«رهاب السعادة»... مرض نفسي يزيد أزمات اللبنانيين

لبنانيون ينتظرون أمام أحد الأفران في بيروت (إ.ب.أ)
لبنانيون ينتظرون أمام أحد الأفران في بيروت (إ.ب.أ)
TT

«رهاب السعادة»... مرض نفسي يزيد أزمات اللبنانيين

لبنانيون ينتظرون أمام أحد الأفران في بيروت (إ.ب.أ)
لبنانيون ينتظرون أمام أحد الأفران في بيروت (إ.ب.أ)

لم تسمح اللبنانية لميس لنفسها بشراء «الفستان الماكسي الوردي اللون»، على حد وصفها، رغم أنه «سرق أنظاري ونال إعجابي من النظرة الاولى» في واجهة متجر مشهور للملابس في أحد أكبر المراكز التجارية في بيروت، ورغم أنها تملك القدرة على شرائه، كما تعبّر.
تحكي الصبية العشرينية التي تعمل في إحدى المنظمات غير الحكومية وتتقاضى راتبها بالدولار لـ«الشرق الاوسط»، أنها لم تجرؤ على إسعاد نفسها بشراء قطعة ملابس جديدة. وتقول: «دخلت المحل، عاينت الفستان المعلّق عن كثب، تفقدت سعره ونوعيّته ومددت يدي لالتقاطه مرات عدة، لكن ضميري لم يطاوعني لإقدامي على شراء قطعة من القماش بكلفة مصروف شهر لأسرة فقيرة، في وقت تعاني آلاف الأسر اللبنانية من أزمات اقتصادية ويحرمون حتى من وجبة طعام أو دواء... فخرجت من المحل خالية اليدين».
منذ العام 2019، تنهال الأزمات على لبنان من كل حدب وصوب، بدءا بانهيار العملة الوطنية الليرة وفقدانها أكثر من 90 في المائة من قيمتها أمام الدولار الأميركي، وتآكل رواتب المواطنين وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مرورا بانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، وصولا الى الأزمات المعيشية التي لم تستثن أي قطاع ومن بينها الكهرباء والمحروقات والاستشفاء والطبابة، وغيرها من الازمات التي لا تحصى ولا تعد.
ونتيجة الأزمات المتلاحقة والمتفاقمة التي انعكست معاناة وعذابات على السواد الأعظم من المواطنين، يعبّر العديد من اللبنانيين عن شعورهم بتأنيب الضمير أو الخوف من السعادة رغم امتلاك البعض القدرات المادية على إسعاد أنفسهم. ويسمي علم النفس هذه الظاهرة، التي بدأت تتزايد في المجتمع اللبناني، «شيروفوبيا» أو «رهاب السعادة».
جاء المصطلح من الكلمة اليونانية chairo التي تعني السعادة أو الفرح، وكلمة «فوبيا» وتعني الرهاب النفسي.
الاختصاصية والمعالجة النفسية في جمعية «إمبرايس» (embrace) الخيرية للصحة النفسية ومقرها لبنان، جويل جابر، توضح لـ«الشرق الاوسط» أن «الشيروفوبيا أو رهاب السعادة ليس تشخيصا ولم يُدرج في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، لكنه حالة نفسية يشعر فيها الشخص بالخوف أو تأنيب الضمير من المشاركة في الأنشطة المرحة والترفيهية التي عادة ما تجلب السعادة والفرح».
تلحّ ميّادة على زوجها خالد في العطلة الأسبوعية لاصطحابها مع ابنيهما، ركان (6 سنوات) وليان (4 سنوات)، في نزهة للترفيه «من أجل الولدين»، تقول له لتضمن موافقته.
ويخبر الزوج، الذي يعمل في شركة شحن عالمية قبالة مرفأ بيروت، «الشرق الأوسط» عن تردده الدائم بالقيام بأي نشاطات ترفيهية في الفترة الأخيرة، رغم أن وضع العائلة المادي «مقبول»، بحسبه.
ويقول: «نستطيع تحمل تكاليف بعض الأنشطة الترفيهية، إلا أن شعورا غريبا بالخوف من الفرح يرافقتي دائما، وأفكر ماذا لو حصل أمر سيئ كارتفاع سعر صرف الدولار الذي يترافق مع غلاء الأسعار بشكل جنوني؟ أو احتاج أحد الاولاد الى دواء مقطوع واضطررت لدفع ثمنه مضاعفا في السوق السوداء؟».
ويضيف: «عندما نذهب الى المطعم، لا أرى الأطباق التي يقدّمها على قائمة الطعام بقدر ما أركّز على الأسعار المكتوبة الى جانبها، ويبدأ تأنيب الضمير في رأسي، إذ أن كلفة الوجبات التي نطلبها توازي مصروف أسبوع لأسر تعاني... لا أعاني من الاكتئاب أو الحزن والإحباط لكني لا أجد تفسيرا لهذا الشعور».
وبحسب التقرير الأخير لمؤشر السعادة العالمي الصادر عن منظمة الأمم المتحدّة عام2021، احتل لبنان المرتبة 123 عالمياً من أصل 149 دولة بعد أن كان يحتل المرتبة 111 في الـ2020 و88 في الـ2018.
تشرح جابر أن «الشيروفوبيا يصيب الأشخاص لأسباب مختلفة، من بينها الخوف من الفرح لأنهم يظنون أن شعورا سيئا سيعقب الفرح حتماً، أو يخافون من أن يصابوا بخيبة أمل، وبالتالي يفضلون عدم الإحساس بهذا الشعور الإيجابي خوفا من أن يعقبه إحساس سلبي»، مشيرة الى انتشار هذه الظاهرة في لبنان «خصوصا بعد الأزمات التي ألمّت به في الأعوام الثلاثة الماضية».
وتقول: «في مكان ما لا يسمح بعض اللبنانيين لأنفسهم بالشعور بالفرح لأن هناك عوامل سلبية تطرأ عليهم دوما تشعرهم بخيبة الأمل، أيضاً هم يشعرون بالذنب ويظنون في بعض الأحيان أنه لا يحق لهم الشعور بالسعادة في الوقت الذي يعاني فيه الكثيرون ويعيشون العذاب».
وتضيف: «لاحظنا هذا الامر خصوصا بعد انفجار المرفأ، بحيث شعر الأشخاص الذين لم يتعرضوا لأذى جسدي بسبب الانفجار بالذنب لخروجهم من الكارثة سالمين، وفي مكان ما لم يسمح هؤلاء لأنفسهم بالإحساس بالسعادة على سلامتهم لأنهم شعروا بمعاناة غيرهم».
وتفسّر أن الاحساس بالذنب عينه «ينسحب على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ومرتبط بالظروف الحياتية»، وفي حين يرزح أكثر من نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، يشعر البعض، وفقا لجابر، بأنه «لا يحق لهم الشعور بالسعادة من خلال الخروج والترفيه أو شراء الملابس وغيرها من الأمور، لأن الآخرين لا يستطيعون حتى شراء حاجياتهم الأساسية».
وبحسب جابر، يصيب «الشيروفوبيا» الأطفال والمراهقين والبالغين «حتى لو لم يكن لدى الأطفال أو المراهقين الوعي الكافي لتحديد ما يحسّون به لكنه موجود بداخلهم».
وعن أساليب التغلّب على هذا الشعور الذي أصبح يقيّد الكثيرين في لبنان، ترى جابر أن «زوال العوامل المحيطة التي تسبب هذا الشعور ممكن أن يلعب دورا إيجابيا في اختفائه، لكن هناك بعض الامور التي يجب العمل عليها من خلال العلاج النفسي حتى لو لم يتغير المحيط»، مشددة على ضرورة «العمل على كيفية التعامل مع هذه المشاعر من دون تغير العوامل الخارجية، بحيث يحاول الشخص التركيز على الأمور التي يستطيع السيطرة عليها بدلا من التركيز على الأمور التي لا يستطيع تغييرها».
وتنصح من أصيبوا بـ«الشيروفوبيا» بـ«اللجوء الى الاستشارة النفسية، خصوصا إذا كانت مشاعرهم هذه تؤثر على حياتهم اليومية وطبيعة علاقاتهم وفعالية عملهم».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«لم يتبقَّ شيء»... غزيّون يعودون إلى منازلهم ليجدوا ركاماً ودماراً

فلسطينيون نازحون يتفقدون منازلهم المدمرة أثناء عودتهم إلى بلدة دير البلح بعد أن سحب الجيش الإسرائيلي قواته من شرق وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون نازحون يتفقدون منازلهم المدمرة أثناء عودتهم إلى بلدة دير البلح بعد أن سحب الجيش الإسرائيلي قواته من شرق وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

«لم يتبقَّ شيء»... غزيّون يعودون إلى منازلهم ليجدوا ركاماً ودماراً

فلسطينيون نازحون يتفقدون منازلهم المدمرة أثناء عودتهم إلى بلدة دير البلح بعد أن سحب الجيش الإسرائيلي قواته من شرق وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون نازحون يتفقدون منازلهم المدمرة أثناء عودتهم إلى بلدة دير البلح بعد أن سحب الجيش الإسرائيلي قواته من شرق وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)

لأول مرة منذ بدء الجيش الإسرائيلي حربه في غزة منذ أكتوبر (تشرين الأول)، أرسل رسائل إلى جوالات المواطنين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن سكان بعض المناطق يمكنهم العودة إلى أحيائهم.

وعادت أسر لتجد منازلها تحولت إلى ركام، بحسب تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية.

ونشر جيش الدفاع الإسرائيلي على موقع «إكس»، يوم الخميس، أن الأشخاص الذين أُمروا بمغادرة 3 أحياء في دير البلح في وسط غزة يمكنهم العودة إلى منازلهم.

دمية طفل... فقط

وقال عبد الفتاح البرديني: «عدنا إلى المنزل ولم نجد شيئاً، لا كهرباء، ولا غاز، ولا منزل، ولا يمكننا تغيير ملابسنا». وكل ما تمكن من إنقاذه هو دمية دب لابنه الذي كان يأمل في أن يكون له يوماً ما.

وأضاف البرديني: «أنا مفلس مثل اليوم الذي ولدت فيه. ليس لدي أي شيء. جئت لأتفقد منزلي، ولم أجد منزلاً أو أي شيء، لم يتبقَّ شيء... لم يتبقَّ شيء للبكاء عليه».

فلسطينيون وسط أنقاض مبنى متضرر بعد الحرب التي شنتها القوات الإسرائيلية في خان يونس (إ.ب.أ)

ووقف شقيقه موسى البرديني في مكان الحادث مذهولاً، وقال لشبكة «سي إن إن»: «لماذا يريدون تدمير هذا المنزل؟ هذا المنزل كان يمكن أن يؤوي 120 شخصاً... ماذا فعلوا بالمنزل؟ لم يجدوا إنساناً واحداً فيه، ومع ذلك ضربوه بالصواريخ ودمروا حياً بأكمله».

وقال إنه عاد إلى منزله ومعه مفتاح لمبنى مجاور له، لكنه لم يجد له بيتاً. وأضاف: «الآن سنحضر خيمة، إذا وجدنا خيمة، ونضعها بجوار منزلنا».

أزمة إنسانية متفاقمة

وقال عدة أشخاص إنهم نزحوا من دير البلح قبل نحو 10 أيام، عندما نشر الجيش الإسرائيلي على موقع «إكس» منشورات تأمر الناس بإخلاء المنطقة من أجل أمنهم.

وقد نزح كثير من سكان غزة عدة مرات منذ أكتوبر، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المستمرة؛ ويحذر الخبراء أيضاً من أن أوامر الإخلاء أدت إلى تعقيد جهود الإغاثة.

وفي منشوره على موقع «إكس» يوم الخميس، قال الجيش الإسرائيلي إنه «في أعقاب العمليات ضد المنظمات الإرهابية بمنطقة (دير البلح)، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي يتيح العودة إلى هذه الكتل التي تشكل جزءاً من المنطقة الإنسانية المعينة».

فلسطينيون نازحون يتحركون على طول شارع متضرر أثناء تفقدهم المنطقة بعد الحرب التي شنتها القوات الإسرائيلية في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

وفي يوم الجمعة، أعلن جيش الدفاع الإسرائيلي أن الناس في 3 كتل أخرى في منطقة خان يونس جنوب غزة يمكنهم أيضاً العودة إلى منازلهم، قائلاً على موقع «إكس»: «بعد أنشطة جيش الدفاع الإسرائيلي ضد المنظمات الإرهابية في المنطقة، يمكنكم العودة إلى هذه الكتل. وفي غضون ذلك، سيتم تكييف المنطقة الإنسانية وسيتم تصنيف تلك المناطق من الآن فصاعداً كجزء من المنطقة الإنسانية».

وفي بيان صدر يوم الجمعة يفصل عملياته في الأسابيع الأخيرة، قال الجيش الإسرائيلي إن «قوات الفرقة 98 أكملت عمليتها التقسيمية في منطقة خان يونس ودير البلح، بعد نحو شهر من النشاط العملياتي المتزامن فوق وتحت الأرض».

وقال البيان إن القوات الإسرائيلية «قضت على أكثر من 250 إرهابياً»، ودمرت البنية التحتية للإرهاب بما في ذلك 6 مسارات أنفاق تحت الأرض خلال العملية. وتابع: «في بعض مسارات الأنفاق، قضت القوات على الإرهابيين وحددت مخابئ وأسلحة الإرهابيين».

«لم نجد سوى الدمار»

وقال عبد الرؤوف رضوان إنه وعائلته انتقلوا إلى خيمة أقرب إلى الساحل هرباً من القصف. ثم عادوا على أمل السكن في منزلهم، وتابع: «أملاً في العثور على حياة، والعثور على شيء، وإيجاد غرفة للعيش فيها، ولم نجد سوى الدمار. لقد دمرت أحلامنا، ودمرت ذكرياتنا... المنزل الذي بناه أسلافنا ذهب بالكامل».

وقال شقيقه محمد رمزي رضوان إنه فقد بالفعل ابناً نتيجة للحرب الإسرائيلية في غزة، وتابع: «شاب يبلغ من العمر 30 عاماً، بنى نفسه من الصفر، التعليم، الزواج، الابن. كل شيء ذهب، لم يبقَ شيء».

رجل على مقعد متحرك مع ممتلكاته قبل النزوح من خان يونس في قطاع غزة (أ.ب)

وقال رضوان: «رسالتي هي وقف الحرب. لم يتبقَّ وقت لإعادة بناء أنفسنا... لقد تحملنا هذا. هذا يتجاوز قدرتنا».

كما دمر منزل يامن التابعي. وقال إن العائلة غادرت الحي خوفاً وعادوا ليجدوا منزلهم مدمراً تماماً.

وقال رؤوف عايش لشبكة «سي إن إن»: «أتمنى لو دفنت في المنزل. أتمنى لو مت في المنزل ولم أعد لأرى المشهد الذي رأيته. إلى أين سنذهب الآن بلا مأوى؟».

وقال رؤوف عايش إنه وأطفاله لجأوا إلى الخيام، وتابع: «رغبنا في العودة إلى منازلنا، ربما نجد أمتعتنا وملابسنا وملابس الشتاء». لكنهم عادوا إلى الحطام فقط.

دمار شامل

وتقول حنان العربيد، التي فقدت زوجها وعادت إلى بيتها مع أطفالها إنها وجدته خراباً، وأردفت: «هل أذهب إلى خيمة أنا الآن في الشارع؟ لدي طفلان معوقان، لم آخذ معي أي شيء من بيتي، هناك دمار شامل كما ترون».

وقالت شقيقتها أم كريم العربيد إنها تجمع ما تستطيع من أنقاض شقتها. وتابعت: «للأسف، اتخذت إسرائيل قرارها بإبادة قطاع غزة. بل إنها تريد إبادة الشعب الفلسطيني حتى لا يرفع رأسه من هنا لمدة 100 عام. ولكن كما تعلمون، نحن شعب صامد، شعب قادر على الصمود». وأضافت: «سنبدأ من البداية ومن جديد. سنبدأ من جديد».

ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تم وضع ما يقرب من 84 في المائة من القطاع تحت أوامر الإخلاء منذ بداية الحرب.

وفي الوقت نفسه، كانت «المنطقة الإنسانية» التي حددتها إسرائيل تتقلص بشكل مطرد. ففي الشهر الماضي وحده، قلص الجيش الإسرائيلي هذه المنطقة بنسبة 38 في المائة - حيث تشكل المساحة المتبقية ما يزيد قليلاً على عُشر إجمالي مساحة غزة، وفقاً لتحليل شبكة «سي إن إن».