تصاميم باسيل سودا تنبعث إلى الحياة تكريمًا له في بيروت

تضمنت 35 فستان عرس وعرضًا لأحدث ابتكارات التجميل لعروس صيف 2015

دينيز باسيل سودا وبسام فتوح وبينهما فساتين باسيل سودا
دينيز باسيل سودا وبسام فتوح وبينهما فساتين باسيل سودا
TT

تصاميم باسيل سودا تنبعث إلى الحياة تكريمًا له في بيروت

دينيز باسيل سودا وبسام فتوح وبينهما فساتين باسيل سودا
دينيز باسيل سودا وبسام فتوح وبينهما فساتين باسيل سودا

35 تصميمًا لفساتين أعراس صممها الراحل باسيل سودا قبيل أشهر من وفاته، شكّلت عودته من جديد إلى حياة عروض الأزياء والجمال في بيروت. فبمبادرة من خبير التجميل بسام فتّوح الذي أراد تكريم صديقه المصمم الراحل، أقيم في دار باسيل سودا للأزياء في منطقة سن الفيل، العرض المباشر أمام المدعوين لحضور هذه المناسبة. وقد تضمن أحدث صيحات عالم التجميل لعروس صيف 2015 وفق أسلوب بسام فتوح الذي أطلقها على وجوه عارضات أزياء ارتدين فساتين أعراس المصمم الراحل باسيل سودا.
الفكرة تعدّ جديدة من نوعها ووفق ما وصفها خبير الماكياج اللبناني لـ«الشرق الأوسط»، هي أقل ما يمكن تقديمه لصديق عزيز رحل باكرًا تاركًا خلفه إرثًا فنيًا في عالم الأزياء لا يمكن الاستهانة به. وقال فتوح: «هناك علاقة قوية كانت تربطني بباسيل سودا، وقد تأثّرت بالتجربة التي مرّ بها كثيرًا (معاناته مع مرض السرطان)، إلى حدّ دفعني إلى تكريمه وبعثه حيّا على طريقتي». ويضيف بسام فتوح أحد أهم خبراء الماكياج في العالم العربي ردّا عما إذا ما المهمة تكون أصعب حينما نفكّر في تجميل واقع غاب عنه محوره: «أعتقد أنه في هذه الحالة يكون التحدّي أكبر والإحساس بالشغف أهم، كما أن الانطباع الذي نتركه لدى الآخرين يأخذ منحى مغايرًا، بحيث يصبح اهتمامهم يتناول أدق التفاصيل التي تركها الشخص الغائب وراءه». وعن العلاقة التي تربط أسلوبه في التجميل بعروس باسيل سودا أجاب: هي تتلاءم تمامًا مع تطلعاتي فعروس باسيل سودا أنيقة رومانسية وواثقة من نفسها، تماما كما هي حال المرأة التي أجمّلها بأسلوبي المرتكز على هذه العناصر».
أما ألوان التجميل الرائجة لصيف 2015 فهي تدور ما بين الـ«نيود» (المائل إلى لون البشرة الطبيعي) والزهري الذي يضفي النضارة على إطلالة العروس.
وأشار خبير التجميل اللبناني بأنه عادة ما يفضّل أن تتزين العروس بماكياج خفيف لا يشوّه إطلالتها. وقال: «بعضهن يروق لهن ارتداء الماكياج الثقيل، وأقول (ارتداء) لأن الماكياج برأيي نلبسه وننزعه تمامًا كالثياب، وذلك تبعًا لشخصيتهن وملامحهن، إلا أنني أفضل أن يكون في هذه المناسبة خفيفًا تمامًا كما تصاميم فساتين أعراس باسيل سودا التي تشعر المرأة وكأنها في حالة طيران، بحيث لا تشعر العروس بثقله على بشرتها أو نافرة بالصور الفوتوغرافية التي تلتقط لها؛ مما يخولّها أن تبقى معجبة بنفسها ولو بعد مرور سنوات طويلة على هذه المناسبة الخاصة بها فلا تنزعج من تكرار مشاهدتها».
وخلال هذا العرض الذي عزفت فيه الموسيقية جوكين مقطوعات كلاسيكية على الكمان، تجوّل الحاضرون على أجزاء المعرض؛ بحيث وقفوا يتفرّجون على فساتين عرس ارتدتها العارضات مباشرة وأخرى تناثرت في مختلف أنحاء الصالة.
وقد لوحظ تركيز المصمم الراحل على فساتين أعراس غير كلاسيكية، استخدم فيها القليل من القماش والكثير من التفاصيل في القصّات ونوعية القماش والتطريز البسيطة، التي تضفي على العروس في هذه المناسبة شعورًا بالأناقة الراقية تذكرنا بحقبة الخمسينات.
الدانتيل والحرير والتول سادت غالبية التصاميم الـ35 المعروضة في المناسبة، واستخدم المصمم الراحل الأبيض الناصع والمكسور منه، والقصّات الضيقة مع التنورة الطويلة حينًا والقصيرة أحيانًا أخرى. كما لجأ إلى استخدام الورود والتطريز الخفيف، على فساتين تترك لدى مشاهدها انطباعًا بالشفافية والرومانسية اللتين عنونتا مجموعة باسيل سودا هذه.
وفي حديث مع دينيز سودا زوجة الراحل التي أخذت على عاتقها إكمال مشوار زوجها، قالت: «لقد اعتاد باسيل سودا أن يستلهم تصاميمه من عدة نساء تمامًا كما يراهن في خياله، ولذلك نراه أحيانًا يتوجّه للمرأة الرقيقة الناعمة وأحيانًا أخرى لصاحبة الشخصية القوية التي تعرف ماذا تريد». وأضافت: «لقد حاول في مجموعته هذه أن يبرز رونق المرأة المتمايلة بقصّات مستقيمة بغالبيتها، شبيهة بالمرأة الحورية، دون اللجوء إلى أقمشة فضفاضة تخفي بعض تفاصيل جسمها الأنثوي». وأكدت أن العنوان الأبرز لهذه المجموعة هو الشفافية والرومانسية ممزوجتين معًا فتجذب النظر بدل أن ينفر منها مهما طال التمعّن بها. ولفتت إلى أن المصمم الراحل غالبًا ما يخلط ما بين الحقبات التاريخية فيطورها في قالبه الخاص، وأن فساتين الأعراس هذه تذكرنا بحقبة الخمسينات في الأغلب، التي تبرز عناصرها في القصّات المنخفضة على الخصر والحزام الرفيع الذي يلفّه بخجل، وكذلك من خلال اعتماده أحيانًا تطريز وتطعيم بأحجار الِشواروفسكي والريش الخفيف. وختمت حديثها متأثرة وهي تقول: «مهما ابتعد عنا باسيل سودا فطيفه سيبقى بيننا وسيرافقنا دائمًا ليؤكد لنا أنه حي باقٍ معنا على طريقته».
اليوم، وبعد مرور أكثر من أربعين يومًا على رحيل باسيل سودا، فإن زوجته تخطط لإقامة حفلة خاصة له في الشتاء المقبل، بحيث ستدعو إليها أكثر من ألف شخص لتكريم باسيل سودا وعرض مجموعة من أزيائه التي صممها ولم يكتب له العمر لإطلاقها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».