشبكات في وقتنا الرّاهن. لكن ذلك ينبغي ألا ينسينا الجوانب السلبيّة التي يمكن لها أن تتضمنها تجربة الشبكات الافتراضيّة، ومنها السقوط في فخّ التخندق مع أشخاص يقاربوننا في الفكر، والابتعاد عمن لا تعجبنا أقواله دون دلائل. وهذا يؤدي إلى نشوء نوع من «غُرف صدى» من متشابهين لا يثقون بجمهور غرف الصدى الأخرى، على نحو يعيق صيغ الحوار السياسي بين مختلف فئات المواطنين، ويعيد إنتاج الاستقطابات القائمة بينهم ويعمقها. ويشتق من هذه الجهة أن التورط في غرف الصدى تلك يدفع بصاحبه إلى نوع من الكسل الفكري، وتوزيع الإعجابات كجزء من لعبة نكاية بالآخرين، الأمر الذي يخلق بيئة من العلاقات السطحيّة دون فهم معمّق لماهيّة المحتوى المتضمن في المنشورات والتغريدات، أو برغم رداءته، وهو ما يسميه الفلاسفة «سقوط المعنى». ولعل ذلك يفسّر ظواهر مثل: شعراء/ شاعرات «فيسبوك»، أو المفكرين الافتراضيين السطحيين الذين قد تدفعهم الإعجابات المتواردة إلى نشر مزيد من المادة الرديئة، وشغل الفضاء الافتراضي بها.
وقد تنبه القائمون على شبكات التواصل الاجتماعي إلى الجوانب السلبية لمسألة تجميع الإعجابات تلك، والسلوكيّات الخطرة التي يقوم بها البعض سعياً للحصول عليها. وهم بصدد إجراء تجارب للتخلّص من عداداتها الملحقة بكل منشور، بينما أضاف «فيسبوك» خدمة اختيارية يمكن من خلالها إخفاء العدادات الظاهرة أمام المستخدم على صفحته.
ومع ذلك، فإن الإعجابات تحديداً، وجوانب التواصل الإنساني التي أضافتها الشبكات الافتراضية، تظل في النهاية محايدة القيمة، كما كل تكنولوجيا حديثة، ومتعددة الأوجه، بحيث يمكن استخدامها في الأبيض من المعنى، كما في الأسود منه.


مقالات ذات صلة

مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

إعلام مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

مَن يتحمل مسؤولية «أكاذيب» الذكاء الاصطناعي؟

لم يكن الذكاء الاصطناعي مجرّد أداة تقنية مساعدة في الإعلام، بل بات اليوم شريكاً فعلياً في صياغة الخبر، وتحرير المحتوى، بل تشكيل الانطباعات عن الأشخاص والشركات.

إيلي يوسف (واشنطن)
الخليج من اجتماع اللجنة الإعلامية المنبثقة عن «مجلس التنسيق السعودي - القطري» في الدوحة الخميس (واس)

مباحثات سعودية - قطرية لتعزيز التعاون الإعلامي

بحث سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي مع الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس المؤسسة القطرية للإعلام، سبل تعزيز وتطوير آليات التعاون والشراكة الإعلامية بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
يوميات الشرق وزير الإعلام السعودي يلتقي رئيس صحيفة الشعب الصينية بالتزامن مع افتتاح مكتبها الإقليمي في الرياض (الوزارة)

صحيفة الشعب الصينية تفتتح مكتبها الإقليمي في الرياض

افتتحت صحيفة الشعب الصينية مكتبها الإقليمي في الرياض، ليُمثِّل جسراً للتواصل الثقافي والتبادل الإعلامي والمعرفي بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون تُوِّجت «مانجا العربية» بجائزة التميز لتطويرها محتوى رقمياً يعزّز تجربة القراءة بأساليب عصرية (واس)

«معرض الرياض للكتاب 2025» يختتم فعالياته بتوزيع «جوائز التميز»

توَّج معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 شركة «مانجا العربية»، التابعة لـ«المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)»، بجائزة التميز في النشر عن فئة المنصات الرقمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق لمى الصبّاح تعد بسنّ قوانين للحدّ من ظاهرة التنمّر (الصبّاح للإنتاج)

«الصبّاح للإنتاج» تُطلق «بودكاست من أجل قضية» لمكافحة التنمّر

«بودكاست من أجل قضية» سيُصوَّر في أكثر من بلد عربي، فيُسلّط الضوء على معاناة شخصيات معروفة في السعودية، والإمارات، وبلاد المغرب.

فيفيان حداد (بيروت)

اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
TT

اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)
يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)

في أعالي إحدى الغابات المطيرة في أميركا الجنوبية، أذهل نوع جديد من النمل الأبيض صغير الحجم فريقاً من العلماء الدوليين بملامحه التي تُشبه ملامح الحيتان.

ووفق الفريق البحثي الذي قاده عالم من جامعة فلوريدا الأميركية، يشبه هذا النوع الجديد من النمل الأبيض حوت العنبر الشهير في رواية هيرمان ملفيل الكلاسيكية «موبي ديك»، ومن هنا جاء اسمه: «كريبتوترمس موبيديكي».

وحسب الدراسة المنشورة في مجلة «زوكيز» (ZooKeys)، يتميّز هذا النوع برأس طويل وفكوك سفليّة مخفيّة.

وقال رودولف شيفران، أستاذ علم الحشرات في معهد جامعة فلوريدا لعلوم الأغذية والزراعة المتخصص في تصنيف الكائنات الحية: «هذا النمل الأبيض لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل». وأضاف في بيان نُشر الجمعة: «كانت العيّنة مميزة إلى حدٍّ دفع فريق علماء الحشرات الدوليين إلى الاعتقاد بأنهم أمام جنس جديد تماماً».

كيف حصل هذا النوع على اسمه؟

قال شيفران: «يشبه المنظر الجانبي للبروز الأمامي ورأسه الممدود رأسَ حوت العنبر، وفي كلا الكائنين يحجب الرأس الفك السفلي».

وأوضح: «تقع عين الحوت وقرون استشعار النمل الأبيض في موقع متقارب وفق تكوين كل منهما. وبعد أن لاحظتُ هذا التشابه، رأى زملائي أن الاسم مناسب بشكل لافت».

يُضيف هذا الاكتشاف نوعاً جديداً إلى قائمة نمل «كريبتوترمس» في أميركا الجنوبية، ليصل عدد أنواع هذا النمل إلى 16 نوعاً. ويُظهر تحليل شجرة العائلة الجينية أن «كريبتوترمس موبيديكي» وثيق الصلة بأنواع أخرى في المناطق الاستوائية الجديدة، موجودة في كولومبيا، وترينيداد، وجمهورية الدومينيكان، مما يمنح العلماء دليلاً جديداً على القصة التطورية لهذا الجنس المنتشر عالمياً على مساحة واسعة من الأرض.

ووجد الباحثون المستعمرة المكتشفة داخل شجرة شبه ميتة، على ارتفاع نحو 8 أمتار من أرضية الغابة.

ووفق نتائج الدراسة، يُبرز تشريح هذا النوع الجديد وغير المعتاد مدى تنوّع تطوّر النمل الأبيض، والمفاجآت التي لا تزال تخبئها النظم البيئية الاستوائية.

وقال شيفران: «يُبرز اكتشاف هذا النوع الجديد والمميّز، العدد الهائل من الكائنات الحية التي لم تُكتشف بعد على كوكبنا».

ويُعدّ هذا الاكتشاف، بالنسبة للعلماء، انتصاراً للتنوّع البيولوجي؛ إذ يضيف كل نوع جديد إلى الفهم العلمي للحياة على الأرض، خصوصاً في مجموعة صغيرة نسبياً مثل النمل الأبيض، التي لا يتجاوز عدد أنواعها 3 آلاف نوع حول العالم.


محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
TT

محمد عبده يفتح خزائن الذاكرة على مسرح الرياض

محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)
محمد عبده يقدّم اختيارات لم يسمعها الجمهور منذ سنوات (روتانا)

منح فنان العرب محمد عبده، الجمعة، شتاء العاصمة السعودية الرياض الدفء، في ليلة طربية ساحرة امتدَّت حتى ساعات الصباح الأولى من يوم السبت، وسط حضور جماهيري كبير من محبيه وعشّاقه من السعودية والعالم العربي.

واكتظَّ المسرح الذي يحمل اسمه في المجمع الترفيهي «بوليفارد سيتي» في حيّ حطين بالرياض بالحضور، في حين تابع آلاف المشاهدين الحفل عبر نقله المباشر على قنوات فضائية ومنصات رقمية.

وفي ثاني حفلاته بـ«موسم الرياض» 2025، وبجلسة شعبية طال انتظارها بعد أيام من التمارين والتحضيرات وساعات من الإبداع، التي تقدّمها الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، وبإشراف مباشر من ‏رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وبتنظيم من «روتانا»، قدَّم محمد عبده لعشّاق الفن الأصيل أمسية استثنائية بعنوان «جلسة شعبيات فنان العرب»، استعرض فيها على العود عدداً من الاختيارات التي نالت إعجاب الحضور، وسط إشادات متواصلة بنوعية الأغنيات المُختارة نظير ندرة طرح عدد منها مسرحيّاً، أو استحضار بعضها بعد سنوات من المرة الأخيرة التي قدّمها.

محمد عبده يطلّ بسهرة مختلفة تُعيد جمهور الرياض إلى بداياته (روتانا)

وأضيفت هذه الأمسية إلى مسيرة محمد عبده العريقة الممتدة لأكثر من 5 عقود، مزج فيها بين الإحساس العالي وروعة الألحان والأداء المميّز الذي أسر قلوب الملايين، وسط حضور متناغم مع الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو هاني فرحات.

«أهلاً هلا بك يا دَوى كل علّه» مروراً بـ«يا حبيب الروح» التي يؤديها الفنان السعودي الكبير للمرة الأولى على المسرح، و«أوحشتنا يا حبيب» قبل «لي 3 أيام ما جاني خبر»، ثم «أنا وخلي كل دار وطنّا»، إلى «كنت مانيب ناوي أقرب الحب لله»، وغيرها من الخيارات النادرة والاستثنائية، عاش جمهور «فنان العرب» ليلة لا تُنسى في الرياض، وخلف الشاشات.

وامتدَّت الأمسية نحو 4 ساعات، استمرَّ خلالها الفنان في نثر إبداعاته وسط استمتاع الحضور، ثم تخلّلته استراحة امتدت نحو نصف ساعة، قبل أن يعاود عبده الوصلة الثانية من الخيارات الفنية الشعبية التي انتظرها الحضور الكبير، ويختمها بأداء الأغنية الوطنية الخالدة «فوق هام السحب» من كلمات الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن وألحان «فنان العرب».

الفنان محمد عبده والمايسترو هاني فرحات في ختام الأمسية (روتانا)

وجاءت هذه الأمسية إثر الإقبال الكبير الذي شهده حفل «فنان العرب» ضمن «موسم الرياض» في 28 من الشهر الماضي، بعد نفاد التذاكر في وقت مبكر جداً من موعد الحفل، ليعلن رئيس «الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، عن تنظيم حفل جديد للفنان محمد عبده، الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول)، وذلك عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»، حيث نشر بوستر الحفل وعلّق: «عشانكم».

ويواصل الموسم الترفيهي الأضخم إقليمياً وعالمياً «موسم الرياض 2025»، الذي بات إحدى أهم المنصّات الفنية في العالم، تنظيم الحفلات الغنائية ضمن سلسلة من الفعاليات الموسيقية الكبرى.

ومن المقرّر أن يطلّ عبده مجدّداً على جمهوره، في 18 ديسمبر، على خشبة مسرح «صدى الوادي» في موسم الدرعية.


«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)

يواصل مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» في دورته الـ5 ترميم أفلام مصرية قديمة وإعادتها إلى الحياة بنسخ جديدة صالحة للعرض وفق أحدث التقنيات. وفي إطار الاحتفال بمرور 50 عاماً على رحيل سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، اختار المهرجان ترميم فيلمَين من بطولتها، هما «نشيد الأمل» (1937) و«عايدة» (1942)، وكلاهما من إخراج أحمد بدرخان.

وعرض المهرجان، الجمعة، فيلم «نشيد الأمل» في «متحف طارق عبد الحكيم» بالحديقة الثقافية في منطقة جدة التاريخية، في حين قُدّم فيلم «عايدة» في مدينة الثقافة، بعد ترميمهما ضمن اتفاقية بين المهرجان ومدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، وبمشاركة قناة «إيه آر تي» المالكة لحقوق الفيلمَين.

وقدّمت مريم عبد الله، عضو لجنة اختيار الأفلام العربية في المهرجان، فيلم «عايدة»، مشيرة إلى أن «مهرجان البحر الأحمر دأب في كل دورة على ترميم أفلام مصرية عدّة لتُعرَض للمرة الأولى بنسخ مُرمَّمة بتقنية (4 k) عالية الجودة عبر الشاشة الكبيرة، وتزامناً مع الذكرى الـ50 لوفاة أم كلثوم التي شاركت في بطولة 6 أفلام، فإن اللجنة الفنية اختارت هذين الفيلمين تحديداً لهذه المناسبة».

من جهتها، رحّبت أسماء السراج، المديرة التجارية لقنوات «إيه آر تي»، بالحضور، موجّهة شكرها للمهرجان على اهتمامه بترميم الأفلام المصرية. في حين قالت المهندسة ندى حسام الدين، مسؤولة الترميم بمدينة الإنتاج الإعلامي، إن فيلم «عايدة» شكَّل «حالة خاصة»، موضحة أن عملية ترميمه كانت «ملحمة حقيقية»، إذ «لم يُرمَّم الفيلم فحسب، بل كان علينا أيضاً إنقاذ (النيغاتيف) من التحلل. هناك أجزاء ستبدو مختلفةً لأنها استُنقذت قبل أن تتحلَّل تماماً، كما بُذل جهد كبير في ترميم الصوت، كونه فيلماً غنائياً، وخضع لعملية ترميم رقمية دقيقة للحفاظ على قيمته التاريخية». وأشادت بدور المهرجان في حماية التراث السينمائي.

ملصق عرض الفيلمين المُرمَّمين لأم كلثوم بالمهرجان (مهرجان البحر الأحمر)

وجاء عرض «عايدة» العام الحالي متزامناً أيضاً مع مرور 83 عاماً على عرضه الأول في 28 ديسمبر (كانون الأول) عام 1942 في سينما «استوديو مصر» بالقاهرة، وهو من إنتاج الاستوديو نفسه. ويشارك في بطولته، إلى جانب أم كلثوم، كل من المطرب إبراهيم حمودة، وسليمان نجيب، وعباس فارس، وماري منيب، وعبد الوارث عسر الذي كتب السيناريو بمشاركة فتحي نشاطي وعباس يونس.

يقدّم الفيلم مزيجاً آسراً من الرومانسية والقضايا الاجتماعية والتألق الموسيقي، وتتمحور قصته حول «عايدة» الطالبة في مرحلة «البكالوريا» (أم كلثوم) التي تتمتع بموهبة غنائية منذ طفولتها. وبعد وفاة والدها المزارع البسيط، تدعوها أسرة الباشا الذي كان والدها يعمل لديه للإقامة في القصر كي لا تبقى وحيدة. تلتحق عايدة بمعهد الموسيقى الداخلي للبنات، فيتعلق بها سامي نجل الباشا الذي يهوى الموسيقى أيضاً رغم رفض والده، كما يرفض زواجه منها؛ بسبب الفوارق الطبقية. لكن موقفه يتغيَّر بعد حضوره عرضاً موسيقياً تقدمه عايدة، لينتصر الحب في النهاية على تلك الفوارق.

وكعادة الأفلام التي تعكس روح زمنها، يُظهِر الفيلم شوارع القاهرة الهادئة في أربعينات القرن الماضي، وموديلات السيارات، والتقاليد الاجتماعية، والأزياء الكلاسيكية، إضافة إلى أغنيات الحب التي جمعت أم كلثوم بإبراهيم حمودة، مع إبراز تطور شخصية أم كلثوم وأدائها الغنائي.

وشهد الفيلم حضوراً لافتاً من جمهور المهرجان والجمهور السعودي، رغم ازدحام جدول العروض بأفلام عالمية وعربية حديثة الإنتاج. ويُفسر أنطوان خليفة، مدير البرامج العربية وكلاسيكيات الأفلام في المهرجان، هذا الإقبال بقوله: «هذه أفلام لم تُعرَض سابقاً في صالات كبيرة، ولم يشاهدها أغلب الجمهور السعودي من قبل، كما أنها تُقدَّم بتقنيات حديثة». وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن عرض الفيلمين «لن يقتصر على المهرجان، بل سيستمر خلال احتفاليات عدّة تقام على مدار العام في مدن سعودية مختلفة»، موضحاً أن «المهرجان لا يشتري حقوق عرض هذه الأفلام، بل يحصل من الجهات المالكة على موافقتها لعرضها في المهرجان والاحتفاليات».

ويؤكد خليفة أن المهرجان، منذ دورته الأولى، يولي اهتماماً خاصاً بترميم الأفلام المصرية، حيث بلغ عدد ما رُمِّم حتى اليوم 22 فيلماً على مدى 5 سنوات.

ملصق فيلم «نشيد الأمل» (مهرجان البحر الأحمر)

ويشير إلى أن اختيار الأفلام المُرمَّمة يرتبط غالباً بمناسبات محددة، موضحاً: «أفلام يوسف شاهين رُمِّمت جميعها في فرنسا، لكننا اكتشفنا أن فيلم (الاختيار) لم يُرمَّم، فقمنا بذلك. كما ارتبط الترميم بتكريم شخصيات مصرية مثل الفنانة منى زكي في الدورة الماضية، حيث طلبت عرض فيلم (شفيقة ومتولي)، فرمَّمناه، وكذلك فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) في إطار تكريمها. أما فيلم (خلي بالك من زوزو)، فجرى ترميمه بمناسبة مرور 50 عاماً على إنتاجه. واخترنا العام الحالي فيلمَي (نشيد الأمل) و(عايدة) في ذكرى مرور نصف قرن على رحيل أم كلثوم».

ويقدم برنامج «كنوز البحر الأحمر» في دورته الـ5 عروضاً مميزة لعدد من كلاسيكيات السينما العالمية، بينها 3 أفلام قصيرة صامتة: «المهاجر» لشارلي شابلن، و«ليبرتي» للوريل وهاردي، و«أسبوع واحد» لباستر كيتون، مع عزف موسيقي حي يقدمه المؤلف البريطاني نيل براند المتخصص في الموسيقى التصويرية. كما يتضمَّن البرنامج عرض فيلم الإثارة «مسحور» لألفريد هيتشكوك، وفيلم «الأزرق الكبير» الملحمي للمخرج لوك بيسون.