الحرب الأوكرانية تسرق «الحياد» من فنلندا

لافتات في منطقة فاليما تُظهر المسافة التي تفصل المنطقة الحدودية عن هلسنكي ومدينة سان بطرسبورغ الروسية (الشرق الأوسط)
لافتات في منطقة فاليما تُظهر المسافة التي تفصل المنطقة الحدودية عن هلسنكي ومدينة سان بطرسبورغ الروسية (الشرق الأوسط)
TT

الحرب الأوكرانية تسرق «الحياد» من فنلندا

لافتات في منطقة فاليما تُظهر المسافة التي تفصل المنطقة الحدودية عن هلسنكي ومدينة سان بطرسبورغ الروسية (الشرق الأوسط)
لافتات في منطقة فاليما تُظهر المسافة التي تفصل المنطقة الحدودية عن هلسنكي ومدينة سان بطرسبورغ الروسية (الشرق الأوسط)

اكتسبت فنلندا صيت الدولة الحيادية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ونجحت منذ ذلك الوقت في البقاء خارج نطاق الحرب الباردة. ويعود ذلك لدورها في تلك الحرب حيث قاتلت إلى جانب ألمانيا النازية، بهدف محاولة استعادة أراضيها التي خسرتها لصالح السوفيات في «حرب الشتاء» عام 1939 التي اضطرت في نهايتها إلى التخلي عن 9 في المائة من أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي، وخسر ما يزيد على 450 ألف شخص منازلهم بعد أن تم إجلاؤهم من البلدات التي تحولت إلى روسية، من بينها بلدية «فيبوري» في كريليا التي أصبحت اليوم بلدة «فيبورغ» في روسيا. وبعد نهاية الحرب، تعهدت فنلندا في اتفاقيات بأن تبقى على الحياد.

سياسة فنلندا الدفاعية والداخلية في العقود الماضية تُظهر أنها لم تتوقف يوماً عن خشية جارتها القوية. فهي أبقت على التجنيد الإجباري لشبانها حتى اليوم، وسنوياً تدرب قرابة الـ27 ألف جندي. ويتوجب على كل شاب الخضوع لهذا التدريب بعد الانتهاء من دراسته لمدة عام. وقد خضع قرابة الـ80 في المائة من الشبان في فنلندا للخدمة العسكرية الإجبارية. كما أنها بنت طوال العقود الماضية شبكة ملاجئ ضخمة بلغ عددها في كامل الأراضي الفنلندية، حسب وزارة الداخلية المسؤولة عنها، 54 ألف ملجأ يمكنها أن تؤوي 4.4 ملايين شخص من أصل 5 ملايين ونصف المليون يعيشون في فنلندا. «الشرق الأوسط» زارت قرية يلامي، التي باتت على بُعد 30 كيلومتراً من الحدود الروسية. فرغم قرب روسيا لبلدتهم لا يبدو السكان هنا خائفين بقدر ما هم مرتاحون لقرار حكومتهم الانضمام للناتو.

راسموس هندرن خبير في الشؤون الدفاعية عمل سابقاً مستشاراً في وزارة الدفاع (الشرق الأوسط)

على بُعد كيلومترات قليلة من الحدود مع روسيا، كانت كاثرين، سيدة ستينية، منشغلة بتقليم العشب في حديقة منزلها في بلدة يلامي الفنلدنية. هدوء البلدة وسكونها لا يوحيان بمستوى التوتر المحيط بها. «روسيا غير بعيدة من هنا»، تقول كاثرين وهي تشير بيدها نحو الحدود المرئية في الأفق غير البعيد. «ولكنني لست خائفة»، تضيف مبتسمة. فقبل يوم تقدمت فنلندا بطلب عضوية رسمي للناتو. وكاثرين تعد هذا القرار صائباً. فهي «لا تحب روسيا» كما تكرر. وسكان البلدة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها الخمسين «لا يحبونها كذلك»، تقول كاثرين. هذا الحب الضائع ليس مستغرباً. فالحدود الروسية لم تكن بهذا القرب قبل 83 عاماً، وهو أمر يتذكره والدا كاثرين جيداً. «حرب الشتاء» كانت حرباً مؤلمة لفنلندا غيّرت مفاهيمها الجيوسياسية. وهي الحرب التي اندلعت في نهاية عام 1939 مع الاتحاد السوفياتي الذي غزت قواته الأراضي الفنلندية. ورغم أن الحرب لم تستمر طويلاً وانتهت بعد 105 أيام، فإن خسائرها بالنسبة لفنلندا كانت ضخمة. فهي اضطرت في نهايتها للتخلي عن 9 في المائة من أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي، وخسر ما يزيد على 450 ألف شخص منازلهم بعد أن تم إجلاؤهم من البلدات التي تحولت روسية، من بينها بلدية «فيبوري» في كريليا التي أصبحت اليوم بلدة «فيبورغ» في روسيا. وباتت بذلك روسيا أقرب بأكثر من 30 كيلومترا من قرية يلامي حيث تعيش اليوم كاثرين. ما قالته تلك السيدة كرره كذلك سكان آخرين في البلدة. فرغم قرب روسيا لبلدتهم لا يبدو السكان هنا خائفين بقدر ما هم مرتاحون لقرار حكومتهم الانضمام للناتو. أحد الشبان الذي جاء إلى البلدة مع صديقته ليزور والداه المقيمان فيها، قال إن الانضمام للناتو يوفر شعوراً أكبر بالأمن «لأنه لا يمكن التنبؤ بما سيقوم به بوتين». وتقول صديقته إنه في حال قرر بوتين أن «يغزو فنلندا كما فعل في أوكرانيا، فنحن نعرف على الأقل أن هناك من سيدافع عنّا». ورغم أن سكان فنلندا «مسالمون» في العادة، فإن الحرب في أوكرانيا غيّرت الكثير من نظرتهم لما يمكن أن يشكّل سياسة دفاعية جيدة. فقبل الحرب كانت الاستطلاعات الشعبية تشير إلى رفض الفنلنديين الانضمام للناتو، والآن انقلبت الآراء ليصبح التأييد الشعبي لقرار الحكومة ذاك، واسعاً. ويرى الخبير في الشؤون الدفاعية راسموس هندرن، أن هذا التأييد الشعبي كان أساسياً في تحرك فنلندا لطلب التقدم بعضوية للناتو. ويقول الخبير الذي يعمل اليوم في «المركز الأوروبي للتميز ومواجهة الهجمات الهجينة» في وسط هلسنكي، إن «فنلندا لا تشعر بأنها مهدَّدة بشكل مباشر الآن، ولكن الاعتداء الصارخ لروسيا على أوكرانيا قلب بعض الأسس الدفاعية لدى فنلندا».

كاثرين فنلندية تعيش في بلدة يلاما الحدودية تقول إنها لا تخاف من روسيا (الشرق الأوسط)

ويرى هندرن الذي عمل في السابق مستشاراً لدى وزارة الدفاع الفنلندية وفي سفارة بلاده في واشنطن، أن العلاقة الثنائية مع روسيا في السنوات والعقود الماضية، كانت «براغماتية مبنية على الإيمان بالأمن الدولي العالمي». ولكنه يضيف أن اعتداء روسيا على أوكرانيا أظهر أن هذه السياسة ليست كافية. ورغم أن هندرن لم يكن يستبعد انضمام فنلندا للناتو «يوماً ما»، ولكنه يقول بأن «سرعة العملية كان مفاجئاً». ومع ذلك، فهو يعد طلب التقدم لعضوية بالناتو «تكملة طبيعية لعملية بدأت قبل أكثر 20 سنة بالانضمام للاتحاد الأوروبي وتعميق العلاقات مع حلفاء أساسيين والناتو». والواقع أن فنلندا التي تلعب دور الدولة الحيادية منذ عقود، هي أكثر قرباً من الغرب مما تريد الاعتراف به. وقد عبّرت بالفعل عن تلك العلاقة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عندما قالت خلال قمة السبع التي استضافتها قبل أسبوع، إن «فنلندا فعلياً عضو في الناتو ولكنها لا تملك بطاقة عضوية». وأضافت بيربوك أن فنلندا لديها المعايير الانضمام للناتو وهي معايير «أفضل من بعض الدول الأعضاء».

مجمع «قيصر» التجاري قرب الحدود تحول إلى مدينة أشباح (الشرق الأوسط)

فالدولة الشمالية تشارك في التدريبات العسكرية للحلف ومهماته الخارجية مثلاً في أفغانستان وكوسوفو منذ عام 1994 عندما وقّعت اتفاقية تعاون يُعرف باسم «برنامج الشركة للسلام». كما أن أنفاقها العسكري يلامس الـ2 في المائة من ناتجها الإجمالي وهو ما يوصي به الحلف لأعضائه الذين لا يلتزمون جميعهم بتلك النسبة. ومع ذلك، نجحت فنلندا بأن تحافظ على علاقة متوازنة مع روسيا في العقود والسنوات الماضية، وتبقى «على الحياد»، رغم تقاربها من الغرب في العقود الثلاث الأخيرة عبر الانضمام للاتحاد الأوروبي في عام 1995 وقبل ذلك بعام عبر توقيعها على اتفاقية شراكة مع الناتو. ولعل أكثر ما أظهر هذه «الحيادية» مؤخراً، القمة الشهيرة التي استضافتها هلسنكي بين الرئيسين الأميركي السابق دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين عام 2018، في وقت كانت التوترات على أشدها بين واشنطن وموسكو على خلفية اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية. كان الرجلان آنذاك ضيفين لدى الرئيس الفنلندي سولي نينيستو الذي أبلغ بوتين شخصياً في اتصال هاتفي بنيّة بلاده التقدم للانضمام للناتو قبل أيام.
واكتسبت فنلندا صيت الدولة الحيادية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ونجحت منذ ذلك الوقت في البقاء خارج نطاق الحرب الباردة. ويعود ذلك لدورها في تلك الحرب حيث قاتلت إلى جانب ألمانيا النازية، بهدف محاولة استعادة أراضيها التي خسرتها لصالح السوفيات في «حرب الشتاء». وبعد نهاية الحرب، تعهدت في الاتفاقيات التي أُبرمت بأن تبقى على الحياد بعد ذلك.

هدوء في معبر فاليما الحدودي مع روسيا (الشرق الأوسط)

ولكن رغم ذلك، فإن سياسة فنلندا الدفاعية والداخلية في العقود الماضية تُظهر أنها لم تتوقف يوماً عن خشية جارتها القوية. فهي أبقت على التجنيد الإجباري لشبانها حتى اليوم، وسنوياً تدرب قرابة الـ27 ألف جندي. ويتوجب على كل شاب الخضوع لهذا التدريب بعد الانتهاء من دراسته لمدة عام. وقد خضع قرابة الـ80 في المائة من الشبان في فنلندا للخدمة العسكرية الإجبارية. كما أنها بنت طوال العقود الماضية شبكة ملاجئ ضخمة بلغ عددها في كامل الأراضي الفنلندية، حسب وزارة الداخلية المسؤولة عنها، 54 ألف ملجأ يمكنها أن تؤوي 404 ملايين شخص من أصل 5 ملايين ونصف المليون يعيشون في فنلندا. وحسب موقع وزارة الداخلية، فإن هذه الملاجئ هدفها «حماية السكان خصوصاً ضد تهديدات عسكرية» وبأنها تؤمّن الحماية من «آثار الانفجارات والشظايا وانهيار المباني والانفجارات والإشعاعات والمواد الخطرة على الصحة». باختصار، يمكن لهذه الملاجئ أن تؤمّن حمايةً حتى من اعتداءات نووية محتملة.
وتنتشر تلك الملاجئ في جميع أنحاء البلاد وهي اليوم تُستخدم كمخازن أو مواقف سيارات أو مسابح عامة أو حتى نوادٍ رياضية ومتاحف، ومحطات مترو، ولكن يمكنها أن تتحول إلى ملاجئ خلال 72 ساعة. ومعظم هذه الملاجئ هي أملاك خاصة، إذ إن القوانين تجبر المباني الخاصة على تضمين ملاجئ تحت الأرض بمعايير خاصة. وحسب موقع وزارة الداخلية، فإن «قانون الإنقاذ» ينص على ضرورة بناء ملجأ لكل مبنى أو مجموعة مبانٍ في نفس قطعة الأرض أو موقع بناء إذا كانت المساحة لا تقل على 1200 متر مربع وتستخدم كمبانٍ سكنية أو مكاتب أو لغايات أخرى. كل هذا يشير إلى أن فنلندا رغم حفاظها على علاقة جيدة مع روسيا طوال السنوات الماضية، فهي بقيت مستعدة لهجوم محتمل من جارتها. وتقف نصب تذكارية في أنحاء العاصمة هلسنكي لتذكّر بـ«حرب الشتاء»، منها واحد مقابل وزارة الدفاع لمجسم من حديد على شكل شخص مليء بالفجوات. ورغم أن هكذا هجوم كان مستبعداً في عقول الفنلنديين، فإن الحرب في أوكرانيا عادت لتذكّرهم بإمكانية حصول ذلك. وشكّلت تلك الحرب نقطة تحول فعلية في العقلية الدفاعية لدى الفنلنديين، ودفعتهم إلى أحضان الناتو، في خطوة ستؤدي من دون شك إلى توترات مع روسيا عندما تكتمل.
ورغم أن التوترات الآن غير ظاهرة على الحدود بين الدولتين اللتين تتشاركان حدوداً بطول أكثر من 1300 متر، فإنها موجودة فعلاً. ويقول ماتي بيتكانيتي، المتحدث باسم حرس الحدود الفنلندي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن الوضع على الحدود «مستقر حالياً»، ويؤكد أنه لا «تغيرات دراماتيكية حصلت منذ بداية الحرب» في أوكرانيا، ولكنه يسارع ليضيف: «من الواضح، نحن نأخذ علماً بالتوتر خلال الوضع الحالي، ما يعني أننا نراقب الوضع بحذر ونحاول التصرف والرد بسرعة على أي تغير». وما يساعد الطرف الفنلندي حالياً انخفاض الحركة على الحدود. فالحركة التجارية توقفت منذ العقوبات الأوروبية الأخيرة على روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا. وحركة السياح رغم أنها لم تنخفض كثيراً منذ ذلك الحين، فإنها محدودة منذ بداية انتشار «كوفيد - 19» بسبب الإجراءات المرتبطة بالوباء والتي ما زالت فنلندا تعمل بها. ويقول بيتكانيتي إن حركة المرور للأشخاص بين روسيا وفنلندا انخفضت إلى 10 في المائة من السابق، لأن من يُسمح لهم بالدخول إلى فنلندا هم المقيمون أو الملقحون ضد فيروس «كورونا» بلقاحات معترف بها في الاتحاد الأوروبي، ولقاح «سبوتنيك v» ليس واحداً من هذه اللقاحات. وبالفعل، فإن معبر فاليما الحدودي، الذي يبعد عن هلسنكي أقل من 200 كلم، ومفترض أنه أكثر المعابر ازدحاماً، يبدو شبه متوقف عن العمل. باستثناء عدد محدود من السيارات التي مرّت، كان المعبر هادئاً بشكل مريب. وقد أثر غياب السياح الروس على الأعمال في القرى الحدودية داخل فنلندا، ويظهر ذلك بشكل واضح في مجمع «تزار» أو «قيصر» التجاري الذي يبعد أمتاراً قليلة عن معبر فاليما، ويحوي متاجر ألبسة فخمة. فالمركز تحول إلى مدينة أشباح وغاب عنه المتبضعون ما دفع بمعظم المتاجر فيه لإغلاق أبوابها.
قد تكون تلك المتاجر تفتقر للمتبضعين القادمين من روسيا، إذ إن مدينة سانت بطرسبورغ تبعد المسافة نفسها عنها من العاصمة الفنلندية، ولكن سكان القرى المحيطة لا يبدو أنهم متأسفون لغياب السياح الروس. وحرصت كاثرين، السيدة التي كانت تقلّم حديقتها في بلدة يلاما، على التكرار أنه لا هي «ولا أحد هنا يحب الروس». ومع ذلك، فإن غياب الوئام مع روسيا لم يدفع بالفنلنديين كلياً إلى أحضان الغرب. فهم رغم قرارهم الانضمام للناتو، ما زالوا غير متأكدين من أنهم يريدون استضافة أسلحة نووية ينشرها الحلف على أراضيهم أو حتى مواقع عسكرية دائمة لقواته. وقد أكدت رئيسة وزراء البلاد سانا مارين، ذلك في تصريحات قبل بضعة أيام أدلت بها لصحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية خلال زيارة لروما. وقالت للصحيفة إن نشر قواعد عسكرية للناتو أو أسلحة نووية لم يُطرح حتى الآن، وأن هذا الأمر لا يشكل جزءاً من المفاوضات الحالية مع الحلف، مشيرةً إلى أن هكذا قرارات هي «قرارات وطنية». وأضافت: «لن يأتي أحد ويفرض علينا أسلحة نووية أو قواعد دائمة إذا لم نكن نريدها، ولا يبدو لي أن هناك اهتماماً بنشر أسلحة نووية أو قواعد دائمة للناتو في فنلندا أصلاً».
ويقول الخبير الدفاعي هندرن لـ«الشرق الأوسط» إن كلام مارين يشير إلى أن خطة فنلندا الحالية «لا تضع أي عقبات في هذه المرحلة» قد تعرقل قبول عضويتها في الناتو. ويضيف: «بالطبع هذه النقاط حول القواعد الدائمة والأسلحة النووية ستكون نقطة نقاش عندما تتقدم العملية إلى الأمام، وسيكون هناك بحث عمّا إذا كان من مصلحة فنلندا أن يكون لديها هكذا قواعد أو أسلحة».
قد تكون فنلندا بهذه التصريحات تتفادى تصعيداً روسياً، ولكن الرد الروسي بدأ أصلاً. فقد أعلنت موسكو قطع الكهرباء عن فنلندا غداة إعلان حكومة هلسنكي عن نيتها التقدم بطلب العضوية للناتو. وبعد أن تقدمت بالطلب رسمياً لدى الحلف في بروكسل، أعلنت روسيا قطع الغاز عن فنلندا. ورغم أن فنلندا لا تعتمد على الغاز إلا بنسبة 6 في المائة من طاقتها، فهي تستخدمه بشكل أساسي كبديل لطاقة أنظف للشاحنات والآليات الثقيلة. وكانت شركة «غاسوم» التابعة للدولة والتي تستورد الغاز الروسي من «غازبروم» تروّج في السنوات الماضية لاستخدام الغاز كبديل عن الديزل للشاحنات ضمن خطة لتخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
فقد أثبت الغاز أنه يتسبب بانبعاثات أقل بنسبة 12 في المائة من الديزل، كما أن سعره أقل كذلك. ويضع قطع روسيا للغاز، بحجة عدم دفعها بالروبل، فنلندا أمام خيارات أصعب لاستيراد غاز بديل سيكون سعره أكثر كلفة. ورغم أن فنلندا مستعدة لقبول دفع ثمن أكبر مقابل الغاز الروسي، فهي تحاول عدم التصعيد أكثر مع روسيا عبر إعلانها عدم نيتها استضافة قواعد عسكرية للحلف. ولكن الكثير قد يتغير في الوقت الذي تنضم فيه فنلندا رسمياً إلى الحلف، وهي عملية قد تستغرق عاماً. والقرى المجاورة للحدود قد تتغير وتصبح أكثر من مجرد قرى هادئة بيوتها متناثرة بين الغابات والأنهر. إنما على الأقل حتى الآن، لا تبدو أن هذه الأفكار تشغل بال كاثرين التي عادت عندما غادرتها، لتقليم العشب في حديقتها وهي تستمع لصوت الطبيعة المغردة المحيطة بها.


مقالات ذات صلة

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.

العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم {الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

{الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

اعترضت مقاتلات ألمانية وبريطانية ثلاث طائرات استطلاع روسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق، حسبما ذكرت القوات الجوية الألمانية اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. ولم تكن الطائرات الثلاث؛ طائرتان مقاتلتان من طراز «إس يو – 27» وطائرة «إليوشين إل – 20»، ترسل إشارات جهاز الإرسال والاستقبال الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» أشد من «طوفان الأقصى»

TT

أي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» أشد من «طوفان الأقصى»

مستشفى ميداني إسرائيلي تم تجهيزه في مرآب للسيارات في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة حيفا تحسباً لحرب مع "حزب الله" (غيتي)
مستشفى ميداني إسرائيلي تم تجهيزه في مرآب للسيارات في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة حيفا تحسباً لحرب مع "حزب الله" (غيتي)

في الحروب يحرص عادة كل طرف على نصب الكمائن للطرف الآخر. أما اليوم، في الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله»، فيبدو أن كل طرف يوقع نفسه في الكمائن. فعلى رغم أن كلا الطرفين يؤكد أنه غير معني بتوسيع نطاق الحرب، فإنهما يندفعان بشكل جارف إلى توسعتها. وعلى الجانب الإسرائيلي، تجري تدريبات حربية متواصلة على كيفية توسيعها، في حين تشير الاستطلاعات إلى أن الجمهور يؤيد هذه التوسعة. قبل شهرين فقط كان 64 في المائة من المستطلعين الإسرائيليين يؤيدون حرباً مع «حزب الله» حتى لو كان الثمن حرباً إقليمية واسعة. وفي الشهر الأخير هبطت هذه النسبة إلى 46 في المائة وهي لا تزال نسبة مرتفعة إلى حد بعيد. هذا التأييد أفزع القيادات العسكرية في تل أبيب، وجعلها تشعر بأن الجمهور لا يدرك تماماً ما قد تعنيه هذه الحرب.

أيال حولتا، المستشار الأسبق للأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، يقول إن حرباً كهذه ستؤدي إلى تدمير مناطق شاسعة من لبنان، ولكنها أيضاً ستلحق أضراراً كبيرة في إسرائيل، وقد توقع نحو 15 ألف قتيل فيها.

فتاة تعبر قرب دكان مغلق كتب عليه "لقد مات 4 من رفاقي. منطقة حرب" في تل أبيب (رويترز)

معهد أبحاث الإرهاب في جامعة رايخمان، أجرى دراسة حول سيناريوهات حرب مع «حزب الله» بمشاركة 100 خبير عسكري وأكاديمي، خرجوا فيها باستنتاجات مفزعة؛ إذ قالوا إن من شأن حرب كهذه أن تتسع فوراً لتصبح متعددة الجبهات، بمشاركة ميليشيات إيران في سوريا والعراق واليمن وقد تنضم إليها حركتا «حماس» و«الجهاد» في الضفة الغربية.

ورجّحت الدراسة أن يطلق «حزب الله» طيلة 21 يوماً كمية هائلة من الصواريخ بمعدل 2500 إلى 3000 صاروخ في اليوم ويركز هجومه على إحدى القواعد العسكرية أو المدن في منطقة تل أبيب، وكذلك على مناطق حساسة أخرى، مثل محطات توليد الكهرباء وآبار الغاز ومفاعل تحلية المياه والمطارات ومخازن الأسلحة. وبالإضافة إلى الدمار الذي سيحدثه هذا القصف، ستنفجر فوضى لدى الجمهور الإسرائيلي.

كذلك، سيحاول «حزب الله» الدفع بخطته القديمة، في إرسال فرق «الرضوان» لتخترق الحدود الإسرائيلية وتحتل بلدات عدة، كما فعلت «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وأكثر.

تدمير على نسق غزة

هذا السيناريو المخيف، جاء أولاً وبالأساس لكي يصبّ بعض الماء البارد على الرؤوس الحامية التي راحت تمارس ضغوطاً على الجيش لكي يجتاح الأراضي اللبنانية. والجيش، إذ يدرك بأن القيادات السياسية اليمينية الحاكمة تحرّض عليه وتظهره متردداً وخائفاً من الحرب، ينشر في المقابل خططاً تظهر أنه جاد في الإعداد للحرب. وبحسب التدريبات والتسريبات التي يمررها، يتضح أنه يعدّ لاجتياح بري واسع يحتل فيه الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني، وربما حتى نهر الزهراني أيضاً. وهو يقول إنه في حال رفض «حزب الله» اتفاقاً سياسياً يبعده عن الحدود، فإن الجيش سيسعى لفرض هذا الابتعاد بالقوة.

ويوضح أنه سيبدأ توسيع الحرب بقصف جوي ساحق يدمر عدداً من البلدات اللبنانية على طريقة غزة، وبعدها يأتي الاجتياح. وبحسب مصادر عسكرية، فإن إسرائيل استعادت الأسلحة المتأخرة من الولايات المتحدة، بما فيها القنابل الذكية، وستستخدمها في قصف الضاحية الجنوبية في بيروت ومنطقة البقاع على الأقل.

طائرة إطفاء إسرائيلية تلقي مواد لإخماد النيران المشتعلة في الجليل الأعلى جراء صواريخ أطلقها «حزب الله» (أ.ف.ب)

ويبعد نهر الليطاني عن الحدود 4 كيلومترات في أقرب نقطة و29 كيلومتراً في أبعد نقطة، ليشكل شريطاً مساحته 1020 كيلومتراً مربعاً يشمل ثلاث مدن كبيرة، صور (175 ألف نسمة) وبنت جبيل ومرجعيون. ويعيش في تلك المنطقة نصف مليون نسمة، تم تهجير أكثر من 100 ألف منهم، حتى الآن. لذا؛ فإن الحديث عن احتلال هذه المنطقة كلها لن يكون سهلاً. فـ«حزب الله» أقوى بكثير من «حماس» ولديه أنفاق أكبر وأكثر تشعباً من أنفاق غزة، كما أنه يملك أسلحة أفضل وأحدث وأكثر فتكاً، وهو مستعد لهذه الحرب منذ فترة طويلة. وإذا كانت إسرائيل تخطط لحرب قصيرة من 21 يوماً، فإن أحداً لن يضمن لها ذلك وقد تغرق في الوحل اللبناني مرة أخرى.

جدوى الحرب ومستوطنات الشمال

بدأ الجيش الإسرائيلي في إعداد الجبهة الداخلية لمواجهة حرب طويلة، فجرى إنعاش أوامر الاحتياط الأمني في أوقات الطوارئ في المستشفيات والمصانع والمؤسسات الحكومية والرسمية والملاجئ. وهو يضع في الحسبان احتمال أن يستطيع «حزب الله» إطلاق آلاف الصواريخ والمسيّرات وضرب البنى التحتية من محطات توليد كهرباء وتحلية مياه وآبار غاز. وفي التدريبات التي جرت في الشهرين الماضيين، وضع في الحسبان أيضاً احتمال أن تتدخل إيران مباشرة. عندها ستتفاقم فوضى الملاحة في البحر الأحمر وقد يتم ضرب قبرص. وهذا يعني أن الأراضي الإسرائيلية، كلها، ستتحول إلى جبهة مشتعلة.

ويقول معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب في دراسته: «حتى الآن أطلق (حزب الله) أكثر من 5000 ذخيرة مختلفة، معظمها من لبنان، على أهداف مدنية وعسكرية في إسرائيل؛ ما أدى إلى مقتل 33 مدنياً وعسكرياً، وإحداث أضرار جسيمة. فهناك شعور قوي بعدم جدوى الحرب بالنسبة لمستقبل المنطقة الشمالية، والمستوطنات الـ28 التي تم إخلاؤها ومدينة كريات شمونة وسكانها، الذين يتساءلون متى وتحت أي ظروف سيتمكنون من العودة إلى بيوتهم».

يهود متدينون يؤدون صلاة الصباح عند هضبة في الضفة الغربية بعد وعود حكومية بضمن مزيد من الاراضي الفلسطينية (أ ب)

ترسانة «حزب الله»

بحسب التقارير ومنذ حرب لبنان الثانية، يشكّل «حزب الله» التهديد العسكري الرئيسي لإسرائيل؛ نظراً لضخامة قواته المدعومة إيرانياً وبصفته «رأس الحربة في محور المقاومة». وتتكون الترسانة الرئيسية للحزب مما لا يقل عن 150 ألف صاروخ وقذيفة وأسلحة إحصائية أخرى، بالإضافة إلى مئات الصواريخ الدقيقة الموجهة، والمتوسطة والطويلة المدى، التي تغطي المنطقة المأهولة بالسكان في إسرائيل. يكمن الضرر الرئيسي المحتمل لهذا المخزون في الصواريخ الدقيقة، والتي تشمل صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، والصواريخ الدقيقة القصيرة المدى المضادة للدبابات، والصواريخ الساحلية المتقدمة وآلاف الطائرات والمروحيات المُسيّرة. وفي حرب 2006، عندما خاض الجانبان حرباً استمرت 34 يوماً، كان لدى «حزب الله» نحو 15 ألف صاروخ وقذيفة، غالبيتها العظمى لم تكن موجهة ومداها أقل من 20 كيلومتراً؛ مما يعني أنها لم تكن قادرة على الوصول لمدينة حيفا شمالي إسرائيل. وقد أطلق الحزب نحو 120 صاروخاً يومياً في تلك الحرب؛ ما أسفر عن مقتل 53 إسرائيلياً وإصابة 250 وإلحاق أضرار مادية جسيمة.

أما اليوم، فإلى جانب ما ذُكر، هناك أيضاً المنظومات السيبرانية المتقدمة، القادرة على التسبب بأعمال قتل جماعي وأضرار مدمرة للأهداف المدنية والعسكرية، بما في ذلك البنية التحتية الوطنية الحيوية. الموارد العسكرية التي يملكها «حزب الله» كبيرة كمّاً ونوعاً، بما يضاهي عشرات أضعاف القدرات العسكرية لـ«حماس» قبل اندلاع الحرب. والأهمية الاستراتيجية هي أن «حزب الله» يمتلك البنية التحتية والقدرات العسكرية اللازمة لشنّ حرب طويلة، ربما لأشهر عدة، وإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل.

عناصر من «حزب الله» يشيعون في بيروت القيادي في الحزب محمد نعمة ناصر الذي قتل في غارة إسرائيلية (د.ب.أ)

ويضيف التقرير أنه «في حرب واسعة النطاق ضد (حزب الله)، سيتعين على أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإسرائيلي أن تتعامل، مع مرور الوقت - وخاصة في الأسابيع الأولى من الحرب - مع وابل من الأسلحة يصل إلى آلاف يومياً، ولن يكون من الممكن اعتراضها كلها. هذه الهجمات، بما في ذلك من جبهات أخرى، مثل إيران والعراق وسوريا واليمن، يمكن أن تسبب التشبع لطبقات الدفاع الجوي الإسرائيلية، بل وربما نقصاً في وسائل الاعتراض. وهذا تهديد عسكري ومدني لم تعش مثله إسرائيل. في مثل هذا السيناريو، سيكون مطلوباً من الجيش الإسرائيلي تحديد الأولويات، سواء بين ساحات القتال المختلفة أو فيما يتعلق بتوزيع الموارد للدفاع الفعال عن الجبهة الداخلية. من المتوقع أن تعمل القوات الجوية كأولوية أولى لحماية الأصول العسكرية الأساسية، وكأولوية ثانية لحماية البنى التحتية الأساسية، وكأولوية ثالثة فقط لحماية الأهداف المدنية، التي سيكون لسلوك الجمهور فيها، أهمية كبيرة في مواجهة تحذيرات الجبهة الداخلية والحماية السلبية بمختلف أنواع الملاجئ، والتي تعدّ قليلة».

آثار صدمة 7 أكتوبر

ويحذر الدكتور العميد (احتياط) أريئيل هايمان من أن «إسرائيل، في معظمها، لا تزال تعاني صدمة جماعية مستمرة، من جراء هجوم (حماس) في 7 أكتوبر، تضر بشدة بقدرتها على الصمود. ويتجلى هذا الوضع في تقلص مؤشرات الصمود، كما تظهرها استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي. فهناك تراجع كبير في الصمود الوطني للمجتمع الإسرائيلي، مقارنة بالأشهر الأولى للحرب. ويتجلى ذلك في انخفاض واضح في مستوى التضامن والثقة في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، وفي مستوى التفاؤل والأمل لدى غالبية الجمهور. كل هذا، أيضاً في مواجهة ما يُعدّ «تباطؤاً» في الحرب على غزة، والتي كان ينظر إليها في البداية، على أنها حرب مبررة، وأدت في البداية إلى «التقارب حول العلم الوطني». من المشكوك الآن، إلى أي مدى سيكون المجتمع الإسرائيلي مستعداً ذهنياً لحرب صعبة وطويلة الأمد في الشمال أيضاً».

جندي إسرائيلي يتفقد الأضرار في منزل أُصيب بصاروخ أطلقه «حزب الله» على كريات شمونة (أ.ف.ب)

ويقول البروفسور بوعز منور، رئيس جامعة رايخمان، الذي ترأس البحث حول الحرب مع لبنان: «لا تخافوا، إسرائيل لن تُهزم في حرب كهذه. لكن 7 أكتوبر سيبدو صغيراً أمام ما سيحل بنا في حرب مع لبنان. سيحصل ضرر استراتيجي كبير. لكن لن يكون هناك خطر وجودي علينا. وأنا لا أريد أن أخفف وطأة هذه الحرب إلا أنني أضع الأمور في نصابها. والحقيقة أننا لا نحتاج إلى حرب كهذه؛ إذ إنه في حال التوصل إلى اتفاق في غزة سينسحب الأمر على الشمال».

وحذّر البروفسور شيكي ليفي، الباحث في اتخاذ القرارات ورئيس دائرة التمويل في الجامعة العبرية، من حرب لبنان ثالثة عالية، مؤكداً أن «الجميع يتفق على أن مثل هذه الحرب، إذا ما نشبت، ستكون حرباً وجودية، مع إصابات في الأرواح وفي الممتلكات على نطاق لم تشهده دولة إسرائيل أيضاً. هذه حرب ستضع مجرد وجود الدولة في خطر حقيقي». ويضيف، في مقال نشرته «معاريف» أخيراً أن «انعدام ثقة أغلبية الجمهور في إسرائيل بالقيادة السياسية غير مسبوق، كما ينعكس في استطلاع إثر استطلاع. الجيش متآكل حتى الرمق الأخير من الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر. يوجد حد لما يمكن أن نطلبه من رجال الاحتياط الذين انفصلوا عن عائلاتهم، جمّدوا حياتهم المهنية والتعليمية ويقاتلون منذ أشهر طويلة في غزة وفي الشمال».

على رغم كل ذلك، هناك احتمال كبير في أن تختار إسرائيل فتح هذه الحرب، أو الانجرار إليها على طريق الكمائن الذاتية. فهي تواصل سياسة الاغتيالات لقادة «حزب الله»، مع علمها اليقين بأن مع كل اغتيال يأتي رد تصعيدي. في الوقت الحاضر، يحافظ «حزب الله» على السقف الذي حددته الولايات المتحدة وإيران في بداية الحرب، بمنع الانفجار الأوسع، ملتزماً بسياسة الرد وعدم المبادرة إلى عمليات كبيرة. لكن استمرار هذا الانضباط ليس مضموناً. فيكفي أن يقع أحد الأطراف في خطأ ما حتى تنفجر الأمور وتخرج عن السيطرة. وعندها لا يبقى من كلام سوى ذلك المثل القائل: «مجنون ألقى حجراً في البئر».