«خلطة شبرا»... نماذج مهمشة محاطة بدفء «الوحدة الوطنية»

مسرحية مصرية تستعيد قيم التسامح الديني

جانب من العرض (صفحة مي كمال مهندسة ديكور وملابس المسرحية على فيسبوك)
جانب من العرض (صفحة مي كمال مهندسة ديكور وملابس المسرحية على فيسبوك)
TT

«خلطة شبرا»... نماذج مهمشة محاطة بدفء «الوحدة الوطنية»

جانب من العرض (صفحة مي كمال مهندسة ديكور وملابس المسرحية على فيسبوك)
جانب من العرض (صفحة مي كمال مهندسة ديكور وملابس المسرحية على فيسبوك)

تثير مسرحية «خلطة شبرا»، التي يتواصل عرضها على مسرح الطليعة في حي العتبة وسط القاهرة، الكثير من الشجن والحنين، فهي تقدم صورة من الزمن الجميل لواحد من أعرق أحياء العاصمة المصرية «شبرا»، كما عايشه وفتش عن خصوصيته مؤلف العمل يسري حسان، لا سيما في عقود الستينات السبعينات والثمانينات.
ينتهي العرض فتأخذ نفساً عميقاً وتطلق زفرة من الأسى، وقد تبين لك الفارق بين الواقع اليوم وظلاله حتى الأمس القريب. لم يكن الزحام السكاني قد ابتلع الحي الذي أنشأه محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة قبل أكثر من 200 عام شمال العاصمة، بعد أن كان في الأصل جزيرة تتوسط النيل، ولم يكن الزحام جاء معه بقيمه الدخيلة على المجتمع مثل الأنانية واللهاث والضوضاء، وإنما كان الهدوء والمحبة والتسامح الديني وتوقير المرأة والترابط الاجتماعي عناوين عريضة على زمن لا تعرف عنه أجيال الهواتف الذكية والسوشيال ميديا شيئاً.
العرض المسرحي مأخوذ عن كتاب صدر بنفس الاسم للمؤلف، وفيه يروي حكايات من أسماهم مختصين في صناعة البهجة و«اقتناص الفرح من فم الشقاء والتعب»، حيث يتحايلون على ظروفهم الصعبة من أجل لحظة سعادة يرون أنفسهم أحق بها «حين كانت السماحة والصراحة بادية على المظهر ومستقرة في الجوهر».
يركز كل من الكتاب والمسرحية إذاً على نماذج البسطاء والمهمشين في شبرا التي لا تنام، حيث دور سينما لا تحصى، وفنانو الأراجوز ومنشدون ومطربون شعبيون وفنانون جوالون، وحواة وآكلو نار. كل هذه «الخلطة» الإنسانية يستلهم منها حسان خيوط عمله الدرامي في حي اعتاد أن يضم خليطاً من المتناقضات، فهناك الفلاحون والصعايدة، والفقراء والأغنياء، وقاطنو الأكواخ والقصور، وصفوة المثقفين ونخبة الصعاليك.

لا يقوم العرض على حبكة تقليدية وحدث درامي رئيسي ينمو في خط مستقيم، وإنما على حكايات عدة متفرقة، ينظمها خيط درامي واحد هو عبقرية المكان واكتشاف ناسه عبر شخصية الراوي والحكائين الثلاثة، الذين يتداولون عدداً من الحكايات مثل دور السينمات الشعبية التي كانت تقع في الهواء الطلق، وكيف كان يمكن لبعض السكان مشاهدة أفلامها مجاناً من شرفات المنازل، فضلاً عن اقتراض الشاي والزيت والسكر بين الجيران، أما في حالات المرض فتتم الزيارة بهدف وضع مبلغ مالي تحت وسادة المريض دون أن ينتبه.
ومن الحكايات الطريفة، تلك التي تتحدث عن شاب يبدو على شيء من التأخر العقلي، وكان يصعد فوق السطوح لرفع الأذان، فلا يلقيه على النحو الدقيق، فيتسامح الناس معه ولا يحتدون عليه أو يعاملونه بعنف.
يلعب الغناء دوراً مكملاً للدراما عبر أشعار يسري حسان وألحان الراحل أحمد الحجار وغناء ماهر محمود، فقد ساهمت الموسيقى في تعميق حالة الحنين، واستطاع المخرج محمد سليم استكمال الصورة عبر شاشتي عرض على جانبي المسرح تضمان مادة فيلمية عن الحي الأكثر عراقة.

                                                         ملصق المسرحية (صفحة مي كمال على فيسبوك)

المفارقة أن مؤلف العمل هو أيضاً ناقد مسرحي معروف، فهل يمكنه النظر لهذا العرض المسرحي بعيون نقدية محايدة بعيداً عن الانحياز؟ طرحنا السؤال على يسري حسان فأوضح أن ذلك صعب للغاية، لكن هذا لا يمنعه من القول إن «خلطة شبرا» عرض مسرحي يمتزج فيه التشخيص بالحكي بالغناء ضمن أجواء الدراما الشعبية منطلقاً من شبرا ليتحدث عن مصر كلها والتغيرات الاجتماعية الحادة التي شهدتها في العقود الأخيرة.
ويضيف حسان لـ«الشرق الأوسط»، أن المسرحية تركز على النماذج الإنسانية المهمشة التي لا يذكرها أحد عادة مع تركيز خاص على مسألة الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة من مسلمين وأقباط في سياق درامي بعيد عن المباشرة، موضحاً أن الغناء في هذا العمل ليس مجرد حلية ولا حتى تعليق موسيقي على الأحداث وإنما هو جزء لا يتجزأ من البنية الدرامية للعرض.
ويرى أن المخرج سليم استطاع تقديم تجربة تتسم بالبساطة والدهشة في آن واحد، حيث رأينا جمهوراً يبدو أنه يدخل المسرح للمرة الأولى ويخرج مبتهجاً بعد إسدال الستار.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


الصومال يرحب بالمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام «الأفريقية»

وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
TT

الصومال يرحب بالمشاركة المصرية في قوات حفظ السلام «الأفريقية»

وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)
وزير الدفاع المصري يلتقي نظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)

رحب الصومال بالمشاركة المصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الأمن والاستقرار في الصومال، وذلك خلال لقاء القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق أول عبد المجيد صقر، وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، والوفد المرافق له، في القاهرة، مساء الخميس.

ووقعت مصر والصومال، في أغسطس (آب) الماضي، بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان حينها على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة في 2025 - 2029، ودعمت القاهرة مقديشو بمعدات عسكرية.

ووفق إفادة للمتحدث العسكري المصري، فقد أشاد القائد العام للقوات المسلحة المصرية بعمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين مصر والصومال واعتزازه بعلاقات الشراكة التي تربط القوات المسلحة لكلا البلدين.

وأضاف في بيان له، الخميس، أن لقاء صقر ومحمد نور تناول «مناقشة آخر التطورات والأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار داخل القارة الأفريقية».

ونقل البيان المصري عن وزير الدفاع الصومالي تقدير بلاده لجهود مصر في «إرساء دعائم الأمن والاستقرار لدول القارة الأفريقية كافة»، مرحباً بالمشاركة المصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي بدولة الصومال، مؤكداً على «أهمية التعاون المشترك بين القوات المسلحة المصرية والصومالية في مختلف المجالات». حضر اللقاء رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق أحمد خليفة، وقادة الأفرع الرئيسة وعدد من قادة القوات المسلحة لكلا البلدين.

وعززت مصر تعاونها العسكري مع الصومال عقب أزمة بين الصومال وإثيوبيا، العام الماضي، بعدما عارضت القاهرة توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة. وعدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

جانب من محادثات وزير الدفاع المصري ونظيره الصومالي في القاهرة (المتحدث العسكري المصري)

وفي وقت سابق رحب سفير الصومال بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية، السفير علي عبدي، بإعلان مصر المشاركة في قوات حفظ السلام بالصومال. وقال في إفادة له «ممتنون لتعهد مصر أن تكون من أوائل الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية». واعتبر أن اتفاقية الدفاع المشترك التي تم توقيعها بين البلدين «ستمنع الفراغ الأمني في الصومال»، مشيراً إلى أن الاتفاقية «تتضمن التدريب ودعم المعدات والعمليات المشتركة بين قوات البلدين».

كما أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال لقائه نظيره الصومالي، أحمد مُعلم فقي، في القاهرة، أغسطس الماضي «حرص مصر على المشاركة في بعثة حفظ السلام في الصومال بناء على رغبة الأشقاء الصوماليين»، مشيداً بـ«خطوة التوقيع على بروتوكول التعاون العسكري بين البلدين».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن «سفينة حربية مصرية سلَّمت شحنة كبيرة ثانية من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية». وكانت القاهرة قد أرسلت طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقّع البلدان اتفاقية أمنية مشتركة في أغسطس الماضي.

وقرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في يونيو (حزيران) الماضي، إرسال بعثة جديدة لحفظ السلم في الصومال باسم «بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال»، اعتباراً من يناير الجاري.