في يوم البيئة العالمي 2022... كيف نحفظ الأرض التي لا نملك سواها؟

كتابات فنية على رمل أحد شواطئ مومباي في يوم البيئة العالمي (أ.ب)
كتابات فنية على رمل أحد شواطئ مومباي في يوم البيئة العالمي (أ.ب)
TT

في يوم البيئة العالمي 2022... كيف نحفظ الأرض التي لا نملك سواها؟

كتابات فنية على رمل أحد شواطئ مومباي في يوم البيئة العالمي (أ.ب)
كتابات فنية على رمل أحد شواطئ مومباي في يوم البيئة العالمي (أ.ب)


تُمثّل سنة 1972 نقطة تحوّل في تاريخ العمل البيئي الدولي، بانعقاد مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية خلال الفترة من 5 إلى 16 يونيو (حزيران). ونتجت عن المؤتمر صياغة رؤية أساسية مشتركة حول كيفية مواجهة تحدي الحفاظ على البيئة وتعزيزها. وهو يُعدّ أول مؤتمر ترعاه الأمم المتحدة وتَرِد كلمة «بيئة» في عنوانه. كما شهد بداية الحوار بين الدول الصناعية والدول النامية حول الصلة بين النمو الاقتصادي وتلوث الهواء والماء ورفاهة الناس في جميع أنحاء العالم.
وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً باعتبار 5 يونيو من كل سنة يوماً عالمياً للبيئة، تقوم فيه الحكومات والمنظمات بنشاطات تؤكد من خلالها حرصها على حماية البيئة وزيادة الوعي البيئي. كما اعتمدت الجمعية قراراً آخر كان من نتائجه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب).
«لا نملك سوى أرض واحدة» كان شعار مؤتمر استوكهولم قبل 50 سنة، واليوم تستضيف السويد مؤتمر «استوكهولم +50» وفعاليات يوم البيئة العالمي تحت الشعار ذاته. وسيوفّر اجتماع استوكهولم فرصة للمجتمع الدولي لتعزيز التعاون وإظهار الريادة في التحوُّل نحو مجتمع أكثر استدامة.
ويُعتبر يوم البيئة العالمي منصة حيوية لتعزيز التقدم في الأبعاد البيئية لأهداف التنمية، ويُحتفل به في هذا اليوم سنوياً منذ عام 1974، وتشارك بفعالياته أكثر من 150 دولة. كما تتبنى المؤسسات التجارية الكبرى والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية والحكومات والمشاهير من جميع أنحاء العالم، الوسم المستخدم في يوم البيئة العالمي لدعم القضايا البيئية.
وفي المنطقة العربية، كانت بيروت قد استضافت فعاليات يوم البيئة العالمي في 2003 تحت شعار «الماء، مليارا إنسان يموتون لأجله»، كما استضافت الجزائر العاصمة فعاليات يوم البيئة العالمي في 2006 تحت شعار «الصحاري والتصحُّر، لا تهجروا الأراضي القاحلة».
- تحديّات وجودية للإنسان والكوكب
يمثّل اختيار شعار «لا نملك سوى أرض واحدة» من جديد تأكيداً على أن الكوكب الذي نعيش عليه لا يزال هو الموطن الوحيد المتوفّر للبشر، لذا تتحتّم عليهم حماية موارده المحدودة لضمان بقائهم واستمرارهم. وتواجه الأرض ثلاث حالات طوارئ كوكبية، هي: الاحترار العالمي على نحو متسارع بحيث يتعذّر على الناس والطبيعة التكيُّف معه، وفقدان الموائل والضغوط الأخرى على الكائنات الحيّة مما يهدد مليون نوع بالانقراض، واستمرار التلوث في تسميم الهواء والماء والتربة.
وتشير الأحداث التي يشهدها العالم منذ سنوات إلى جسامة المخاطر التي تحيط بالبشر نتيجة إخلالهم بالنُّظم البيئية. فالظروف المناخية القاسية أودت بحياة الآلاف، وتسببت في حالات جفاف واسعة وحرائق هائلة، قضت على أجزاء من الغابات المدارية المطرية، وألحقت ضرراً بمصادر دخل كثيرين. كما أظهرت جائحة «كوفيد-19» بصورة مؤلمة مدى الترابط بين البشر والتنوُّع الحيوي، وأكّدت على ضرورة النظر من جديد في علاقتنا بالأحياء والنُّظم البيئية.
ولا تستطيع النُّظم البيئية مواكبة نمط الاستهلاك الحالي للبشر الذي يتطلب موارد تعادل نحو 1.6 مرة مما يقدمه كوكب الأرض، مما يوجب تبديل أنماط الاستهلاك.
ويخلص تقرير «استعادة النظام البيئي من أجل الناس والطبيعة والمناخ» الذي صدر عن «يونيب» في منتصف 2021، إلى أن الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية يؤدي إلى تقويض مكاسب التنمية التي تحققت بشقّ الأنفس، ويهدد رفاهية الأجيال القادمة.
وإلى جانب ترشيد أنماط الاستهلاك، تُمثّل استعادة النظام البيئي واحدة من أهم طُرق المعالجة القائمة على الطبيعة لمشكلات انعدام الأمن الغذائي، وتخفيف تغيُّر المناخ والتكيُّف معه، وفقدان التنوُّع الحيوي. وهي تتطلب إجراء تغييرات عميقة في كل شيء، بدءاً بالطريقة التي نقيس بها التقدم الاقتصادي إلى كيفية زراعة المحاصيل وماذا نأكل.
ولا تساهم أنماط الحياة المستدامة في استعادة النُّظم البيئية فحسب؛ بل تقلّل أيضاً من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن النشاط البشري بنحو 40 إلى 70 في المائة بحلول 2050. ويمكن أن يدفع الاستهلاك والإنتاج المستدامان التنمية الاقتصادية، كما يخففان من تغيُّر المناخ ويؤثران بشكل إيجابي على الصحة العامة.
وتؤكد تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، على ضيق الوقت المتاح لتحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ، بإبقاء زيادة الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية مقارنة بحرارة الكوكب قبل بدء الثورة الصناعية. ذلك أن التعهدات المناخية الوطنية الحالية ما زالت تضع العالم على المسار المؤدي لارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.7 درجة مئوية بنهاية هذا القرن.
ويُظهر تقرير «فجوة الانبعاثات لعام 2021» أن العديد من خطط المناخ الوطنية تؤخر العمل إلى ما بعد عام 2030. وبينما يستوجب تحقيق هدف باريس المناخي خفض الانبعاثات بنحو 55 في المائة مما هو متوقع في 2030، فإن المساهمات المحددة وطنياً تلحظ خفضاً مقداره 7.5 في المائة فقط.
وتتسبب أزمة المناخ في أحداث جوّية قاسية تقتل أو تشرد الآلاف، وتؤدي إلى خسائر اقتصادية بتريليونات الدولارات. في المقابل، يمكن أن توفر الاستثمارات في الطاقة المتجددة عوائد اقتصادية مرتفعة، وهي خطوة مهمة على طريق إزالة الكربون على مستوى الاقتصاد، لا سيما أنها جاذبة للاستثمارات من القطاع الخاص.
وترتبط خسائر الاقتصاد العالمي أيضاً بفقدان الموائل وتراجع التنوُّع الحيوي، وهي تؤثر على رفاهية 3.2 مليار شخص، أو 40 في المائة من سكان العالم. ومنذ عام 1700، شهد كوكب الأرض تدهور ثلث أراضيه الزراعية، واختفاء نحو 87 في المائة من أراضيه الرطبة الداخلية.
وتحذّر الأمم المتحدة من أن عدم الكفاءة في إنتاج الغذاء العالمي هو السبب الجذري للارتفاع الهائل في الجوع، وهو مسؤول عن ثلث الانبعاثات الناتجة عن النشاط البشري، وعن 80 في المائة من فقدان التنوُّع الحيوي. كما يؤدي التلوث البحري بالنفايات البلاستيكية إلى إلحاق أضرار كبيرة بمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وقطاع السياحة، وتبلغ الكلفة الاقتصادية العالمية لهذا التلوث ما بين 6 و19 مليار دولار وفقاً لمعطيات سنة 2018.
أما أكبر خطر بيئي على الصحة العامة، فهو تلوث الهواء الذي يتسبب في نحو 7 ملايين حالة وفاة مبكرة كل سنة، ويزيد هذا الرقم عن مجموع الوفيات الناتجة عن جائحة «كوفيد-19» منذ ظهورها إلى الآن. وتشير تقارير «يونيب» التي صدرت خلال العام الماضي، إلى أن 57 في المائة من البلدان ليس لديها تعريف قانوني لتلوث الهواء، رغم تعرض 92 في المائة من البشر لتلوث هواء يتجاوز إرشادات منظمة الصحة العالمية.
- مقاربات تحمي البيئة بتكاليف معقولة
تتطلب مواجهة هذه التحديات الوجودية إجراءات عاجلة يشارك فيها الجميع، الناس والشركات والحكومات. الشخص العادي يملك دائماً القدرة على التغيير، وبعض التغييرات البسيطة يمكنها أن تحقق نتائج باهرة. ومن ذلك مثلاً تطبيق شعار «تقليل الاستهلاك والتدوير وإعادة الاستخدام» في دورة حياة المنتجات وإنقاص النفايات. ويمكن للأفراد أيضاً المساهمة في الحفاظ على صحة الكوكب، من خلال الترشيد في استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية وتبنّي أنماط معيشة أكثر استدامة.
وتساعد مبادرات القطاع الخاص المدعومة بسياسات حكومية متطورة في تسريع التغيير الذي نحتاجه. وتؤكد الدراسات على وجود علاقة مباشرة بين ممارسات الأعمال المستدامة ومؤشرات الأداء وأسعار الأسهم، ولذلك فإن الإدارة البيئية الاجتماعية للشركات ليست مجرد أسلوب عمل؛ بل هي ضرورة حتمية لتحقيق الأرباح.
إن نهج الاقتصاد الدائري الذي يرشّد استهلاك الموارد ويقلّل إنتاج الانبعاثات والمنصرفات والمخلّفات، وكذلك نهج الاقتصاد الحيوي الذي يعتمد على الموارد الطبيعية المتجددة لإنتاج الغذاء والطاقة والسلع والخدمات، يساعدان في خفض الانبعاثات الكربونية، ويعيدان تدويرها ضمن سلاسل الإنتاج والتوريد. وهما يمثّلان خياراً تحويلياً جيداً للحكومات نحو الاستدامة، باعتبارهما متاحين بكلفة ميسورة.
وبينما يُعتبر دور الحكومات كصانع للسياسات أمراً حاسماً في سياق الحفاظ على البيئة والحدّ من مخاطر تدهورها، فإن هذه السياسات تعتمد في المقام الأول على دعم المواطنين ومدى رغبتهم في العيش بظروف أفضل لا تصادر موارد الأجيال القادمة.
وتثبت أحداث مثل «يوم البيئة العالمي» و«يوم الأرض» أهمية التوعية في الحثّ على منع التلوث وحماية الموارد، من خلال تثقيف الأفراد كخطوة استباقية، بدل البحث عن حلول للمعالجة.
الأرض هي ما نشترك فيه جميعاً، ويستحيل المضي قدماً من دون تغيير، ولكن هذا التغيير يجب أن يكون إيجابياً في صالح الإنسان والطبيعة. ويمكن لكل شخص أن يساهم في الحفاظ على هذا الكوكب الفريد والجميل موطناً مريحاً للبشرية، ففي النهاية «لا نملك سوى أرض واحدة».


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.