«الشرق الأوسط» في مهرجان كان ـ 8 : حالة خاصّة اسمها توم كروز

توقعات الفوز بجوائز المهرجان صعبة والأفلام المستحقة قليلة

توم كروز مع فريق فيلمه «توب غن: مافيريك» أثناء عرضه في مهرجان «كان» (أ.ب)
توم كروز مع فريق فيلمه «توب غن: مافيريك» أثناء عرضه في مهرجان «كان» (أ.ب)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان ـ 8 : حالة خاصّة اسمها توم كروز

توم كروز مع فريق فيلمه «توب غن: مافيريك» أثناء عرضه في مهرجان «كان» (أ.ب)
توم كروز مع فريق فيلمه «توب غن: مافيريك» أثناء عرضه في مهرجان «كان» (أ.ب)

لا مجال للتكهنات حول من سيفوز ومن سيرجع خالي الوفاض من بين الأفلام التي شاركت في المسابقة. ليل اليوم السبت ستعلن النتائج التي تتولاها لجنة تحكيم يقودها الممثل الفرنسي ڤنسان ليندون وتحتوي على ثمانية أعضاء آخرين لا يمكن الشك في مواهبهم لكن عملية التحكيم واختيار الأفضل تتجاذبها عادة عناصر لا علاقة لها بالموهبة فقط.
مهما يكن، الأفلام التي شاركت في المسابقة الرسمية تباينت بدورها ومعظمها ليس أهلاً للتقدير. أو إذا أردنا الدقة، ليست أهلاً للتقدير إلى الحد الذي يمكن أن يجمع عليه معظم النقاد. وقلما فاز فيلم أعجب النقاد والجمهور ونال الجائزة الكبرى أيضاً.
بمراجعة سريعة، وبعد فيلم افتتاح لا معنى له أو قيمة («فاينال كت» لميشيل أزانافيسيوس الذي عرض خارج المسابقة) توالت الأفلام تحت ستار النوايا الحسنة. على سبيل المثال، «الجبل الثامن» للوكا مارينيللي وأليساندرو بورغي، جميل على صعيدي الفكرة والمناظر الطبيعية لكنه أقل من ذلك حين النظر إلى الكيفية المحبطة التي عالج المخرجان الدراما الناشئة عن رجلين ينتقلان إلى البرية ويستعيدان ذكرياتهما في إحدى القرى.

 البحث عن الهوية في الفيلم الروماني «آر أم إن»

«زمن القيامة» جيد بمحتواه الإنساني متحدثاً عن فترة من حياة المخرج جيمس غراي (ولو تحت اسم آخر) وهو أحد أفضل خمسة أفلام شوهدت في المسابقة. أحد الأفلام الأخرى التي تكاد توازيه «أخ وأخت» لأرنو دسبلباشان مع ماريون كوتيار وملڤيل بوبو. الفيلم يتعثر بسبب الحنين لميلودراما وما تعيشه غالبية الأفلام الفرنسية عادة من كثرة الحوار وكثرة الدخول والخروج من وإلى مشاهد بلا توقف عند لحظات كاشفة بصمتها.
«ولد من السماء» لطارق صالح جيد التنفيذ مشهداً وراء آخر لكنه ليس عميقاً. والروماني كرستيان منجيو أدى في R‪.‬M‪.‬N دوره في طرح السؤال حول الهوية المضطربة لرومانيا (تقع الأحداث في مقاطعة ترانسلفانيا). تتقدم الحكاية ببطء وتكشف - بالبطء نفسه - عن الوضع السياسي والاجتماعي في مقاطعة تتنازعها أطراف عدة وهجرة متوارثة تكاد تطيح بالهوية الأصلية للمقاطعة.
لم أشاهد فيلم الأخوين جاك - بيير ولوك داردين «توري ولوكيتا» الذي يبحث في حياة فتاة وصبي صغير هاجرا من أفريقيا ويحاولان العيش والامتزاج في المجتمع البلجيكي، لكن ما نشر عنه وضعه في خانة متوسطة بالنظر إلى أنه - على نحو أو آخر - إعادة كاملة لما اعتادا عليه من أسلوب عرض لحياة اجتماعية داكنة.
«مثلث الحزن» للسويدي روبن أوستلند قسم مشاهديه مناصفة تقريباً، بين معجبين وكارهين. كل هذا الحشد من السخرية والنقد لأثرياء السويد المنطلي على سواهم ربما يخدم حالة من «فش الخلق» حيال المسافة التي يرسمها ذلك المجتمع حوله بعيداً عن وقع الحياة بالنسبة لسواهم. لكن الفيلم غارق في السخرية لدرجة أن ما يحدث لا يبدو مهماً بذاته، بل لطروحاته. الغاية هي نقد الثراء والتأكيد على أن كل المزايا (والأحداث تقع فوق يخت كبير يغرق ما يدفع من كان عليه للجوء إلى جزيرة صغيرة) التي يتمتع الأثرياء بها ليست ذات قيمة. وجهة نظر جدلية بلا ريب لكن الفيلم هو استعراض أكثر منه بحث في مقومات اجتماعية رصينة.

من فيلم «مثلث الحزن»

الحديث المتكاثر أن الفيلم الكوري «قرار المغادرة» لبارك تشان - ووك، سيختطف الذهبية أو جائزة المهرجان الكبرى (الثانية). وهو يستحق ذلك إن فعل. كما ذكرنا عنه في رسالة سابقة، فيلم يحمل مستويات اهتمام مختلفة تمتزج جيداً في حكاية تحري يرتاب أن زوجة من أصل صيني قتلت زوجها لترثه. هذا الارتياب لا يضمحل لكن التحري يسمح لعلاقة خاصةً بالزوجة قبل أن يتلقى مفاجأة أخرى. فيلم «نوار» جديد مع حس تشويقي نجده في فيلم «العنكبوت المقدس» المنتج سويدياً للمخرج الإيراني المهاجر علي عباسي. إنه حول تحقيق تقوم به صحافية إيرانية في جرائم قتل مسلسلة لتكتشف أن هناك علاقة بين بعض من في السلطة وبين هذه الجرائم التي تذهب ضحيتها نساء وقد تكون هي الضحية المقبلة.
«توب غن» حسب كروز
المهرجان، كسواه، يحتاج لأسباب سبق ذكرها في تقارير سابقة، لخلق حالة إعلامية لا تستطيع الأفلام «الفنية» وحدها تحقيقه. لذلك يختار أفلاماً تنقسم إلى نوعين إجمالاً: أفلام الصدمة (كما حال فيلم الافتتاح وفيل المسابقة «جرائم المستقبل» لديفيد كروننبيرغ) وأفلام النجوم والإنتاجات الكبيرة. هذه تجدها في الأفلام الهوليوودية أو المصاغة على طريقتها ومنها هذا العام «ألفيس» لباز لورمان و«توب غن: مافيريك» لجوزيف كوزينسكي.
هذا الأخير شهد احتفاء المهرجان به على نحو خاص. طائرات حربية فوق المدينة تبث تكوينات لعلمي فرنسا والولايات المتحدة وحشد كبير من الممثلين و«ماستر كلاس» خاصة من بطل الفيلم توم كروز وما يجاور كل ذلك من مظاهر احتفائية وإعلامية.
كان هذا الناقد قد قرأ في مواصفات الفيلم مسبقاً عندما كتب إنه فيلم عسكري الصفات يشيد لحرب باردة في أجواء الحرب الساخنة بين الشرق والغرب. لا يتكفل «توب غن: مافيريك» بتحديد عدوه لكن المهمة المناطة في الفيلم لا تحتمل التكهن بالهوية: هناك قوة عظمى لديها مصنعاً لإنتاج اليورانيوم المخصب ولا بد من تدمير هذا المصنع لحماية أميركا والعالم الحر.

توم كروز في «توب غن: مافيريك».

هناك 36 سنة فارقة بين «توب غن» الأول و«توب غن» الثاني هذا. خلال هذه السنوات ارتقى ميتشل (كروز) من رتبة ضابط إلى كابتن. وكروز نفسه ارتقى من ممثل شبابي الهيئة والسن متلائم مع جيل التسعينات المحب للمغامرات العسكرية (بحرب أو بدونها) إلى ممثل لا يزال يبدو شاباً تحيط به علامات استفهام الجميع: كيف يمكن لابن التاسعة والخمسين أن يبدو كما لو كان في الثلاثينات أو الأربعينات من العمر.
ليس أن هذا السؤال سيعرقل ما يرد في الفيلم من إثارة أو يبث السخرية أو الريب في فعالية الممثل حيال تجسيد دوره البطولي. لا بد لميتشل (الملقب بمافيريك) أن يبرهن لي ولك ولباقي الممثلين إنه ما زال فتى بارعاً (ومافريك تعني استقلالية التفكير ممتزجة بالمهارة) يستطيع فعل ما يريد حتى ولو استشاط رئيسة الأدميرال كاين (إد هاريس) غضباً عليه. يطلب كاين من مافيريك أن لا يقلع بالطائرة الحربية الأسرع من الصوت، لكن كروز هو منتج الفيلم (على الأقل) ويستطيع أن يفعل ما يريد.
بعد العودة من الهرج الفضائي يواجه تلامذته من الطيارين لتحضيرهم للمهمة السرية (ولو إلى حين) التي سيقومون بها. كروز هنا يحط واقفاً مهما فعل. ليس فقط بوسامته، بل بجرأته على تنفيذ المشاهد الخطرة وبرعاية الفيلم لشخصيته بحيث لا يقدم على خطأ ما أو على ما ينجلي عن توجه درامي جاد.
من ناحية، هو فيلم عن بطل واحد. من ناحية مقابلة هو بطل واحد ما زال نصفه على الأقل أكثر واقعية من فانتازيات أبطال «ذا أفنجرز» و«كابتن أميركا» و«كابتن مارڤل» وسواهم. إنه كما لو أن الغاية المنشودة (والناجحة) هي التذكير بمعنى البطولة الحقيقي. تلك التي لا تزال تستفيد من بعض المظاهر الواقعية عوض أن تدور جميعها في أزمنة متشابكة وتقاتل ضد مخلوقات طاغية تهدد الأرض لولا القدرات الخاصة بالسوبرهيروز.
هو فيلم جيد للتسلية بلا ريب. من لا طلب أكثر من ذلك (باستثناء بوب كورن ومشروب غازي) سيجده تحفة أو قريب من هذا المستوى. الفيلم يقوم بكامله على فكرة الشخص الواحد في مخاطر متعددة وسريعاً ما يتنازل الفيلم عن فكرة العداء لقوى أخرى ليتبلور حول شخصيته الأولى. لا يحدد العدو، كما ذكرت (قد يكون الصين أو روسيا أو سواهما) وبذلك يتجنب وضع نفسه في فوهة المدفع.
كان من المتوقع إجراء مقابلة مع توم كروز حول هذا الفيلم وبعض مراحل مسيرته، لكن المنتج ديفيد إليسون نقل عنه رغبته في أن تتم المقابلة لاحقاً في الشهر المقبل في لوس أنجيليس. حسب كروز، وعن حق، «كان» بالنسبة إليه ليس المكان الصالح لإجراء مقابلات مجدية.


مقالات ذات صلة

«نورة»... من «كان» إلى صالات السينما بالرياض

يوميات الشرق انطلاق عرض فيلم «نورة» في صالات السينما بالرياض (تصوير: تركي العقيلي)

«نورة»... من «كان» إلى صالات السينما بالرياض

وسط مشاركة كبيرة من نجوم العمل ونخبة الفنانين والنقاد والمهتمين، شهدت صالات السينما في الرياض، الأربعاء، العرض الافتتاحي الخاص للفيلم السعودي «نورة».

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «نورة» حقق إنجازاً غير مسبوق للسينما السعودية (مهرجان البحر الأحمر)

عرض فيلم «نورة» بصالات السينما السعودية والعالمية 20 يونيو

أعلنت «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» عرض فيلم «نورة» في صالات السينما السعودية والعالمية بتاريخ 20 يونيو المقبل، بعد نجاحه اللافت خلال مهرجان «كان» السينمائي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما المخرج الأميركي شون بيكر الحاصل على السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي عن «أنورا» (إ.ب.أ)

فيلم «أنورا» للأميركي شون بيكر يفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان»

حصل المخرج الأميركي شون بيكر البالغ (53 عاماً)، السبت، على السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي عن «أنورا»، وهو فيلم إثارة في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (كان)
سينما «أنواع اللطف» (مهرجان كان)

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (7): ساعات قبل ختام دورة «كان» الحافلة

في الساعة السابعة مساء بتوقيت فرنسا، يوم السبت، يبدأ حفل توزيع جوائز الدورة الـ77 من مهرجان «كان»، الذي انطلق في 14 مايو (أيار) الحالي.

محمد رُضا (كان)
سينما «هورايزن: ملحمة أميركية» (وورنر).

شاشة الناقد: أفلام عن الحروب والسلطة

HORIZON‪:‬ AN AMERICAN SAGA ★★★☆ إخراج: كيڤن كوستنر | وسترن | الولايات المتحدة | 2024 لجون فورد وهنري هاثاوي وجورج مارشال، فيلم وسترن مشترك حققوه سنة 1962 من…


تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
TT

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)

تقام «أيام بنغلاديش» في حديقة السويدي بالعاصمة السعودية الرياض، والتي انطلقت لياليها، الثلاثاء، ضمن مبادرة تعزيز التواصل مع المقيمين التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية، بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه، تحت شعار «انسجام عالمي»، وتستمر حتى السبت، بهدف تعزيز التواصل الثقافي بين المجتمع السعودي والمقيمين، وإبراز التنوع الثقافي الغني الذي تحتضنه السعودية.

وتشهد الفعاليات عروضاً فنية متنوعة تقدمها الفرقة الشعبية، حيث تألق المشاركون بتقديم عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي، إلى جانب أغنيات مستوحاة من أعمال أبرز شعراء بنغلاديش.

عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي (الشرق الأوسط)

كما يضم الحدث منطقة مخصصة لعرض التراث البنغالي، حيث تُتيح للزوار فرصة استكشاف الجوانب الغنية للثقافة البنغالية عن قرب؛ إذ تشمل المنطقة معروضات للأزياء التقليدية المزينة بالزخارف اليدوية التي تعكس المهارة الحرفية والفنية المتميزة، حيث يتم عرض الساري البنغالي المصنوع من أقمشة الحرير والقطن الفاخرة، إضافة إلى الملابس التقليدية للرجال مثل البنجابي والدوتي، كما تعرض الإكسسوارات اليدوية التي تشتهر بها بنغلاديش، بما في ذلك المجوهرات التقليدية المصنوعة من المعادن والأحجار الكريمة، والحقائب والمطرزات التي تعكس ذوقاً فنياً عريقاً.

الفعاليات شملت استكشاف التراث البنغالي (الشرق الأوسط)

واشتملت الفعاليات على قسم مخصص للأطعمة من بنغلاديش؛ إذ يٌقدم للزوار فرصة تذوق أشهى الأطباق التقليدية التي تمثل المطبخ البنغالي المعروف بنكهاته الغنية وتوابله المميزة، وتشمل الأطباق المقدمة أكلات شهيرة مثل البرياني البنغالي، والداكا كاكوري كباب، وسمك الهيلشا المطهو بطرق تراثية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الحلويات التقليدية مثل الروشا غولا والميزان لادّو.

وتضيف هذه المنطقة بعداً مميزاً للفعالية، حيث لا تقتصر التجربة على الفنون والعروض، بل تمتد لتشمل استكشاف التراث البنغالي بشكل متكامل يعكس الحياة اليومية والعادات والتقاليد، مما يجعلها تجربة غنية تُثري التفاعل الثقافي بين الزوار.

معروضات للأزياء التقليدية (الشرق الأوسط)

وحظيت الفعاليات منذ انطلاقها بإقبال واسع من الزوار الذين عبروا عن إعجابهم بجمال الفلكلور البنغالي وتنوع العروض الفنية المقدمة، كما أبدى العديد من الحاضرين تقديرهم لهذه المبادرات التي تسهم في تعزيز التفاهم والتفاعل بين الثقافات.

وأكّد المسؤولون أن هذه المبادرة تأتي جزءاً من سلسلة برامج ثقافية تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي في المملكة، بما يتماشى مع «رؤية السعودية 2030» التي تدعم التنوع والانفتاح الثقافي.