تيري إيغلتون يستذكر خمسة من أساطين النقد الأدبي

يمثلون هيكلاً فكرياً ذا خصوصية مميزة تُعد أحد المعالم الأدبية للقرن العشرين

تيري إيغلتون
تيري إيغلتون
TT

تيري إيغلتون يستذكر خمسة من أساطين النقد الأدبي

تيري إيغلتون
تيري إيغلتون

لا أظن أن الناقد الأدبي والمنظر الثقافي البريطاني تيري إيغلتون (Terry Eagleton) يمكن أن يهدأ يوماً أو يركن لراحة موهومة بالنسبة إلى المشتغل في حقل الدراسات الثقافية. لم تمر سنة خلال العقد الماضي وحتى يومنا هذا؛ إلا كان له فيها كتاب منشور في موضوعة ثقافية دسمة، ويبدو أن مشروعه المشترك مع جامعة ييل الأميركية المرموقة صار علامة مميزة في حقل الدراسات الثقافية الراهنة.
إيغلتون ماكينة عمل لا تهدأ، يقودها شغفٌ لا حدود لمدياته. أتخيل أحياناً أن إيغلتون يمكنُ أن يعبر شارعاً ويرى قطة على الرصيف، وحينها سيعمل عقله لحظياً على تحويل هذا المشهد الساكن الذي قد لا يثير شيئاً لدى آخرين إلى موضوعة ثقافية كاملة. دعونا نتأمل بعض عناوين كتب إيغلتون التي نشرها خلال السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، وسنرى المديات الشاسعة لمنطقة اشتغال إيغلتون في تضاريس الفكر الإنساني:
«الحدث الأدبي» 2012 (ترجم إلى العربية)، و«عَبْرَ البركة» 2013، و«كيف نقرأ الأدب» 2013 (ترجم إلى العربية)، و«أملٌ من غير تفاؤل» 2015، و«الثقافة» 2016، و«المادية» 2017 (ترجم إلى العربية)، و«تضحية راديكالية» 2018 (ترجم إلى العربية)، و«الفكاهة» 2019 (ترجم إلى العربية)، و«المأساة» 2020.
أحدث كتب إيغلتون في هذه السلسلة المبهرة من الكتب؛ التي تتجاوز الثيمات الأدبية إلى فلسفات الأفكار، هو كتابه الذي اختار عبارة «ثوريون نُقاد (Critical Revolutionaries)» لتكون عنواناً رئيسياً طافحاً بروح الثورة الفكرية التي تشتعل جذوتها في عقله ولم تهدأ منذ بواكيره الأولى، ثم جاء العنوان الثانوي «خمسة نقادٍ غيروا الطريقة التي نقرأ بها» ليكشف عن جوهر مسعى إيغلتون في هذا الكتاب. الكتاب منشور في شهر أبريل (نيسان) 2022 عن مطبعة جامعة ييل الأميركية.
اعتمد إيغلتون في هذا الكتاب مقاربة غاية في البساطة: مقدمة مع 5 فصول، كل فصل معنونٌ باسم الناقد مدار البحث. ربما تكون مقدمة إيغلتون التي امتدت على 8 صفحات هي العلامة الفارقة في هذا الكتاب عن سابقيه؛ فقد عُرِف عن إيغلتون مقدماتُهُ المقتضبة. النقاد الخمسة الذين تناولهم إيغلتون بدراسته (أو باستذكاره النوستالجي إذا شئنا الدقة) هم: تي إس إليوت، آي أي ريتشاردز، ويليام إمبسون، إف آر ليفز، رايموند ويليامز. اختتم إيغلتون كتابه بحشدٍ مكثف من الهوامش التوضيحية التي تلقي أضواء كاشفة على حيثيات مخصوصة.
وأنا أقرأ هذا الكتاب في نسخته الإنجليزية تحسستُ في غير موضع النبرة النوستالجية التي تعتمل في روح إيغلتون، بل وحتى - ربما - بعض الشعور بالذنب لما آل إليه وضع النقد الأدبي المعاصر، ونكادُ نلمحُ هذه الحقيقة من السطور الأولى للتقديم:

«القناعة التي ينطوي عليها هذا الكتابُ هي أن تقليداً حيوياً في النقد الأدبي بات يتهدده خطرُ الإهمال. يصح هذا الأمر - وإن كان إلى حدود معينة - في الحقل الأكاديمي مثلما يصح في نطاقات أوسع بكثير في العالم الأدبي. لستُ أرى سوى قليلين من طلبة الأدب اليوم يتوفرون على معرفة رصينة بعمل آي أي ريتشاردز على سبيل المثال، وربما يصح الأمر ذاته على أساتذتهم!!؛ لكن رغم ذلك؛ فإن النقاد الخمسة الذين أتناولهم بالدراسة في هذا الكتاب يُعدون بين النقاد الأدبيين الأكثر أصالة وتأثيراً في العصر الحديث، وهذا سبب أراه كافياً لكي يكونوا هم، وليس سواهم، بين خياراتي المفضلة للدراسة...».
يؤكد إيغلتون في موضع آخر من التقديم أن هؤلاء النقاد الخمسة يمثلون هيكلاً فكرياً ذا خصوصية مميزة تُعدّ أحد معالم القرن العشرين الأدبية المتفردة؛ فقد كانوا جميعاً - باستثناء إليوت - أساتذة في قلعة كامبردج الأدبية الراسخة، وكانوا جزءاً من ثورة نقدية نقلت الدراسة الأكاديمية للأدب إلى مستوى جديد غير مسبوق.
لستُ أعتزمُ هنا الحديث عن تفصيلات محددة في أطروحة إيغلتون في هذا الكتاب، بل إننا إذا استثنينا الأطروحة النوستالجية فلا جديد في هذا الكتاب؛ لكن ثمة دوماً نمطٌ من الانشداد الفكري لما يكتب إيغلتون حتى لو كان في موضوعات تبدو بديهية ومكرورة. يلمحُ القارئ في هذا الكتاب استكمالاً لرؤية إيغلتون في نقد أطروحات ما بعد الحداثة، وهو ما بدأه في كتابه «أوهام ما بعد الحداثة» واستكمله لاحقاً في كتاب «ما بعد النظرية»، والكتابان مترجمان إلى العربية.
أرى أن من الأسئلة الجوهرية التي يطرحها كتاب إيغلتون هو موضوعة الانعطافة الكبرى التي حصلت في خريطة النقد الأدبي المعاصر وتحوله من مبحث أدبي قائم بذاته إلى تيار في حقل ما تسمى «الدراسات الثقافية (Cultural Studies)». هل يمكن أن نرى في عصرنا هذا إليوت معاصراً؟ لا أظن ذلك؛ لأسباب كثيرة ثقافية وأكاديمية وحتى دينية!! لو أجرينا مسحاً سريعاً لخريطة النقد الأدبي العالمي لرأينا أنه بات مدفوعاً بعوامل «فكرية وبراغماتية» صارت تعمل على إعادة تشكيل خريطته الفكرية:
أولاً: تتمظهر العوامل الفكرية في تنامي مفهوم الدراسات النسقية العامة أو الشاملة (Generalized Systems Studies) في عموم المعرفة الإنسانية سواء أكانت علمية أم أدبية. هل نتخيلُ، على سبيل المثال، أن بمستطاع كائن مَنْ كان قبل عشر سنوات أن يصرح في حوارية منشورة له بأن «الأدب ينبغي أن يدرس مثل العلم، وأن الأدب آلة ترتقي بدينامية تطور الدماغ البشري»**؟ هل يمكن لأحد هؤلاء النقاد الخمسة أن يكتب شيئاً قريباً من هذا؟ لا يمكن مطلقاً؛ لأن الخريطة الفكرية الأدبية في النصف الأول من القرن العشرين لم تكن لتحتمل شيئاً مثل هذا العصف الذهني! عندما أكتبُ مثل هذا؛ فأنا أقرأ تضاريس الخريطة الأدبية، وتجتاحني جمرة من ذاكرة نوستالجية أتحسسُ فيها طعم اللذة الكبرى التي اجتنيتها من قراءة كلاسيكيات الأدب، ولستُ ممن يميلون كثيراً إلى تذويب الحدود بين العلم والأدب؛ لكن هذا هو واقع الحال السائدة في عالم اليوم.
ثانياً: أما العوامل البراغماتية فيمكن أن نشهدها في طبيعة الدراسة الأكاديمية للأدب. ليس سراً أن الدراسات الأكاديمية في الأدب باتت تشهدُ انحساراً عالمياً في مقابل صعود وتنامي الدراسات المسماة «STEM (وهي اختصار عالمي معتمد للعلم والتقنية والهندسة والرياضيات)»، وقد تسبب هذا الانزياح المتزايد نحو هذه الحقول في غلق كثير من الأقسام الأكاديمية الخاصة بالأدب والدراسات الأدبية. كانت إحدى الاستراتيجيات الالتفافية المعتمدة هي محاولة دمج كثير من الأقسام الخاصة بالإنسانيات في قسم واحد تحت لافتة «الدراسات الثقافية» ضغطاً للنفقات؛ إذ من المعروف أن المؤسسات الغربية - الأكاديمية وغير الأكاديمية - تعتمد معايير إجرائية تقوم على حساب العوائد؛ لذا فهي لن تتردد في تعديل برامجها تبعاً لمستجدات الواقع، ولن تركن أبداً إلى سياسات قديمة بدعوى الحفاظ على أنماط ثقافية محددة.

* * *
لا ضير في أن يبدي أحدنا نزوعاً نوستالجياً بين الفينة والأخرى؛ فليس في هذا عيب أو منقصة. ثم إن إيغلتون كاتب ذو أفق إنساني ممتد من غير تقييدات آيديولوجية أو سياسية، وهو قادر على إمتاعك حتى لو اختلفتَ معه؛ وهنا تصبح المعادلة واضحة: إذا أضفنا المتعة للشحنة النوستالجية التي يفجرها إيغلتون في عقولنا عندما يعيدنا إلى أيامٍ قرأنا فيها كتاب «فائدة الشعر وفائدة النقد» لإليوت، أو «سبعة أنماط من الغموض» لويليام إمبسون، أو «التقليد العظيم» لإف آر ليفز، أو «الأدب والمجتمع» لرايموند ويليامز، أو «مبادئ النقد الأدبي» لريتشاردز، فإن هذا سبب كاف يدفع بنا إلى قراءة إيغلتون بمزيد من الشغف والحماسة الفكرية.
* واضح أن عنوان المادة وظف عبارة «الغابة المقدسة (The Sacred Wood)» فيه... وهو عنوان مجموعة من مقالات في الشعر والنقد كتبها إليوت ونشرها عام 1920



«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

عادل خزام
عادل خزام
TT

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

عادل خزام
عادل خزام

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟ عن أي ناس وأية جغرافيا نتحدث حينها؟

هذا هو السؤال الذي يجيب عن كتاب «مانسيرة» الشعري، الذي أطلقه أخيراً الشاعر الإماراتي عادل خزام، بمشاركة 86 شاعراً وشاعرة من مختلف بقاع الأرض، في تجربة أدبية عالمية غير مسبوقة.

تمثل تجربة «مانسيرة» رحلةً شعريةً جماعيةً حيث تتضافر جهود هذا العدد الكبير من الشعراء، كلٌّ بخلفيته الثقافية ولغته الأم، لنسج نصٍّ واحدٍ مُشترك. هذا التنوع يُضفي على الكتاب ثراءً فنياً وجمالياً استثنائياً، فينسجم تنوع الأساليب الشعرية والرؤى الفكرية، ليُشكّل لوحةً فسيفسائيةً تعكس غنى التجربة الإنسانية.

وحتى عنوان الكتاب يُجسّد هذا التمازج الثقافي ببراعة، فهو دمجٌ بين الكلمة الإنجليزية «Man» التي تعني الإنسان، والكلمة العربية «سيرة»، ليُعبّر عن جوهر المشروع في تقديم سيرةٍ إنسانيةٍ شاملة، تحتفي بتنوّع البشرية ووحدتها في آنٍ واحد.

تتخطى «مانسيرة» حدود الجغرافيا واللغة لتُقدّم تجربةً شعريةً كونيةً تحتفي بالإنسان وقيمه المُشتركة، وتُؤكّد قدرة الفن على توحيد البشرية رغم اختلافاتهم. إنها ملحمةٌ تُعيد صياغة مفهوم الهوية والانتماء، لتُؤسّس لِعالمٍ أكثر تسامحاً وانفتاحاً، عالمٍ تُشكّل فيه الكلمة جسراً للتواصل والتفاهم بين جميع الثقافات.

يبدأ الكتاب بمدخل أسطوري شبيه بالملاحم التاريخية ولكن بنفَس حديث:

في البَدْءِ كانَ العالَمُ شيئاً واحداً

لا غربَ لا شرقَ، لا وضوحَ ولا غموضَ

ولا البدايةُ تعرِفُ أنَّ لها نهايةً

ولا النِّهايةُ بَدَأتْ، أو صارَ لها مُؤيِّدونَ

«مانسيرة»: جسرٌ للتواصل بين الثقافات

يفتح لنا هذا المدخل نافذةً على فكرة «وحدة العالم»، حيث تتلاشى الحدود الجغرافية والثقافية، ويصبح العالم بأسره موطناً واحداً للإنسانية جمعاء. إنها دعوةٌ للتأمل في انقسامات العالم وصراعاته التي لا طائل منها، في حين أن البشر جميعاً يتشاركون الحلم نفسه: عالمٌ يسوده السلام والمودة.

تكمن أهمية «مانسيرة» في كونها أكثر من مجرد تجربةٍ شعريةٍ جديدة، فهي تُجسّد تحولاً عالمياً في مفهوم الأدب، حيث تتراجع «الأنا» لِصالح «النحن»، ويتعزز مفهوم الجماعة في عملية التأليف الإبداعي. وتُتيح هذه المشاريع الجماعية الفرصة لِتداخل الأصوات وتنوّع الأساليب، مما يُثري الأدب ويُعزز جاذبيته، ويمنح القراء فرصةً لِلانفتاح على عوالم وثقافات مُتعددة من خلال نصٍّ واحد.

في الفصل الثاني من الملحمة «دوران الإنسان في الجغرافيا والزمن» تنتقل القصيدة من أفكار تشكّل العالم إلى استقراء رحلة البشرية وتشتتها في الصراعات والاختلافات:

ظل البشر، دهراً بعد دهرٍ، يتناسلون في مراعي الفوضى

وقرناً بعد قرنٍ، صارت تُبادُ أمم بكاملها وتنبعث أخرى

ولم يمض وقت طويل، في القرن الأخير

إلا وكانت الخيول قد عبرت إلى الصحراء

وهي تتبعُ اتجاه البوصلة المكسورة

ظلوا يتجهون جنوباً خاسرين شمالهم الحقيقي

حين نصل إلى الفصل الثامن على سبيل المثال وهو بعنوان: «مجتمع القنبلة الذرية» تحيلنا الملحمة إلى الهوة العميقة التي يحدّق فيها البشرُ اليوم في مصيرهم المرعب، حيث يتهدد الكوكبُ بالفناء على يد المهووسين بالسلطة والجشع والحروب. يصرخ شعراء العالم قائلين:

نُحدّقُ في عيون الموت

ويحدّق هو في عيوننا...

ها هو الموت الأعمى، يترك آثاره أينما ذهب

أما نحنُ، فنترك أثر الحياة

وكلماتنا هذه، وأفكارنا، إنما هي إمضاءٌ بأننا كنّا هنا

والإمضاء بمثابة جذر، جذر حي للخلود.

والجذور دلالة على الحياة في حد ذاتها.

هكذا تسترسل في رصدها لتحولات البشر من الوحدة إلى الصراع، وتقرأ مشهدية العالم اليوم المهدد بالدمار الهائل الذي ينبعث منه. ومع توالي الفصول تكون الرؤية قد تشبّعت بأسئلة الوجود كلها، إلى أن نصل في النهاية إلى المآلات والتوصيات في ختام هذا النص العظيم حقاً الذي يمتد إلى 265 صفحة تقريباً.

وأنت أيها الإنسان الفرد – الإنسان الجماعة

إليك وصيّة الدهر الأولى، وها نحن نكررها للمرة الألف

إذا مشيت،

اُكتبْ خطواتِكَ بأنفاسِكَ

واشبُكْ صوتكَ بالريح

لا تدَعْ أحداً حتى نفْسكَ يسلبكَ الدَّهشة

أنتَ المسافرُ في الضوء

أنتَ العارفُ الملهَم

تحدٍ كبير

لا شك أن جمع هذا العدد الكبير من الشعراء في عمل واحد يمثل تحدياً هائلاً، سواء من حيث التنسيق أو الترجمة أو الحفاظ على وحدة النص وتماسكه. إلا أن عادل خزام نجح في تجاوز هذه التحديات ببراعة، فقام بجمع القصائد ونسجها بإبداع ليُخرج لنا نصاً واحداً متناغماً، يستقي جذوره من تنوع الخلفیات الثقافیة واللغویة، ويصهرها في بوتقة إبداعية واحدة تُثري اللغة والأسلوب الشعري.

وبينما كانت تجارب التأليف الجماعي السابقة تركز على سرديات آداب شعوبٍ أو مجتمعاتٍ واحدة، مثل «الكتاب الصيني» أو «كتاب جاك كيرواك»، فإن «مانسيرة» تتجاوز هذه الحدود لتُصبح تجسيداً شعرياً لِرؤيةٍ عالمية، تُعبّر فيها الكلمة عن تجارب إنسانية مُشتركة، وتستند إلى خصوصية الشعر بوصفه وسيلة لِلتعبير عن العواطف والأفكار بِعمق.

يُمكن مقارنة «مانسيرة» بِمشاريع أدبية أخرى سعت لِتقديم رؤية جماعية لِعالمٍ أفضل، مثل «سيفيتاس سوليس» (مدينة الشمس) لِتوماسو كامبانيلا، التي شارك في كتابتها الكثير من الفلاسفة والعلماء. إلا أن «مانسيرة» تتميّز بِطابعها الشعري الذي يمنحها قوةً تعبيريةً خاصة، ويجعلها أقرب إلى القلوب.

الأساليب الشعرية ووحدة الأسلوب

التحدي الأكبر الذي واجهه خزام تمثّل في كيفية دمج الأساليب الشعرية المتنوعة وخلق رابط يوحد النصوص. كل شاعر من الـ86 شاعراً قدم رؤيته الخاصة وتجربته الإنسانية المتفردة، واستخدم خزام منهجاً ذكياً في اختيار النصوص وتنسيقها، بحيث يكون كل نص مكملاً للآخر، ليُشكِّل تياراً شعرياً ينساب بين اللغات والثقافات. ترك للشعراء أولاً ترجمة قصائدهم إلى الإنجليزية، ليضمن وضوح المعاني وتناسق الأفكار، ومن ثم ترجمها إلى العربية بطريقة حافظت على الروح الأصلية للنصوص، وخلقت في الوقت نفسه نصاً سلساً للقارئ العربي. استطاع خزام عبر هذه الطريقة أن يربط بين التجارب المختلفة، حيث إن كل نص يساهم في بناء السردية الشعرية للملحمة، ويخلق جسراً بين الثقافة التي أتى منها الشاعر، واللغة العربية.

16 فصلاً من تأليف 86 شاعراً وشاعرة من 50 دولة منهم 19 اسماً عربياً أطلقه عادل خزام بمشاركة 86 شاعراً وشاعرة من خمسين دولة

حضرت في التأليف الأسماء الشعرية الكبيرة من كل القارات، من بينهم من إيطاليا باولو روفيللي وبيبي كوستا، والبلجيكي جيرماين دروغنبروديت، والفرنسي فرنسيس كومبس، ومن الولايات المتحدة جين هيرتشفيلد وجورج والاس وآنا كيتس، بالإضافة إلى رئيس حركة الشعر العالمي فرناندو راندون ويوجينيا سانشيز نيتو من كولومبيا. ومن بريطانيا فيونا سمبسون وكريس سولت وأغنيس ميدوز، وثلاثة شعراء من الصين هم زانغ تشي وآنا كيكو وكاو تشوي، وثلاثة من اليابان تايكو أويمورا وتيندو تايجن وماريكو سوميكيورا، بالإضافة إلى أسماء مهمة أخرى وكبيرة من كل القارات.

الشعراء العرب

حضر أيضًا الشعراء العرب: سيف الرحبي والراحل زاهر الغافري من سلطنة عُمان، وزكية المرموق من المغرب، وطارق الطيب من السودان، والراحل جلال زنكابادي ومحسن الرملي من العراق، ومعز ماجد من تونس، وحميد العربي من الجزائر، وسعد الدوسري والدكتورة فوزية أبو خالد من السعودية، وبسام جوهر من اليمن، وغسان زقطان من فلسطين، والراحل محمود قرني وأشرف أبو اليزيد من مصر، ويوسف أبو لوز من الأردن، وخلود المعلا وخالد البدور من الإمارات، وليلى السيد من البحرين، وندى أنسي الحاج من لبنان، وشروق حمود من سوريا. أيضاً شارك مجموعة من الفنانين من حول العالم بصور لأهم لوحاتهم، في مقدمتهم الفنان الكويتي القدير سامي محمد.

وعادل خزام اليوم هو أحد مؤسسي تجربة الحداثة الشعرية وقصيدة النثر في الإمارات والخليج، قام بتمثيل دولة الإمارات في العشرات من المناسبات والمهرجانات لنحو 40 سنة. أصدر نحو 20 كتاباً وفاز بجائزة توليولا الإيطالية، وجائزة مهرجان طريق الحرير الذي ترعاه الأمم المتحدة. كما عدّ أدونيس كتاب عادل خزام «الربيع العاري» الكتاب الأكثر جدة واستبصاراً من بين معظم كتب الشعر العربي في الربع الأول من القرن الـ21.