بلقيس ونزار... قصة حب شائكة أوصلها الموت إلى تخوم الأسطورة

ذكاؤها الحاد ساعدها على كبح شعورها بالغيرة للفوز بقلب الشاعر النجم

بلقيس الراوي ونزار قباني
بلقيس الراوي ونزار قباني
TT

بلقيس ونزار... قصة حب شائكة أوصلها الموت إلى تخوم الأسطورة

بلقيس الراوي ونزار قباني
بلقيس الراوي ونزار قباني

كثيرون بالطبع هم الشعراء العرب، القدماء والمحدثون، الذين شغفوا بالمرأة أشد الشغف، وأفردوا لها مساحة غير قليلة من قصائدهم وأعمالهم الشعرية. ومع ذلك فإن أحداً من هؤلاء، باستثناء عمر بن أبي ربيعة، لم يجعل المرأة قِبلته وملهمته ومحور حياته وشعره، كما هو الحال مع نزار قباني. لا بل لا يكاد اسم نزار يُذكر في أي مناسبة أو محفل، إلا مقروناً بالمرأة ومتصادياً مع الأنوثة الكونية، التي قلّ أن عول الشاعر خارجها على شيء، تماماً كما كان حال محيي الدين بن عربي قبله بقرون عدة.
وإذا كان قباني يجسد بشكل أو بآخر، صورة الشاعر الدون جوان ذي العلاقات العاطفية المتعددة، والباحث بلا انقطاع عن التجليات المتباينة للمطلق الأنثوي، فإنه في مقالة له بعنوان «أنا والدون جوانية» ينكر هذا التوصيف، مؤكداً على تشبثه بالجانب العاطفي والروحي من العلاقة، ومعتبراً أنه لا يتعامل مع الجسد الأنثوي على طريقة القصابين، وأنه لم يغرر بامرأة قط بل كانت علاقاته بالنساء تتم برضا الطرفين وبالتناغم القلبي والفكري. أما عن زعم البعض بأن القصائد الوفيرة التي كتبها نزار في موضوعي الغزل والحب، لا تستند بالضرورة إلى نساء ملموسات وإلى مغامرات عاطفية حقيقية، بل إلى نساءٍ جرى استدعاؤهن من سماء المخيلة، فهو ادعاء يحتاج وفق قوله إلى الكثير من المراجعة والتدقيق، ذلك أنه نشأ في كنف عائلة ميسورة ومنفتحة على الثقافة والفن، إضافة إلى امتهانها المتوارث للعشق والحب، اللذين «يولدان مع أطفال العائلة كما يولد السكر في التفاحة»، على حد تعبيره الحرفي.
على أن ولع نزار بالمرأة لا يعني أن كل قصيدة حب كتبها في حياته ينبغي أن تكون ممهورة بالضرورة بجسد امرأة مختلفة أو توقيع مختلف. إذ يمكن أن تتمحور مجموعة كاملة أو أكثر حول امرأة واحدة جمعتها بالشاعر علاقة حب أو حالة شغف جامحة... فهو يقول في أحد حواراته بأن المرأة في حياته لم تكن أبداً صورة معلقة داخل برواز، بل هي امرأة الحواس واللحم والدم، وبأنه لم يكتب مطلقاً عن نساء متخيلات، لم تربطه بهن صلات عاطفية.
إلا أن صاحب «الرسم بالكلمات» يحذر من قراءة نصوصه على نحو حرْفي. ليس فقط لأن الشعر في الأساس يقوم على المبالغة والتخييل، بل لأن ضمير المتكلم في الكثير من قصائده لا يعود بالضرورة إليه، بل إلى الشخصية التي يتقمصها أثناء الكتابة. ومع ذلك فإن إصرار قباني على التوضيح بأن بيته الشهير «طرزت من جلد النساء عباءة/ وبنيت أهراماً من الحلماتِ»، لا يعكس بالضرورة تجربته الشخصية، بل هو التعبير الفاقع عن التشاوف الذكوري المرَضي لشخصية شهريار، فإن ذلك لا يحجب نزوع الشاعر إلى التلطي وراء أقنعته أو نماذجه الفحولية.
وإذا كان لكل هذه المقدمات أن تصب في مآل أو خانة معينة، فهي لا تنفك تحملنا على الاستنتاج بأن شاعراً ملولاً ومفطوراً على الحرية وبالغ الجموح كنزار قباني، سيكون بالضرورة أقل البشر تناغماً مع المؤسسة الزوجية، وتكيفاً مع إيقاعها الرتيب ومستلزماتها المحبِطة. فكيف لنا أن نفسر في هذه الحالة إقدام الشاعر على الزواج لمرتين اثنتين، وهو الذي ظل على امتداد حياته مطارَداً من نساءٍ كثيرات، وفارس أحلام المئات من المراهقات؟

اللقاء ببلقيس الراوي
إن أي قراءة متأنية لزواج نزار الأول من الفتاة الدمشقية زهراء أقبيق عام 1946، لا بد أن تقودنا إلى الاستنتاج بأن حبه لزهراء، ذات الإشراقة الجمالية اللافتة، كان أحد العوامل التي دفعته إلى الإقدام على خطوة كهذه، لكن عوامل أخرى «مسانِدة» قد لعبت دوراً في ذلك، بينها صلة القربى بين الطرفين، حيث تعمد العائلتان إلى ترسيخ العلاقة بينهما عن طريق المصاهرة، وبينها التقاليد الاجتماعية المتوارثة التي ترى في الزواج المبكر، الطريقة الأنجع لمنع الشبان والشابات من الانجراف وراء علاقات محرمة. إلا أن كل تلك العوامل مجتمعة، ما لبثت أن فقدت مفاعيلها على الأرض الشائكة للمسرح الزوجي. ذلك أن زهراء التي أهدت نزاراً ابنته هدباء وابنه توفيق، لم تستطع التكيف مع التصاعد المطرد لشهرة الشاعر، ولا كبح شعورها المدمر بالغيرة إزاء تحلق الكثير من المعجبات حول زوجها الوسيم. وهو ما تعترف به الزوجة بعد سنوات طويلة من الطلاق الذي تم عام 1952، حيث أقرت في حوار صحافي بأن غيرتها المفرطة على نزار هي التي قادت علاقتها به إلى انهيارها السريع.
كان على نزار قباني أن ينتظر سنوات عشراً بعد ذلك لكي يلتقي ببلقيس الراوي، التي تؤكد معظم الروايات على أنها استرعت اهتمامه بحضورها الباهر، أثناء أمسية شعرية له، أقيمت في بغداد عام 1962، وإذ أدرك قباني آنذاك أن الفتاة الجالسة قبالته هي ضالته المنتظَرة منذ سنوات، لم يتردد في البحث عن هويتها ومكان إقامتها، ليكتشف أنها تسكن مع عائلتها في منطقة الأعظمية المطلة على دجلة. وإذ لم يتوان الشاعر عن التقدم لخطبتها، فوجئ برفض أبيها الحازم لهذه الخطوبة، بناءً على ما يعرفه عن الشاعر الأشهر في دنيا العرب، الذي لا يكف عن اصطياد النساء وإغوائهن واللعب على مشاعرهن. وهكذا كان على نزار أن يجر وراءه أذيال الخيبة، ليلتحق بالسلك الدبلوماسي السوري في إسبانيا، دون أن تمكنه السنوات السبع التي قضاها هناك، من نسيان «الزرافة العراقية» التي وقع في شباكها من النظرة الأولى. واللافت في الأمر أن الحادثة تلك، ستتكرر في ظروف أقل تعقيداً مع محمود درويش، حيث في أمسية مماثلة في واشنطن، تقع عينا محمود على الشابة السورية رنا قباني، ابنة شقيق نزار، وحين يفاجئها بطلب الزواج منها، تجيبه بالموافقة دون تردد، ثم تعود برفقته إلى بيروت، دون أن تبدي عائلتها الدمشقية المتنورة أي اعتراض على ما حدث.
كان يمكن للأمور أن تقف عند هذا الحد، لو لم يكن مآلها معقوداً لطرفين بالغي العناد، وممعنين في الدفاع عن عشقهما المشروع: نزار الذي ضاعف من تشبثه ببلقيس رفض أبيها له، ورغبته في الثأر لكرامته «المغدورة»، كما لنرجسيته المثلومة في العمق، وهو الشاعر الذي تتمنى الاقتران به آلاف النساء العربيات، وبلقيس المتماهية مع ظهيرها الأسطوري، كما مع الأنوثة المتعالية والقابضة على مصيرها، في بلاد الرافدين. وهكذا راح الطرفان العنيدان يتبادلان رسائل الشغف والحب، في غفلة عن الأب، لسبع سنوات «عجاف»، حتى إذا دعي الشاعر للمشاركة في مهرجان المربد الشعري في العراق عام 1969، راح يروي على مسامع جمهوره الذاهل فصولاً من قصته المؤثرة مع بلقيس، ومنها أبياته:
مرحباً يا عراق، جئتُ أغنيكَ
وبعضٌ من الغناء بكاءُ
أكَلَ الحب من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتْه النساءُ
إلى أن يقول:
كان عندي هنا أميرة حب
ثم ضاعت أميرتي الحسناءُ
أين وجهٌ في الأعظمية حلوٌ
لو رأتهُ تغار منه السماءُ؟
وحيث كان الكثير من الحاضرين مدركين تماماً لما يقوله شاعرهم الأثير، وعمن يتحدث، فقد تناهت إلى مسامع الرئيس العراقي آنذاك، أحمد حسن البكر، أصداء تلك العلاقة المجهَضة التي جمعت بين العاشق الدمشقي ومعشوقته العراقية، مع كل ما تحمله من دلالات وأبعاد قومية وسياسية بالغة، فأوفد إلى أبيها كلاً من وزير الشباب العراقي شفيق الكمالي، ووكيل وزارة الخارجية شاذل طاقة، وكلاهما شاعران مرموقان، ليخطباها باسمه الشخصي لنزار قباني.
وحيث لم يكن أمام الأب جميل الراوي، مؤسس الحركة الكشفية في العراق، سوى الموافقة على اقتراح الموفديْن والنزول عند رغبة الرئيس، تمت مراسم الزفاف دون إبطاء. عاد الزوجان إثر ذلك إلى بيروت، التي اختار نزار الإقامة فيها، لأنها المدينة التي تشبه قصائده، وتتسع رغم ظروفها الصعبة، لأفكاره الجريئة وتعلقه المرَضي بالحرية.
وعلى امتداد ثلاثة عشر عاماً من الحياة المشتركة، تقاسم الشاعر الشهير، والزوجة التي تصغره بستة عشر عاماً، ألق المدينة ودمارها الكارثي، بقدر ما تقاسما مغامرة صعبة لم ينجحا في تجاوز أفخاخها إلا ببذل الكثير من الجهد والصبر والعناء.
وإذا لم يكن من المستغرب تبعاً لذلك، أن يتساءل الكثيرون عن الأسباب الفعلية التي وفرت لزواج بلقيس ونزار، سبل النجاح والاستمرار لثلاثة عشر عاماً متواصلة، قبل أن يطيح به انفجار السفارة العراقية الكارثي، مقابل الفشل الذريع لزواج الشاعر السابق، فإن مثل هذه التساؤلات لا تحتمل، على وجاهتها، إجابات قاطعة ويقينية. ليس فقط لأن كل فرد من البشر عالم قائم بذاته، وليس ثمة بالتالي من تماثل تام بين علاقتين، ولا لأن الكيمياء الشخصية تتفاوت، تجانساً وتنافراً، بين فردٍ وآخر، بل لأمر آخر إضافي أخفقت زهراء في اجتياز مطباته، في حين تلقته بلقيس برحابة نادرة، وقدرة هائلة على الصبر والمرونة، وأعني به: امتحان الغيرة المدمر.
ومع أن الزوجة المعتدة بكرامتها، كما بجمالها وذكائها اللماح، لم تكن بمنأى عن لسعة الغيرة التي تطال النساء المرتبطات برجال مشاهير، كما هو حال زوجها نزار، إلا أنها عملت كل ما بوسعها لكبح جماح تلك الغيرة وإبقائها تحت السيطرة، باذلة كل جهدها لتجنب الوقوع في المطب نفسه الذي وقعت فيه زوجة الشاعر الأولى.
ولعل قباني يقصد هذه النقطة بالذات في قصيدته المعروفة «أشهد أن لا امرأة إلا أنت»، التي كتبها لبلقيس في عيد زواجهما العاشر، كما تشير بعض الدلائل، من مثل «أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنتِ واحتملتْ حماقتي عشرة أعوامٍ كما احتملتِ واصطبرتْ على جنوني مثلما اصطبرتِ».
لكن ذلك الزواج الناجح الذي صمد أمام الكثير من العوائق والملابسات والأنواء، لم يستطع الصمود أمام ضربة القدر القاصمة التي شاءت للزوجة الاستثنائية، وأم عمر وزينب، أن تقضي نحبها بشكل مأساوي تحت ركام الانفجار المروع الذي ضرب السفارة العراقية في بيروت، حيث كانت تعمل لسنوات.
واللافت في الأمر أن بلقيس لم تكف عن مفاجأة شاعرها المكلوم، في الموت كما في الحياة، حيث أبلغه ياسر عرفات آنذاك، بأن زوجته الراحلة لم تتوان عن القدوم إلى الأردن عام 1968، أي قبل زواجها بعام واحد، لتتلقى تدريبات مكثفة على القتال، ولتضع نفسها مع بعض رفيقاتها العراقيات في تصرف الثورة الفلسطينية. وكما رأى نزار في الشعر الصخرة التي عصمته من التصدع والقنوط، إثر الرحيل المدوي لابنه توفيق في أوائل السبعينات، فقد استعان بالصخرة نفسها مرة أخرى، موكِلاً كل ما تجيش به نفسه من سخط على القتلة المجرمين، وحزن على الزوجة المغدورة، إلى قصيدته «بلقيس» ذات النفس الملحمي والنبرة الشبيهة بالمزامير، وهاتفاً من أعماقه المطحونة:
بلقيسُ تذبحني التفاصيلُ الصغيرة
في علاقتنا
وتجلِدُني الدقائق والثواني
فلكل دبوسٍ صغيرٍ قصة
ولكل عقدٍ من عقودكِ قصتانِ
حتى ملاقطُ شَعرك الذهبي
تغمرني كعادتها
بأمطار الحنانِ
بلقيسُ يا بلقيسُ
لو تدرينَ ما وجع المكانِ
في كل ركنٍ أنت حائمة كعصفورٍ،
وعابقة كغابة بيلسانِ


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«حزب الله»: حقّقنا «النصر» على إسرائيل

TT

«حزب الله»: حقّقنا «النصر» على إسرائيل

مواطنون يحملون أعلام «حزب الله» أثناء مرورهم بمبان مدمرة عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
مواطنون يحملون أعلام «حزب الله» أثناء مرورهم بمبان مدمرة عند مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

اعتبر «حزب الله»، اليوم (الأربعاء)، أنه حقّق «النصر» على إسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وعودة آلاف النازحين إلى بلداتهم وقراهم، لا سيما في جنوب لبنان.

وأورد بيان للحزب متوجهاً فيه إلى جمهوره «كان النصر من الله تعالى حليف القضيّة الحقّة التي احتضنتموها وحملتموها عائدين إلى قراكم وبيوتكم بشموخ وعنفوان»، مؤكداً في الوقت نفسه أن مقاتليه «سيبقون على أتم الجهوزيّة للتعامل مع أطماع العدو الإسرائيلي واعتداءاته، وأن أعينهم ستبقى تتابع تحركات وانسحابات قوّات العدو إلى ما خلف الحدود».

ومع دخول وقف إطلاق النار حيِّز التنفيذ، بدأ أهالي الجنوب والبقاع العودة إلى قراهم. وشهدت الطرق المؤدية إلى هاتين المنطقتين مواكب للسيارات التي تنقل العائلات.

وتوجهت مئات السيارات نحو الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، مع انعدام حركة الطيران الحربي والمُسيَّرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، رغم تحذير الجيش الإسرائيلي النازحين من العودة إلى مناطقهم.

وأعلن الجيش اللبناني، اليوم، أنه بدأ نقل وحدات عسكرية إلى قطاع جنوب الليطاني، ليباشر تعزيز انتشاره في القطاع، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي بدأ سريانه منذ ساعات.

وقال الجيش في بيان إن ذلك يأتي «استناداً إلى التزام الحكومة اللبنانية بتنفيذ القرار (1701) الصادر عن مجلس الأمن بمندرجاته كافة، والالتزامات ذات الصلة، لا سيما ما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني».

وأضاف أن الوحدات العسكرية المعنية «تجري عملية انتقال من عدة مناطق إلى قطاع جنوب الليطاني؛ حيث ستتمركز في المواقع المحددة لها».

وأقرت الحكومة اللبنانية «الصيغة الإجرائية» لاتفاق وقف النار بين إسرائيل و«حزب الله»، الذي دخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء، فيما حض رئيس البرلمان، نبيه بري، النازحين على العودة إلى منازلهم «حتى لو كانت الإقامة فوق ركام المنازل»، عادّاً أن الحرب مع إسرائيل مثّلت «مرحلة تاريخية كانت الأخطر» التي يمر بها لبنان، وذلك بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» حيز التنفيذ.

واجتمعت الحكومة صباحاً، حيث أعلن رئيسها نجيب ميقاتي أنها أكدت مجدداً «التزام الحكومة اللبنانيّة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (1701) بتاريخ 11 أغسطس (آب) 2006 بمُندرجاته كافّة، لا سيّما ما يتعلّق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني؛ وفقاً للترتيبات المُرفقة ربطاً، التي صدرت بالأمس ببيان مشترك عن الولايات المُتحدة الأميركية وفرنسا، والتي تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذا القرار، بعد أن أخذ المجلس علماً بها ووافق على مضمونها، كما استناداً إلى خطة عمليات تضعها قيادة الجيش وترفعها وفقاً للأصول إلى مجلس الوزراء للموافقة عليها قبل المُباشرة بتنفيذها».

من جانبه، دعا رئيس مجلس النواب اللبناني النازحين؛ جراء الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان، إلى العودة إلى مناطقهم مع بدء سريان وقف إطلاق النار. وتوجّه بري، الذي تولّى التفاوض خلال مباحثات وقف إطلاق النار، إلى النازحين بالقول في كلمة مُتَلفزة: «أدعوكم للعودة إلى مسقط رؤوسكم الشامخة (...)، عودوا إلى أرضكم التي لا يمكن أن تزداد شموخاً ومنعة إلا بحضوركم وعودتكم إليها»، داعياً كذلك إلى «الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية»، بعد عامين من شغور المنصب.

كما أكد رئيس البرلمان اللبناني زعيم حركة «أمل» أن «لبنان تمكّن من إحباط مفاعيل العدوان الإسرائيلي». وقال إن «الحرب أظهرت وجه لبنان الحقيقي في التلاحم والوحدة الوطنية».