نضال الأشقر... مسرح «أبعد من الحياة»

الفنانة اللبنانية حاورها باسل محرز بُعيد «ملتقى الإبداع» في دمشق

«سيدة المسرح» في لبنان نضال الأشقر
«سيدة المسرح» في لبنان نضال الأشقر
TT

نضال الأشقر... مسرح «أبعد من الحياة»

«سيدة المسرح» في لبنان نضال الأشقر
«سيدة المسرح» في لبنان نضال الأشقر

كبل «كوفيد19» رحلات «سيدة المسرح» نضال الأشقر إلى خارج لبنان وقلص أسفارها. أربع سنوات ولم تغادر، إلى أن تلقت دعوة للمشاركة في «ملتقى الإبداع» بـ«المعهد العالي للفنون المسرحية» الدمشقي. حضر الطلاب للاستماع إلى خبرات كبار، يعددهم مُحاورها باسل محرز: «منى واصف، أسامة الروماني، فايز قزق، نضال الأشقر...»، ويسألها عن جدوى مشاركة التجارب. امرأة في عامها الحادي والثمانين، تُردد أنها لا تتعب؛ بل تعمل بشغف النجاح الأول.
يحضر لها الإعلامي السوري مقدمة تليق بالمقام، وهي تطل لساعة وثلث ساعة عبر أثير «المدينة إف إم». يراها «مغلفة بالسحر والأسرار» ويشاء الغَرْف من ينبوعها. حوار في الفن والأفكار وعشق الخشبة، تتداخل فيه تطلعات الفنانة للمجتمع والسياسة. تنظر المرأة الوحيدة التي أسست مسرحاً خاصاً في العالم العربي، إلى الحياة على أنها المسرح الضخم. منذ صغرها وهي تعاين ما يدور في منزلها على أنه مسرحية تجري بين كراكتيرات متعددة. بيتها، أول مسرح تخرجت فيه، أشعل الموهبة وحرك الطاقة. تلتفت بامتنان إلى الماضي رغم محطات لم تكن سهلة. وعيها جعلها فنانة مشبعة بالأسئلة والمحاولات والإرادة والسعي والوصول.
ينقل لها مُحاورها انقساماً في وجهات النظر، فالبعض لا يرى فائدة من مشاركة الكبار تجاربهم مع الطلاب، للظروف المغايرة والفرص المتفاوتة. وبعضٌ يشجع على المواجهة بين الأجيال وتبادل الخبرة. كان «ملتقى الإبداع» توقف بعدما انطلق في فترة سابقة، وهذه السنة يستعيد الحياة. لا توافق نضال الأشقر على نقد يُوجه لورشات عمل تجمع مبدعين بطلاب لم يتخرجوا، وتراها «بالغة الأهمية، تختصر صعوبات قد تواجههم». وبعد نهاية المحاضرة، دعوة: «إلى طلاب المعهد... أنتظركم في (مسرح المدينة) لعرض أعمالكم، الخريف المقبل».
تشعر بحاجة إلى إطلاق الذاكرة فترفرف الذكريات. تتحدث عن البيت والبدايات وزيارتها إلى الموصل بعد دور «زنوبيا ملكة تدمر». يومها استوقفها قس في دير مرحباً بصوت ضخم: «جلالة الملكة زنوبيا»، فدار الضحك. لا تزال تفرح لانتشار المسلسل في وقت لم تكن فيه الفضائيات قد وُلدت. تهوى الفن الرصين، من دون اتخاذ موقف معادٍ من الفن التجاري. ترمي الكرة في ملعب الناس، بشرط رفع الذائقة رفضاً لمقولة «الجمهور عاوز كدة».
لا تخفي امرأة المسرح صعوبة موقف الفن في الظرف القاهر. تعلم أن الفنان إنسان، والشعارات لا تُشبع البطون. برأيها، تنبغي مضاعفة أجور الفنانين، بدل حرمانهم من المال بذريعة أنهم يقدمون رسالة. وبأسى، تعترف بالتقصير تجاه عاملين في مسرحها وعدم القدرة على تسديد المستحقات، إلا إنه بتبرع الخيرين تتجاوز الضيق وتدفع.

نضال الأشقر خلال اللقاء مع باسل محرز

تساءلت مراراً عن السبب خلف الاندفاع. لِمَ لا تتعب؟ لِمَ وجدت نفسها تحمل السلم بالعرض وتختار الدرب الوعر؟ أمكن أن تكون نجمة تلفزيونية، فذلك ربما أهون من تبني مسرح والعراك من أجل بقائه. وأمكن لها الانضواء في جمعيات تفعل الصبحيات وتكرس «ثقافة» المظاهر بين سيدات المجتمع. «لم أفعل»، تقول بفخر مَن يتمسك بدور في الحياة. «وبعمري ما عملت صبحية»، بل «قاتلتُ لإبقاء المسرح مفتوحاً لجميع الناس».
أمام تلفزيون بالأبيض والأسود، يبث محطة واحدة، قديماً في بيروت، شعرت نضال الأشقر برغبة في أن تصبح مخرجة. لم تكن مهمة إقناع الأهل بالسفر إلى إنجلترا لدراسة الإخراج شاقة، فطلبت من الأم إقناع الأب، ومن الأب إقناع الأم، وفي النهاية أقنع كل منهما الآخر. بطرافة، تروي سيرة خطواتها الأولى، مع أسرة لعبت دوراً مشجعاً رغم محنها وانخراط الوالد في الشأن السياسي، فدخوله السجن وغياب الأم عن البيت محاولة مساندته. من هنا، شق مسرح نضال الأشقر طريقه نحو العطاء على مدى عقود: «لأداوي الآلام الإنسانية وأسكن النفس».
قرأت شكسبير في المدرسة قبل رحلة التخصص. المناخ المساعد حفز الموهبة، وهي تراها شعلة من الطاقة لا تشيخ مع العمر، «فالبشر صنفان، بعضٌ لا يكف عن التعلم، وآخرون يكبرون بالسنوات، عوض المعرفة»، تترك حكماً في الحلقة. تحضر لكتاب تؤرخ فيه للبنان انطلاقاً مما عاشت، تسميه «كتاب الذكريات» من دون أن تضع له عنواناً بعد. وتكتب مسرحية قد يمتد تحضيرها لأعوام، «ولا يهم إن بقيتُ على قيد الحياة أم لا. المهم هو الشغف».
يأخذها التفكير في المسرح وهي بالمطبخ تعدّ الطعام لعائلتها. تروي لباسل محرز أن ولديها وزوجها لحقوا بها مرة إلى المسرح مطالبين بطبخة من يديها، بعدما طالت التمارين لساعات وبدأت البطون بالصراخ ولا مَن يسمع. تضحك لهذه الذكريات، وهي تتحدث عن أحبتها؛ الابن السينمائي والابن الثاني الأديب والزوج المثقف، رفيق دربها منذ 49 عاماً، و«اليوبيل الذهبي» للزواج السنة المقبلة.
تصف «مسرح المدينة» في شارع «الحمراء» البيروتي بـ«الحجر الفارق»، وتصر على صموده وحفاظه على المكانة. رسالتها بجملة: «أردتُ مسرحاً يشعر فيه الناس بإنسانيتهم خارج تعاسة واقعهم اللبناني. قاتلتُ من أجل مسرح أنيق ونظيف يرفع صوتاً. المسرح ليس الحياة. هو أبعد منها. حياة ثانية... أو ربما الحياة الحقيقية».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

اهتمام «سوشيالي» واسع بنبيل الحلفاوي إثر مرضه

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
TT

اهتمام «سوشيالي» واسع بنبيل الحلفاوي إثر مرضه

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)

حظي الفنان المصري نبيل الحلفاوي باهتمام واسع على «السوشيال ميديا» إثر مرضه، وانتقاله للعلاج بأحد مستشفيات القاهرة، وتصدر اسم الفنان «الترند» على «إكس» في مصر، الجمعة، بعد تعليقات كثيرة من أصدقائه ومتابعيه على منصة «إكس»، داعين له بالسلامة، ومتمنين له سرعة الشفاء والعودة لكتابة «التغريدات».

صورة للفنان نبيل الحلفاوي (متداولة على إكس)

واشتهر الحلفاوي بنشاط تفاعلي على منصة «إكس»، معلقاً على العديد من القضايا؛ سواء العامة أو السياسية أو الفنية، أو الرياضية بالتحديد، بوصفه واحداً من أبرز مشجعي النادي الأهلي المصري.

وكتب عدد من الفنانين داعين للحلفاوي بالسلامة والتعافي من الوعكة الصحية التي أصابته والعودة لـ«التغريد»؛ من بينهم الفنان صلاح عبد الله الذي كتب على صفحته على «إكس»: «تويتر X ما لوش طعم من غيرك يا بلبل»، داعياً الله أن يشفيه.

وكتب العديد من المتابعين دعوات بالشفاء للفنان المصري.

وكان بعض المتابعين قد كتبوا أن أسرة الفنان نبيل الحلفاوي تطلب من محبيه ومتابعيه الدعاء له، بعد إصابته بأزمة صحية ونقله إلى أحد مستشفيات القاهرة.

ويعد نبيل الحلفاوي، المولود في القاهرة عام 1947، من الفنانين المصريين أصحاب الأعمال المميزة؛ إذ قدم أدواراً تركت بصمتها في السينما والتلفزيون والمسرح، ومن أعماله السينمائية الشهيرة: «الطريق إلى إيلات»، و«العميل رقم 13»، ومن أعماله التلفزيونية: «رأفت الهجان»، و«لا إله إلا الله»، و«الزيني بركات»، و«غوايش»، وفق موقع «السينما دوت كوم». كما قدم في المسرح: «الزير سالم»، و«عفريت لكل مواطن»، و«أنطونيو وكليوباترا».

نبيل الحلفاوي وعبد الله غيث في لقطة من مسلسل «لا إله إلا الله» (يوتيوب)

ويرى الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين أن «نبيل الحلفاوي نجم كبير، وله بطولات مميزة، وهو ممثل مهم لكن معظم بطولاته كانت في قطاع الإنتاج»، مستدركاً لـ«الشرق الأوسط»: «لكنه في الفترة الأخيرة لم يكن يعمل كثيراً، شارك فقط مع يحيى الفخراني الذي قدّر موهبته وقيمته، كما شارك مع نيللي كريم في أحد المسلسلات، فهو ممثل من طراز فريد إلا أنه للأسف ليس اجتماعياً، وليس متاحاً كثيراً على (السوشيال ميديا). هو يحب أن يشارك بالتغريد فقط، ولكن لا يتفاعل كثيراً مع المغردين أو مع الصحافيين. وفي الوقت نفسه، حين مر بأزمة صحية، وطلب المخرج عمرو عرفة من الناس أن تدعو له بالشفاء، ظهرت مدى محبة الناس له من أصدقائه ومن الجمهور العام، وهذا يمكن أن يكون فرصة لمعرفة قدر محبة الناس للفنان نبيل الحلفاوي».