اضطرابات سريلانكا تغيّر قواعد اللعبة وتعيد تسليط الضوء على استراتيجية الصين

قد تكون بداية لمسار اضطراب إقليمي كبير في جنوب آسيا

الاضطرابات الاحتجاجية تجتاح الشوارع في سريلانكا (رويترز)
الاضطرابات الاحتجاجية تجتاح الشوارع في سريلانكا (رويترز)
TT

اضطرابات سريلانكا تغيّر قواعد اللعبة وتعيد تسليط الضوء على استراتيجية الصين

الاضطرابات الاحتجاجية تجتاح الشوارع في سريلانكا (رويترز)
الاضطرابات الاحتجاجية تجتاح الشوارع في سريلانكا (رويترز)

من مواجهة النقص الحاد في الطعام والوقود، والاحتياطات الأجنبية المستنفدة، إلى الاضطرابات السياسية الخطيرة، تتصاعد الحالة الاقتصادية في سريلانكا، الدولة - الجزيرة، الواقعة إلى الجنوب من الهند في المحيط الهندي، إلى مستويات غير مسبوقة. وكانت سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية، والاقتراض المستمر للقروض غير المستدامة، وفشل السياسات العامة، قد أسهمت في اندلاع أزمة سياسية واقتصادية شاملة. وتحت ضغط الاضطرابات استقال رئيس الحكومة ماهيندا راجاباكسا (76 سنة) «عميد» أسرة راجاباكسا الحاكمة، خلال الأسبوعين الأخيرين، ما مهّد الطريق أمام تعيين زعيم المعارضة المحافظة ورئيس الوزراء السابق رانيل ويكريمسنغي في المنصب. وراهناً، يطالب المحتجون في العاصمة كولومبو باستقالة رئيس الجمهورية غوتابايا راجاباكسا (72 سنة) - شقيق رئيس الوزراء المستقبل - ومن غير المحتمل أن تتوقف احتجاجاتهم إلى الآن. ومن جانبهم، يواصل أفراد العائلة المباشرون والمموّلون التابعون لنظام راجاباكسا الفرار من البلاد حيث تقدم الحشود الغاضبة على إحراق ممتلكاتهم.
أدت المشكلات الاقتصادية في سريلانكا أخيراً إلى اندلاع اضطرابات مدنية، سرعان ما أشعلت شرارة أزمة سياسية للإطاحة بالحكم الاستبدادي لأسرة راجاباكسا، على خلفية الاتهامات المتفشية بالفساد والمحسوبية. وفي الوقت عينه، أغلقت سلطات كولومبو المدارس، وطلبت من المسؤولين الحكوميين، باستثناء أولئك الذين يحتاجون لخدمات الطوارئ، ألا يحضروا إلى مقرات أعمالهم، في خطوة يائسة تأهباً لمواجهة النقص حاد في الوقود المتوقع أن يستمر لعدة أشهر وسط أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد. وكان رئيس الوزراء المعين حديثاً رانيل ويكريمسنغي قد قال إن سريلانكا واحدة من الدول القليلة التي من المرجح أن تبقى بلا غذاء بسبب النقص العالمي في الغذاء المتوقع هذا العام. ويُذكر هنا أن نحو 70 في المائة من سكان البلاد، البالغ عددهم 22 مليون نسمة، من البوذيين، ومعظمهم من العرق السنهالي. وفي المقابل، يشكل الهندوس، وجلّهم من التاميل، نحو 12.6 في المائة من سكان البلاد، وبينما يمثل المسلمون نسبة 9.7 في المائة، يمثل المسيحيون 7.6 في المائة.

مَن المسؤول عن السقوط؟
أفراد عائلة راجاباكسا شكّلوا واحدة من أقوى الأسر السياسية - التي طالما هيمنت تقليدياً على السلطة - في سريلانكا، إذ شغل كثير من أفرادها مناصب عليا في الدولة لعقود من الزمان. وللعلم، فإن 4 إخوة وأولادهم من عائلة راجاباكسا احتلوا أعلى المناصب في الحكومة الحالية، فكان غوتابايا راجاباكسا رئيساً للجمهورية، وأخوه ماهيندا راجاباكسا رئيساً للوزراء. كذلك، كان أخوهما شامال وزيراً للري، وأخوهما الآخر باسيل وزيراً للمالية. وفي تشكيلة الحكومة، من الجيل الثاني، كان نامال نجل ماهيندا راجاباكسا وزيراً للرياضة، وكان أخوه يوشيثا كبير موظفي رئاسة الوزراء. بينما كان ساشيندرا، ابن عمهما شامال، وزيراً للدولة للزراعة. ومن جهة أخرى، كان نيبون رانافاكا، ابن شقيقة ماهيندا راجاباكسا، وزير دولة. غير أن عائلة راجاباكسا ذهبت أخيراً ضحيةً لانقلاب مذهل في حظوظها السياسية، ودفعت نفوذها ثمن التراجع غير المسبوق في الاقتصاد بسبب سوء الإدارة والفساد والمحسوبية.
الجدير بالذكر أن ماهيندا راجاباكسا – الذي تولى رئاسة الجمهورية بين خريف 2005 ومطلع 2015 – كان قد قاد عملية تغيير دستوري يسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثالثة، ودعا إلى إجراء انتخابات في أوائل 2015 للاستفادة مما اعتبره أفضلية له، بيد أنه هُزم في ردة فعل مفاجئة على يد مايثريبالا سيريسينا، الذي حصل على دعم الأقليات عبر برنامجه الإصلاحي والدفع باتجاه المصالحة.
ولكن مع ابتلاء حكومة سيريسينا الائتلافية بالمشكلات الناتجة عن الاقتتال الداخلي والاختلال الوظيفي، استهدف المتطرفون الإسلاميون في عيد الفصح يوم الأحد 2019 الكنائس المسيحية والفنادق الفخمة في هجمات انتحارية منسّقة. وفي خضم موجة من القومية الشعبوية البوذية، حقق غوتابايا راجاباكسا (72 سنة) - شقيق ماهيندا الأصغر - انتصاراً انتخابياً كاسحاً يوم نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وانتخب بالتالي رئيساً جديداً للجمهورية بغالبية ساحقة. ثم عقب ذلك انتصار كاسح آخر لحزب الشعب السريلانكي الذي يترأسه في الانتخابات العامة التي أجريت خلال أغسطس (آب) 2020. وهو ما ضمن له الحصول على غالبية الثلثين في البرلمان، كما ساعدته على إعادة أخيه الأكبر ماهيندا إلى الأضواء وتوليه منصب رئيس الوزراء.
ولكن في شريط الاضطرابات الأخيرة هاجم المحتجون الغاضبون معقل العائلة وحصنها السياسي في منطقة هامبانتوتا، وأجبروا أفرادها على الاحتماء في قاعدة بحرية شديدة التحصين، كما لم يشاهد الرئيس غوتابايا راجاباكسا خارج مجمعه الذي يخضع لحراسة مشددة على الرغم من تشبثه بالسلطة.

كارثة اقتصادية
في رواية للكاتبة الصحافية ناتاشا إيشاك لما حدث، فإنها تقول إن كثيراً من الناس يُعزون الأزمة الاقتصادية في سريلانكا إلى سوء إدارة الحكومات المتعاقبة للأموال، وخاصة من قبل عائلة راجاباكسا، التي هيمنت على البلاد طيلة عقدين من الزمان تقريباً. وهي ترى أنهم بمجرد تمكينهم من قبل القومية البوذية السنهالية المظفرة بعد حرب أهلية وحشية، تبددت حظوظ العائلة إزاء ما يسميه حلفاؤهم العجز الشديد والرفض الشعبي، وحقاً، يصر المحتجون وأحزاب المعارضة الآن على ضرورة استقالة رئيس الجمهورية بعد استقالة رئيس الحكومة السابق، وسط شبه إجماع على أن التدهور الاقتصادي جاء بالدرجة الأولى نتيجة للقرارات السياسية السيئة التي اتخذها.
أيضاً، ثمة من يشير إلى غلبة النفعية السياسية على القرارات الرشيدة بعد فترة قصيرة من انتخاب الرئيس. وفي هذا السياق، أُعلن عن تخفيضات ضريبية سخية، زُعم أنها كانت تهدف إلى تحفيز الاقتصاد، لكنها في الحقيقة كانت تهدف إلى استرضاء الناخبين في الانتخابات العامة التي أجريت بعد بضعة أشهر. وبحلول أبريل (نيسان) 2022، بلغت خسائر الإيرادات الناجمة عن التخفيضات الضريبية 500 مليار روبية (1.3 مليار دولار أميركي). وحول هذه النقطة، قال علي صبري، وزير المالية الجديد، أمام البرلمان، إن التخفيضات الضريبية كانت خطأ تاريخياً.
ومع تفاقم الأزمة وخروجها عن السيطرة، دفع «جبل» الديون الخارجية سريلانكا إلى التخلف عن سداد قروض ديونها الخارجية التي بلغت قيمتها 51 مليار دولار للمرة الأولى منذ استقلالها عام 1948. ولقد أفاد المصرف المركزي للبلاد بأن سداد الديون سيستغرق على الأقل 6 أشهر. وتحت الضغوط المتواصلة، كان لا بد أن تطلب سلطات كولومبو المساعدة من صندوق النقد الدولي. وفعلاً طلبت الحكومة من صندوق النقد الدولي تقديم دعم مالي سريع، ومنحها قرضاً مرحلياً لتحقيق الاستقرار في الأزمة الاقتصادية. غير أن الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي سيستلزم من السلطات السريلانكية تنفيذ خطة لإعادة هيكلة الديون. وكان من المتوقع قريباً اختتام المناقشات الجارية بين صندوق النقد الدولي وكولومبو للمساعدة في تخفيف حدة الأوضاع الاقتصادية المزرية.
كذلك كان من المرجح إلى حد كبير حصول سريلانكا الآن على القرض السابع عشر من صندوق النقد الدولي لتخطي الأزمة الحالية، ما من شأنه أن يفرض شروطاً جديدة. وكان آخر قرض قدمه صندوق النقد الدولي للبلاد عام 2016. وبالفعل، تلقت 1.5 مليار دولار أميركي لـ3 سنوات من 2016 إلى 2019. ويومها كانت الظروف مألوفة، إذ تأزمت صحة الاقتصاد الوطني خلال تلك الفترة. وجاء في ورقة عمل صادرة عن بنك التنمية الآسيوي عام 2019 «أن سريلانكا دولة ذات اقتصاد كلاسيكي يعاني من العجز المزدوج». وبالمناسبة، فإن «العجز المزدوج» يعني أن الإنفاق الوطني لأي دولة يتجاوز دخلها الوطني، كما أن إنتاجها من السلع والخدمات القابلة للتداول غير كافٍ. لكن الأزمة الحالية في سريلانكا تسارعت بسبب التخفيضات الضريبية العميقة التي وعد بها الرئيس راجاباكسا خلال حملته الانتخابية 2019، والتي جرى تفعيلها قبل أشهر من جائحة «كوفيد 19» التي قضت على أجزاء من اقتصاد البلاد.
ومع تراجع قطاع السياحة السريلانكية المربح، وكذلك انخفاض حجم تحويلات العمال الأجانب بسبب الجائحة، تحرّكت وكالات التصنيف الائتماني نحو تخفيض تصنيف سريلانكا، ومنعتها فعلياً من الدخول إلى أسواق رأس المال الدولية. وفي المقابل، انحرف برنامج إدارة الديون في البلاد عن مساره، وهو الذي كان يعتمد على الوصول إلى تلك الأسواق، وانخفض أيضاً احتياطي النقد الأجنبي بنسبة 70 في المائة تقريباً في غضون سنتين. وكان قرار حكومة راجاباكسا بحظر كل الأسمدة الكيماوية عام 2021 – وهي خطوة تراجع عنها لاحقاً - قد أضرّ كثيراً بقطاع الزراعة في البلاد، وأدى إلى انخفاض محصول الأرز الحيوي. وهنا، يلحظ الخبير الاقتصادي الهندي أيوشي تشودري اعتماد كولومبو سياسة مالية انكماشية بعد ذلك، الأمر الذي سيحدّ من احتمالات الانتعاش الاقتصادي، ويزيد من معاناة الشعب السريلانكي. ومع انتظار آلاف المواطنين في طوابير أمام محطات الوقود في مختلف أنحاء البلاد، كانت الحكومة تجد مصاعب في إيجاد المال اللازم لدفع تكاليف استيراد الوقود والغاز وغيرهما من الضروريات.
ومع تراكم الديون الخارجية للبلاد، عانى قطاعها السياحي - الذي كان في السابق صناعة تبلغ قيمتها 4.4 مليار دولار ومصدر دخل رئيساً لها - من ضربات متتالية. وفي عام 2019، عانت السياحة من سلسلة من التفجيرات التي استهدفت الكنائس وأسفرت عن مقتل ما يقرب من 300 شخص، بمن فيهم بعض الرعايا الأجانب.
ثم في العام التالي، شلّت جائحة «كوفيد 19» السياحة وقطاعات رئيسة أخرى تماماً... في خضم انكماش اقتصادي عالمي. ومع أن سريلانكا شهدت بعض الزيادة في عدد زوارها الأجانب خلال العام الماضي، فإن الجائحة المستمرة، والمصحوبة الآن بالغزو الروسي لأوكرانيا - وهما المصدران الرئيسان للسياحة لسريلانكا قبل الصراع - واصلت إبطاء انتعاش صناعة السياحة.

لماذا لوم الصين؟
يعتقد كثيرون أن العلاقات الاقتصادية السريلانكية - الصينية هي المحرك الأساسي للأزمة. ولقد وصفت الولايات المتحدة هذه الظاهرة بأنها «دبلوماسية فخ الديون»؛ حيث تقدم دولة دائنة، أو مؤسسة دائنة، الديون إلى دولة مقترضة بهدف زيادة النفوذ السياسي للجهة المُقرضة. ومن ثم، إذا مدد المقترض فترة التسديد ولم يستطع سداد الديون، فإنه سيجد نفسه تحت رحمة الدائن. ولكن مع استمرار أزمة ديون سريلانكا في تسليط الضوء على ممارسات الإقراض الصينية، دأبت بكين على نفي الاتهامات بشأن ما يسمى «دبلوماسية فخ الديون».
راهناً، تحتل الصين المرتبة الثالثة بين دائني سريلانكا، بعد اليابان وبنك التنمية الآسيوي، وتمثل ديونها 10 في المائة من الدين. ويشمل ذلك 11 مليار دولار أميركي من مشروعات «مبادرة الحزام والطريق» الصينية أنفقتها الجهات المقرضة الصينية على تلك المشروعات، ويضاف إليها تعهد بكين «بلعب دور إيجابي» في المباحثات مع صندوق النقد الدولي حول قرض طارئ محتمل. أيضاً عرضت بكين تقديم مزيد من القروض، لكنها امتنعت عن الانضمام إلى العملية التي قد تخفض ديون سريلانكا، ربما خوفاً من مطالبة بإعفاءات مماثلة من مقترضين آخرين في «مبادرة الحزام والطريق» مدينين بعشرات المليارات من الدولارات. وأخيراً، صرح السفير الصيني في كولومبو للصحافيين بأن التفاوض مع صندوق النقد الدولي سيتعارض مع عرض القرض الذي قدمته بكين. وهنا نشير إلى أن بكين تجنبت الانضمام إلى «نادي لندن للمقرضين الحكوميين»، الذي هو المنتدى المعنيّ بالتفاوض على خفض الديون.
في المقابل، يرى خبراء أنه إذا حاولت بكين تجنب خفض الديون، فإن ذلك قد يعرقل مباحثات صندوق النقد الدولي، أو يدفع دائني القطاع الخاص إلى الصمود للحصول على مزيد من الأموال. و«غياب التعاون من قبل بكين سيُعقد رحلة استرداد الديون في سريلانكا». وهنا يشير غولبين سلطانا، الزميل المشارك في معهد «مانوهار باريكار» للدراسات والتحليلات الدفاعية في نيودلهي، أن «لدى الصين أجندة خفية لرفض إعادة جدولة قروضها لسريلانكا». وأردف أن بكين تريد الاستفادة من عجز سلطات كولومبو عن سداد القروض في موعدها. وتنتظر بكين اليوم الوقت المناسب للدخول في مبادلة للديون بالأسهم والحصول على أراضٍ في سريلانكا. ومن شأن هذه المقايضة تحويل القروض السابقة إلى أسهم. الأمر الذي يمنح الصين ملكية المشروع في البلاد. وهنا يستشهد سلطانا بسابقة مشروع ميناء هامبانتوتا الممول من قبل الصين، الذي وضع من خلال آلية المقايضة عام 2017 بعد عجز سريلانكا عن سداد الديون في الوقت المحدد. وبالفعل، حصلت الصين على 70 في المائة من الملكية بعد تحويل القروض إلى ملكية في الميناء.

                                                    رئيس الجمهورية غوتابايا راجاباكسا
المعارضة: اللوم على المشاريع غير الواقعية
> يقول زعماء المعارضة إنه في الوقت الذى تحتاج سريلانكا إلى الصين لخفض ديونها، يقع اللوم على القادة الذين بنوا مشاريع غير واقعية لا يمكنهم تسديد تكاليفها بأنفسهم، بينما فشلوا في الاستثمار في التنمية الاقتصادية. وقال كبير هاشم، عضو مجلس النواب «إن القروض الأجنبية شقت طرقا سريعة، وشيدت مطارات، وقاعات اجتماعات في الغابات تلك التي لم تُدر أي عوائد بالعملة الأجنبية. والآن ليس لدينا الدولارات التي تمكننا من إعادة هذه القروض». وفي هذا السياق، شُيد ميناء هامبانتوتا - في مسقط رأس الرئيس ماهيندا راجاباكسا - آنذاك... وسدد له 1.1 مليار دولار أميركي في هيئة قروض صينية. كذلك، أنقذت بكين الميناء عام 2017 من خلال شراء شركة «تشاينا ميرشانتس غروب» المملوكة للدولة، بعقد إيجار مدته 99 سنة تبلغ قيمته 1.1 مليار دولار، ويشمل ذلك أراضي لمنطقة صناعية. وأيضاً، منح الاتفاق سريلانكا سيولة نقدية لتسديد ديون البنوك الصينية. وجرى دفع قروض صينية لمطار دولي بالقرب من هامبانتوتا لا تستخدمه سوى قلة محدودة من شركات الطيران.
هذه الحقائق أدت إلى تجدد الاتهامات بأن بكين استخدمت «فخ الديون» لبسط النفوذ في البلاد. وحسب البرلماني ويجياداسا راجاباكشي «كانوا يعرفون أننا لا نملك القدرة على السداد... ولذا كان لا بد من إقناع الصينيين بالتخلي عن جزء على الأقل من القروض. إن الفقراء العاديين، الذين لا يجدون وجبة واحدة في اليوم، يدفعون هذا الدين الآن».

أزمة سريلانكا... الأبعاد والمصالح الإقليمية
> تقدمت دول كثيرة لمساعدة سريلانكا. وكمثال، كانت الهند تساعدها إلى حد كبير في دعم استقرار الأزمة الاقتصادية، إذ أمّنت سلطات نيودلهي لحكومة كولومبو مؤخرا خطاً ائتمانياً بقيمة 1.5 مليار دولار أميركي لتجاوز أزمة الوقود في البلاد، بالإضافة إلى 2.4 مليار دولار أخرى من خلال مبادلة العملة وتأجيل القروض. ويقترح أخيل بري، الزميل لدى معهد سياسات المجتمع الآسيوي، تقديم مساعدة إنسانية رباعية إلى سريلانكا. ويرى أن هناك فرصة أمام كل من الهند والولايات المتحدة لتقليص تأثير الصين على سريلانكا، وتعزيز «الشراكة مع نيودلهي» من خلال دعم أهداف السياسة الخارجية المركزية المتمثلة في الحفاظ على التفوق الإقليمي، ومواجهة التطويق الصيني، وأن موازنة سياسة الصين الخارجية إزاء سريلانكا تستلزم إعادة تقييم عاجلة. كذلك ثمة فرصة لتوازن السياسة الخارجية السريلانكية بحيث تكون في إطار النظام العالمي القائم على القواعد، وغرس المعايير المالية الأكثر موضوعية وحكمة، والابتعاد عن القروض الصينية غير الشفافة ذات الفائدة العالية، والمشاريع غير المربحة.
وحسب الخبراء، يرجح أن تمكن عملية إعادة التقييم الاقتصادي لسريلانكا من حصول سلطات كولومبو على التمويل من قنوات متعددة، بما في ذلك دول «المجموعة الرباعية» (الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا).
وهنا نشير إلى أن التزام كولومبو بمنطقة المحيطين الهادي والهندي كانت غير واضحة إثر ميلها نحو بكين. واليوم، يحذر عدد من الخبراء من أن باكستان قد تكون الدولة التالية في سلسلة السقوط الاقتصادي، كما أن نيبال وبنغلاديش والمالديف تقع أيضا داخل منطقة الخطر، جنبا إلى جنب مع العديد من الدول الافريقية، التى كانت جزءا من مشاريع «مبادرة الحزام والطريق» الصينية.


مقالات ذات صلة

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

الاقتصاد طابور طويل أمام وزارة الهجرة السريلانكية للحصول على جوازات سفرهم خارج البلاد التي تعاني من إفلاس (إ.ب.أ)

رئيس سريلانكا يتوقع استمرار الإفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان الأربعاء إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعياً إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد في ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا أنني لست هنا لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه لدى وصوله لإلقاء كلمة أمام البرلمان في كولومبو (أ.ف.ب)

رئيس سريلانكا يتوقع البقاء في حالة إفلاس حتى 2026

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكريميسينغه أمام البرلمان، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستظل مفلسة حتى عام 2026 على الأقل، داعيًا إلى دعم إصلاحاته لإنعاش الاقتصاد ظل أزمة تاريخية. وقال ويكريميسينغه الذي تولى الرئاسة الصيف الماضي بعد استقالة غوتابايا راجاباكسا إن «تبني سياسات ضريبية جديدة هو قرار لا يحظى بشعبية. تذكروا انني لست هناك لأتمتع بالشعبية بل أريد إخراج هذه البلاد من الأزمة التي تواجهها». وأضاف «إذا واصلنا خطة (الإصلاحات) يمكننا الخروج من الإفلاس بحلول 2026». ويحمل السكان ويكريميسينغه مسؤولية الأزمة في ظل نقص الغذاء والوقود والكهرباء والدواء.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
العالم الرئيس السريلانكي رانيل ويكريمسينغه خلال العرض العسكري (أ.ب)

الرئيس السريلانكي يدعو إلى التفكير في «الأخطاء» الماضية

بينما تمر البلاد بأزمة كبيرة، دعا الرئيس السريلانكي، رانيل ويكريمسينغه، خلال عرض عسكري بمناسبة مرور 75 عاماً على استقلال البلاد، إلى التفكير في «الأخطاء والإخفاقات» الماضية. ومنذ انتهاء الاستعمار البريطاني في 1948، قضت الدولة الجزيرة جزءاً كبيراً من تاريخها في حرب مع نفسها.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)
الاقتصاد صورة أرشيفية تظهر مسار قاطرات تنقل مواد تعدينية من مدينة الجبيل السعودية (غيتي)  -   نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي

سريلانكا تتطلع للاستفادة من تجربة التعدين السعودية

شدد المهندس نصير أحمد وزير البيئة السريلانكي على آفاق التعاون بين كولمبو والرياض بمختلف المجالات، وقطاع التعدين على وجه التحديد، متطلعا إلى تعزيز التعاون مع السعودية بقطاع التعدين، والاستفادة من تجارب المملكة في تطوير الصناعة المعدنية وقوانين وأنظمة المعادن، والمواكبة، والنهوض بإمكانات بلاده المعدنية. ودعا نصير السعوديين للاستثمار بالقطاع في بلاده، وإقامة مشاريعهم الاستكشافية والقيمة المضافة للإنتاج التعديني في البلدين، مشيرا إلى أن بلاده بدأت حقبة جديدة في التنمية الاقتصادية والنمو، وفي طريقها لتجاوز التحديات التي أفرزت انهيارا اقتصاديا وضائقة مالية. وشدد نصير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «على ا

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
العالم عناصر من جيش سريلانكا (أرشيفية - إ.ب.أ)

سريلانكا تخفض جيشها بنحو الثلث لخفض الإنفاق

قال وزير الدفاع السريلانكي، اليوم الجمعة، إن بلاده ستخفض قوام جيشها بما يصل إلى الثلث، إلى 135 ألفاً بحلول العام المقبل، وإلى 100 ألف بحلول عام 2030، فيما تحاول البلاد، التي تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أكثر من سبعة عقود، خفض الإنفاق. وقال بريميتا باندارا تيناكون في بيان: «الإنفاق العسكري هو في الأساس نفقات تتحملها الدولة، التي تحفز بشكل غير مباشر وتفتح مجالات للنمو الاقتصادي عن طريق ضمان الأمن القومي وأمن السكان».

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.