أوكرانيا: في انتظار حرب استنزاف قاسية وطويلة

دبابات روسية دُمِّرت في معركة قرب كييف (أ.ب)
دبابات روسية دُمِّرت في معركة قرب كييف (أ.ب)
TT

أوكرانيا: في انتظار حرب استنزاف قاسية وطويلة

دبابات روسية دُمِّرت في معركة قرب كييف (أ.ب)
دبابات روسية دُمِّرت في معركة قرب كييف (أ.ب)

ستتجمع الإمكانات اللازمة لشن هجوم أوكراني مضاد واسع في أواسط الصيف المقبل بحسب مصادر كييف. سيتركز الهجوم على منطقة الدونباس وسيرمي إلى استرجاع أجزاء كبيرة مما استولى عليه الجيش الروسي بعد بدء الحرب في 24 فبراير (شباط) الماضي.
وتحتاج أوكرانيا إلى نحو الشهرين لاستيعاب الأسلحة الغربية التي تصل إليها وتدريب قواتها على استخدامها، إضافة إلى إنجاز الاستعدادات اللوجيستية والاستخبارية الضرورية للمعركة المقبلة. والأرجح أن الهجوم المضاد المنتظر لن يشمل مناطق الدونباس ولوهانسك التي أعلنها الانفصاليون الأوكرانيون جمهوريتين شعبيتين قبل بدء القتال الأخير، كما لن يصل إلى شبه جزيرة القرم.
في غضون ذلك، تعمل القوات الروسية على إعادة تنظيم صفوفها وإبعاد القادة الذين أخفقوا في تحقيق أهداف المراحل السابقة من الحرب، وأسفر أداؤهم الهزيل عن خسائر جسيمة في المعدات والأرواح في مواجهة الجيش الأوكراني الذي من المفترض أن يكون أضعف بأشواط من نظيره الروسي.
يهتم الجيش الروسي حالياً ببناء خطوط دفاع صلبة على تخوم المناطق التي يسيطر عليها على نحو يحبط أي محاولة تقدم أوكرانية ويجعلها مكلفة وغير مجدية. كما يعمل على ملء صفوف الوحدات التي فقدت قسماً مهماً من الجنود والضباط في الجولات السابقة وتقييم عمل المعدات العسكرية وتكييفها أخذاً في الاعتبار الأسلحة التي تحصل أوكرانيا عليها من حلفائها الغربيين والبحث عن أدوات لإبطال الأثر الذي تتركه التكتيكات الأوكرانية التي تلجأ إلى أسلوب الحرب غير المتناظرة عبر التصدي بوحدات المشاة المسلحة بمضادات الدروع عالية الفاعلية من نوع «جافلين» الأميركي و«إن لاو» البريطاني - السويدي، للدبابات والمصفحات الروسية التي تتحرك ضمن الأنساق القتالية الكلاسيكية للحرب الميكانيكية.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1528376383507992576
أما إعلان كييف أن قواتها المسلحة، بمختلف فروعها قد بلغ عديدها 700 ألف جندي فيمثل، إذا صحّ، مشكلة إضافية لموسكو. ذاك أن ما يقال عن «خزان بشري روسي هائل» يحتاج إلى تصويب قوامه أن روسيا لم تعلن حالة الحرب حتى اليوم. فهي ما زالت تعتمد على الجيش العامل. وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد صرح أن المشاركين في العملية العسكرية الخاصة سيكونون من الجنود المحترفين وليس من المجندين في صفوف الخدمة الإلزامية، وهو تبين عدم صحته وتسبب في خلافات في القيادة العسكرية الروسية. أما كييف فأعلنت حالة الحرب منذ اليوم الأول للقتال ووضعت جميع المواطنين الذكور بين سنّي 18 و60 عاماً على لوائح المجندين ومنعت سفرهم خارج البلاد.
بذلك أمنت أوكرانيا «خزانها البشري» الكبير في حين تبحث روسيا عن طريقة لسد هذه الثغرة، من الناحيتين السياسية بحيث يتجنب الكرملين إعلان الحرب لما في ذلك من اعتراف بتجاوز الصراع في أوكرانيا السمة المحدودة التي يرسمها مصطلح «العملية العسكرية الخاصة» ويرتب إجراءات غير شعبية على المواطنين الروس الذين بدأوا يشعرون بوطأة العقوبات الغربية القاسية.
والقوات الروسية التي تتابع في هذه الأثناء تقدمها البطيء والحذر في نواحي الدونباس وتسعى إلى منع الأوكرانيين من توسيع هجماتهم المضادة وتحويلها إلى اكتساح للمواقع الروسية على غرار ما جرى في ضواحي كييف، ستعتمد على استراتيجية دفاعية متينة للحفاظ على المكتسبات التي حققتها في الشرق والجنوب إضافة إلى الإصرار على الحصار البحري ومنع أوكرانيا من تصدير قمحها عبر مرفأ أوديسا أو سواه. ولا يستقيم الرهان هنا على انهيار سريع على الجانب الروسي قياساً على ما ظهر من تدني مستوى القيادة العملانية والخسائر البشرية والمادية الروسية الضخمة، فما زال في جعبة الروس أوراق كثيرة لاستخدامها إذا أصروا على متابعة القتال.

وقد لا يخلو من الصحة في هذا السياق ما قيل عن سعي روسي لافتعال أزمة ضخمة في أوروبا عن طريق دفع ملايين من اللاجئين الأوكرانيين الجائعين إلى دول الاتحاد الأوروبي حتى ليبدو معه تدفق اللاجئين السوريين في 2015 مجرد عرض تدريبي. فالنظر إلى الترسانتين الروسية والأوكرانية المخصصتين لحرب استنزاف طويلة، ستضع في حوزة كييف القدرات الغربية العسكرية والمالية والاستخبارية مقابل روسيا الوحيدة التي لا تملك من الحلفاء من يوازي الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد الفتور الصيني في دعم موسكو دعماً ملموساً، باستثناء بعض التأييد اللفظي والإعلامي.
هذه الحقيقة قد تحمل الكرملين على التفكير بأساليب غير تقليدية لإغراق الغرب في مشكلات يكون مضطراً معها إلى البحث في سبل إنهاء الحرب بما يرضي روسيا. من هذه المشكلات تصعيد أزمات الغذاء والوقود في مناطق مختلفة من العالم وتحميل السياسة الغربية مسؤولية الكوارث التي ستنجم عنها وحرمان أوكرانيا من قمحها ودفعها إلى الاعتماد الكامل على المساعدات الغربية بحيث تستجيب لكل ما يطلبه المفاوضون الغربيون الحريصون في المقام الأول على استقرار بلدانهم واقتصاداتهم.
حرب الاستنزاف الطويلة المقبلة، قد تشهد فصولاً من التصعيد العسكري غير المسبوق على ما تكهن بعض العسكريين الأوكرانيين. لكنها أيضاً ستنطوي على فصول من الضغوط الاقتصادية والمالية والسياسية ذات الرهانات والمقاصد العالية والصعبة.


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، اليوم (الخميس)، تحذيرا قويا بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».