رئيس الوزراء الأسترالي الجديد يتعهد إصلاح صورة بلاده

رئيس الوزراء الأسترالي القادم أنتوني ألبانيز الحادي والثلاثين ورابع شخص يتولى الرئاسة (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الأسترالي القادم أنتوني ألبانيز الحادي والثلاثين ورابع شخص يتولى الرئاسة (إ.ب.أ)
TT

رئيس الوزراء الأسترالي الجديد يتعهد إصلاح صورة بلاده

رئيس الوزراء الأسترالي القادم أنتوني ألبانيز الحادي والثلاثين ورابع شخص يتولى الرئاسة (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الأسترالي القادم أنتوني ألبانيز الحادي والثلاثين ورابع شخص يتولى الرئاسة (إ.ب.أ)

تعهد رئيس الوزراء الأسترالي الجديد أنتوني ألبانيزي، أمس (الأحد)، بإعادة إطلاق علاقات بلاده مع العالم وتغيير سمعتها كدولة متقاعسة في مجال مكافحة التغيّر المناخي، في وقت يسابق الزمن لتشكيل حكومة قُبيل انعقاد قمة مهمّة في طوكيو.
وبعد نصر انتخابي أسدل الستار على حكم المحافظين الذي استمر عقداً، تحدّث ألبانيزي عن حقبة مقبلة ستكون أستراليا فيها أكثر إنصافاً وصديقة للبيئة وبعيدة عن السياسات الصدامية.
وقال الزعيم اليساري الوسطي البالغ 59 عاماً إن انتخابات السبت شكّلت «لحظة مهمة» في حياته، لكنه شدد على أنه يريدها أن تكون «لحظة مهمة بالنسبة للبلاد».
وما زال غير واضح إن كان حزب العمال الذي ينتمي إليه سيحصل على ما يكفي من المقاعد في البرلمان لتشكيل غالبية أم سيتعيّن عليه اللجوء إلى المستقلين أو الأحزاب الأصغر من أجل الدعم.
لكن يُتوقع أن يتم تنصيب ألبانيزي وأبرز الوزراء غداً (الاثنين) ليتمكنوا من حضور قمة مع قادة كل من اليابان والهند والولايات المتحدة في إطار ما يطلق عليه تحالف «كواد» (الرباعي).
وقال ألبانيزي اليوم (الأحد)، إن القمة «أولوية قصوى» بالنسبة لأستراليا وفرصة «لنبعث برسالة إلى العالم تفيد بوجود تغيير في الحكومة... ستكون هناك تغييرات في السياسة، خصوصاً فيما يتعلّق بالتغيّر المناخي وانخراطنا مع العالم بشأن هذه المسائل».
وحوّلت صور غابات شجر الكينا المحترقة والمدن التي يغلّفها الضباب الدخاني والشعاب المرجانية المتراجعة، أستراليا إلى مضرب مثل للدمار الناجم عن تغيّر المناخ في السنوات الأخيرة.
وفي ظل قيادتها المحافظة، باتت أستراليا التي تعد في الأساس من بين أكبر مصدّري الغاز والفحم في العالم، تعد الطرف المخرّب في محادثات المناخ الدولية.
وتعهد ألبانيزي بتبني أهداف أكثر طموحاً للحد في الانبعاثات وتحويل البلد إلى «قوة عظمى» في مجال الطاقة المتجددة.
وبعد القمة واجتماعات ثنائية سيعقدها مع كل من الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ونظيره الهندي ناريندرا مودي، قال ألبانيزي إنه سيعود إلى أستراليا (الأربعاء).
وقال: «من ثم سنبدأ عملنا».
ورحّب قادة دوليون بانتخاب ألبانيزي، ليأتي الترحيب خصوصاً من جزر المحيط الهادئ المجاورة لأستراليا علماً بأن ارتفاع منسوب البحر يشكّل تهديداً وجودياً لهذه البلدان.
قال رئيس وزراء فيجي، فرانك باينيماراما: «من بين جميع وعودك المرتبطة بدعم منطقة الهادئ، لا يوجد وعد يَلقى ترحيباً بقدر خطّتك منح أولوية للمناخ... يعتمد مستقبل شعبينا على الأمر».
في المقابل، سيراقب كثيرون الوضع عن كثب لتحديد إن كان ألبانيزي سيستخدم لهجة أقل تشدداً حيال الصين وإن كانت الاجتماعات الوزارية مع بكين ستُستأنف بعد توقفها لأكثر من عامين.
وأظهرت نتائج رسمية أن حزب العمال سيفوز بـ74، علماً بأنه يحتاج إلى 76 للحصول على الغالبية في المجلس المكوّن من 151 مقعداً. وما زال مصير عدد من المقاعد غير محسوم.
لكن من الواضح أن الانتخابات أحدثت هزة سياسية في أستراليا.
وبالنسبة إلى كثير من الأستراليين، كانت الانتخابات بمثابة استفتاء على رئيس الوزراء المنتهية ولايته سكوت موريسون المثير للاستقطاب.
وخلال عهده، شهدت أستراليا حرائق غابات وموجات جفاف وفيضانات إلى جانب الوباء، وهي عوامل حطّمت شعور الأستراليين بالأمن وثقتهم بحكومتهم.
وأثار موريسون استياءً بتقليله من أهمية تداعيات التغيّر المناخي على الكوارث المتزايدة أكثر من أي وقت مضى في أستراليا، وقال حين طلب منه تبرير سفره في عطلة في الخارج في ظل أزمة حرائق الغابات: «لا أحمل خرطوم مياه في يدي».
ويؤكد مدير صندوق إدارة استثمارات يبلغ 32 عاماً ويدعى دين برغن، أنّ «توجهه (موريسون) إلى هاواي بينما كانت نصف البلاد تحترق تماماً لم يكن قراراً حكيماً على الأرجح... يمكن لأي شخص وإن كان بنصف عقل إدراك ذلك. ما قام به هو عكس ما تعنيه القيادة تماماً».
وردّ الناخبون في صناديق الاقتراع عبر تسديد ضربة قاسية لائتلافه «الليبرالي - الوطني»، ما أطاح بكبار الوزراء من البرلمان وطُرد نظريا الحزب من المدن الرئيسية.
وقالت كاثي هوبكنز (60 عاماً)، وهي موظفة تعمل في مجال دعم المعاقين في ضاحية كلوفيلي في سيدني، والتي لطالما كانت محسوبة على المحافظين: «أشعر بسعادة بالغة» بنتيجة الانتخابات، مشيرةً إلى أن تغيّر المناخ كان قضية رئيسية تبعث على القلق. وقالت: «إنها (قضية) مهمة للغاية، خصوصا بالنسبة لمن هم أصغر سناً».
ودعم الناخبون المحليون أليغرا سبيندر، واحدة من عدد من المرشّحات المستقلات اللواتي ركّزن على ملفات الدفاع عن البيئة ومكافحة الفساد والمساواة بين الجنسين.
وقالت سبيندر أمام أنصارها في بوندي بيتش: «هذه لحظة وضع حد لحروب المناخ»، متعهدةً بالضغط من أجل مزيد من النزاهة في السياسة من أجل اقتصاد شامل للجميع. وأكدت أن «هذه هي القيم التي دافع عنها المجتمع».
وبالنسبة إلى حلفاء موريسون المحافظين، تشعل الهزيمة معركة من أجل روح الحزب. وتدور منافسة غير رسمية على زعامته، إذ يُلقي المعتدلون باللوم في خسارته الانتخابية على انجرافه إلى اليمين.
وفي تصريحات أدلى بها في الكنيسة اليوم (الأحد)، قال موريسون بينما اغرورقت عيناه بالدموع إن الفترة التي قضاها في منصبه كانت «صعبة للغاية». وأضاف: «يدعونا الله للقيام بمهام معيّنة... أنا سعيد للغاية لأنني أدلي بآخر تصريحاتي كرئيس للوزراء هنا»، قبل أن يُخرج هاتفه النقال ليختتم خطابه بآية من الإنجيل.


مقالات ذات صلة

أكبر إعادة تنظيم للجيش الأسترالي

أكبر إعادة تنظيم للجيش الأسترالي

أكبر إعادة تنظيم للجيش الأسترالي

تعتزم أستراليا إجراء أكبر إعادة تنظيم لقواتها العسكرية منذ عقود، مع إعادة تركيز استراتيجية جيشها على ردع أعداء محتملين بعيداً عن سواحلها. وقال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس، أمس، إنَّ الاستراتيجية القائمة منذ عقود على حماية الأراضي «لم تعد تفي بالمطلوب». ولفت إلى أنَّه في مواجهة الصين التي باتت أكثر قوة، ستحول أستراليا تركيزها إلى ردع الأعداء قبل أن يصلوا إلى حدودها، سواء في البحر أو الجو أو الفضاء الإلكتروني.

«الشرق الأوسط» (كانبرا)
العالم أكبر إعادة تنظيم للجيش الأسترالي منذ عقود

أكبر إعادة تنظيم للجيش الأسترالي منذ عقود

كشفت أستراليا، الاثنين، عن أكبر إعادة تنظيم لقواتها العسكرية منذ عقود، مع إعادة تركيز استراتيجية جيشها على ردع أعداء محتملين بعيداً عن سواحلها. وقال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس، الذي وضع تصوراً يعزز فيه قدرات أستراليا الهجومية بعيدة المدى، إن الاستراتيجية القائمة منذ عقود على حماية الأراضي «لم تعد تفي بالمطلوب».

«الشرق الأوسط» (كانبرا)
العالم أستراليا تعلن أكبر إعادة تنظيم لقواتها العسكرية منذ عقود

أستراليا تعلن أكبر إعادة تنظيم لقواتها العسكرية منذ عقود

أطلقت أستراليا، اليوم (الاثنين)، أكبر إعادة تنظيم لجيشها منذ عقود، على خلفية تعزيز الصين لقدراتها العسكرية، وتوترات في منطقة آسيا المحيط الهادئ، حيث يتنامى نفوذ بكين. وكشف وزير الدفاع ريتشارد مارليس مراجعة استراتيجية تدعو إلى تحوّل حاد نحو «الردع بعيد المدى»، باستخدام الصواريخ والغواصات والأدوات الإلكترونية لإبعاد الخصوم، وفقاً لما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية». وقال مارليس إنه «اليوم وللمرة الأولى منذ 35 عاماً، نعيد صياغة مهمة قوات الدفاع الأسترالية». وأشارت المراجعة الاستراتيجية التي قامت بها وزارة الدفاع الأسترالية، إلى أن التنامي العسكري لبكين هو الآن «الأكبر والأكثر طموحاً، مقارنة بأي دو

«الشرق الأوسط» (كانبرا)
العالم بسبب مخاوف أمنية... أستراليا تحظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية

بسبب مخاوف أمنية... أستراليا تحظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية

أعلنت الحكومة الأسترالية اليوم (الثلاثاء) أنها حذت حذو دول غربية أخرى وحظرت تطبيق مشاركة الفيديو «تيك توك» من أجهزة المشرعين بسبب مخاوف أمنية، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وقال المدعي العام مارك دريفوس في بيان إن القرار اتخذ بناء على نصيحة من خبراء الاستخبارات والأمن. وأضاف «سيدخل التوجيه حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن عمليا». وسينطبق الحظر على جميع الأجهزة الصادرة عن إدارات ووكالات الكومنولث. وقال دريفوس «لن يتم منح الإعفاءات إلا على أساس كل حالة على حدة وفي ظل وجود إجراءات تخفيف أمنية مناسبة».

«الشرق الأوسط» (كانبرا)
العالم وفاة يونوبينغو زعيم السكان الأصليين الأستراليين

وفاة يونوبينغو زعيم السكان الأصليين الأستراليين

توفي اليوم الإاثنين عن 74 عاماً زعيم السكان الأصليين الأستراليين يونوبينغو الذي صنّفته السلطات «كنزاً وطنياً حيّاً» ويُعتبر من رواد الدفاع عن حقوق مجموعته. وأبدى رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي أسفه لموت «أحد أبرز رجال أستراليا»، واصفاً يونوبينغو بأنه كان «رجل دولة». أدى يونوبينغو دوراً مهماً في نضال السكان الأصليين للاعتراف بحقوقهم المتعلقة بحيازة الأراضي خلال ستينات القرن الفائت وسبعيناته. كذلك، ناضل لعقود من أجل أن يُعتَرَف بالسكان الأصليين الذين استوطنوا أستراليا قبل وصول المستوطنين الأوروبيين، في الدستور، وهي قضية ستخضع لاستفتاء في نهاية العام. وحظي يونوبينغو الذي يتحدّر من منطقة أ

«الشرق الأوسط» (سيدني)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.