غياب «المناعة المتقاطعة» مهد الطريق لانتشار «جدري القردة»

طبيبة تحمل قارورة من «لقاح جدري القردة» (رويترز)
طبيبة تحمل قارورة من «لقاح جدري القردة» (رويترز)
TT

غياب «المناعة المتقاطعة» مهد الطريق لانتشار «جدري القردة»

طبيبة تحمل قارورة من «لقاح جدري القردة» (رويترز)
طبيبة تحمل قارورة من «لقاح جدري القردة» (رويترز)

قبل 34 عاماً وضع علماء بريطانيون في المجلة الدولية لعلم الأوبئة، تنبؤاً جريئاً حول «جدري القردة»، قالوا فيه إنه بمرور الوقت، «سيزداد متوسط حجم ومدة أوبئة جدري القردة».
وكان المرض نادراً للغاية في عام 1988، واكتشف العاملون في مجال الرعاية الصحية حالات قليلة فقط في غرب ووسط أفريقيا، وأصيب الناس بالمرض بشكل حصري تقريباً من القوارض أو الرئيسيات ثم نشروا الفيروس لعدد قليل فقط من الناس، وكان الانتقال بين الناس محدوداً. لكن العلماء حذروا من أن هذه الفاشيات المتفرقة ستزداد حجماً وتنتشر جغرافياً بمرور الوقت.
وفي التسعينيات، كان هناك نحو 50 حالة فقط من حالات الإصابة بجدري القردة سنوياً في غرب ووسط أفريقيا، وبعد نحو 20 عاماً، وتحديداً 2020. كان هناك على الأرجح أكثر من 5 آلاف حالة.
ويواجه العالم أول انتشار دولي لجدري القردة الآن، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 200 حالة في نحو 20 دولة، ويعتقد العديد من العلماء أن هناك حالات إضافية لم يتم اكتشافها، ومن المحتمل أن ينتشر الفيروس في المجتمعات التي لم ينتشر فيها جدري القردة من قبل.
إذن، كيف عرف العلماء البريطانيون، عام 1988، أن جدري القردة سيرتفع في النهاية؟ تقول عالمة الأوبئة آن ريموين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس في تقرير نشره أول من أمس موقع الإذاعة الوطنية العامة بأميركا «إن بي آر» إن «ما نراه الآن هو نتيجة أعظم إنجاز في مجال الصحة العامة، وهو القضاء على الجدري».
ويعد الجدري أحد أكثر الأمراض فتكاً في تاريخ البشرية، ويقتل الفيروس شديد العدوى ما يصل إلى 30 في المائة من المصابين، وبالمقارنة، فإن نسخة جدري القردة في هذه الفاشية تقتل أقل من 1 في المائة، من المصابين. تقول ريموين: «لذا فإن جدري القردة، في جميع تكراراته، أقل خطورة بكثير من الجدري».
ومن خلال حملة تلقيح ضخمة، قضى العالم رسمياً على الجدري عام 1980، وقد أنقذ هذا الإنجاز ملايين الأرواح كل عام. لكن كما توضح ريموين، كان لنهاية الجدري تداعيات، فلقد فتح الباب أمام ظهور جدري القردة، ربما في جميع أنحاء العالم. وتقول: «بالطبع، سنرى فيروسات أخرى تظهر قد تملأ ذلك الفراغ أو ذلك المكان المناسب، وهذا ما نراه». فلماذا كان جدري القردة هو الفيروس لملء هذا الفراغ؟ إنه بسبب ما يعرف بـ«المناعة المتقاطعة».
ويرتبط جدري القردة ارتباطاً وثيقا بالجدري، وكلاهما في عائلة الفيروسات نفسها، وتوفر الإصابة بعدوى الجدري أو الحصول على لقاح الجدري، حماية جيدة حقاً ضد الجدري وكذلك جدري القردة، وقدّرت إحدى الدراسات حماية بنسبة 85 في المائة. بمعنى آخر، الحماية من الجدري تحمي أيضاً من جدري القردة.
وفي سبعينيات القرن الماضي، كان سكان العالم بأسره يتمتعون ببعض المناعة ضد جدري القردة، كما يقول عالم الأوبئة جو والكر من كلية ييل للصحة العامة بأميركا، وتم تطعيم معظم الناس ضد الجدري أو نجوا من العدوى.
يقول والكر في تقرير «إن بي آر» إن «الجدري مرض قديم حقاً، أصيب به معظم الناس، في مرحلة ما من حياتهم، غالباً في مرحلة الطفولة، أو تم تطعيمهم، لذلك بشكل ما، كان هناك الكثير من المناعة لدى السكان لعائلة الفيروسات هذه قبل 40 عاماً». ولكن بعد ذلك في أواخر السبعينيات، توقف العالم عن تطعيم الناس ضد الجدري، ولم يعد الناس يصابون، لذلك على مدى العقود الأربعة الماضية، انخفضت المناعة ضد الجدري - وجدري القردة - انخفاضاً حاداً.
ويوضح والكر أنه «بمرور الوقت، وُلد أطفال جدد ولم يحصلوا على اللقاح ولم يصابوا بالجدري، ومات العديد من كبار السن الذين تم تطعيمهم ضد الجدري أو أصيبوا بعدوى».
ونتيجة لذلك، يتمتع سكان العالم الآن بقدر ضئيل جداً من المناعة ضد جدري القردة. ويضيف: «نحن في الواقع في مرحلة تكون فيها مناعة السكان ضد جدري القردة هي الأدنى منذ آلاف السنين». ومن دون بعض المناعة، يكون الناس أكثر عرضة للإصابة بجدري القردة من حيوان ونقله إلى شخص آخر، لذا فإن تفشي المرض في غرب أفريقيا والذي كان من الممكن أن يكون صغيراً في التسعينيات هو أكبر بكثير اليوم، وزادت فرصة تسربه إلى قارات أخرى.
ونظراً لأن المناعة لدى السكان لن ترتفع بشكل كبير في المستقبل القريب، فمن المرجح أن تصبح هذه الفاشيات الدولية لجدري القردة أكثر شيوعاً مع مرور الوقت، كما تقول آن ريموين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس. ويوجد الآن لقاح ضد جدري القردة، يمكن أن يساعد تطعيم الأشخاص الذين اتصلوا بالمصابين، المسؤولين الصحيين على إيقاف انتقال العدوى بسرعة. خلافاً لذلك، يشعر العلماء بالقلق من أن هذا الفيروس يمكن أن يؤسس وجوداً دائماً في أوروبا أو أميركا الشمالية، كما توضح آن ريموين.


مقالات ذات صلة

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

خاص يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

يستعرض «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، كيفية تعامل إدارة بايدن مع الأمر الواقع في سوريا وتوجهات إدارة ترمب.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي قوات إسرائيلية تتحرك داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان (إ.ب.أ)

 حكومة سوريا المؤقتة تطالب «مجلس الأمن» بإجبار إسرائيل على الانسحاب من أراضيها

طالبت الحكومة السورية المؤقتة مجلس الأمن الدولي بالتحرك لإجبار إسرائيل على الوقف الفوري لهجماتها على الأراضي السورية والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول ينحني بعد خطاب اعتذار بثه التلفزيون الرسمي (أ.ف.ب)

رئيس كوريا الجنوبية يواجه تصويتاً ثانياً لمساءلته بهدف عزله

يواجه رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، اليوم، تصويتاً ثانياً على مساءلته بهدف عزله بسبب محاولته التي لم تستمر سوى ساعات لفرض الأحكام العرفية.

«الشرق الأوسط» (سيول)
المشرق العربي ساحة الأمويين غصت بآلاف السوريين المحتفين بـ"جمعة النصر" (رويترز)

حشود ساحة الأمويين تبايع «سوريا الجديدة»

فيما وصف بأنَّه «مبايعة» لـ«سوريا الجديدة»، خرج عشرات آلاف السوريين إلى الساحات في دمشق وكل المدن الرئيسية، ليحتفلوا بـ«جمعة النصر» بعد أيام من سقوط بشار الأسد

سعاد جروس (دمشق) رائد جبر (موسكو)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (رويترز)

تركيا تؤكد أن هدفها الاستراتيجي في سوريا هو القضاء على «الميليشيا الكردية»

قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن القضاء على الميليشيا الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة هو «الهدف الاستراتيجي» لبلاده.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».