إليزابيث بورن... ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية

تحديات وعقبات متوقعة على الطريق

إليزابيث بورن... ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية
TT

إليزابيث بورن... ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية

إليزابيث بورن... ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية

قلائل هم الذين يعرفون حقيقة رئيسة الحكومة الفرنسية الجديدة التي عينها الرئيس إيمانويل ماكرون بعد فوزه بولاية ثانية من خمس سنوات تؤهله للبقاء رئيساً للجمهورية حتى عام 2027. ومنذ أن ظهر اسم إليزابيت بورن على بيان الرئاسة المقتضب، كتبت الصحافة الفرنسية والأجنبية الكثير عنها مركّزة على المناصب الحكومية التي تبوأتها منذ عام 2017، أي منذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه مركزة على التحديات التي واجهتها والإصلاحات التي أنجزتها في الوزارات الثلاث التي شغلتها: النقل والبيئة والعمل والشؤون الاجتماعية.
توقف المحللون والوسائل الإعلامية في فرنسا عند تسمية امرأة للمنصب الثاني في السلطة التنفيذية (خلف رئاسة الجمهورية) بعد 31 سنة على تعيين مماثل قام به الرئيس الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران، الذي بقي في قصر الإليزيه لولايتين، بين 1981 و1995. بيد أن التجربة المؤلمة التي عاشتها، زمن ميتران، أديث كريسون، رئيسة الحكومة المعيّنة بسبب الثقافة السياسية «الذكورية» والحملات العنيفة التي تعرضت لها، قد تكون السبب الذي دفع خلفاء ميتران، أي الرؤساء جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، إلى تجنب الخوض في مغامرة مشابهة.
إلا أن ماكرون كسر هذه المقاربة، وخلال حملته الانتخابية، أشار أكثر من مرة إلى أنه يرغب بتعيين امرأة رئيسة للحكومة بحيث تلتحق فرنسا بالركب الأوروبي. وبالطبع، غاص السياسيون، ومعهم الوسائل الإعلامية، على الأسباب القريبة والعميقة التي دفعت ماكرون إلى تفضيل اختيار امرأة يعرفها وأثبتت جدارتها طيلة ولايته الأولى - والتي انضمت إليه منذ عام 2016 ولم تنتظر أن ينتخب أصغر رئيس للجمهورية الخامسة في العام الذي يليه.
- ميّالة إلى اليسار
ميل هذه المرأة البالغة من العمر 61 سنة إلى اليسار الاشتراكي كان موضع تحليل وتمحيص وتذكير بأنها عملت إلى جانب رئيس الحكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان في عهد الرئيس شيراك الأول، وأنها كانت مديرة مكتب الوزيرة الاشتراكية سيغولين رويال. لكن الثابت أيضاً أنها لم تنضم أبداً إلى الحزب الاشتراكي، وإن كانت تتمتع بـ«إحساس» يساري قد يكون من بين العوامل التي دفعت ماكرون إلى اختيارها. وللتذكير هنا فإن الأخير انتظر 22 يوماً عقب انتخابه ليعلن اسم رئيسة الحكومة العتيدة.
حسب المعلومات المتداولة في الصالونات السياسية، فإن ماكرون كان يميل إلى تعيين كاترين فوترين، المرأة السياسية اليمينية التي شغلت منصباً وزارياً في عهد شيراك لتصبح لاحقاً ناطقة باسم المرشح نيكولا ساركوزي، وهي تشغل حالياً منصب رئيسة منطقة «ريمس الكبرى» الواقعة شرق فرنسا.
غير أن المحيط المباشر لماكرون، خصوصاً ألكسيس كوهلر أمين عام قصر الإليزيه - الذي صدر قرار جديد يبقيه المساعد الأول لرئيس الجمهورية وصاحب النفوذ الكبير -، وريشار فران رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته وأحد الأوائل الذين دعموا صعود ماكرون السياسي، أقنعا الأخير بالتخلي عن تعيين امرأة تأتي من صفوف اليمين. وحجة هؤلاء الكبرى أنه أصلاً اختار يمينيين اثنين لترؤس حكومات عهده الأول (هما أدوار فيليب وجان كاستيكس).
أضف على ذلك أنه (أي ماكرون) يدين ببقائه رئيساً لناخبي اليسار الذين صوّتوا لصالحه وشكلوا سداً منيعاً بوجه مرشحة اليمين المتطرف مارين لو بن. ثم إن ماكرون وعد باتباع نهج جديد في الحكم لعهده الثاني، وبالتزامات اجتماعية تتناول الفئات الأكثر هشاشة خصوصاً في زمن تراجع القدرة الشرائية وارتفاع معدلات التضخم ومراوحة الرواتب مكانها.
وأخيراً، ثمة اعتقاد شائع أن الصيف المقبل سيكون حاراً اجتماعياً واقتصادياً، وأن الخريف الذي يليه سيكون أكثر سخونة، ما يذكر بما عرفته فرنسا من «السترات الصفراء» خلال العامين 2018 و2019. وبالتالي، ثمة حاجة مُلحّة بأن تكون رئيسة الحكومة الجديدة أكثر قبول وأكثر تفهماً لمتطلبات المرحلة القادمة الأمر الذي ينطبق على إليزابيث بورن.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن بورن التي انضمت إلى حزب «الجمهورية إلى الأمام» الذي حمل ماكرون إلى الرئاسة قريبة من جان إيف لودريان وزير الخارجية الآتي من صفوف اليسار... ومن الاشتراكي الآخر، أوليفيه دوسو وزير النقل. والثلاثة مع فلورانس بارلي، وزيرة الدفاع، شكلوا «القطب اليساري» داخل الحكومة بمواجهة «القطب اليميني» الذي كان طاغياً إلى حد ما خلال ولاية ماكرون الأولى. وأبرز وزراء اليمين، وزير الاقتصاد والمالية برونو لومير ووزير الداخلية جيرالد دارمانان وغيرهما...
- دراما بورن الشخصية
يجهل كثيرون الدراما الشخصية التي عاشتها رئيسة الحكومة الجديدة، إذ إنها ترفض بشكل منهجي عرض حياتها الخاصة على الملأ. ولذا، من المفيد التوقف عند هذا الجانب الذي كان له تأثيره على مسارها الأكاديمي والمهني والسياسي. إذ إن إليزابيث بورن ابنة عائلة «مركّبة»، فأمها من منطقة النورماندي بينما والدها، جوزيف بورنشتاين، ينتمي إلى عائلة يهودية روسية الأصل فرّت من روسيا في عام 1939 بسبب صعود الشعور المعادي للسامية، فحطت رحالها في بلجيكا أولاً ثم في فرنسا.
وسريعاً، انتمى والدها إلى مقاومة الداخل الفرنسية في مواجهة النازيين الذين احتلوا فرنسا. إلا أنه قبض عليه وعلى والده زليغ وأخيه إسحاق في عام 1943 ونقلوا إلى المعتقلات النازية حيث توفي الأخيران. أما والدها، فعاد سالماً من المعتقل. وفي عام 1950 حصل على الجنسية الفرنسية وعمل مع زوجته في حقل الصيدلة. إلا أن الشركة التي أسساها واجهت صعوبات مالية كبيرة ما دفع الوالد إلى الانتحار في عام 1972 عندما كانت ابنته إليزابيث لا تزال طفلة.
مع نهاية الحرب، عمد جوزيف بورنشتاين إلى تغيير اسم عائلته فتخلى عن «بورنشتاين» الذي يدل على الأصل اليهودي مكتفياً بـ«بورن»... وهو الاسم الحركي الذي اتخذه في المقاومة. ومن المرات النادرة التي تحدثت فيها إليزابيث بورن عن حياتها الشخصية كانت في برنامج تلفزيوني، على القناة «سي 8». ومن الأمور التي قالتها: «لم تكن الحياة سهلة بالنسبة إلينا، إذ إنني خسرت والدي وأنا صغيرة السن ووجدنا أنفسنا، أنا وأختي نعيش مع والدتنا التي لم تكن تتحصل على موارد مالية كثيرة».
- خريجة «البوليتكنيك»
إلا أن وضعها المعترف به كـ«ابنة مقاوم» مكّنها من متابعة الدراسة في أرقى المعاهد الفرنسية، معهد البوليتكنيك، بفضل استقلاليتها المالية التي وفرتها لها الدولة. وفي عام 1981، تخرجت بورن في معهد البوليتكنيك، الذي تدخله نخبة الطلاب حاملة شهادة مهندس للجسور والمياه والغابات. وبالتوازي، فإنها حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال. وبسرعة، اقتربت من كواليس الإدارة والسلطة إذ عملت لوزارة التجهيزات، ثم لاحقاً، في الإدارة الإقليمية في منطقة إيل دو فرانس (باريس وضواحيها القريبة والبعيدة). كذلك اقتربت أكثر من الجهاز الحكومي في عام 1990 عندما عينت مستشارة لوزير التربية.
تنقلت بورن في عدد من المناصب الاستشارية. وعملت لصالح بلدية باريس مع رئيسيها الاشتراكيين المتعاقبين، برتراند دولانويه وآن هيدالغو، مديرة عامة لقسم التجهيزات قبل أن تعين مديرة (محافظة) لمنطقة بواتو - شارنت الواقعة جنوب غربي فرنسا. وهناك ارتبطت بعلاقة وثيقة مع سيغولين رويال، رئيستها التي عينتها مديرة لمكتبها بعدما تولت وزارة الانتقال البيئوي (2014 - 2015)، إبان عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند.
أيضاً، تقلبت بورن في العديد من المناصب في القطاعين العام والخاص، وكان آخر منصب شغلته قبل تعيينها وزيرة للعمل في حكومات هولاند المتعاقبة ترؤسها للإدارة العامة للنقل المشترك. ومع كل موقع جديد، اكتسبت سمعة جدية، إذ نظر إليها على أنها كفوءة وجدية في عملها و«تقنية» من الطراز الأول وذات معرفة تامة بالإدارة الفرنسية وصعوباتها. إلا أنها، في غالبية هذه المناصب، كانت بعيدة عن الأضواء.
في المقابل، فإن النقابات واليسار بشكل عام يأخذون عليها «الإصلاحات» التي أشرفت عليها، وتحديداً فيما خص قانون العمل، حيث خفضت بشكل كبير حقوق العاطلين عن العمل وشددت شروط الحصول عليها ما أصاب الأكثر هشاشة من السكان. وأيضاً هناك إصلاح قطاع النقل والسكك الحديد الذي تولته في إطار وزارة النقل... وتسبب بإضرابات قطاعية واختناقات عانى منها المواطنون لشهور.
- التحديات المرتقبة
ينظر المحيط المباشر لماكرون إلى رئيسة الحكومة الجديدة، رغم افتقارها للخبرة السياسية، على أنها كانت ناجحة في المناصب الوزارية التي أسندت إليها في السنوات الخمس المنصرمة. ومن خصالها أنها كانت دائماً «الجندي الوفي» للرئيس، وتسميتها في منصبها الجديد لن تستخدمه لمصلحة خاصة بل لخدمة مَن سماها رئيسة للحكومة. وقد سارع ماكرون، مباشرة عقب تسميته بورن، إلى تزويدها بما يشبه «خارطة طريق» التي يفترض أن تسير على هديها، وهي تعكس جانباً من الالتزامات التي قدمها خلال حملته الانتخابية. وجاء في تغريدته أن العمل الحكومي يتعين أن يركز على ملفات «البيئة، والصحة، والتعليم، والتشغيل الكامل، وإحياء الديمقراطية، وأوروبا والأمن»، مضيفاً أنه «مع الحكومة الجديدة، سنواصل العمل بلا كلل من أجل الشعب الفرنسي».
بيد أنه قبل الانطلاق في هذه «الخارطة»، يتوجب على الثنائي التنفيذي أن يتفقا على تشكيل حكومة العهد الأولى. وبدأ الاثنان العمل في اليوم التالي للتكليف حين استضاف ماكرون، إلى مائدته، رئيسة الحكومة مع مدير مكتبها من أجل «غربلة» أولى للأسماء.
وفق الدستور الفرنسي، فإن رئيس الحكومة يقترح ورئيس الجمهورية يقرر. ورغم أنه لن يكون تشكيل الحكومة عصياً، فهو صعب بعض الشيء إذ ستكون مهمة الثنائي معقدة بسبب الحاجة إلى التوفيق بين «اعتباري» الإبقاء على عدد من الوزراء... وضحّ دماء جديدة. وهذا، إضافة إلى إيجاد مواقع لعدد من الذين دعموا ماكرون بعدما تخلوا عن أحزابهم، أكان ذلك للاشتراكيين أو المنتمين إلى حزب «الجمهورية» اليميني المعتدل.
غير أن مهمة بورن الفورية تكمن في التحضير للانتخابات التشريعية التي ستجرى يومي 12 و19 يونيو (حزيران) المقبل. ومنذ تعيينها، أصبحت الأخيرة رئيسة الأكثرية الملتفة حول الرئيس، وبالتالي يتعين عليها أن تقودها لتضمن له الحصول على أكثرية مريحة في البرلمان.
تخوض بورن، شخصياً، غمار الانتخابات للمرة الأولى مرشحة باسم تجمع «معاً» الذي يضم الأحزاب الداعمة لماكرون، وذلك في دائرة قضاء «كالفادوس» التابع لمنطقة النورماندي. والصعوبة بالنسبة لها أنها تفتقر للخبرة الانتخابية، وأن بقاءها في منصبها لما بعد الانتخابات مشروط بفوزها بمقعد في الندوة البرلمانية وبالحصول على الأكثرية النيابية. أما بعكس ذلك، فإنها، وفق تقاليد الجمهورية الفرنسية، تفقد مركزها.
ورغم أن حصول الانتخابات النيابية مباشرة بعد الانتخابات الرئيسية من شأنه أن يوفر بسهولة للرئيس الجديد الأكثرية التي يحتاج إليها، فإن الأمور هذه المرة مختلفة بالنظر لتكوّن ثلاث كتل تحتل المشهد السياسي هي: كتلة وسطية مع بعض اليمين واليسار تلتف حول ماكرون، وكتلة على أقصى اليمين وأخرى على أقصى اليسار. لكن استطلاعات الرأي ترجح أن ماكرون سيحوذ على الأكثرية التي يحتاج إليها. ومن هنا، فإن التحدي الأول والأكبر أن تنجح بورن في إيصال أكثرية مريحة إلى البرلمان تدعم عمل رئيس الجمهورية والحكومة معاً.
- ملفات الهموم المعيشية
ثمة ملفات أساسية يتوجب على بورن وحكومتها العتيدة أن تتصديا لها وبسرعة، وأولها القدرة الشرائية ومساعدة الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة. وثانيها الملف البيئوي الذي جعله ماكرون على رأس أولوياته. بيد أن الملف الأكثر تفجرا، قطعاً، سيكون إعادة النظر في قانون التقاعد... علماً بأن ماكرون اقترح في برنامجه الانتخابي رفع سن التقاعد «الرسمي» من 62 إلى 65 سنة، الأمر الذي يثير رفضاً لدى النقابات. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الأسبق أدوار فيليب سعى للتوصل إلى قانون جديد للتقاعد وهو ما أثار حملة واسعة من الإضرابات والاضطرابات الاجتماعية التي لم تهدأ إلا مع اندلاع جائحة «كوفيد 19».

جاك شيراك  -  جورج بومبيدو  -  ليونيل جوسبان

- رؤساء الحكومات الفرنسية في «الجمهورية الخامسة»
• عهد الرئيس الجنرال شارل ديغول (قومي محافظ - يمين وطني معتدل عرف بالمدرسة السياسية «الديغولية»، وهو باني فرنسا الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية ومؤسس «الجمهورية الخامسة») - بين 1959 واستقالة ديغول عام 1969
ميشال دوبريه (1959 - 1962) - ديغولي
جورج بومبيدو (1962 - 1968) - 4 حكومات - ديغولي
موريس كوف دي مورفيل (1968 - 1969) - ديغولي - أول رئيس وزراء بروتستانتي في «الجمهورية الخامسة»
• عهد الرئيس جورج بومبيدو (ديغولي) - بين 1069 و1974 وتوفي أثناء وجوده في السلطة بعد إصابته بالسرطان
جاك شابان دلماس (1969 - 1972) - ديغولي
بيار ميسمير (1972 - 1974) - 3 حكومات - ديغولي
• عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان (تيار يمين وسط ليبرالي كان لفترة حليفاً للديغوليين، عرف بـ«الجيسكاردي») - بين 1974 و1981. وانتهى عهده بعد هزيمته أمام الاشتراكي فرنسوا ميتران
جاك شيراك (1974 - 1976) - محافظ (ديغولي)
ريمون بار (1976 - 1981) - 3 حكومات - جيسكاردي
• عهد الرئيس فرنسوا ميتران (الزعيم الاشتراكي التاريخي) - بين 1981 و1995، وكان قد خسر أولى محاولات دخول قصر الإليزيه بخسارته أمام ديغول. لكنه أعاد بناء اليسار الاشتراكي، وهيمن على الساحة طوال فترة حكمه الطويلة.
بيار موروا (1981 - 1984) - 3 حكومات - اشتراكي
لوران فابيوس (1984 - 1986) - اشتراكي - أول رئيس وزراء يهودي في «الجمهورية الخامسة»
جاك شيراك (1986 - 1988) - فترة «المساكنة» الأولى بين رئيس جمهورية اشتراكي ورئيس حكومة محافظ
ميشال روكار (1988 - 1991) - اشتراكي
إديث كريسون (1991 - 1992) - أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة الفرنسية - اشتراكية
بيار بيريغوفوا (1992 - 1993) - اشتراكي
إدوار بالادور (1993 - 1995) - محافظ
• عهد الرئيس جاك شيراك (محافظ) - بين 1995 و2007، وأقوى ورثة «الديغولية» بعد جورج بومبيدو، واطول الرؤساء المحافظين حكماً في «الجمهورية الخامسة»
آلان جوبيه (1995 - 1997) - حكومتان - محافظ
ليونيل جوسبان (1997 - 2002) - اشتراكي - سياسي بروتستانتي اشتراكي كلاسيكي، خسر مرتين معركتيه للفوز برئاسة الجمهورية
جان بيار رافاران (2002 - 2005) - 3 حكومات - ليبرالي ثم محافظ
دومينيك دو فيلبان (2005 - 2007) - محافظ
• عهد الرئيس نيكولا ساركوزي (محافظ) - بين 2007 و2012. عده كثيرون على يمين شيراك، وانتهى عهد بسلسلة من الفضائح التي طالته وطالت رئيس وزرائه فرنسوا فييون
فرنسوا فييون (2007 - 2012) - 3 حكومات - محافظ
• عهد الرئيس فرنسوا هولاند (اشتراكي) - بين 2012 و2017، الذي بدا فيه ترهل الحزب الاشتراكي، وتزايد الاستقطاب في الساحة الاشتراكية بين المنشقين الوسطيين، بقيادة إمانويل ماكرون والمنشقين اليساريين الراديكاليين، بقيادة جان لوك ميلانشون
جان - مارك إيرو (2012 - 2014) - حكومتان - اشتراكي
مانويل فالس (2014 - 2016) – حكومتان - اشتراكي
برنار دي كازنوف (2016 - 2017) - اشتراكي
• عهد الرئيس إيمانويل ماكرون (وسطي ليبرالي منشق عن الاشتراكيين) - منذ 2017 ومثّل حركة اعتراضية تجديدية ليبرالية انقلبت على الحزب الاشتراكي ورغم إخفاق ماكرون في المحافظة على زخم حركته، فإنه استفاد من اشتداد خطر تيار اليمين العنصري المتطرف، ما سمح له أخيراً بالفوز بالانتخابات الرئاسية ثانية ضد المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن.
إدوار فيليب (2017 - 2020) - محافظ ليبرالي معتدل
جان كاستيكس (2020 - 2022) - تيار الرئيس ماكرون الوسطي الليبرالي
إليزابيث بورن (2022 - ......) - يسار الوسط


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.