الحرب الأوكرانية تسرق «الحياد» من فنلندا

لافتات في منطقة فاليما تُظهر المسافة التي تفصل المنطقة الحدودية عن هلسنكي ومدينة سان بطرسبورغ الروسية (الشرق الأوسط)
لافتات في منطقة فاليما تُظهر المسافة التي تفصل المنطقة الحدودية عن هلسنكي ومدينة سان بطرسبورغ الروسية (الشرق الأوسط)
TT

الحرب الأوكرانية تسرق «الحياد» من فنلندا

لافتات في منطقة فاليما تُظهر المسافة التي تفصل المنطقة الحدودية عن هلسنكي ومدينة سان بطرسبورغ الروسية (الشرق الأوسط)
لافتات في منطقة فاليما تُظهر المسافة التي تفصل المنطقة الحدودية عن هلسنكي ومدينة سان بطرسبورغ الروسية (الشرق الأوسط)

اكتسبت فنلندا صيت الدولة الحيادية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ونجحت منذ ذلك الوقت في البقاء خارج نطاق الحرب الباردة. ويعود ذلك لدورها في تلك الحرب حيث قاتلت إلى جانب ألمانيا النازية، بهدف محاولة استعادة أراضيها التي خسرتها لصالح السوفيات في «حرب الشتاء» عام 1939 التي اضطرت في نهايتها إلى التخلي عن 9 في المائة من أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي، وخسر ما يزيد على 450 ألف شخص منازلهم بعد أن تم إجلاؤهم من البلدات التي تحولت إلى روسية، من بينها بلدية «فيبوري» في كريليا التي أصبحت اليوم بلدة «فيبورغ» في روسيا. وبعد نهاية الحرب، تعهدت فنلندا في اتفاقيات بأن تبقى على الحياد.

سياسة فنلندا الدفاعية والداخلية في العقود الماضية تُظهر أنها لم تتوقف يوماً عن خشية جارتها القوية. فهي أبقت على التجنيد الإجباري لشبانها حتى اليوم، وسنوياً تدرب قرابة الـ27 ألف جندي. ويتوجب على كل شاب الخضوع لهذا التدريب بعد الانتهاء من دراسته لمدة عام. وقد خضع قرابة الـ80 في المائة من الشبان في فنلندا للخدمة العسكرية الإجبارية. كما أنها بنت طوال العقود الماضية شبكة ملاجئ ضخمة بلغ عددها في كامل الأراضي الفنلندية، حسب وزارة الداخلية المسؤولة عنها، 54 ألف ملجأ يمكنها أن تؤوي 4.4 ملايين شخص من أصل 5 ملايين ونصف المليون يعيشون في فنلندا. «الشرق الأوسط» زارت قرية يلامي، التي باتت على بُعد 30 كيلومتراً من الحدود الروسية. فرغم قرب روسيا لبلدتهم لا يبدو السكان هنا خائفين بقدر ما هم مرتاحون لقرار حكومتهم الانضمام للناتو.

راسموس هندرن خبير في الشؤون الدفاعية عمل سابقاً مستشاراً في وزارة الدفاع (الشرق الأوسط)

على بُعد كيلومترات قليلة من الحدود مع روسيا، كانت كاثرين، سيدة ستينية، منشغلة بتقليم العشب في حديقة منزلها في بلدة يلامي الفنلدنية. هدوء البلدة وسكونها لا يوحيان بمستوى التوتر المحيط بها. «روسيا غير بعيدة من هنا»، تقول كاثرين وهي تشير بيدها نحو الحدود المرئية في الأفق غير البعيد. «ولكنني لست خائفة»، تضيف مبتسمة. فقبل يوم تقدمت فنلندا بطلب عضوية رسمي للناتو. وكاثرين تعد هذا القرار صائباً. فهي «لا تحب روسيا» كما تكرر. وسكان البلدة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الخمسين «لا يحبونها كذلك»، تقول كاثرين. هذا الحب الضائع ليس مستغرباً. فالحدود الروسية لم تكن بهذا القرب قبل 83 عاماً، وهو أمر يتذكره والدا كاثرين جيداً. «حرب الشتاء» كانت حرباً مؤلمة لفنلندا غيّرت مفاهيمها الجيوسياسية. وهي الحرب التي اندلعت في نهاية عام 1939 مع الاتحاد السوفياتي الذي غزت قواته الأراضي الفنلندية. ورغم أن الحرب لم تستمر طويلاً وانتهت بعد 105 أيام، فإن خسائرها بالنسبة لفنلندا كانت ضخمة. فهي اضطرت في نهايتها للتخلي عن 9 في المائة من أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي، وخسر ما يزيد على 450 ألف شخص منازلهم بعد أن تم إجلاؤهم من البلدات التي تحولت روسية، من بينها بلدية «فيبوري» في كريليا التي أصبحت اليوم بلدة «فيبورغ» في روسيا. وباتت بذلك روسيا أقرب بأكثر من 30 كيلومترا من قرية يلامي حيث تعيش اليوم كاثرين. ما قالته تلك السيدة كرره كذلك سكان آخرين في البلدة. فرغم قرب روسيا لبلدتهم لا يبدو السكان هنا خائفين بقدر ما هم مرتاحون لقرار حكومتهم الانضمام للناتو. أحد الشبان الذي جاء إلى البلدة مع صديقته ليزور والداه المقيمان فيها، قال إن الانضمام للناتو يوفر شعوراً أكبر بالأمن «لأنه لا يمكن التنبؤ بما سيقوم به بوتين». وتقول صديقته إنه في حال قرر بوتين أن «يغزو فنلندا كما فعل في أوكرانيا، فنحن نعرف على الأقل أن هناك من سيدافع عنّا». ورغم أن سكان فنلندا «مسالمون» في العادة، فإن الحرب في أوكرانيا غيّرت الكثير من نظرتهم لما يمكن أن يشكّل سياسة دفاعية جيدة. فقبل الحرب كانت الاستطلاعات الشعبية تشير إلى رفض الفنلنديين الانضمام للناتو، والآن انقلبت الآراء ليصبح التأييد الشعبي لقرار الحكومة ذاك، واسعاً. ويرى الخبير في الشؤون الدفاعية راسموس هندرن، أن هذا التأييد الشعبي كان أساسياً في تحرك فنلندا لطلب التقدم بعضوية للناتو. ويقول الخبير الذي يعمل اليوم في «المركز الأوروبي للتميز ومواجهة الهجمات الهجينة» في وسط هلسنكي، إن «فنلندا لا تشعر بأنها مهدَّدة بشكل مباشر الآن، ولكن الاعتداء الصارخ لروسيا على أوكرانيا قلب بعض الأسس الدفاعية لدى فنلندا».

كاثرين فنلندية تعيش في بلدة يلاما الحدودية تقول إنها لا تخاف من روسيا (الشرق الأوسط)

ويرى هندرن الذي عمل في السابق مستشاراً لدى وزارة الدفاع الفنلندية وفي سفارة بلاده في واشنطن، أن العلاقة الثنائية مع روسيا في السنوات والعقود الماضية، كانت «براغماتية مبنية على الإيمان بالأمن الدولي العالمي». ولكنه يضيف أن اعتداء روسيا على أوكرانيا أظهر أن هذه السياسة ليست كافية. ورغم أن هندرن لم يكن يستبعد انضمام فنلندا للناتو «يوماً ما»، ولكنه يقول بأن «سرعة العملية كان مفاجئاً». ومع ذلك، فهو يعد طلب التقدم لعضوية بالناتو «تكملة طبيعية لعملية بدأت قبل أكثر 20 سنة بالانضمام للاتحاد الأوروبي وتعميق العلاقات مع حلفاء أساسيين والناتو». والواقع أن فنلندا التي تلعب دور الدولة الحيادية منذ عقود، هي أكثر قرباً من الغرب مما تريد الاعتراف به. وقد عبّرت بالفعل عن تلك العلاقة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عندما قالت خلال قمة السبع التي استضافتها قبل أسبوع، إن «فنلندا فعلياً عضو في الناتو ولكنها لا تملك بطاقة عضوية». وأضافت بيربوك أن فنلندا لديها المعايير الانضمام للناتو وهي معايير «أفضل من بعض الدول الأعضاء».

مجمع «قيصر» التجاري قرب الحدود تحول إلى مدينة أشباح (الشرق الأوسط)

فالدولة الشمالية تشارك في التدريبات العسكرية للحلف ومهماته الخارجية مثلاً في أفغانستان وكوسوفو منذ عام 1994 عندما وقّعت اتفاقية تعاون يُعرف باسم «برنامج الشركة للسلام». كما أن أنفاقها العسكري يلامس الـ2 في المائة من ناتجها الإجمالي وهو ما يوصي به الحلف لأعضائه الذين لا يلتزمون جميعهم بتلك النسبة. ومع ذلك، نجحت فنلندا بأن تحافظ على علاقة متوازنة مع روسيا في العقود والسنوات الماضية، وتبقى «على الحياد»، رغم تقاربها من الغرب في العقود الثلاث الأخيرة عبر الانضمام للاتحاد الأوروبي في عام 1995 وقبل ذلك بعام عبر توقيعها على اتفاقية شراكة مع الناتو. ولعل أكثر ما أظهر هذه «الحيادية» مؤخراً، القمة الشهيرة التي استضافتها هلسنكي بين الرئيسين الأميركي السابق دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين عام 2018، في وقت كانت التوترات على أشدها بين واشنطن وموسكو على خلفية اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية. كان الرجلان آنذاك ضيفين لدى الرئيس الفنلندي سولي نينيستو الذي أبلغ بوتين شخصياً في اتصال هاتفي بنيّة بلاده التقدم للانضمام للناتو قبل أيام.
واكتسبت فنلندا صيت الدولة الحيادية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ونجحت منذ ذلك الوقت في البقاء خارج نطاق الحرب الباردة. ويعود ذلك لدورها في تلك الحرب حيث قاتلت إلى جانب ألمانيا النازية، بهدف محاولة استعادة أراضيها التي خسرتها لصالح السوفيات في «حرب الشتاء». وبعد نهاية الحرب، تعهدت في الاتفاقيات التي أُبرمت بأن تبقى على الحياد بعد ذلك.

هدوء في معبر فاليما الحدودي مع روسيا (الشرق الأوسط)

ولكن رغم ذلك، فإن سياسة فنلندا الدفاعية والداخلية في العقود الماضية تُظهر أنها لم تتوقف يوماً عن خشية جارتها القوية. فهي أبقت على التجنيد الإجباري لشبانها حتى اليوم، وسنوياً تدرب قرابة الـ27 ألف جندي. ويتوجب على كل شاب الخضوع لهذا التدريب بعد الانتهاء من دراسته لمدة عام. وقد خضع قرابة الـ80 في المائة من الشبان في فنلندا للخدمة العسكرية الإجبارية. كما أنها بنت طوال العقود الماضية شبكة ملاجئ ضخمة بلغ عددها في كامل الأراضي الفنلندية، حسب وزارة الداخلية المسؤولة عنها، 54 ألف ملجأ يمكنها أن تؤوي 404 ملايين شخص من أصل 5 ملايين ونصف المليون يعيشون في فنلندا. وحسب موقع وزارة الداخلية، فإن هذه الملاجئ هدفها «حماية السكان خصوصاً ضد تهديدات عسكرية» وبأنها تؤمّن الحماية من «آثار الانفجارات والشظايا وانهيار المباني والانفجارات والإشعاعات والمواد الخطرة على الصحة». باختصار، يمكن لهذه الملاجئ أن تؤمّن حمايةً حتى من اعتداءات نووية محتملة.
وتنتشر تلك الملاجئ في جميع أنحاء البلاد وهي اليوم تُستخدم كمخازن أو مواقف سيارات أو مسابح عامة أو حتى نوادٍ رياضية ومتاحف، ومحطات مترو، ولكن يمكنها أن تتحول إلى ملاجئ خلال 72 ساعة. ومعظم هذه الملاجئ هي أملاك خاصة، إذ إن القوانين تجبر المباني الخاصة على تضمين ملاجئ تحت الأرض بمعايير خاصة. وحسب موقع وزارة الداخلية، فإن «قانون الإنقاذ» ينص على ضرورة بناء ملجأ لكل مبنى أو مجموعة مبانٍ في نفس قطعة الأرض أو موقع بناء إذا كانت المساحة لا تقل على 1200 متر مربع وتستخدم كمبانٍ سكنية أو مكاتب أو لغايات أخرى. كل هذا يشير إلى أن فنلندا رغم حفاظها على علاقة جيدة مع روسيا طوال السنوات الماضية، فهي بقيت مستعدة لهجوم محتمل من جارتها. وتقف نصب تذكارية في أنحاء العاصمة هلسنكي لتذكّر بـ«حرب الشتاء»، منها واحد مقابل وزارة الدفاع لمجسم من حديد على شكل شخص مليء بالفجوات. ورغم أن هكذا هجوم كان مستبعداً في عقول الفنلنديين، فإن الحرب في أوكرانيا عادت لتذكّرهم بإمكانية حصول ذلك. وشكّلت تلك الحرب نقطة تحول فعلية في العقلية الدفاعية لدى الفنلنديين، ودفعتهم إلى أحضان الناتو، في خطوة ستؤدي من دون شك إلى توترات مع روسيا عندما تكتمل.
ورغم أن التوترات الآن غير ظاهرة على الحدود بين الدولتين اللتين تتشاركان حدوداً بطول أكثر من 1300 متر، فإنها موجودة فعلاً. ويقول ماتي بيتكانيتي، المتحدث باسم حرس الحدود الفنلندي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن الوضع على الحدود «مستقر حالياً»، ويؤكد أنه لا «تغيرات دراماتيكية حصلت منذ بداية الحرب» في أوكرانيا، ولكنه يسارع ليضيف: «من الواضح، نحن نأخذ علماً بالتوتر خلال الوضع الحالي، ما يعني أننا نراقب الوضع بحذر ونحاول التصرف والرد بسرعة على أي تغير». وما يساعد الطرف الفنلندي حالياً انخفاض الحركة على الحدود. فالحركة التجارية توقفت منذ العقوبات الأوروبية الأخيرة على روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا. وحركة السياح رغم أنها لم تنخفض كثيراً منذ ذلك الحين، فإنها محدودة منذ بداية انتشار «كوفيد - 19» بسبب الإجراءات المرتبطة بالوباء والتي ما زالت فنلندا تعمل بها. ويقول بيتكانيتي إن حركة المرور للأشخاص بين روسيا وفنلندا انخفضت إلى 10 في المائة من السابق، لأن من يُسمح لهم بالدخول إلى فنلندا هم المقيمون أو الملقحون ضد فيروس «كورونا» بلقاحات معترف بها في الاتحاد الأوروبي، ولقاح «سبوتنيك v» ليس واحداً من هذه اللقاحات. وبالفعل، فإن معبر فاليما الحدودي، الذي يبعد عن هلسنكي أقل من 200 كلم، ومفترض أنه أكثر المعابر ازدحاماً، يبدو شبه متوقف عن العمل. باستثناء عدد محدود من السيارات التي مرّت، كان المعبر هادئاً بشكل مريب. وقد أثر غياب السياح الروس على الأعمال في القرى الحدودية داخل فنلندا، ويظهر ذلك بشكل واضح في مجمع «تزار» أو «قيصر» التجاري الذي يبعد أمتاراً قليلة عن معبر فاليما، ويحوي متاجر ألبسة فخمة. فالمركز تحول إلى مدينة أشباح وغاب عنه المتبضعون ما دفع بمعظم المتاجر فيه لإغلاق أبوابها.
قد تكون تلك المتاجر تفتقر للمتبضعين القادمين من روسيا، إذ إن مدينة سانت بطرسبورغ تبعد المسافة نفسها عنها من العاصمة الفنلندية، ولكن سكان القرى المحيطة لا يبدو أنهم متأسفون لغياب السياح الروس. وحرصت كاثرين، السيدة التي كانت تقلّم حديقتها في بلدة يلاما، على التكرار أنه لا هي «ولا أحد هنا يحب الروس». ومع ذلك، فإن غياب الوئام مع روسيا لم يدفع بالفنلنديين كلياً إلى أحضان الغرب. فهم رغم قرارهم الانضمام للناتو، ما زالوا غير متأكدين من أنهم يريدون استضافة أسلحة نووية ينشرها الحلف على أراضيهم أو حتى مواقع عسكرية دائمة لقواته. وقد أكدت رئيسة وزراء البلاد سانا مارين، ذلك في تصريحات قبل بضعة أيام أدلت بها لصحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية خلال زيارة لروما. وقالت للصحيفة إن نشر قواعد عسكرية للناتو أو أسلحة نووية لم يُطرح حتى الآن، وأن هذا الأمر لا يشكل جزءاً من المفاوضات الحالية مع الحلف، مشيرةً إلى أن هكذا قرارات هي «قرارات وطنية». وأضافت: «لن يأتي أحد ويفرض علينا أسلحة نووية أو قواعد دائمة إذا لم نكن نريدها، ولا يبدو لي أن هناك اهتماماً بنشر أسلحة نووية أو قواعد دائمة للناتو في فنلندا أصلاً».
ويقول الخبير الدفاعي هندرن لـ«الشرق الأوسط» إن كلام مارين يشير إلى أن خطة فنلندا الحالية «لا تضع أي عقبات في هذه المرحلة» قد تعرقل قبول عضويتها في الناتو. ويضيف: «بالطبع هذه النقاط حول القواعد الدائمة والأسلحة النووية ستكون نقطة نقاش عندما تتقدم العملية إلى الأمام، وسيكون هناك بحث عمّا إذا كان من مصلحة فنلندا أن يكون لديها هكذا قواعد أو أسلحة».
قد تكون فنلندا بهذه التصريحات تتفادى تصعيداً روسياً، ولكن الرد الروسي بدأ أصلاً. فقد أعلنت موسكو قطع الكهرباء عن فنلندا غداة إعلان حكومة هلسنكي عن نيتها التقدم بطلب العضوية للناتو. وبعد أن تقدمت بالطلب رسمياً لدى الحلف في بروكسل، أعلنت روسيا قطع الغاز عن فنلندا. ورغم أن فنلندا لا تعتمد على الغاز إلا بنسبة 6 في المائة من طاقتها، فهي تستخدمه بشكل أساسي كبديل لطاقة أنظف للشاحنات والآليات الثقيلة. وكانت شركة «غاسوم» التابعة للدولة والتي تستورد الغاز الروسي من «غازبروم» تروّج في السنوات الماضية لاستخدام الغاز كبديل عن الديزل للشاحنات ضمن خطة لتخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
فقد أثبت الغاز أنه يتسبب بانبعاثات أقل بنسبة 12 في المائة من الديزل، كما أن سعره أقل كذلك. ويضع قطع روسيا للغاز، بحجة عدم دفعها بالروبل، فنلندا أمام خيارات أصعب لاستيراد غاز بديل سيكون سعره أكثر كلفة. ورغم أن فنلندا مستعدة لقبول دفع ثمن أكبر مقابل الغاز الروسي، فهي تحاول عدم التصعيد أكثر مع روسيا عبر إعلانها عدم نيتها استضافة قواعد عسكرية للحلف. ولكن الكثير قد يتغير في الوقت الذي تنضم فيه فنلندا رسمياً إلى الحلف، وهي عملية قد تستغرق عاماً. والقرى المجاورة للحدود قد تتغير وتصبح أكثر من مجرد قرى هادئة بيوتها متناثرة بين الغابات والأنهر. إنما على الأقل حتى الآن، لا تبدو أن هذه الأفكار تشغل بال كاثرين التي عادت عندما غادرتها، لتقليم العشب في حديقتها وهي تستمع لصوت الطبيعة المغردة المحيطة بها.


مقالات ذات صلة

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.

العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم {الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

{الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

اعترضت مقاتلات ألمانية وبريطانية ثلاث طائرات استطلاع روسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق، حسبما ذكرت القوات الجوية الألمانية اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. ولم تكن الطائرات الثلاث؛ طائرتان مقاتلتان من طراز «إس يو – 27» وطائرة «إليوشين إل – 20»، ترسل إشارات جهاز الإرسال والاستقبال الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».