بعد 3 سنوات على تظاهرات شعبية غير مسبوقة ضد السلطة، عجَّلت بإسقاط عبد العزيز بوتفليقة، يسعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من خلال مبادرة أطلقها مؤخراً إلى كسر الجمود السياسي؛ لكن المعارضة تطالب بإجراءات عملية وملموسة، أبرزها الإفراج عن سجناء الحراك.
وظهرت المبادرة بشكل غير مباشر في بداية مايو (أيار) الماضي، من خلال تعليق نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، تتحدث عن تبون باعتباره «رئيساً جامعاً للشمل»، مشيرة إلى أن الجزائر «بحاجة إلى جميع أبنائها للاحتفال سوياً بالذكرى الستين للاستقلال»، في الخامس من يوليو (تموز) المقبل. وقد تحدّث تبون عن مبادرة «لمّ الشمل» بشكل رسمي للمرة الأولى من تركيا التي زارها بداية الأسبوع الماضي، واعتبرها «ضرورية من أجل تكوين جبهة داخلية متماسكة». كما أعلن أمام الجزائريين المقيمين في تركيا عن انعقاد «لقاء شامل للأحزاب في الأسابيع المقبلة»، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الجزائرية.
وكما كان متوقعاً، فقد لقيت مبادرة الرئيس دعم الجيش، من خلال رئيس الأركان الفريق سعيد شنقريحة الذي دعا إلى الاستجابة إلى «اليد الممدودة»، باعتبارها «تنمّ عن الإرادة السياسية الصادقة للسلطات العليا للبلاد من أجل لمّ الشمل، واستجماع القوى الوطنية».
وللتأكيد على صدق وأهمية هذه المبادرة، أجرى تبون على امتداد 3 أيام (ما بين 10 و12 مايو الجاري)، مشاورات مع 6 أحزاب سياسية، منها حزب معارض واحد هو «حركة مجتمع السلم» الإسلامي. وقد اعتبر رئيس حزب «جيل جديد»، جيلالي سفيان، أن ما فهمه من لقائه مع الرئيس هو أن «الاتجاه العام في السلطة هو الذهاب نحو التهدئة، والدخول في مسار بناء ثقة مع المجتمع».
بهذا الخصوص، يقول المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر 3، توفيق بوقاعدة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن السلطة «ليس لها خيار آخر إلا الانفتاح في ظل الإكراهات المتزايدة التي تواجهها سياسياً، حتى تحقّق الاستقرار الذي تنشده منذ حراك 22 فبراير (شباط)، وفق مسار سياسي توافقي جديد»؛ مبرزاً أن «السلطة عجزت عن خلق ديناميكية سياسية حول مشروعها للجزائر الجديدة، والركود السياسي والانتقادات الحادة في مجال حقوق الإنسان تجعلها من دون تأييد حقيقي، حزبياً ومجتمعياً».
من جانبه، عبّر رئيس «حركة مجتمع السلم»، عبد الرزاق مقري، عقب لقائه مع تبون، عن أمله في توصل الجزائريين إلى «بلورة رؤية مشتركة، بما يضمن الحريات والانتقال السياسي الفعلي».
أما عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي الأسبق والوزير لفترة قصيرة في حكومة عبد العزيز بوتفليقة قبل أن يصبح معارضاً شرساً لنظامه، فقد صرح بعد لقاء تبون، بأن الرئيس «لديه نية فتح بعض الورش الاقتصادية، ويعمل من أجل بلورة إجماع وطني حول السياسة الداخلية والخارجية والدفاعية». في المقابل، شكّك رئيس حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (علماني معارض)، محسن بلعباس، في صدق السلطة، قائلاً: «لو كانت هناك إرادة حقيقية، لعملت على لمّ شمل عائلات المسجونين (...)، وذلك بالإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، والكفّ عن المتابعات التعسفية ضد المناضلين والناشطين السياسيين»، كما كتب على صفحته على موقع «فيسبوك». ويتفق مع هذا الرأي أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة الجزائر، إسماعيل معراف، الذي قال إن «الحوار السياسي الجاد يحتاج إلى إجراءات تهدئة، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفتح المجال السياسي والإعلامي... خصوصاً أن هناك حالة احتقان في الداخل، وتذمّر من المنظمات الدولية بسبب المعتقلين وخرق حقوق الإنسان»، مشدداً على أن المطلوب «تعيين هيئة مستقلة لمباشرة حوار وطني حقيقي، تُدعى له كل القوى الحية، على أن تكون نتائج الحوار ملزمة لكل من يشارك فيه، بمن فيهم السلطة، وحينها فقط نصل إلى لمّ الشمل».
من جانبه، يرى المعارض كريم طابو، أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي، أن السلطة «ليست قلقة من قضية معتقلي الحراك. ورئيس الدولة يستطيع اتخاذ إجراءات في أي وقت لإطلاق سراحهم. المشكلة الوحيدة بالنسبة للسلطة تكمن في الحراك»، معتبراً أنها «تستخدم كل المناورات الممكنة حتى تجعل عودته مستحيلة»، وفق ما نشر على صفحته على «فيسبوك».
ولم يتضح تماماً الهدف من المشاورات السياسية؛ خصوصاً أن كل الذين التقاهم تبون لم يشيروا إلى أي مبادرة سياسية واضحة، ولم يتحدثوا عن «لمّ الشمل» الذي أعلنته وكالة الأنباء الرسمية.
وفي هذا السياق اعتبر أستاذ العلوم السياسية في المدرسة العليا للصحافة، شريف دريس، أن «الأمور غير واضحة، ولا توجد معلومات دقيقة عن المبادرة».
مبادرة الرئيس الجزائري لـ«لمّ الشمل».. بين التأييد والتشكيك
(تحليل إخباري)
مبادرة الرئيس الجزائري لـ«لمّ الشمل».. بين التأييد والتشكيك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة