انهيار قياسي جديد لليرة اللبنانية ينعكس تفاقماً في الأزمة المعيشية

الدولار يحلّق... والمصارف تحذّر المودعين: «الدولة ألغت مدخراتكم»

TT

انهيار قياسي جديد لليرة اللبنانية ينعكس تفاقماً في الأزمة المعيشية

لم يكن الانهيار القياسي المستجد في سعر صرف الليرة، الحدث الأسوأ الذي داهم اللبنانيين أمس، الذي يشي بتعميق أكثر حدة للأزمة المعيشية الحادة التي تستمر بالتفاقم على مدار الانهيارات المالية والنقدية المتواصل، منذ خريف العام 2019 والتي أوقعت نحو 83 في المائة من المقيمين تحت خط الفقر. بل نافس الطارئ من حيث الأهمية وما يلحقه من التداعيات الدراماتيكية، الخطاب المباشر الذي عممته جمعية المصارف، منذرة المودعين بأن الحكومة قررت بشطحة قلم إلغاء مدخراتهم في البنوك.
وبدت استعادة مشهدية الفوضى النقدية العارمة، مصحوبة بإرباكات واسعة النطاق في أسواق الاستهلاك، حسب مصادر مالية ومصرفية رفيعة المستوى تواصلت معها «الشرق الأوسط»، بمثابة المرآة العاكسة لوقائع عودة الحماوة إلى الإرباكات السياسية وتصاعد السجالات الداخلية بشأن ملفات حيوية يتقدمها ملف الكهرباء، تزامناً مع تحول المهام الحكومية إلى تصريف الأعمال بالنطاق الضيق، والضبابية التي تكتنف آليات الانطلاقة الجديدة للسلطة التشريعية بدءاً من انتخاب رئيس المجلس النيابي وهيئة المكتب ورؤساء اللجان.
وأسهم في تغذية سلبية هذه العوامل السياسية، وفقاً لتحليل المصادر، التأثير التلقائي لانحسار دور البنك المركزي في إدارة «اللعبة» النقدية عبر منصة «صيرفة». إذ إن تعهدات حاكم مصرف لبنان بتهدئة التعاملات النقدية وسعر صرف العملة الوطنية، انتهت مفاعيلها مع تمرير استحقاق الانتخابات النيابية، وأضحت صعبة التحقق لفترة أطول بسبب التقلص المتزايد في مخزون احتياطات العملات الأجنبية لديه إلى حدود 10 مليارات دولار، بينما تتراكم طلبات تغطية اعتمادات بالدولار لمصاريف الدولة ولمستوردات حيوية غير قابلة للتأجيل، وبينها مستحقات فواتير الأدوية المخصصة للأمراض المستعصية والمزمنة.
وبالفعل، شهدت التبادلات النقدية في الأسواق غير النظامية انحساراً حاداً لعرض الدولار الأميركي، مقابل صعود استثنائي في حركة الطلب من التجار والمستوردين والأفراد، ما أفضى إلى ارتفاعات صاروخية فورية في عمليات التسعير تعدى معها الدولار عتبة 33 ألف ليرة صباحاً، ليخترق ظهراً السقف القياسي متخطياً مستوى 34 ألف ليرة. بينما كانت العمليات الجارية عبر منصة «صيرفة» محدودة وانتقائية بسعر يقارب 25 ألف ليرة للدولار.
وفي تفاعل سريع وغير مفاجئ، رصدت «الشرق الأوسط»، انتقال عوامل الإرباك والفوضى إلى أسواق الاستهلاك، مسبوقة بتسجيل ارتفاعات جديدة وكبيرة في أسعار المشتقات النفطية كافة والغاز المنزلي مع قابلية للمزيد في الأيام القادمة ربطاً بترقب مواصلة البنك المركزي رفع سعر تداول الدولار على منصة «صيرفة» تماهياً مع المستوى المتداول في الأسواق الحرة. ولا سيما أن المنصة تغّطي، وحتى إشعار آخر، الطلب الخاص بشركات استيراد المحروقات.
ومع تسجيل غياب شبه تام لأي تحركات حكومية أو من السلطة النقدية لكبح جماح التدهور المستجد في أسواق الاستهلاك ومبادلات العملات، أظهر استقصاء ميداني أولي، تخلي أغلب أصحاب السوبر ماركت ومحلات البيع بالتجزئة وبالجملة عن السعر التحوطي السابق للدولار عند مستوى 35 ألف ليرة، وتغييره بسعر يقارب 40 ألف ليرة أو بالإحجام عن عرض المواد والسلع، مع ميل الكثيرين بينهم إلى اعتماد الخيارين معاً.
وأكد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، أنّ الواقع الغذائي في لبنان الذي لم يشهد أي تحسّن منذ شهرين، ازداد سوءاً جراء الحرب في أوكرانيا والبلبلة في الأسواق العالمية، وكذلك جراء عودة سعر صرف الدولار إلى الارتفاع في السوق المحلية فضلاً عن الصعوبات التي يواجهها مصرف لبنان في تمويل المواد الاستهلاكية الأساسية كالقمح والبنزين.
وفيما نوّه بعدم وجود أي مخاطر من فقدان المواد الغذائية، خصوصاً أن مستوردي المواد الغذائية كانت لديهم الكفاءة والمرونة في إيجاد البدائل للكثير من المواد الغذائية وفي أسواق عالمية مختلفة، إلا أنه نبّه من أمور لم تكن محسوبة بدأت تضغط بقوة على الأمن الغذائي للبنانيين، وتتمثل بما يسجله سعر صرف الدولار من ارتفاع متواصل يؤدي إلى انخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية وبالتالي ارتفاع أسعار كل السلع ومنها المواد الغذائية.
وشدد على أنّ «التحدي الأكبر اليوم، ليس في تأمين المواد الغذائية، إنما في قدرة المواطن على دفع ثمنها لا سيما بعدما اقترب سعر صرف الدولار من 34 ألف ليرة توازياً مع تدني القدرة الشرائية للمواطنين بشكلٍ أكبر»، مستخلصاً إزاء ذلك، «المطلوب فوراً من القوى السياسية إيجاد حلول جذرية للأزمة الاقتصادية قبل فوات الأوان»، ومبدياً خوفاً شديداً في حال استمرار الأمور بالتطوّر السلبي لا سيما على مستوى سعر الدولار، من عدم تمكّن شريحة كبيرة من اللبنانيين من الحصول على كامل احتياجاتها من الغذاء كما الدواء والخدمات الاستشفائية وخلافه.
وعلى منوال «المصائب لا تأتي فرادى»، صعق غالبية العملاء في البنوك اللبنانية بمضمون المخاطبة المباشرة التي بلغتهم عبر بيان رسمي لجمعية المصارف وَرَدَ فيه حرفياً: «أبشروا أيها المودعون، لأن الدولة اللبنانية ألغت ودائعكم بشخطة (شطحة) قلم. فهذا كلّ ما تمخّض عن عبقرية (الخبراء) على الرغم من وجود خطط بديلة واضحة، ولا سيما تلك التي اقترحتها (جمعية مصارف لبنان) والقاضية بإنشاء صندوق يستثمر، ولا يتملّك، بعض موجودات الدولة وحقوقها، ليعيد إلى المودعين حقوقهم، وإن على المدى المتوسط والبعيد».
ولوحظ أن البيان «الصاعق» خرج عن مألوف الخطابات الرسمية الهادئة للجمعية، ليطلق تحذيرات عالية السقف بالدعوة إلى تراصِّ المودعين مع المؤسسات المصرفية رفضاً لخطة النهوض المالي التي نشرت «الشرق الأوسط» تفاصيلها مطلع هذا الأسبوع بعدما أقرّتها الحكومة في آخر جلسة لها قبل التحول إلى مهام «تصريف الأعمال»، والقاضية بتحميل المودعين والبنوك كامل تبعات الفجوة المالية البالغة نحو 73 مليار دولار.
ومع رفع شعار «رضيت الضحية ولم يرضَ الجاني»، نوّه بيان الجمعية إلى «أن الدولة تتذرع بأن هذه العائدات هي ملك للشعب ولا دخل للمودعين بها كأن استنزاف أموال المودعين لدعم الشعب كان محللاً، أما استعادة المودعين لأموالهم فهي محرّمة. أما أن يتحفنا البعض بالقول إن المداخيل المستقبلية للدولة هي ملك الأجيال القادمة، فذلك مرفوض كون مدّخرات الآباء تعود للأجيال القادمة أيضاً، فلا تعدموا جيلين تحت مسمى الحفاظ على مستقبل الأجيال».
وفي ربط بين الاستهلال والاستنتاج ورد في متن البيان الذي جرى تعميمه أمس: «أبت الحكومة اللبنانية إلاّ أن تودِّع اللبنانيين بشكل عام والمودعين بشكل خاص، عبر إقرار خطة نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعاده الشامي القاضية بتنصّل الدولة ومصرف لبنان (المركزي) من موجباتهما بتسديد الديون المترتبة بذمتهما، وتحميل كامل الخسارة الناتجة عن هدر الأموال التي تتجاوز السبعين مليار دولار أميركي إلى المودعين، بعد أن قضت الخطة على الأموال الخاصة بالمصارف. أما في المحصّلة، فإن جمعية المصارف تجدّد رفضها لخطة كُتِبت بأموال المودعين وأموال المصارف وهي تقف صفّاً واحداً مع المودعين لرفض هذه الخطة التي لا نهوض فيها إلا في اسمها».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

غارة إسرائيلية تقتل 15 فلسطينيا مكلفين بتأمين شاحنات مساعدات في غزة

آثار الدمار جراء غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
آثار الدمار جراء غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

غارة إسرائيلية تقتل 15 فلسطينيا مكلفين بتأمين شاحنات مساعدات في غزة

آثار الدمار جراء غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
آثار الدمار جراء غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

قال مسعفون في ساعة مبكرة من صباح اليوم الخميس إن غارة جوية إسرائيلية استهدفت مجموعة من الفلسطينيين المكلفين بتأمين شاحنات مساعدات في رفح مما أسفر عن مقتل 15 على الأقل.

وذكر مسعفون أن ما لا يقل عن 30 شخصا أصيبوا وأن العديد منهم في حالة حرجة وأن عدد القتلى مرشح للارتفاع. وأوضح المسعفون وسكان أن الغارة وقعت في المنطقة الغربية من مدينة رفح بجنوب القطاع. وتكررت حوادث تعرض شاحنات المساعدات لعمليات خطف من جانب عصابات مسلحة بعد وقت قصير من دخولها القطاع، مما دفع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إلى تشكيل قوة مهام لمواجهتهم. ووفقا لمصادر من حماس ومسعفين فقد قتلت القوات التي تقودها حماس أكثر من عشرين عنصرا من العصابات في الأشهر الماضية.

وتقول حماس إن الضربات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 700 من الأفراد المكلفين بتأمين شاحنات المساعدات التي تدخل غزة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.