إليزابيث بورن... ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية

تحديات وعقبات متوقعة على الطريق

إليزابيث بورن... ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية
TT

إليزابيث بورن... ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية

إليزابيث بورن... ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية

قلائل هم الذين يعرفون حقيقة رئيسة الحكومة الفرنسية الجديدة التي عينها الرئيس إيمانويل ماكرون بعد فوزه بولاية ثانية من خمس سنوات تؤهله للبقاء رئيساً للجمهورية حتى عام 2027. ومنذ أن ظهر اسم إليزابيت بورن على بيان الرئاسة المقتضب، كتبت الصحافة الفرنسية والأجنبية الكثير عنها مركّزة على المناصب الحكومية التي تبوأتها منذ عام 2017، أي منذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه مركزة على التحديات التي واجهتها والإصلاحات التي أنجزتها في الوزارات الثلاث التي شغلتها: النقل والبيئة والعمل والشؤون الاجتماعية.
توقف المحللون والوسائل الإعلامية في فرنسا عند تسمية امرأة للمنصب الثاني في السلطة التنفيذية (خلف رئاسة الجمهورية) بعد 31 سنة على تعيين مماثل قام به الرئيس الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران، الذي بقي في قصر الإليزيه لولايتين، بين 1981 و1995. بيد أن التجربة المؤلمة التي عاشتها، زمن ميتران، أديث كريسون، رئيسة الحكومة المعيّنة بسبب الثقافة السياسية «الذكورية» والحملات العنيفة التي تعرضت لها، قد تكون السبب الذي دفع خلفاء ميتران، أي الرؤساء جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، إلى تجنب الخوض في مغامرة مشابهة.
إلا أن ماكرون كسر هذه المقاربة، وخلال حملته الانتخابية، أشار أكثر من مرة إلى أنه يرغب بتعيين امرأة رئيسة للحكومة بحيث تلتحق فرنسا بالركب الأوروبي. وبالطبع، غاص السياسيون، ومعهم الوسائل الإعلامية، على الأسباب القريبة والعميقة التي دفعت ماكرون إلى تفضيل اختيار امرأة يعرفها وأثبتت جدارتها طيلة ولايته الأولى - والتي انضمت إليه منذ عام 2016 ولم تنتظر أن ينتخب أصغر رئيس للجمهورية الخامسة في العام الذي يليه.
- ميّالة إلى اليسار
ميل هذه المرأة البالغة من العمر 61 سنة إلى اليسار الاشتراكي كان موضع تحليل وتمحيص وتذكير بأنها عملت إلى جانب رئيس الحكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان في عهد الرئيس شيراك الأول، وأنها كانت مديرة مكتب الوزيرة الاشتراكية سيغولين رويال. لكن الثابت أيضاً أنها لم تنضم أبداً إلى الحزب الاشتراكي، وإن كانت تتمتع بـ«إحساس» يساري قد يكون من بين العوامل التي دفعت ماكرون إلى اختيارها. وللتذكير هنا فإن الأخير انتظر 22 يوماً عقب انتخابه ليعلن اسم رئيسة الحكومة العتيدة.
حسب المعلومات المتداولة في الصالونات السياسية، فإن ماكرون كان يميل إلى تعيين كاترين فوترين، المرأة السياسية اليمينية التي شغلت منصباً وزارياً في عهد شيراك لتصبح لاحقاً ناطقة باسم المرشح نيكولا ساركوزي، وهي تشغل حالياً منصب رئيسة منطقة «ريمس الكبرى» الواقعة شرق فرنسا.
غير أن المحيط المباشر لماكرون، خصوصاً ألكسيس كوهلر أمين عام قصر الإليزيه - الذي صدر قرار جديد يبقيه المساعد الأول لرئيس الجمهورية وصاحب النفوذ الكبير -، وريشار فران رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته وأحد الأوائل الذين دعموا صعود ماكرون السياسي، أقنعا الأخير بالتخلي عن تعيين امرأة تأتي من صفوف اليمين. وحجة هؤلاء الكبرى أنه أصلاً اختار يمينيين اثنين لترؤس حكومات عهده الأول (هما أدوار فيليب وجان كاستيكس).
أضف على ذلك أنه (أي ماكرون) يدين ببقائه رئيساً لناخبي اليسار الذين صوّتوا لصالحه وشكلوا سداً منيعاً بوجه مرشحة اليمين المتطرف مارين لو بن. ثم إن ماكرون وعد باتباع نهج جديد في الحكم لعهده الثاني، وبالتزامات اجتماعية تتناول الفئات الأكثر هشاشة خصوصاً في زمن تراجع القدرة الشرائية وارتفاع معدلات التضخم ومراوحة الرواتب مكانها.
وأخيراً، ثمة اعتقاد شائع أن الصيف المقبل سيكون حاراً اجتماعياً واقتصادياً، وأن الخريف الذي يليه سيكون أكثر سخونة، ما يذكر بما عرفته فرنسا من «السترات الصفراء» خلال العامين 2018 و2019. وبالتالي، ثمة حاجة مُلحّة بأن تكون رئيسة الحكومة الجديدة أكثر قبول وأكثر تفهماً لمتطلبات المرحلة القادمة الأمر الذي ينطبق على إليزابيث بورن.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن بورن التي انضمت إلى حزب «الجمهورية إلى الأمام» الذي حمل ماكرون إلى الرئاسة قريبة من جان إيف لودريان وزير الخارجية الآتي من صفوف اليسار... ومن الاشتراكي الآخر، أوليفيه دوسو وزير النقل. والثلاثة مع فلورانس بارلي، وزيرة الدفاع، شكلوا «القطب اليساري» داخل الحكومة بمواجهة «القطب اليميني» الذي كان طاغياً إلى حد ما خلال ولاية ماكرون الأولى. وأبرز وزراء اليمين، وزير الاقتصاد والمالية برونو لومير ووزير الداخلية جيرالد دارمانان وغيرهما...
- دراما بورن الشخصية
يجهل كثيرون الدراما الشخصية التي عاشتها رئيسة الحكومة الجديدة، إذ إنها ترفض بشكل منهجي عرض حياتها الخاصة على الملأ. ولذا، من المفيد التوقف عند هذا الجانب الذي كان له تأثيره على مسارها الأكاديمي والمهني والسياسي. إذ إن إليزابيث بورن ابنة عائلة «مركّبة»، فأمها من منطقة النورماندي بينما والدها، جوزيف بورنشتاين، ينتمي إلى عائلة يهودية روسية الأصل فرّت من روسيا في عام 1939 بسبب صعود الشعور المعادي للسامية، فحطت رحالها في بلجيكا أولاً ثم في فرنسا.
وسريعاً، انتمى والدها إلى مقاومة الداخل الفرنسية في مواجهة النازيين الذين احتلوا فرنسا. إلا أنه قبض عليه وعلى والده زليغ وأخيه إسحاق في عام 1943 ونقلوا إلى المعتقلات النازية حيث توفي الأخيران. أما والدها، فعاد سالماً من المعتقل. وفي عام 1950 حصل على الجنسية الفرنسية وعمل مع زوجته في حقل الصيدلة. إلا أن الشركة التي أسساها واجهت صعوبات مالية كبيرة ما دفع الوالد إلى الانتحار في عام 1972 عندما كانت ابنته إليزابيث لا تزال طفلة.
مع نهاية الحرب، عمد جوزيف بورنشتاين إلى تغيير اسم عائلته فتخلى عن «بورنشتاين» الذي يدل على الأصل اليهودي مكتفياً بـ«بورن»... وهو الاسم الحركي الذي اتخذه في المقاومة. ومن المرات النادرة التي تحدثت فيها إليزابيث بورن عن حياتها الشخصية كانت في برنامج تلفزيوني، على القناة «سي 8». ومن الأمور التي قالتها: «لم تكن الحياة سهلة بالنسبة إلينا، إذ إنني خسرت والدي وأنا صغيرة السن ووجدنا أنفسنا، أنا وأختي نعيش مع والدتنا التي لم تكن تتحصل على موارد مالية كثيرة».
- خريجة «البوليتكنيك»
إلا أن وضعها المعترف به كـ«ابنة مقاوم» مكّنها من متابعة الدراسة في أرقى المعاهد الفرنسية، معهد البوليتكنيك، بفضل استقلاليتها المالية التي وفرتها لها الدولة. وفي عام 1981، تخرجت بورن في معهد البوليتكنيك، الذي تدخله نخبة الطلاب حاملة شهادة مهندس للجسور والمياه والغابات. وبالتوازي، فإنها حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال. وبسرعة، اقتربت من كواليس الإدارة والسلطة إذ عملت لوزارة التجهيزات، ثم لاحقاً، في الإدارة الإقليمية في منطقة إيل دو فرانس (باريس وضواحيها القريبة والبعيدة). كذلك اقتربت أكثر من الجهاز الحكومي في عام 1990 عندما عينت مستشارة لوزير التربية.
تنقلت بورن في عدد من المناصب الاستشارية. وعملت لصالح بلدية باريس مع رئيسيها الاشتراكيين المتعاقبين، برتراند دولانويه وآن هيدالغو، مديرة عامة لقسم التجهيزات قبل أن تعين مديرة (محافظة) لمنطقة بواتو - شارنت الواقعة جنوب غربي فرنسا. وهناك ارتبطت بعلاقة وثيقة مع سيغولين رويال، رئيستها التي عينتها مديرة لمكتبها بعدما تولت وزارة الانتقال البيئوي (2014 - 2015)، إبان عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند.
أيضاً، تقلبت بورن في العديد من المناصب في القطاعين العام والخاص، وكان آخر منصب شغلته قبل تعيينها وزيرة للعمل في حكومات هولاند المتعاقبة ترؤسها للإدارة العامة للنقل المشترك. ومع كل موقع جديد، اكتسبت سمعة جدية، إذ نظر إليها على أنها كفوءة وجدية في عملها و«تقنية» من الطراز الأول وذات معرفة تامة بالإدارة الفرنسية وصعوباتها. إلا أنها، في غالبية هذه المناصب، كانت بعيدة عن الأضواء.
في المقابل، فإن النقابات واليسار بشكل عام يأخذون عليها «الإصلاحات» التي أشرفت عليها، وتحديداً فيما خص قانون العمل، حيث خفضت بشكل كبير حقوق العاطلين عن العمل وشددت شروط الحصول عليها ما أصاب الأكثر هشاشة من السكان. وأيضاً هناك إصلاح قطاع النقل والسكك الحديد الذي تولته في إطار وزارة النقل... وتسبب بإضرابات قطاعية واختناقات عانى منها المواطنون لشهور.
- التحديات المرتقبة
ينظر المحيط المباشر لماكرون إلى رئيسة الحكومة الجديدة، رغم افتقارها للخبرة السياسية، على أنها كانت ناجحة في المناصب الوزارية التي أسندت إليها في السنوات الخمس المنصرمة. ومن خصالها أنها كانت دائماً «الجندي الوفي» للرئيس، وتسميتها في منصبها الجديد لن تستخدمه لمصلحة خاصة بل لخدمة مَن سماها رئيسة للحكومة. وقد سارع ماكرون، مباشرة عقب تسميته بورن، إلى تزويدها بما يشبه «خارطة طريق» التي يفترض أن تسير على هديها، وهي تعكس جانباً من الالتزامات التي قدمها خلال حملته الانتخابية. وجاء في تغريدته أن العمل الحكومي يتعين أن يركز على ملفات «البيئة، والصحة، والتعليم، والتشغيل الكامل، وإحياء الديمقراطية، وأوروبا والأمن»، مضيفاً أنه «مع الحكومة الجديدة، سنواصل العمل بلا كلل من أجل الشعب الفرنسي».
بيد أنه قبل الانطلاق في هذه «الخارطة»، يتوجب على الثنائي التنفيذي أن يتفقا على تشكيل حكومة العهد الأولى. وبدأ الاثنان العمل في اليوم التالي للتكليف حين استضاف ماكرون، إلى مائدته، رئيسة الحكومة مع مدير مكتبها من أجل «غربلة» أولى للأسماء.
وفق الدستور الفرنسي، فإن رئيس الحكومة يقترح ورئيس الجمهورية يقرر. ورغم أنه لن يكون تشكيل الحكومة عصياً، فهو صعب بعض الشيء إذ ستكون مهمة الثنائي معقدة بسبب الحاجة إلى التوفيق بين «اعتباري» الإبقاء على عدد من الوزراء... وضحّ دماء جديدة. وهذا، إضافة إلى إيجاد مواقع لعدد من الذين دعموا ماكرون بعدما تخلوا عن أحزابهم، أكان ذلك للاشتراكيين أو المنتمين إلى حزب «الجمهورية» اليميني المعتدل.
غير أن مهمة بورن الفورية تكمن في التحضير للانتخابات التشريعية التي ستجرى يومي 12 و19 يونيو (حزيران) المقبل. ومنذ تعيينها، أصبحت الأخيرة رئيسة الأكثرية الملتفة حول الرئيس، وبالتالي يتعين عليها أن تقودها لتضمن له الحصول على أكثرية مريحة في البرلمان.
تخوض بورن، شخصياً، غمار الانتخابات للمرة الأولى مرشحة باسم تجمع «معاً» الذي يضم الأحزاب الداعمة لماكرون، وذلك في دائرة قضاء «كالفادوس» التابع لمنطقة النورماندي. والصعوبة بالنسبة لها أنها تفتقر للخبرة الانتخابية، وأن بقاءها في منصبها لما بعد الانتخابات مشروط بفوزها بمقعد في الندوة البرلمانية وبالحصول على الأكثرية النيابية. أما بعكس ذلك، فإنها، وفق تقاليد الجمهورية الفرنسية، تفقد مركزها.
ورغم أن حصول الانتخابات النيابية مباشرة بعد الانتخابات الرئيسية من شأنه أن يوفر بسهولة للرئيس الجديد الأكثرية التي يحتاج إليها، فإن الأمور هذه المرة مختلفة بالنظر لتكوّن ثلاث كتل تحتل المشهد السياسي هي: كتلة وسطية مع بعض اليمين واليسار تلتف حول ماكرون، وكتلة على أقصى اليمين وأخرى على أقصى اليسار. لكن استطلاعات الرأي ترجح أن ماكرون سيحوذ على الأكثرية التي يحتاج إليها. ومن هنا، فإن التحدي الأول والأكبر أن تنجح بورن في إيصال أكثرية مريحة إلى البرلمان تدعم عمل رئيس الجمهورية والحكومة معاً.
- ملفات الهموم المعيشية
ثمة ملفات أساسية يتوجب على بورن وحكومتها العتيدة أن تتصديا لها وبسرعة، وأولها القدرة الشرائية ومساعدة الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة. وثانيها الملف البيئوي الذي جعله ماكرون على رأس أولوياته. بيد أن الملف الأكثر تفجرا، قطعاً، سيكون إعادة النظر في قانون التقاعد... علماً بأن ماكرون اقترح في برنامجه الانتخابي رفع سن التقاعد «الرسمي» من 62 إلى 65 سنة، الأمر الذي يثير رفضاً لدى النقابات. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الأسبق أدوار فيليب سعى للتوصل إلى قانون جديد للتقاعد وهو ما أثار حملة واسعة من الإضرابات والاضطرابات الاجتماعية التي لم تهدأ إلا مع اندلاع جائحة «كوفيد 19».

جاك شيراك  -  جورج بومبيدو  -  ليونيل جوسبان

- رؤساء الحكومات الفرنسية في «الجمهورية الخامسة»
• عهد الرئيس الجنرال شارل ديغول (قومي محافظ - يمين وطني معتدل عرف بالمدرسة السياسية «الديغولية»، وهو باني فرنسا الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية ومؤسس «الجمهورية الخامسة») - بين 1959 واستقالة ديغول عام 1969
ميشال دوبريه (1959 - 1962) - ديغولي
جورج بومبيدو (1962 - 1968) - 4 حكومات - ديغولي
موريس كوف دي مورفيل (1968 - 1969) - ديغولي - أول رئيس وزراء بروتستانتي في «الجمهورية الخامسة»
• عهد الرئيس جورج بومبيدو (ديغولي) - بين 1069 و1974 وتوفي أثناء وجوده في السلطة بعد إصابته بالسرطان
جاك شابان دلماس (1969 - 1972) - ديغولي
بيار ميسمير (1972 - 1974) - 3 حكومات - ديغولي
• عهد الرئيس فاليري جيسكار ديستان (تيار يمين وسط ليبرالي كان لفترة حليفاً للديغوليين، عرف بـ«الجيسكاردي») - بين 1974 و1981. وانتهى عهده بعد هزيمته أمام الاشتراكي فرنسوا ميتران
جاك شيراك (1974 - 1976) - محافظ (ديغولي)
ريمون بار (1976 - 1981) - 3 حكومات - جيسكاردي
• عهد الرئيس فرنسوا ميتران (الزعيم الاشتراكي التاريخي) - بين 1981 و1995، وكان قد خسر أولى محاولات دخول قصر الإليزيه بخسارته أمام ديغول. لكنه أعاد بناء اليسار الاشتراكي، وهيمن على الساحة طوال فترة حكمه الطويلة.
بيار موروا (1981 - 1984) - 3 حكومات - اشتراكي
لوران فابيوس (1984 - 1986) - اشتراكي - أول رئيس وزراء يهودي في «الجمهورية الخامسة»
جاك شيراك (1986 - 1988) - فترة «المساكنة» الأولى بين رئيس جمهورية اشتراكي ورئيس حكومة محافظ
ميشال روكار (1988 - 1991) - اشتراكي
إديث كريسون (1991 - 1992) - أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة الفرنسية - اشتراكية
بيار بيريغوفوا (1992 - 1993) - اشتراكي
إدوار بالادور (1993 - 1995) - محافظ
• عهد الرئيس جاك شيراك (محافظ) - بين 1995 و2007، وأقوى ورثة «الديغولية» بعد جورج بومبيدو، واطول الرؤساء المحافظين حكماً في «الجمهورية الخامسة»
آلان جوبيه (1995 - 1997) - حكومتان - محافظ
ليونيل جوسبان (1997 - 2002) - اشتراكي - سياسي بروتستانتي اشتراكي كلاسيكي، خسر مرتين معركتيه للفوز برئاسة الجمهورية
جان بيار رافاران (2002 - 2005) - 3 حكومات - ليبرالي ثم محافظ
دومينيك دو فيلبان (2005 - 2007) - محافظ
• عهد الرئيس نيكولا ساركوزي (محافظ) - بين 2007 و2012. عده كثيرون على يمين شيراك، وانتهى عهد بسلسلة من الفضائح التي طالته وطالت رئيس وزرائه فرنسوا فييون
فرنسوا فييون (2007 - 2012) - 3 حكومات - محافظ
• عهد الرئيس فرنسوا هولاند (اشتراكي) - بين 2012 و2017، الذي بدا فيه ترهل الحزب الاشتراكي، وتزايد الاستقطاب في الساحة الاشتراكية بين المنشقين الوسطيين، بقيادة إمانويل ماكرون والمنشقين اليساريين الراديكاليين، بقيادة جان لوك ميلانشون
جان - مارك إيرو (2012 - 2014) - حكومتان - اشتراكي
مانويل فالس (2014 - 2016) – حكومتان - اشتراكي
برنار دي كازنوف (2016 - 2017) - اشتراكي
• عهد الرئيس إيمانويل ماكرون (وسطي ليبرالي منشق عن الاشتراكيين) - منذ 2017 ومثّل حركة اعتراضية تجديدية ليبرالية انقلبت على الحزب الاشتراكي ورغم إخفاق ماكرون في المحافظة على زخم حركته، فإنه استفاد من اشتداد خطر تيار اليمين العنصري المتطرف، ما سمح له أخيراً بالفوز بالانتخابات الرئاسية ثانية ضد المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن.
إدوار فيليب (2017 - 2020) - محافظ ليبرالي معتدل
جان كاستيكس (2020 - 2022) - تيار الرئيس ماكرون الوسطي الليبرالي
إليزابيث بورن (2022 - ......) - يسار الوسط


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)
TT

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

خافيير ميلي (أ.ب)
خافيير ميلي (أ.ب)

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار والطروحات «التخريبية» التي حملها برنامجه وباشر بتطبيقها منذ توليه المنصب في مثل هذه الأيام من العام الفائت. حالة لم يتح لها الوقت الكافي بعد كي تفجّر كل «مواهبها» ومفاجآتها التي لا يوفّر ميلي مناسبة ليتوعّد بها، خاصة بعد نيله «بركة» مثاله الأعلى، دونالد ترمب، الذي يستعد للعودة قريباً إلى البيت الأبيض.

في مقابلة أجرتها معه مجلة «الإيكونوميست» نهاية الشهر الماضي، قال ميلي إنه يشعر بازدراء لا نهاية له تجاه الدولة، مؤكداً أنه سيفعل كل ما بوسعه للقضاء على تدخل الدولة في شؤون المواطنين وتنظيم حياتهم «لأن ذلك يشكّل أسرع الطرق إلى الاشتراكية». لكن اللافت أن «الإيكونوميست»، الموصوفة برصانتها، تعتبر أن ما يقوم به هذا «المخرّب الأكبر» - كما يحلو له أن يطلق على نفسه – يجب أن يكون قدوة للولايات المتحدة وحكومتها الجديدة التي يبدو أنها مستعدة لتحذو حذو الرئيس الأرجنتيني وتكليف هذه المهمة إلى الملياردير إيلون ماسك.

تدلّ كل المؤشرات على أن الهدف الأساسي من وصول ميلي إلى الحكم، أواخر العام الفائت، هو «تدمير» الدولة من الداخل. ألغى 13 وزارة، وسرّح ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الموظفين العموميين، وخفّض بنسب وصلت إلى 74% مخصصات الرواتب التقاعدية والتعليم والصحة والعلوم والثقافة والتنمية الاجتماعية. وعلى هذه الخلفية، سارعت أسواق المال للاحتفاء بالفائض المالي وتراجع التضخم الذي ليس سوى ثمرة واحدة من أكبر الجراحات المالية في التاريخ. لكن الوجه الآخر لهذه العملة البرّاقة كان انضمام 5 ملايين أرجنتيني إلى قافلة الفقراء الذين يعيش معظمهم على المعونة الغذائية في واحد من أغنى البلدان الزراعية والغذائية في العالم، وانكماشا اقتصاديا... من غير أن تتراجع شعبية ميلي الذي يفاخر بأنه الرئيس الأوسع شعبية على وجه الكرة الأرضية.

لا يكفّ ميلي عن مخاطبة مواطنيه عبر وسائط التواصل التي لعبت دوراً أساسياً في وصوله إلى الرئاسة، ويقول إن «القوى السماوية» التي تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى».

رئيسة الأرجنتين السابقة كريستينا كيرشنر (أ.ب)

لا يعترف الرئيس الأرجنتيني بالتغيّر المناخي، ولا بالمساواة بين الرجل والمرأة، أو بالعدالة الاجتماعية، وينكر الذاكرة التاريخية لأنظمة الاستبداد التي تعاقبت على بلاده، ويعتبر أن كل ذلك ليس سوى بدع يسارية يتوعّد بالقضاء عليها في «حرب ثقافية» يتبّلها بكل أنواع الشتائم التي توقد الحماسة في صفوف أنصاره وتزرع الحيرة في أوساط المعارضة المشتتة.

الأغرب في كل ذلك هو أن ميلي لا تؤيده سوى أقلية في مجلسي الشيوخ والنواب، فضلاً عن أن جميع حكّام الولايات الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، ليسوا من حزبه «الحرية تتقدم». كما أنه اضطر للإبقاء على العديد من كبار موظفي الحكومة اليسارية السابقة في مناصبهم لعدم وجود كوادر مؤهلة كافية في حزبه. لكن رغم هذا العجر الهائل، تمكّن ميلي من إقرار حزمة قوانين يعتبرها أساسية لمشروع تفكيك الدولة ورفع القيود عن العجلة الاقتصادية، من غير أن يتضّح بعد إذا كانت هذه السنة الأولى من ولايته مدخلاً لإحكام سيطرته على الدولة، أو هي تمهيد لهيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.

يعتمد ميلي على التأييد الشعبي الواسع الذي ما زال يلقاه، وعلى حاجة حكّام الولايات لموارد الدولة، وبشكل خاص على الحلف التشريعي الذي أقامه مع اليمين المعتدل ممثلاً بالحزب الذي يقوده رئيس الجمهورية الأسبق ماوريسيو ماكري. ومنذ نزوله المعترك السياسي، بعد أن كان ينشر أفكاره وطروحاته عبر البرامج التلفزيونية التي كان يقدمها، استمد شعبيته وقوته ضد ما يسميه «السلالة»، أي الطبقة السياسية التقليدية. أما الاتفاقات أو الائتلافات التي سعى إليها، فهي لم تكن سوى تكتيكية، ولم يفاوض على برنامجه مع الأحزاب أو القوى التي تحالف معها، بل بقي تحالفه الأساسي مع القاعدة الشعبية التي ما زالت تدعمه، والتي يرجّح أن تكون هي أيضاً نقطة ضعفه الرئيسية التي ستؤدي إلى سقوطه عندما تتوقف عن دعمه بعد أن تفقد الأمل الضئيل الذي ما زال يحدوها في أن تتحسن الأوضاع المعيشية.

وصفة ميلي تحقق نتائجها

يقول المقربون من ميلي إن سر استمرار شعبيته التي توقع كثيرون أنها إلى زوال سريع، هو أنه ينفّذ كل الوعود التي قطعها في حملته الانتخابية، فيما بدأ بعض منتقديه يعترفون بأن «وصفته» تحقق النتائج التي وعد بها.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة انشقاق بعض رموز الحزب البيروني واصطفافهم إلى جانب ميلي، مثل العضو البارز في مجلس الشيوخ كارلوس باغوتو، وهو قريب من الرئيس الأسبق كارلوس منعم. وقال باغوتو: «إن ميلي هو الشخص الذي تحتاجه الأرجنتين للتخلص من الموجة الشعبوية الاشتراكية التي حكمتها طيلة العقدين المنصرمين... كنا في حال من التحلل الاجتماعي الذي بلغ مستويات يصعب تصورها. وبعد أن أصبحت الدولة تتدخل في جميع مسالك الحياة، عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لشريحة واسعة من المواطنين، وبعد أن أخفقت جميع المحاولات لضبط التضخم الهائل، أدركت الطبقات المتواضعة أن الخلاص لا يمكن أن يأتي من غير تضحيات... وكان ميلي».

"يقول ميلي إن «القوى السماوية» تسدد خطاه وتقود كفاحه ضد الطبقة السياسية التقليدية والاشتراكية ستجعل من الأرجنتين قريباً «قوة عالمية كبرى»."

خدمة مصالح رجال الأعمال

لكن قراءة المعارضة للمشهد الاجتماعي تختلف كلياً، إذ يرى وزير الداخلية السابق إدواردو دي بيدرو المقرّب من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، أن ميلي قضى على حقوق وخدمات أساسية، مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بينما خدم، في المقابل، مصالح رجال الأعمال والمراكز المالية. ويضيف: «إن قرارات مثل قطع الأدوية عن مرضى السرطان في المراحل الأخيرة، أو الكف عن توفير التغطية العلاجية للمتقاعدين، أو إقفال المطاعم الشعبية التي كانت تؤمن وجبات أساسية لحوالي 19% من السكان يعيشون على المعونة الغذائية، هي دليل ساطع على قسوة هذه الحكومة وعدم إحساسها».

يردّ ميلي على هذه الانتقادات بوصفها من أفعال الشيوعيين المناهضين للحرية، ويكرر أنه يقود «أفضل حكومة في التاريخ»، مقتنعاً بأنه مكلّف مهمة سماوية، ويقترح حرباً نضالية عالمية تحت راية «اليمين الدولي» من أجل القضاء نهائياً على اليسار، يجوز فيها استخدام كل الوسائل، بما في ذلك العنف. كما أكّد مؤخراً في أحد المهرجانات السياسية: «لست في وارد اللياقة أو الوفاق. لن أتراجع أبداً، وسأواصل السير نحو النار، لأن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. لسنا ملزمين بتبرير أفعالنا، وإذا فعلنا فسوف يعتبرون ذلك من باب الضعف. كلما تعرضنا لضربة من خصومنا، سنردّ الواحدة بثلاث».

تكيف وبراغماتية

الهجوم الدائم هو العلامة الفارقة في أسلوب الرئيس الأرجنتيني، لكن ميلي أظهر قدرة لافتة على التكيّف والبراغماتية التفاوضية كلّما وجد نفسه بحاجة إلى أصوات المعارضة، في مجلسي الشيوخ والنواب وبين حكام الولايات، خاصة عندما طرح «قانون الأساسات» الذي يتضمّن مئات المواد التي تعتبرها الحكومة ضرورية لتنفيذ برنامجها. يفعل ذلك وهو يدرك جيداً أن الأحزاب التقليدية فقدت شعبيتها، وهي في حال من الانهيار السريع الذي يمكن لحزبه أن يستفيد منه في الانتخابات العامة المرحلية في خريف العام المقبل ليقلب المعادلة البرلمانية الحالية التي تشكّل عائقاً كبيراً أمام مشروعه «التخريبي».

ستكون انتخابات العام المقبل حاسمة بالنسبة لميلي ليقلب المعادلة البرلمانية ويضمن الأغلبية التي تحرره من التفاوض مع المعارضة كلما أقدم على خطوة اشتراعية لتنفيذ برنامجه، خاصة أن التأييد الشعبي ليس مضموناً في المدى الطويل.

ويخشى معاونوه من أن جنوحه الشديد نحو التعصب والصدام العنيف مع خصومه السياسيين قد يبعده عن تحقيق هدفه الأساسي الذي كان وراء فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تتخبط فيها البلاد منذ عقود. وينصحه المقربون بعدم التمادي في «الحروب الثقافية» مع حلفائه الغربيين الذين حصرهم منذ اليوم الأول بالولايات المتحدة وإسرائيل والدول «الحرة»، وسمّى الاشتراكيين واليساريين خصومه إلى الأبد.

لكن رغم خطابه الناري والتهديدي الذي لا يخلو أبداً من الألفاظ البذيئة، والذي بدأ مستشاروه يواجهون صعوبة في تبريره بالقول إن هذا هو أسلوبه والناس تعرف ذلك، بدأ ميلي يعطي مؤشرات على أنه ليس غريباً كلياً عن البراغماتية والواقعية. وهو اعترف قبل أيام أنه تعلّم الكثير في السياسة خلال هذه السنة الأولى من ولايته. وقال إنه لم يعد لديه أعداء سياسيون في الأرجنتين، بل خصوم يريدون الخير للبلاد. وبعد أن كان صرّح مراراً خلال الحملة الانتخابية بأن الصين هي في معسكر الأعداء وبأنه لن يتعامل مع «القتلة»، قال مؤخراً: «إن الصين شريك رائع لا يطلب شيئاً سوى التبادل التجاري الهادئ» وإن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي كان وصفه غير مرة بأنه «يساري فاسد»، لن يصبح صديقه، لكن مسؤوليته الدستورية تقتضي منه التعامل معه.

الأرقام الاقتصادية في نهاية العام الأول من ولاية ميلي تظهر أن الشركات الكبرى في قطاع المحروقات، وكبار المستثمرين في أسواق المال والمصارف، هم الذين حققوا أرباحاً استثنائية خلال هذه السنة، وأن الجائزة الكبرى كانت من نصيب المتهربين من دفع الضرائب الذين استفادوا من خطة «التبييض» التي وضعها، بما يزيد على 20 مليار دولار، أي نصف القرض الذي حصلت عليه الأرجنتين منذ سنوات من صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي التام وما زالت حتى اليوم عاجزة عن سداده أو حتى عن جدولته. أما في الجهة المقابلة فكان المتقاعدون والموظفون العموميون وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم الأكثر تضرراً من النموذج الذي خفّض الإنفاق العام وألغى القيود على الواردات بهدف احتواء التضخم الجامح الذي يقضّ مضاجع ملايين الأسر منذ سنوات، فضلاً عن الفقراء (19% من السكان حسب الإحصاء الأخير) الذين حُرموا فجأة من المعونة الغذائية التي كانت تقدمها الدولة.

أرباح الشركات الكبرى في قطاع الطاقة بلغت أرقاماً قياسية هذا العام بفضل زيادة الإنتاج وتحرير الأسعار والتدابير الضريبية والجمركية والقانونية التي أعلنها ميلي الذي يريد لهذا القطاع أن يكون المحرك الأساسي لاقتصاد الأرجنتين في العقود الثلاثة المقبلة، انطلاقاً من منطقة «باتاغونيا» الشاسعة في أقصى الجنوب التي تختزن، بحسب تقديرات، ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع احتياطي من النفط في العالم. وفي نهاية الشهر الماضي كانت أسعار أسهم شركة النفط الرسمية قد ارتفعت بنسبة 140% عن العام الفائت، فيما ارتفعت أسعار أسهم الشركات الخاصة 75%.

تمديد الإنفاق

في موازاة ذلك قرر ميلي تجميد الإنفاق على المشاريع العامة، بينما كان الاستهلاك يتراجع إلى أدنى مستوياته والصناعة الأرجنتينية تعاني على جبهات ثلاث: انخفاض المبيعات، وتدفق السلع المستوردة بأسعار تصعب منافستها، وتراجع الصادرات بسبب ارتفاع سعر البيزو مقابل الدولار الأميركي. إلى جانب ذلك، سحب ميلي جميع إجراءات الدعم التي كانت اتخذتها الحكومات السابقة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار النقل العام بنسبة 1000% وفواتير الغاز والكهرباء والتأمين الطبي والتعليم الخاص بنسب تزيد على 500%. وكانت الأشهر الستة الأولى من ولاية ميلي هي الأكثر صعوبة، إذ تزامنت مع نسبة تضخم قاربت 30% شهرياً بحيث تجاوزت نسبة المصنفين فقراء بين السكان 53%.

ستكون الأشهر الأولى من العام الثاني لولاية ميلي، حاسمة في تقدير عدد من المراقبين، لأنها ستبيّن مدى صمود شعبيته أمام انهيار الخدمات الأساسية والمساعدات التي تعيش نسبة عالية من السكان عليها، فيما يصرّ هو على رهانه بأن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه القوى السياسية الأرجنتينية منذ عقود سيكون الخزان الذي سيغرف منه لترسيخ شعبيته حتى نهاية الولاية.