في يوم البيئة العالمي 2022... كيف نحفظ الأرض التي لا نملك سواها؟

كتابات فنية على رمل أحد شواطئ مومباي في يوم البيئة العالمي (أ.ب)
كتابات فنية على رمل أحد شواطئ مومباي في يوم البيئة العالمي (أ.ب)
TT

في يوم البيئة العالمي 2022... كيف نحفظ الأرض التي لا نملك سواها؟

كتابات فنية على رمل أحد شواطئ مومباي في يوم البيئة العالمي (أ.ب)
كتابات فنية على رمل أحد شواطئ مومباي في يوم البيئة العالمي (أ.ب)


تُمثّل سنة 1972 نقطة تحوّل في تاريخ العمل البيئي الدولي، بانعقاد مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية خلال الفترة من 5 إلى 16 يونيو (حزيران). ونتجت عن المؤتمر صياغة رؤية أساسية مشتركة حول كيفية مواجهة تحدي الحفاظ على البيئة وتعزيزها. وهو يُعدّ أول مؤتمر ترعاه الأمم المتحدة وتَرِد كلمة «بيئة» في عنوانه. كما شهد بداية الحوار بين الدول الصناعية والدول النامية حول الصلة بين النمو الاقتصادي وتلوث الهواء والماء ورفاهة الناس في جميع أنحاء العالم.
وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً باعتبار 5 يونيو من كل سنة يوماً عالمياً للبيئة، تقوم فيه الحكومات والمنظمات بنشاطات تؤكد من خلالها حرصها على حماية البيئة وزيادة الوعي البيئي. كما اعتمدت الجمعية قراراً آخر كان من نتائجه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب).
«لا نملك سوى أرض واحدة» كان شعار مؤتمر استوكهولم قبل 50 سنة، واليوم تستضيف السويد مؤتمر «استوكهولم +50» وفعاليات يوم البيئة العالمي تحت الشعار ذاته. وسيوفّر اجتماع استوكهولم فرصة للمجتمع الدولي لتعزيز التعاون وإظهار الريادة في التحوُّل نحو مجتمع أكثر استدامة.
ويُعتبر يوم البيئة العالمي منصة حيوية لتعزيز التقدم في الأبعاد البيئية لأهداف التنمية، ويُحتفل به في هذا اليوم سنوياً منذ عام 1974، وتشارك بفعالياته أكثر من 150 دولة. كما تتبنى المؤسسات التجارية الكبرى والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية والحكومات والمشاهير من جميع أنحاء العالم، الوسم المستخدم في يوم البيئة العالمي لدعم القضايا البيئية.
وفي المنطقة العربية، كانت بيروت قد استضافت فعاليات يوم البيئة العالمي في 2003 تحت شعار «الماء، مليارا إنسان يموتون لأجله»، كما استضافت الجزائر العاصمة فعاليات يوم البيئة العالمي في 2006 تحت شعار «الصحاري والتصحُّر، لا تهجروا الأراضي القاحلة».
- تحديّات وجودية للإنسان والكوكب
يمثّل اختيار شعار «لا نملك سوى أرض واحدة» من جديد تأكيداً على أن الكوكب الذي نعيش عليه لا يزال هو الموطن الوحيد المتوفّر للبشر، لذا تتحتّم عليهم حماية موارده المحدودة لضمان بقائهم واستمرارهم. وتواجه الأرض ثلاث حالات طوارئ كوكبية، هي: الاحترار العالمي على نحو متسارع بحيث يتعذّر على الناس والطبيعة التكيُّف معه، وفقدان الموائل والضغوط الأخرى على الكائنات الحيّة مما يهدد مليون نوع بالانقراض، واستمرار التلوث في تسميم الهواء والماء والتربة.
وتشير الأحداث التي يشهدها العالم منذ سنوات إلى جسامة المخاطر التي تحيط بالبشر نتيجة إخلالهم بالنُّظم البيئية. فالظروف المناخية القاسية أودت بحياة الآلاف، وتسببت في حالات جفاف واسعة وحرائق هائلة، قضت على أجزاء من الغابات المدارية المطرية، وألحقت ضرراً بمصادر دخل كثيرين. كما أظهرت جائحة «كوفيد-19» بصورة مؤلمة مدى الترابط بين البشر والتنوُّع الحيوي، وأكّدت على ضرورة النظر من جديد في علاقتنا بالأحياء والنُّظم البيئية.
ولا تستطيع النُّظم البيئية مواكبة نمط الاستهلاك الحالي للبشر الذي يتطلب موارد تعادل نحو 1.6 مرة مما يقدمه كوكب الأرض، مما يوجب تبديل أنماط الاستهلاك.
ويخلص تقرير «استعادة النظام البيئي من أجل الناس والطبيعة والمناخ» الذي صدر عن «يونيب» في منتصف 2021، إلى أن الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية يؤدي إلى تقويض مكاسب التنمية التي تحققت بشقّ الأنفس، ويهدد رفاهية الأجيال القادمة.
وإلى جانب ترشيد أنماط الاستهلاك، تُمثّل استعادة النظام البيئي واحدة من أهم طُرق المعالجة القائمة على الطبيعة لمشكلات انعدام الأمن الغذائي، وتخفيف تغيُّر المناخ والتكيُّف معه، وفقدان التنوُّع الحيوي. وهي تتطلب إجراء تغييرات عميقة في كل شيء، بدءاً بالطريقة التي نقيس بها التقدم الاقتصادي إلى كيفية زراعة المحاصيل وماذا نأكل.
ولا تساهم أنماط الحياة المستدامة في استعادة النُّظم البيئية فحسب؛ بل تقلّل أيضاً من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن النشاط البشري بنحو 40 إلى 70 في المائة بحلول 2050. ويمكن أن يدفع الاستهلاك والإنتاج المستدامان التنمية الاقتصادية، كما يخففان من تغيُّر المناخ ويؤثران بشكل إيجابي على الصحة العامة.
وتؤكد تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، على ضيق الوقت المتاح لتحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ، بإبقاء زيادة الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية مقارنة بحرارة الكوكب قبل بدء الثورة الصناعية. ذلك أن التعهدات المناخية الوطنية الحالية ما زالت تضع العالم على المسار المؤدي لارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.7 درجة مئوية بنهاية هذا القرن.
ويُظهر تقرير «فجوة الانبعاثات لعام 2021» أن العديد من خطط المناخ الوطنية تؤخر العمل إلى ما بعد عام 2030. وبينما يستوجب تحقيق هدف باريس المناخي خفض الانبعاثات بنحو 55 في المائة مما هو متوقع في 2030، فإن المساهمات المحددة وطنياً تلحظ خفضاً مقداره 7.5 في المائة فقط.
وتتسبب أزمة المناخ في أحداث جوّية قاسية تقتل أو تشرد الآلاف، وتؤدي إلى خسائر اقتصادية بتريليونات الدولارات. في المقابل، يمكن أن توفر الاستثمارات في الطاقة المتجددة عوائد اقتصادية مرتفعة، وهي خطوة مهمة على طريق إزالة الكربون على مستوى الاقتصاد، لا سيما أنها جاذبة للاستثمارات من القطاع الخاص.
وترتبط خسائر الاقتصاد العالمي أيضاً بفقدان الموائل وتراجع التنوُّع الحيوي، وهي تؤثر على رفاهية 3.2 مليار شخص، أو 40 في المائة من سكان العالم. ومنذ عام 1700، شهد كوكب الأرض تدهور ثلث أراضيه الزراعية، واختفاء نحو 87 في المائة من أراضيه الرطبة الداخلية.
وتحذّر الأمم المتحدة من أن عدم الكفاءة في إنتاج الغذاء العالمي هو السبب الجذري للارتفاع الهائل في الجوع، وهو مسؤول عن ثلث الانبعاثات الناتجة عن النشاط البشري، وعن 80 في المائة من فقدان التنوُّع الحيوي. كما يؤدي التلوث البحري بالنفايات البلاستيكية إلى إلحاق أضرار كبيرة بمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وقطاع السياحة، وتبلغ الكلفة الاقتصادية العالمية لهذا التلوث ما بين 6 و19 مليار دولار وفقاً لمعطيات سنة 2018.
أما أكبر خطر بيئي على الصحة العامة، فهو تلوث الهواء الذي يتسبب في نحو 7 ملايين حالة وفاة مبكرة كل سنة، ويزيد هذا الرقم عن مجموع الوفيات الناتجة عن جائحة «كوفيد-19» منذ ظهورها إلى الآن. وتشير تقارير «يونيب» التي صدرت خلال العام الماضي، إلى أن 57 في المائة من البلدان ليس لديها تعريف قانوني لتلوث الهواء، رغم تعرض 92 في المائة من البشر لتلوث هواء يتجاوز إرشادات منظمة الصحة العالمية.
- مقاربات تحمي البيئة بتكاليف معقولة
تتطلب مواجهة هذه التحديات الوجودية إجراءات عاجلة يشارك فيها الجميع، الناس والشركات والحكومات. الشخص العادي يملك دائماً القدرة على التغيير، وبعض التغييرات البسيطة يمكنها أن تحقق نتائج باهرة. ومن ذلك مثلاً تطبيق شعار «تقليل الاستهلاك والتدوير وإعادة الاستخدام» في دورة حياة المنتجات وإنقاص النفايات. ويمكن للأفراد أيضاً المساهمة في الحفاظ على صحة الكوكب، من خلال الترشيد في استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية وتبنّي أنماط معيشة أكثر استدامة.
وتساعد مبادرات القطاع الخاص المدعومة بسياسات حكومية متطورة في تسريع التغيير الذي نحتاجه. وتؤكد الدراسات على وجود علاقة مباشرة بين ممارسات الأعمال المستدامة ومؤشرات الأداء وأسعار الأسهم، ولذلك فإن الإدارة البيئية الاجتماعية للشركات ليست مجرد أسلوب عمل؛ بل هي ضرورة حتمية لتحقيق الأرباح.
إن نهج الاقتصاد الدائري الذي يرشّد استهلاك الموارد ويقلّل إنتاج الانبعاثات والمنصرفات والمخلّفات، وكذلك نهج الاقتصاد الحيوي الذي يعتمد على الموارد الطبيعية المتجددة لإنتاج الغذاء والطاقة والسلع والخدمات، يساعدان في خفض الانبعاثات الكربونية، ويعيدان تدويرها ضمن سلاسل الإنتاج والتوريد. وهما يمثّلان خياراً تحويلياً جيداً للحكومات نحو الاستدامة، باعتبارهما متاحين بكلفة ميسورة.
وبينما يُعتبر دور الحكومات كصانع للسياسات أمراً حاسماً في سياق الحفاظ على البيئة والحدّ من مخاطر تدهورها، فإن هذه السياسات تعتمد في المقام الأول على دعم المواطنين ومدى رغبتهم في العيش بظروف أفضل لا تصادر موارد الأجيال القادمة.
وتثبت أحداث مثل «يوم البيئة العالمي» و«يوم الأرض» أهمية التوعية في الحثّ على منع التلوث وحماية الموارد، من خلال تثقيف الأفراد كخطوة استباقية، بدل البحث عن حلول للمعالجة.
الأرض هي ما نشترك فيه جميعاً، ويستحيل المضي قدماً من دون تغيير، ولكن هذا التغيير يجب أن يكون إيجابياً في صالح الإنسان والطبيعة. ويمكن لكل شخص أن يساهم في الحفاظ على هذا الكوكب الفريد والجميل موطناً مريحاً للبشرية، ففي النهاية «لا نملك سوى أرض واحدة».


مقالات ذات صلة

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
خاص قام أفراد المجتمع بزراعة أكثر من مليون شجيرة في متنزه ثادق السعودي لإصلاح الأراضي المتدهورة ومعالجة التصحر (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)

خاص ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

مع اقتراب انعقاد «كوب 16» يترقّب العالم خطوات حاسمة في معالجة أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض.

آيات نور (الرياض)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)
بيئة رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

تشير دراسة جديدة إلى أن موجات الحر قد تزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب في ضربات القلب، إلى ضعفين أو 3 أضعاف، لا سيما إذا لم يكن القلب بصحة جيدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
TT

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات ينبعث منها كميات من غاز الميثان أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يُثير القلق من أن أهداف المناخ العالمية أصبحت بعيدة المنال، وفق «رويترز».

وتحتوي الأراضي الرطبة على كميات هائلة من الكربون في صورة مواد نباتية ميتة، تتحلل ببطء من خلال الميكروبات الموجودة في التربة.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع هذه العملية، ما يزيد من التفاعلات الحيوية التي ينتج عنها غاز الميثان. كما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى حدوث فيضانات، ما يتسبب في زيادة رقعة الأراضي الرطبة.

وكان العلماء يتوقعون منذ فترة طويلة زيادة انبعاثات غاز الميثان من الأراضي الرطبة، مع ارتفاع درجات الحرارة، ولكن من عام 2020 إلى 2022 أظهرت عينات مأخوذة من الهواء وجود تركيزات أعلى من غاز الميثان في الغلاف الجوي.

وتشير 4 دراسات نُشرت في الأشهر القليلة الماضية إلى أن الأراضي الرطبة الاستوائية هي السبب الأكثر ترجيحاً في ارتفاع مستويات الميثان، إذ أسهمت المناطق الاستوائية في ارتفاع مستويات ذلك الغاز بأكثر من 7 ملايين طن خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال روب جاكسون، أستاذ البيئة بجامعة ستانفورد، الذي يرأس المجموعة التي تنشر الميزانية العالمية للميثان: «تركيزات الميثان لا ترتفع فحسب، بل ارتفعت في السنوات الخمس الماضية أسرع من أي وقت مضى».

وأعلنت بعض الدول عن خطط طموح لخفض غاز الميثان. وقالت الصين العام الماضي إنها ستسعى جاهدة للحد من حرق الانبعاثات من آبار النفط والغاز.

ووضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اللمسات الأخيرة على لائحة جديدة الأسبوع الماضي، سيلتزم بموجبها منتجو النفط والغاز في الولايات المتحدة بدفع رسوم على بعض انبعاثات الميثان، لكن من المرجح إلغاء هذه اللائحة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وقالت وزيرة البيئة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إيف بازيبا لـ«رويترز»، على هامش قمة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ (كوب 29)، إن بلادها تعمل على تقييم انبعاثات غاز الميثان من غابات المستنقعات والأراضي الرطبة في حوض الكونغو.

وجاء في تقرير ميزانية الميثان لعام 2024 أن الكونغو هي أكبر مصدر لانبعاثات الميثان في المناطق الاستوائية.