فوضى دوري الأبطال تثبت أن كرة القدم تديرها سلطات معادية للجماهير

هل الإهانات التي تعرَّض لها المشجعون كانت لعدم الكفاءة أم لشيء أكثر شراً؟

فوضى دوري الأبطال: طوابير طويلة ومنع المشجعين من الدخول وانعدام الإشراف والأمن (أ.ب)
فوضى دوري الأبطال: طوابير طويلة ومنع المشجعين من الدخول وانعدام الإشراف والأمن (أ.ب)
TT

فوضى دوري الأبطال تثبت أن كرة القدم تديرها سلطات معادية للجماهير

فوضى دوري الأبطال: طوابير طويلة ومنع المشجعين من الدخول وانعدام الإشراف والأمن (أ.ب)
فوضى دوري الأبطال: طوابير طويلة ومنع المشجعين من الدخول وانعدام الإشراف والأمن (أ.ب)

في بعض الأحيان قد تنقل الصور الثابتة المشهد بشكل أفضل من مقاطع الفيديو، وهذا هو ما حدث فيما يتعلق بالفوضى التي سبقت إقامة المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا بين ريال مدريد وليفربول في العاصمة الفرنسية باريس. فلو بنى المرء انطباعه عن المشاهد المخجلة التي حدثت في باريس بناء على اللقطات المتحركة المهتزة وحدها، فمن المحتمل أن يستنتج أن الأمور كانت فوضوية وغير قانونية: شبان يتسلقون الأسوار الشائكة، وبوابات تتحطم، واستخدام متواصل للغاز المسيل للدموع والهراوات.
لكن الإحساس الغامر الذي نقله آلاف المشجعين المحتشدين خارج استاد كان يتسم بـ«الركود»: الإحباط الناجم عن عدم تحرك أي شيء، فلا شيء يتغير ولا شيء يحدث، رغم الانتظار بصبر ساعة بعد ساعة، كما لو كان المرء يقف في طابور للحصول على الخبز!
لقد تم توثيق الإهانات والمضايقات المتنوعة التي تعرض لها المشجعون في نهائي دوري أبطال أوروبا -طوابير طويلة، ومنع المشجعين من الدخول، وانعدام الإشراف والأمن، ووحشية الشرطة- بشكل جيد خلال الأيام اللاحقة.
لكن الشيء الذي نريد معرفته حقاً هو السبب وراء حدوث كل هذا! ولماذا سمح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والسلطات الفرنسية بحدوث هذه الأمور الكارثية خلال هذه المناسبة الرائعة التي ينتظرها عشاق كرة القدم في كل مكان في العالم؟ وهل ما حدث كان ناجماً عن عدم الكفاءة البيروقراطية؟ أم أن هناك شيئاً آخر أكثر شراً؟
ربما كان العنصر الأكثر إرباكاً في المشكلة يوم المباراة هو عشوائيتها. لقد اعتقد مشجعو ليفربول على الفور أن ما يحدث معهم هو نوع من الثأر منهم؛ لكن الحقيقة هي أن مشجعي ريال مدريد أيضاً قد عانوا من حالة من الفوضى الشديدة، واشتكى عدد من كبار الشخصيات وضيوف الشركات من وقوفهم لفترات طويلة في طوابير بشكل لا يطاق، ومن تعرضهم لمعاملة قاسية. وقال وزير الرياضة الإسباني إنه اضطر إلى الانتظار لمدة ساعة كاملة للدخول إلى الملعب. وحتى المعلق جيم بيغلين قال إنه تعرض للسطو خارج ملعب فرنسا من قبل العصابات المسلحة.
في الحقيقة، لا يُقدم أي من النماذج التقليدية لإدارة كرة القدم تفسيراً مُرضياً لأي من هذا. لقد قيل لنا لسنوات إن كرة القدم قد باعت روحها من أجل تحقيق الأرباح المالية، وإن المشجعين قد تحولوا إلى عملاء، وإن الرياضة نفسها تُدار كعمل تجاري، وإن اليورو هو الملك وهو المتحكم في كل شيء. لقد تم بيع تذاكر المباراة النهائية بمبلغ يصل إلى 600 جنيه إسترليني.
ففي أي نسخة للرأسمالية الاستهلاكية يتم التعامل مع العملاء المتميزين مثل الحيوانات؟ وما هي مبررات إطلاق الغاز المسيل للدموع على الأطفال؟
إن ما حدث في باريس، من بين أمور أخرى، يجب أن يجعلنا نعيد تقييم ما نعتقد أننا نعرفه حول الكيفية التي تدار بها كرة القدم!
في الواقع، تتمثل واحدة من أكبر المغالطات في كرة القدم الحديثة، في أنها تخضع بشكل خالص لقوى السوق؛ لأن اللعبة لم تكن أبداً سوقاً حرة بالمعنى الحقيقي للكلمة: فالمشجعون ليسوا مستهلكين متمكنين؛ لكنهم عبارة عن أدوات يتم التحكم فيها، وبمرور الوقت أصبحت العلاقة تعكس بشكل متزايد تلك الديناميكية: طبقة حاكمة صغيرة غير خاضعة للمساءلة ومهووسة ليس فقط بالربح ولكن بالسلطة، ليس فقط بكسب الأموال ولكن أيضاً بالاستغلال! لقد كتب عالم الاجتماع روبرت ميشيلز في عام 1911: «من يتحدث عن المنظمة، يتحدث عن الأوليغارشية». لقد افترض ميشيلز أن جميع المنظمات المعقدة -مهما كانت أصولها ديمقراطية- تميل حتماً نحو عدم الكفاءة والاستبداد وحكم الأقلية. إن رافعات القوة تُولِّد دائماً فرصاً لتعزيز تلك القوة، كما أن أصحاب الثروات يبنون أولوياتهم بشكل متزايد حول حماية تلك الثروات.
وأود هنا أن أذكِّركم بشيء، وهو أن كرة القدم لم تكن تتحول إلى مدينة فاضلة استهلاكية خلال الثلاثين عاماً الماضية كما قد يتصور البعض؛ لكنها تحولت إلى حكم أقلية يستحوذ على الأشخاص الذين يحكمهم ويسخر منهم ويعاديهم بالفطرة. وأصبح من الممكن أن يتم التلاعب بالقواعد والقوانين وتخريبها، وإلقاء المسؤولية على المشجعين والجمهور العادي، وخير مثل على ذلك أن السلطات خرجت مسرعة ومن دون أي دراسة للموقف، لتعلن أن وصول عدد من المشجعين من دون تذاكر هو المسؤول عن المشكلة، وهو ما يُظهر وجود محاولات منهجية لتصوير المشجعين على أنهم رعاع مخرّبون.
إن فكرة أن المشجعين المعاصرين -وحتى المشجعين الأثرياء، وحتى جيم بيغلين- يمكنهم بطريقة ما شراء حصة في اللعبة عبر تذاكرهم الموسمية، اتضح أنها وهم وخيال؛ حيث اتضح أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لم يكن بحاجة إلى أي من هؤلاء المشجعين؛ لكنه كان بحاجة إلى المغنية الأميركية كاميلا كابيلو، لكي تشعل حفل نهائي دوري أبطال أوروبا أمام كاميرات التلفزيون التي تبث هذا الحدث إلى الجمهور في جميع أنحاء العالم! وعلى الرغم من أهمية الجماهير الكبيرة التي كانت أمام بوابات الملعب، فلم يتم التعامل معها على أنها مشاركة في هذا الحدث أو حتى مجموعة من العملاء؛ لكن تم التعامل معها على أنها تهديد محتمل!
لكن ميشيلز الذي انضم لاحقاً إلى حزب بينيتو موسوليني الفاشي، قدم لنا بصيصاً من الأمل، وأول مصادر هذا الأمل هو أن «الأوليغارشية» (حكم الأقلية) هي بطبيعتها عدوانية، وستتنافس بضراوة بعضها مع بعض.
قد يكون صراع القوى بين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والاتحاد الدولي لكرة القدم والأندية الكبرى، مصدر كثير من الخلل الوظيفي في كرة القدم؛ لكن خلاصة القول هي أن الملايين من الناس يحتاجون إلى كرة القدم في حياتهم، بقدر ما يحتاجون إلى الطعام والماء، وما دام هذا الطلب موجوداً ومُلحاً، فإن أولئك الذين يتحكمون في العرض سيستمرون في الضغط.
ولذا، رأينا المشاهد التي حدثت في نهائي دوري الأبطال: أقيمت المباراة الأهم في عالم كرة القدم على مستوى الأندية على مسافة قريبة من واحد من أفقر أحياء باريس، بينما يصطف آلاف من الرجال والنساء والأطفال لساعات في الخارج.
إنهم يعانون من الإجهاد والتوتر خارج البوابات، ويختنقون من الغازات التي تطلق عليهم، وبعضهم يشتم ويصرخ، والبعض الآخر يشعر باليأس والإحباط في صمت؛ لكنهم جميعاً يتوسلون للسماح لهم بالدخول لمشاهدة اللعبة التي يعشقونها.


مقالات ذات صلة

«العدل الأوروبية» تبت الجمعة في قضية ديارا ضد الـ«فيفا»

رياضة عالمية المحكمة الأوروبية ستبت رسمياً في قضية اللاعب الفرنسي ضد الـ«فيفا» (الشرق الأوسط)

«العدل الأوروبية» تبت الجمعة في قضية ديارا ضد الـ«فيفا»

تبت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، غداً الجمعة، في قضية لاعب فرنسا السابق لاسانا ديارا ضد الاتحاد الدولي لكرة القدم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية لاسانا ديارا (الشرق الأوسط)

نظام انتقال اللاعبين يترقب البت في قضية ديارا ضد «فيفا»

سيكون نظام انتقال لاعبي كرة القدم في دائرة الضوء وقد يكون على شفا الانهيار بعد غد الجمعة عندما تصدر محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي قرارها في قضية ديارا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية لاعبو بورتو متحفزون لمواجهة يونايتد وتعويض خسارة الجولة الاولى (ا ب ا)

يونايتد وتن هاغ للخروج من النفق المظلم أمام بورتو

تقارير بريطانية ترشح ساوثغيت والإيطالي أليغري لخلافة تن هاغ حال فشله في الفوز على بورتو

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية هافيرتز مهاجم أسنال يحتفل بتسجيل هدف فريقه الاول في مرمى سان جيرمان (اب)

الانتصارات العريضة للفرق الكبيرة تعكس الفوارق وتشكك في قوة المسابقة بشكلها الجديد

عندما لجأ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) إلى تعديل دوري الأبطال وتوسيع المسابقة بشكلها الجديد من مجموعة واحدة تضم 36 فريقاً يلعب كل منها 8 مباريات....

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية هالاند سيحمل شارة قيادة المنتخب النرويجي في ظل عدم جاهزية أوديغارد بداعي الإصابة (رويترز)

الاتحاد النرويجي: أوديغارد بعيداً عن الجاهزية... وهالاند سيقود المنتخب

لا يزال قائد آرسنال الإنجليزي ومنتخب النرويج، مارتن أوديغارد، «بعيداً عن الجاهزية»، من أجل معاودة اللعب بعد تعرّضه لإصابة في كاحله، الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (اوسلو)

بطولة إيطاليا: إنتر للنهوض من كبوة الديربي... ويوفنتوس للعودة إلى سكة الانتصارات

لاعبو ميلان وفرحة تخطي الجار اللدود إنتر (أ.ب)
لاعبو ميلان وفرحة تخطي الجار اللدود إنتر (أ.ب)
TT

بطولة إيطاليا: إنتر للنهوض من كبوة الديربي... ويوفنتوس للعودة إلى سكة الانتصارات

لاعبو ميلان وفرحة تخطي الجار اللدود إنتر (أ.ب)
لاعبو ميلان وفرحة تخطي الجار اللدود إنتر (أ.ب)

يسعى إنتر حامل اللقب إلى النهوض من كبوة الديربي وخسارته، الأحد الماضي، أمام جاره اللدود ميلان، وذلك حين يخوض (السبت) اختباراً صعباً آخر خارج الديار أمام أودينيزي، في المرحلة السادسة من الدوري الإيطالي لكرة القدم. وتلقى فريق المدرب سيموني إينزاغي هزيمته الأولى هذا الموسم بسقوطه على يد جاره 1-2، بعد أيام معدودة على فرضه التعادل السلبي على مضيفه مانشستر سيتي الإنجليزي في مستهل مشواره في دوري أبطال أوروبا.

ويجد إنتر نفسه في المركز السادس بثماني نقاط، وبفارق ثلاث عن تورينو المتصدر قبل أن يحل ضيفاً على أودينيزي الذي يتقدمه في الترتيب، حيث يحتل المركز الثالث بعشر نقاط بعد فوزه بثلاث من مبارياته الخمس الأولى، إضافة إلى بلوغه الدور الثالث من مسابقة الكأس الخميس بفوزه على ساليرنيتانا 3-1. ويفتقد إنتر في مواجهته الصعبة بأوديني خدمات لاعب مؤثر جداً، هو لاعب الوسط نيكولو باريلا، بعد تعرّضه لإصابة في الفخذ خلال ديربي ميلانو، وفق ما قال بطل الدوري، الثلاثاء.

وأفاد إنتر بأنّ لاعب وسط منتخب إيطاليا تعرّض لتمزق عضلي في فخذه اليمنى، مضيفاً أنّ «حالته ستقيّم من جديد الأسبوع المقبل». وذكر تقرير إعلامي إيطالي أنّ باريلا (27 عاماً) سيغيب إلى ما بعد النافذة الدولية المقررة الشهر المقبل، ما يعني غيابه أيضاً عن المباراتين أمام النجم الأحمر الصربي (الثلاثاء) في دوري أبطال أوروبا، وتورينو متصدر ترتيب الدوري.

«كانوا أفضل منا»

وأوضحت صحيفة «غازيتا ديلو سبورت»، التي تتخذ من ميلانو مقراً لها، أن إينزاغي حاول تخفيف عبء الخسارة التي تلقاها فريقه في الديربي بهدف الدقيقة 89 لماتيو غابيا، بمنح لاعبيه فرصة التقاط أنفاسهم من دون تمارين الاثنين، على أمل أن يستعيدوا عافيتهم لمباراة أودينيزي الساعي إلى الثأر من إنتر، بعدما خسر أمامه في المواجهات الثلاث الأخيرة، ولم يفز عليه سوى مرة واحدة في آخر 12 لقاء. وأقر إينزاغي بعد خسارة الدربي بأنهم «كانوا أفضل منا. لم نلعب كفريق، وهذا أمر لا يمكن أن تقوله عنا عادة».

ولا يبدو وضع يوفنتوس أفضل بكثير من إنتر؛ إذ، وبعد فوزه بمباراتيه الأوليين بنتيجة واحدة (3 - 0)، اكتفى «السيدة العجوز» ومدربه الجديد تياغو موتا بثلاثة تعادلات سلبية، وبالتالي يسعى إلى العودة إلى سكة الانتصارات حين يحل (السبت) ضيفاً على جنوا القابع في المركز السادس عشر بانتصار وحيد. ويأمل يوفنتوس أن يتحضر بأفضل طريقة لرحلته إلى ألمانيا الأربعاء حيث يتواجه مع لايبزيغ الألماني في مباراته الثانية بدوري الأبطال، على أمل البناء على نتيجته في الجولة الأولى، حين تغلب على ضيفه أيندهوفن الهولندي 3-1. ويجد يوفنتوس نفسه في وضع غير مألوف، لأن جاره اللدود تورينو يتصدر الترتيب في مشهد نادر بعدما جمع 11 نقطة في المراحل الخمس الأولى قبل استضافته (الأحد) للاتسيو الذي يتخلف عن تورينو بفارق 4 نقاط.

لاعبو إنتر بعد الهزيمة أمام ميلان (رويترز)

من جهته، يأمل ميلان ومدربه الجديد البرتغالي باولو فونسيكا الاستفادة من معنويات الديربي لتحقيق الانتصار الثالث، وذلك حين يفتتح ميلان المرحلة (الجمعة) على أرضه ضد ليتشي السابع عشر، قبل رحلته الشاقة جداً إلى ألمانيا حيث يتواجه (الثلاثاء) مع باير ليفركوزن في دوري الأبطال الذي بدأه بالسقوط على أرضه أمام ليفربول الإنجليزي 1-3. وبعد الفوز على إنتر، كان فونسيكا سعيداً بما شاهده قائلاً: «لعبنا بكثير من الشجاعة، وأعتقد أننا نستحق الفوز. لا يمكنني أن أتذكر أي فريق آخر تسبب لإنتر بكثير من المتاعب كما فعلنا نحن».

ويسعى نابولي إلى مواصلة بدايته الجيدة مع مدربه الجديد، أنطونيو كونتي، وتحقيق فوزه الرابع هذا الموسم حين يلعب (الأحد) على أرضه أمام مونتسا قبل الأخير، على أمل تعثر تورينو من أجل إزاحته عن الصدارة. وفي مباراة بين فريقين كانا من المنافسين البارزين الموسم الماضي، يلتقي بولونيا مع ضيفه أتالانتا وهما في المركزين الثالث عشر والثاني عشر على التوالي بعد اكتفاء الأول بفوز واحد وتلقي الثاني ثلاث هزائم. وبعدما بدأ مشواره خليفة لدانييلي دي روسي بفوز كبير على أودينيزي 3-0، يأمل المدرب الكرواتي إيفان يوريتش منح روما انتصاره الثاني هذا الموسم (الأحد) على حساب فينيتسيا.