إدانة قتلة الحريري تكرّس مفهوم العدالة ولبنان يكرّس عجزه

TT

إدانة قتلة الحريري تكرّس مفهوم العدالة ولبنان يكرّس عجزه

طوت المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان مرحلة محاكمة المتهمين باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري و22 آخرين التي دامت تسع سنوات، بإنزال عقوبة السجن المؤبد غيابياً بحق اثنين من كوادر أمن «حزب الله»، وحسمت بشكل قاطع الجهة التي وقفت خلف هذه الجريمة وإن لم تسمّها، إلّا أن هذا الحكم غير قابل للتنفيذ بفعل عجز الدولة اللبنانية عن توقيف المدانين وتسليمهم للعدالة.
وخالفت محكمة الاستئناف الناظرة بجريمة اغتيال رفيق الحريري، قناعة قضاة محكمة البداية الذين برّأوا المتهمين حسن حبيب مرعي وحسين عنيسي، وأدانتهما بالاشتراك بالهجوم الإرهابي الذي استهدف الحريري، وحكمت عليهما بالسجن المؤبد. وشدد مصدر في المحكمة الدولية التي أصدرت الحكم، على أن هذا القرار «يكتسب أهمية قانونية ترسّخ مفهوم العدالة والانتصار للضحايا». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «فرار مرتكبي الجريمة من العدالة لا يعني أنهم باقون في مأمن»، مذكراً بأن العدالة الدولية اقتصّت من مرتكبي جرائم يوغوسلافيا بعد 20 سنة، ومرتكبوها مثلوا أمام المحكمة ونالوا عقابهم.
وعن الأسباب التي حملت المحكمة على إصدار حكم يخالف حكم قناعات محكمة البداية، قال المصدر إن «الأدلة واضحة وثابتة، ومحكمة الاستئناف استندت إلى كثير من الأدلة المعززة بالقرائن، بينها داتا الاتصالات التي وثّقها الضابط وسام عيد (الذي اغتيل في 25 يناير/ كانون الثاني 2008 بتفجير استهدف سيارته في منطقة الشيفروليه شرق بيروت)، بحيث تتبّع حركة هواتف هؤلاء الذين كانوا يتعقبون تنقلات رفيق الحريري من بيروت إلى دارته في فقرا، ومنها إلى صيدا والمساجد التي يرتادها خلال الصلاة في بيروت وخارجها وتنقلاته ما بين دارته في قريطم ومبنى البرلمان اللبناني في وسط بيروت». وأشار إلى أن «عمليات المراقبة لم تتوقّف إلّا بعد ساعات قليلة من تنفيذ جريمة الاغتيال، وهذه الخطوط تعود للأشخاص المدانين في الجريمة». وشرح المصدر الثغرات التي أدت إلى كشف «خطوط شبكة المؤامرة التي أدارت جريمة الاغتيال وخططت لها ونفذتها»، جازماً بأن المحكمة «اتخذت قراراتها بالبعد القانوني - القضائي بعيداً عن التسييس». وختم المصدر: «لو أن المحكمة كانت مسيسة لما ذهبت غرفة البداية إلى تبرئة مرعي وعنيسي بحجة عدم اكتفاء الأدلة».
وكانت غرفة البداية في المحكمة الدولية برئاسة القاضي دايفيد ري، أدانت سليم عيّاش المتهم الرئيسي باغتيال رفيق الحريري، فيما أعلنت براءة المتهمين الآخرين الثلاثة حسن حبيب مرعي وأسد ‏حسن صبرا وحسين حسن عنيسي «لعدم كفاية الأدلة»، فيما أوقفت تعقب المتهم الخامس ‏مصطفى بدر الدين بعد إعلان «حزب الله» مقتله في سوريا عام 2016.
ويكتسب الحكم الغيابي صفة المبرم، إذ لا يمكن نقضه إلّا إذا سلّم أحد المتهمين نفسه للمحكمة أو قدّم اعتراضاً عليه وأبدى استعداده للمثول أمامها، أو في حال القبض على المدانين وتقديمهم للمحاكمة الوجاهية. واعتبر وزير العدل الأسبق إبراهيم نجّار أن المحكمة «فعلت كلّ ما بوسعها أن تفعله في إطار المحاكمة الغيابية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد عرفنا الحقيقة التي ظهرت بالأدلة غير الحسيّة، أي عبر اعتماد المحكمة على داتا الاتصالات، وعرفنا من نفّذ الجريمة لكن لم نعرف من اتخذ القرار بالاغتيال ومن أعطى الأوامر للتنفيذ». ورأى نجّار أن «امتناع الدولة اللبنانية عن القيام بواجباتها وإظهار عجزها الكلي عن تنفيذ مذكرات التوقيف وخلاصات الأحكام التي صدرت بحق المتهمين، كل ذلك يكرّس ثقافة الإفلات من العقاب». وعمّا إذا كانت إفادات الشهود التي تحدّثت عن تهديدات كبيرة تعرّض لها رفيق الحريري من النظام السوري كافية لتحديد الجهة التي اتخذت القرار بالاغتيال، أجاب نجّار: «بالتأكيد هذه التهديدات لها تأثير على الأجواء السياسية التي رافقت الاغتيال، لم تحسم هوية من اتخذ القرار».
ولا يزال «حزب الله» يرفض الاعتراف بالمحكمة الخاصة بلبنان، ولا بالقرارات الصادرة عنها، ويصفها بأنها «محكمة أميركية - إسرائيلية تهدف للنيل منه». وأعلن صراحة أنه لن يسلّم المتهمين حتى لو استمرت ملاحقتهم 300 عام.
ولاقى حكم الاستئناف مواقف مرحبة في لبنان والخارج، بعد قرار محكمة البداية الذي ولّد حالة إحباط لدى كثيرين، ولفت أستاذ مادة «العدالة الدولية» المحامي الدكتور أنطوان سعد، إلى أن «قرار محكمة الاستئناف صحح الخطأ الذي اعترى الحكم الصادر عن محكمة البداية، وذهبت إلى إدانة جميع المتهمين في الجريمة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا الحكم والعقوبة من شأنهما أن يصونا العدالة الدولية، وإن لم يكن بمقدور هذه المحكمة أن تنفّذ مضامين أحكامها». وأضاف سعد: «الصدى الأقوى لهذه العقوبة لا يتوقّف على إدانة المحكمة فحسب، بل على الإدانة الاجتماعية والإنسانية في لبنان وكلّ العالم للذين نفذوا اغتيال رفيق الحريري وغيره من جرائم الاغتيال»


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
TT

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)

دعت مجموعة من عائلات الجنود الإسرائيليين الخميس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة حفاظاً على حياة أبنائهم، متّهمين إياه بإطالة أمد هذا النزاع دون جدوى.

وتضم مجموعة «أهالي الجنود يصرخون كفى» أكثر من 800 من أهالي جنود ومجندين وقوات احتياط يخدمون في وحدات قتالية في غزة، وبينهم مَن يواصل القتال من دون توقف تقريباً منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ومنذ أشهر، يتعرض نتنياهو لاتهامات من منتقديه بإطالة أمد الحرب ضد حركة «حماس» لأسباب سياسية ومن دون جدوى. وشنّت الدولة العبرية هذه الحرب رداً على الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة الفلسطينية على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

وفي رسالة وجّهتها مجموعة «أهالي الجنود يصرخون كفى» إلى نتنياهو كررت المجموعة هذه الاتهامات.

وجاء في الرسالة «نتّهمك بحرب بلا أفق، غير مسبوقة في تاريخ بلادنا. وهذا فقط لأسباب تتعلق ببقائك السياسي الشخصي».

وأضافت الرسالة «نتّهمك بالتخلي عن الرهائن والجنود! ونناشدك: أَنهِ الحرب!».

واعتبر أهالي الجنود أنّ «الجميع يعلمون، بمن فيهم هم (الجنود)، أن الحرب مستمرة بلا هدف وأن الرهائن لن يعودوا إلا في إطار اتفاق» يجري التفاوض عليه حالياً في قطر وهي إحدى الدول الثلاث الوسيطة إلى جانب الولايات المتحدة ومصر في محادثات السلام.

جنود إسرائيليون يقتحمون مقر «الأونروا» في غزة (أ.ب)

وتابعت مجموعة أهالي الجنود «لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي أيّ سبب للبقاء في غزة، سوى لتحقيق الرغبات المسيحانية (لبعض أعضاء اليمين المتطرف) في الاستيطان هناك».

واختتم الأهالي رسالتهم بالقول لنتنياهو «لن نسمح لك بمواصلة التضحية بأبنائنا كبارود للمدافع».

ولم يعلّق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على الرسالة بشكل فوري.

منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 قُتل 399 جندياً في قطاع غزة.