الدبلوماسية الفرنسية في أزمة... و{الخارجية» ذاهبة إلى إضراب

احتجاجات للنقابات والعاملين في المهنة على خطة الإصلاح الحكومية

رئيسة وزراء فرنسا الجديدة إليزابيث بورن (وسط - الرابعة من اليمين) خلال زيارتها لإحدى ضواحي باريس أمس (أ.ف.ب)
رئيسة وزراء فرنسا الجديدة إليزابيث بورن (وسط - الرابعة من اليمين) خلال زيارتها لإحدى ضواحي باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

الدبلوماسية الفرنسية في أزمة... و{الخارجية» ذاهبة إلى إضراب

رئيسة وزراء فرنسا الجديدة إليزابيث بورن (وسط - الرابعة من اليمين) خلال زيارتها لإحدى ضواحي باريس أمس (أ.ف.ب)
رئيسة وزراء فرنسا الجديدة إليزابيث بورن (وسط - الرابعة من اليمين) خلال زيارتها لإحدى ضواحي باريس أمس (أ.ف.ب)

تأكد أمس رحيل جان إيف لو دريان عن وزارة الخارجية الفرنسية التي شغل مقعدها رئيساً لدبلوماسية بلاده طيلة خمس سنوات بعد أن كان قد أمضى خمس سنوات مماثلة وزيراً للدفاع إبان ولاية الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند. وحتى العصر، لم يكن قد عُرف اسم خليفة لو دريان فيما الأنظار تتجه إلى قصر الإليزيه حيث من المرجح أن تذاع أسماء الوزراء الجدد في حكومة إليزابيث بورن التي كلّفها ماكرون مهمة تشكيلها لتكون بذلك أولى حكومات عهده الثاني. بيد أن لو دريان يغادر مبنى وزارة الخارجية المسمى «كي دورسيه» القائم على ضفة نهر السين اليسرى الذي شُيِّد منتصف القرن التاسع عشر بدفع من الإمبراطور نابوليون الثالث، وخليفته يصل إليه في الوقت الذي يعيش فيه الجسم الدبلوماسي أزمة وجودية تُرجمت بدعوة ست نقابات للإضراب يوم الثاني من يونيو (حزيران).
ومن المعروف عالمياً أن الدبلوماسيين يفضّلون المناقشات داخل الغرف المغلقة ويستخدمون لغة بالغة التهذيب ولا يرفعون الصوت بتاتاً وخصوصاً لا يقومون بحركات احتجاجية. ولذا، فإن إضراب يوم الثاني من الشهر القادم يعد استثنائياً بل تاريخياً لأنها المرة الثانية فقط التي يلجأ فيها الجسم الدبلوماسي الفرنسي إلى الإضراب خلال مسيرته التي تمتد للكثير من الأجيال، لرفع الصوت وإيصال مطالبه إلى السلطات التي هي وزيره من جهة ورئيس الجمهورية من جهة أخرى.
وفي هذه الحالة بالذات، فإن أساس نقمة، لا بل غضب الدبلوماسيين، يعود إلى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية يوم 24 أبريل (نيسان) الماضي، ولمشروعه الداعي إلى إصلاح إدارة الدولة خصوصاً كبار موظفيهاً. وما بين الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية وتحديداً في 17 أبريل، صدر مرسوم تطبيق الإصلاح في الجريدة الرسمية، الأمر الذي أثار لغطاً كبيراً، إذ إن إصدار مرسوم بهذه الأهمية بين دورتين انتخابيتين ليس رائجاً لا بل إنه طرح كثيراً من التساؤلات. وكانت فرنسا تفتخر بأنها تملك ثاني أكبر شبكة دبلوماسية في العالم بعد الولايات المتحدة وقد تراجعت في السنوات الأخيرة إلى الثالثة «وراء الصين». وخلال هذه السنوات، تناقص عدد الدبلوماسيين إلى 14 ألفاً «مع الموظفين الإداريين داخل فرنسا وفي الخارج». وأخذت الدبلوماسية تركز على خدمة الاقتصاد، أي الشركات الفرنسية وانتشارها عبر العالم. ومشكلة إصلاح ماكرون أنه سيُفضي إلى اندثار الجسم الدبلوماسي، أي الدبلوماسيين الممتهنين وفتح أبوابه أمام جميع كادرات الدولة العليا.
ويرى المروجون للإصلاح أنه سيتيح ولادة دينامية جديدة تقوّي الحركية بين الإدارات. وجاء في بيان للنقابات الست العاملة في «الخارجية» بالإضافة إلى مجموعة من 400 دبلوماسي شاب إن هذه الوزارة «تختفي شيئاً فشيئاً». وندد البيان بالإصلاح الذي أنهى عمل دبلوماسيين وقلص النشاطات القنصلية وألغى مناصب. وكتب الموقعون على البيان أن «هذه الإجراءات الهادفة إلى تفكيك أداتنا الدبلوماسية غير منطقية في وقت عادت الحرب لتوّها إلى أوروبا».
واللافت أن الرغبة الرئاسية تحل في وقت يتراجع فيه حضور فرنسا عبر العالم بما في ذلك في جنوب شرقي آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما برز ذلك في إلغاء صفقة الغواصات لأستراليا واستبعاد باريس عن التحالف الثلاثي «الأميركي - البريطاني - الأسترالي». كذلك خسرت باريس مواقع في مناطق نفوذها التقليدية كما في أفريقيا وفي بلدان الساحل أو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيما تظهر داخل الاتحاد الأوروبي أصوات تناهض باريس وتعارض توجهات الثنائي الفرنسي - الألماني الذي كان الدينامو المحرك للاتحاد. وظهرت هذه المعارضة بقوة فيما خص الملف الأوكراني، حيث يُنظر إلى باريس وبرلين على أنهما «متحفظتان» في توفير الدعم لأوكرانيا وحريصتان على دوام التواصل مع الجهة المعتدية أي روسيا.
عملياً، يأتي التخوف من «انقراض» تدريجي «بحلول عام 2023» للهيئتين التاريخيتين للخارجية الفرنسية، وهما «الوزراء المفوضون» من جهة، ومن جهة أخرى مستشارو الشؤون الخارجية. والوزراء المفوضون هم الدبلوماسيون الذين يقومون بعمل السفير دون أن يكونوا متمتعين بلقبه، وذلك لأسباب تاريخية.
ويصل عديد الدبلوماسيين المعنيين إلى نحو 800 بينهم 182 سفيراً و89 قنصلاً مدعوون للانضمام إلى هيئة جديدة مؤلفة من «مديري دولة» بدءاً من الأول من يوليو (تموز) المقبل. وفلسفة الإصلاح الذي أراده ماكرون وضع حد لارتباط كبار مديري الدولة بإدارة محددة بل يعني أن يكونوا بتصرف الحكومة ووفق حاجاتها، وبالتالي فإن مهنة الدبلوماسي سوف تختفي، حيث إن أي مدير من الهيئة الجديدة يمكن أن يعيَّن سفيراً، بينما كانت مناصب السفراء محصورة حتى اليوم بالدبلوماسيين مع استثناءات محدودة. وثمة من يراهن على أن ماكرون يريد اتباع النهج الأميركي، حيث يقوم سيد البيت الأبيض بتعيين مقربين منه أو الذين دعموا حملته الانتخابية مالياً وسياسياً في العواصم الكبرى. وثمة تقليد معروف أن السفير الأميركي في باريس هو الشخصية التي قدمت أكبر مساهمة مالية للرئيس المنتخب. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن سفير امتنعت عن تسميته، تعبيره عن القلق الكبير وقوله: «لسنا قابلين للتبادل! لديّ احترام كبير لزملائي في الإدارات الأخرى لكنني لا أستطيع القيام بعملهم كما لا يمكنهم القيام بعملي».
لم تبقَ المسألة محصورة بـ«الخارجية» ودبلوماسييها بل انقضّ عليها السياسيون لغرض توجيه انتقادات عنيفة لماكرون ولإصلاحه. وجاءت أعنف الانتقادات من اليمين المتطرف واليسار المتشدد إذ اتهمت مارين لو بن، زعيمة حزب «التجمع الوطني» التي خسرت الجولة الانتخابية الحاسمة الأخيرة بوجه ماكرون، برغبته في «إحلال أصدقائه» محل الدبلوماسيين المحترفين الذين يخدمون بلادهم بكل أمانة. ومن جهته اتهم جان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا المتمردة»، الرئيس الفرنسي بـ«تدمير الشبكة الدبلوماسية، الثانية في العالم، والتي تعود لعدة قرون». ورأى ميشال بارنيه، وزير الخارجية الأسبق والمفوض الأوروبي السابق، أن إصلاحات ماكرون «قرار خاطئ» لأن الدبلوماسية الفاعلة والمؤثرة تتطلب دبلوماسيين ممتهِنين.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.