قد يبدو قرار افتتاح شركة رائدة في إنتاج السيارات الكهربائية مصنعاً في إحدى كبرى الدول المنتجة للنفط غريباً بعد الشيء... لكنه يختزل في الواقع قصّة التحول الاقتصادي الأكثر إثارة في القرن الـ21.
«إنه من أكثر المشاريع إثارة للحماس بالنسبة لنا، وهو مشروع أفتخر به شخصياً»، هكذا وصف وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح مشروع إنشاء مصنع شركة «لوسيد» لتجميع السيارات الكهربائية في السعودية.
وقال الفالح، في حوار مع «الشرق الأوسط» على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إنه يتوقّع نمو حجم الاقتصاد السعودي إلى ما يتراوح بين 1.7 و1.8 تريليون دولار بحلول 2030، ما سيضع السعودية بين أكبر 15 اقتصاداً في العالم.
وأشاد المسؤول السعودي بالتحسن الكبير في أداء مؤشرات الاستثمار، مشيراً إلى مضاعفة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 4 مرات خلال السنوات الأخيرة، ومسلّطاً الضوء على سلسلة الإصلاحات التي انتهجتها السعودية في بيئة الأعمال ومنظومة الاستثمار. كما نوّه إلى أن السعودية تستهدف جذب استثمارات أجنبية تتجاوز 100 مليار دولار بحلول عام 2030.
- اقتصاد «تريليوني»
أعرب وزير الاستثمار السعودي عن تفاؤل كبير بمسار النمو الاقتصادي في بلاده. وقال إن الاقتصاد السعودي يتّجه لتخطّي عتبة تريليون دولار هذا العام، مقارنةً بنحو 650 مليار دولار قبل «رؤية 2030»، متوقعاً نمو حجم الاقتصاد ليصل إلى ما يتراوح بين 1.7 و1.8 تريليون دولار بحلول 2030، محققاً بذلك مستهدف الرؤية بتقدم السعودية لتكون ضمن أكبر 15 اقتصاداً في العالم.
إلى جانب النمو الاقتصادي، أكَّد الفالح أهمية النظر إلى تركيبة الاقتصاد السعودي، قائلاً: «سيظل قطاع النفط والغاز مهماً خلال العقود الثلاثة المقبلة وسيستمر في النمو، إلا أن نسبة مساهمته في الاقتصاد ستتراجع. فقد شهد عام 2021 على سبيل المثال، نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 6%، في حين بلغ نمو الأنشطة النفطية نحو 0.2%» نظراً لآثار تبعات الجائحة.
- قطاعات واعدة
توقّع الوزير السعودي أن تنمو الصناعات غير النفطية بشكل كبير خلال السنوات القادمة، لافتاً إلى أن مساهمة قطاع السياحة، على سبيل المثال، في الناتج المحلي الإجمالي ستتجاوز 10% بحلول عام 2030. ويرى الفالح أن نمو القطاعات الجديدة والواعدة يسهّم بتحفيز الاستثمار في سلاسل القيمة بالكامل، ومن هذه القطاعات على سبيل المثال: السياحة، والفنادق، والترفيه، والتجزئة، والخدمات اللوجيستية، والثقافة، وغيرها.
وسلّط الفالح الضوء على أهمية قطاع التقنية وتقنية المعلومات، الذي يتوقّع أن يشهد نمواً كبيراً في السنوات القادمة، مشيراً إلى أنه «يشكّل قطاعاً بحد ذاته، ويوفِّر بنية تحتية تخدم كل القطاعات الأخرى»، مستشهداً بمثالَي التقنية المالية (Fintech) التي ستشكّل قاعدة نموّ كبير لقطاع الخدمات المالية، والتجارة الإلكترونية التي يتوقع أن يستفيد منها قطاع التجزئة والتجارة المحلية والدولية.
إلى ذلك، أكَّد الوزير أهمية قطاع الخدمات اللوجيستية، الذي يعدّ من القطاعات الواعدة في خطّة النمو وتنويع الاقتصاد السعودي. وتوقع الفالح تحقيق استثمارات مهمة في هذا القطاع، الذي يشمل عدداً من المجالات، تشمل نقل الأشخاص والبضائع والسلع وتوزيع الطرود جواً وبحراً وبراً.
أما قطاع الصحة، فسيكون بدوره «رافداً كبيراً للاقتصاد»، في ظل التحول الكبير الذي يشهده وارتفاع مساهمة القطاع الخاص فيه. ويرى وزير الاستثمار أن سلاسل القيمة المرتبطة بقطاع الصحة «كبيرة جداً»، وتشمل البحث العلمي وريادة الأعمال والتكنولوجيا الصحية، وغيرها.
ولفت المسؤول السعودي إلى بعض القطاعات الأخرى التي ستلعب دوراً محورياً في دعم النمو، ومنها التعليم والزراعة الحديثة وقطاع المياه «الذي ننظر إليه تقليدياً على أنه عبء على الدولة، لكنه سيتحول ويشهد خصخصة ويصبح جاذباً للاستثمار؛ مما سيتيح توليد إيرادات خاصة به».
- الطاقة المتجددة
في الوقت الذي تعمل فيه السعودية على تطوير القطاعات غير النفطية، ما زال قطاع النفط والغاز يلعب دوراً محورياً في نموها الاقتصادي. وعبّر وزير الاستثمار عن ثقته في «زيادة حصة السعودية السوقية بفضل الاستثمارات المتوقعة في هذا القطاع، وانحسارها في دول أخرى»، متوقّعاً أن يستمر الطلب على النفط والغاز على مدى العقود القادمة.
في المقابل، نوَّه الفالح إلى أن الهيكلة الجديدة للاقتصاد السعودي تحتّم نمو الطاقة المتجددة بنسبة أكبر من النفط والغاز. وأوضح أن مصادر الطاقة المتجددة، سواء كانت شمسية أو من خلال الرياح، تهدف إلى إنتاج الكهرباء بطاقة استيعابية تلبّي 50% من الطلب المحلي على المدى المتوسط، بالإضافة إلى استهداف تحويلها إلى طاقة للتصدير عن طريق كابلات الربط.
- 4 عوامل لتحفيز الاستثمار
شدّد الفالح على الدور المهم الذي تلعبه الاستثمارات الخاصة، التي يقود جزءاً منها صندوقُ الاستثمارات العامة، في تطوير القطاعات الاقتصادية. إصلاح منظومة الاستثمار
رأى وزير الاستثمار أن البيئة التنظيمية قد تشكّل العائق الأول أمام الاستثمار الأجنبي في بعض القطاعات، مشيراً إلى أبرز الإصلاحات التي تم انتهاجها على جانب تحسين البيئة الاستثمارية. وأوضح: «أتحنا للمستثمرين الأجانب التملك بالكامل في معظم القطاعات، والوصول إلى الفرص الاستثمارية وإبرام شراكات مع مستثمرين سعوديين إن كانوا يرغبون في ذلك، كما سهّلنا دخول السوق السعودية واستخراج التراخيص».
وتابع أن الوزارة تعمل اليوم على ضمان الوضوح والشفافية في جميع الاستراتيجيات القطاعية، على أن تكون متاحة إلكترونياً باللغتين العربية والإنجليزية. وقال: «أنا فخور بأننا استطعنا مضاعفة تدفقات الاستثمار الأجنبي بالمملكة بنحو 4 مرات خلال السنوات الأخيرة (من نحو 5 مليارات دولار إلى 20 مليار دولار في العام 2021)، ما نسبته 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي»، وذلك خلال فترة صعبة شهد فيها العالم جائحة «كورونا».
ونوّه إلى أن السعودية تستهدف جذب استثمارات أجنبية تبلغ ما يزيد على 100 مليار دولار، وما نسبته 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، لافتاً إلى أن العمل جارٍ على قدم وساق لتعزيز حوافز الاستثمار في القطاعات غير التقليدية المبنية على المعرفة (كالتكنولوجيا الصحية، والتعليم والزراعة الحديثة)، من خلال تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتنمية المواهب والبحث والتطوير.
- السيارات الكهربائية
يولي وزير الاستثمار اهتماماً خاصاً بتطوير صناعة السيارات الكهربائية في السعودية، وأعلن خلال أعمال «دافوس» هذا الأسبوع أنه يطمح في أن تشكّل 30% من إجمالي السيارات.
وعن المشروع الذي أعلنت عنه شركة «لوسيد» لافتتاح مصنع يجمع 150 ألف سيارة كهربائية في السعودية سنوياً، قال الفالح إن «التطور العالمي في مجال الطاقة واقع وحقيقة، وفرصة للمملكة». وتابع: «إن نظرنا إلى صناعة إنتاج النفط والغاز، سنجد أن السعودية هي الأقل تكلفة والأكثر كفاءة من ناحية التعامل مع البيئة». ويتوقّع الفالح أن يبدأ الطلب على الغاز والنفط في التراجع بعد عقدين، إلا أنه سيظلّ موجوداً حتى القرن القادم على الأقل، «وبالتالي، فإن السعودية ستواصل الاستفادة من مواردها الطبيعية»، دون خوف من أن تنحسر أو يتعذّر استخراجها.
في الوقت ذاته، لفت الوزير إلى أن العالم يسرّع من عملية التحول إلى مصادر طاقة «مكمّلة وليست بديلة» للطاقة التقليدية؛ مما يتيح فرصة كبيرة للسعودية التي تتميز بخبرات كبيرة في مجال الطاقة، من ناحية إدارة سلاسل القيمة والبحث العلمي وتنفيذ المشاريع الكبرى.
يشمل هذا التحول في الطاقة التدريجي قطاع النقل، حيث أشار الوزير إلى أن «السعودية بحاجة إلى تطوير صناعة السيارات، الأمر الذي وضعنا أمام قرار إنشاء مصانع (سيارات تقليدية) رغم بداية تراجع الطلب عليها، وتسجيل دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأميركا ودول أوروبية فائضاً في الإنتاج، أو إنشاء مصنع (سيارات كهربائية) وهو قطاع يشهد طلباً متزايداً». وتابع: «حسمت المعطيات الاقتصادية القرار، خصوصاً أن صناعة السيارات الكهربائية ستمكّن من إنشاء سلاسل القيمة غير الموجودة في السعودية».