«قمة كييف» توجه رسالة دعم أوروبية قوية لأوكرانيا

فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا تدعم منحها وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي

زيلينسكي برفقة الزعماء الأوروبيين في كييف أمس (رويترز)
زيلينسكي برفقة الزعماء الأوروبيين في كييف أمس (رويترز)
TT

«قمة كييف» توجه رسالة دعم أوروبية قوية لأوكرانيا

زيلينسكي برفقة الزعماء الأوروبيين في كييف أمس (رويترز)
زيلينسكي برفقة الزعماء الأوروبيين في كييف أمس (رويترز)

وجه قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا رسالة دعم قوية لأوكرانيا، خلال زيارتهم الأولى إلى كييف منذ بدء الحرب. وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحافي الخميس في كييف أمس، أن بلاده والدول الثلاث الأخرى تدعم منح أوكرانيا وضع المرشح الرسمي لعضوية الاتحاد الأوروبي «فورا». وقال ماكرون: «نحن الأربعة ندعم منحها فورا وضع المرشح للعضوية»، وأضاف أن «هذا الوضع سيكون مصحوباً بخريطة طريق».
بدوره، أكد رئيس الحكومة الإيطالية هذا الموقف. وقال ماريو دراغي خلال المؤتمر الصحافي نفسه إن إيطاليا «تدعم انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي»، وإن روما «تريد أن يكون لأوكرانيا وضع المرشح وستدعم هذا الموقف في المجلس الأوروبي المقبل». لكنه لمح إلى أن الطريق لنيل العضوية قد يكون طويلا. واستنكر دراغي «الفظائع التي ارتكبت في هذه الحرب»، بعد زيارته ضاحية إربين في كييف التي شهدت «مذابح ارتكبها الجيش الروسي».
أما المستشار الألماني، فأكد خلال المؤتمر الصحافي أن «أوكرانيا جزء من الأسرة الأوروبية»، مشيراً إلى أنه يلزم «القيام بكل ما هو ضروري» من أجل «تأمين إجماع» داخل الاتحاد الأوروبي لمنحها وضع المرشح. ويتعين على القادة الأوروبيين أن يقرروا خلال قمة يومي 23 و24 يونيو (حزيران) ما إذا كانوا سيمنحون أوكرانيا وضع المرشح للعضوية، وهي الخطوة الأولى في عملية مفاوضات قد تستمر لسنوات. ومن المقرر أن تعلن المفوضية الأوروبية، اليوم، توصيتها للدول الأعضاء حول هذا الملف. وفيما يتعلق بتسليم الأسلحة الثقيلة التي تطالب بها أوكرانيا منذ أسابيع لمقاومة الهجوم الروسي في دونباس، أعلن إيمانويل ماكرون أن فرنسا ستسلم أوكرانيا «ستة مدافع قيصر إضافية»، وهي مدافع ذاتية الدفع معروفة بدقتها وقابليتها للحركة. وقال بعد محادثات مع زيلينسكي: «إلى جانب 12 مدفع قيصر تم تسليمها، اتخذت قراراً بتسليم ستة مدافع قيصر إضافية».
ومنذ اللحظات الأولى لزيارتهم إربين الأوكرانية، لمس ماكرون وشولتز ودراغي حجم الدمار اللاحق بأوكرانيا، واصفين ما شاهدوه بأنه «همجية» الحرب وجرائمها. وتوجه القادة الثلاثة الذين وصلوا إلى كييف بالقطار مباشرة إلى إربين وقد لاقاهم في كييف الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس.
وعلى بعد نحو 20 كيلومترا، بدأت مشاهد الدمار تتجلى أمام أعينهم ولا سيما جسر إربين مع أعمدته المنهارة. وفي أولى أيام الحرب، فر مئات السكان مع تقدم القوات الروسية، مستخدمين ألواحا لعبور الجسر المدمر، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال ماكرون «هنا أوقف الأوكرانيون زحف الجيش الروسي نحو كييف»، مضيفا «آثار الهمجية وندوبها ظاهرة بادية عليكم»، ومشيرا إلى أنها «أولى مؤشرات جرائم الحرب».
ورافق الوزير الأوكراني لشؤون اللامركزية أوليكسي تشيرنيشوف، القادة الأوروبيين إلى أحد المباني وعرض عليهم تسجيل فيديو يظهر المدينة «قبل» الحرب، ومن ثم تجميعا لصور توثق الرعب الذي عاشه السكان. وقال رئيس الوزراء الإيطالي «سنعيد إعمار كل شيء»، ليضيف ماكرون «جرائم الحرب يجب أن يحاكم مرتكبوها».
وعلى جدار أحد المباني رسم يجسد أوروبا مع شعار بالإنجليزية والأوكرانية يدعو إلى الانضمام إلى أوروبا ونبذ الحرب. وتوقف الرئيس الفرنسي عند الشعار الذي يلخص هدف الزيارة التي قرر القادة الأربعة إجراءها لأوكرانيا، والمتمثل بضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي من دون انتظار نهاية النزاع الدائر مع روسيا. وبالإنجليزية، قال ماكرون «إنها الرسالة الصائبة»، مضيفا «إنها مؤثرة جدا»، علما بأن الاتحاد الأوروبي سيبحث الأسبوع المقبل في منح أوكرانيا رسميا وضعية دولة مرشحة لعضوية التكتل.
ثم قاد الوزير الأوكراني القادة الأربعة إلى سيارة نخر الرصاص هيكلها. وأوضح الوزير «لقد استهدفوا عمدا ركابها»، مشيرا إلى مئات من الحالات المماثلة. وفي نهاية الزيارة توجه القادة الأربعة إلى قصر مارينسكي في كييف للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وبعد المصافحة، بدأ القادة اجتماعا مغلقا للبحث في منح أوكرانيا وضع دولة مرشحة للعضوية.
وكان قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا قد بعثوا برسالة بهذا التوجه لزيلينسكي خلال رحلتهم بالقطار إلى كييف، فيما يمكن اعتباره قمة دبلوماسية مصغرة.


مقالات ذات صلة

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية- رويترز)

ترمب عن الـ«ناتو»: يدفعون أقل مما ينبغي لكي تحميهم الولايات المتحدة

حضّ ترمب أعضاء حلف «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5 % من إجمالي ناتجهم المحلي، مقابل «حماية الولايات المتحدة».

«الشرق الأوسط» (مارالاغو (الولايات المتحدة))
أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك غرب روسيا، وأفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟