«الناتو» أمام موعد تاريخي لضم فنلندا والسويد

الحلف يعتزم زيادة حضوره في البلطيق... ومساعٍ لتجاوز تحفظات تركيا

وزراء خارجية دول حلف «الناتو» خلال اجتماعهم في برلين أمس (إ.ب.أ)
وزراء خارجية دول حلف «الناتو» خلال اجتماعهم في برلين أمس (إ.ب.أ)
TT

«الناتو» أمام موعد تاريخي لضم فنلندا والسويد

وزراء خارجية دول حلف «الناتو» خلال اجتماعهم في برلين أمس (إ.ب.أ)
وزراء خارجية دول حلف «الناتو» خلال اجتماعهم في برلين أمس (إ.ب.أ)

متخطياً تحذير روسيا من التوسّع على حدودها، أعلن حلف شمال الأطلسي ترحيبه باتخاذ قرار تاريخي بضم فنلندا والسويد إليه متعهداً بأن تكون العملية سريعة وغير بيروقراطية، وذلك بعد تقدم فنلندا بطلب رسمي للانضمام أمس ومواقفة الحزب الحاكم في السويد على ترشح بلاده لعضوية الحلف. وتتسارع إجراءات ضم البلدين الواقعين شمال أوروبا وسط مساعٍ لتجاوز تحفظات تركيا.
وأحدث الغزو الروسي لأوكرانيا تبدلاً هائلاً في مزاج الرأي العام في كل من السويد وفنلندا لصالح العضوية في الحلف الأطلسي، علما بأن البلدين كانا خارج الأحلاف العسكرية منذ عقود.
وفي خطوة ستزيد من دون شك من التوتر مع روسيا، تعهد أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ بأن الحلف «سيزيد من حضوره في دول البلطيق» في الفترة الانتقالية بين طلب الدولتين للعضوية وقبولها.
وأعلن وزراء خارجية الدول الغربية الأعضاء في الناتو، دعمهم لانضمام فنلندا والسويد خلال اجتماع غير رسمي للحلف في برلين أمس، وسط استمرار معارضة تركيا. وحضر الاجتماعات في يومها الأول، كضيفين، وزيرا الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو والسويدية آن ليبدي والتقيا بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في محاولة لفهم أسباب اعتراض تركيا على انضمامهما. ولم يتحدث الوزيران عن نتيجة المحادثات التي وصفتها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بأنها كانت سرية، ولكن أنقرة تركت انطباعاً على ما يبدو إثر الاجتماع بأنها موقفها قابل للتفاوض.
وعندما سئل ستولتنبرغ عن موقف تركيا وكيفية تخطي معارضتها، رد قائلاً: «تركيا حليف مهم وقد عبرت عن بعض المخاوف. وكما نفعل دائماً في الناتو عندما تكون هناك مخاوف، نجلس ونتحدث». وأضاف: «أنا متأكد أننا سنجد حلولاً لكيفية التقدم إلى الأمام». وأشار ستولتنبرغ بأن وزير الخارجية التركي أكد له أن هدف أنقرة «ليس منع» ضم الدولتين. ولم يحضر ستولتنبرغ شخصياً إلى برلين بسبب إصابته بفيروس كورونا، ولكنه شارك في المؤتمر الصحافي الختامي مع بيربوك عبر دائرة الفيديو واكتفى بإرسال نائبه للمشاركة في العاصمة الألمانية.
وكرر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كلام ستولتنبرغ نفسه تقريباً وقال في مؤتمر صحافي عقده أيضاً في ختام المؤتمر، إنه تحدث مع نظيره التركي فيما يتعلق بالسويد وفنلندا ولكنه رفض الكشف عن رد جاويش أوغلو أو حتى إعطاء انطباع إيجابي أو سلبي عن المحادثة. ولكنه مع ذلك، بدا واثقاً أن تركيا ستتخلى عن معارضتها، وقال إن ضم الدولتين «هي عملية والناتو هو مكان للحوار والنقاش والكلام حول الخلافات الموجودة بيننا». وأضاف: «سمعت دعماً كاملاً لانضمامهما وأنا واثق من أننا سنتوصل لاتفاق حول ذلك».
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد قال قبل يومين إنه لا يؤيد ضم فنلندا والسويد واتهمهما بإيواء «إرهابيين» من حزب العمال الكردستاني، قائلا إن «الدول الإسكندنافية مرتع للجماعات الإرهابية»، وإن تركيا لا تريد أن تتسرع بدعم قرارات خاطئة. وتعيش في فنلندا والسويد جالية كبيرة من أصول كردية ومنهم من وصل إلى البرلمانات. ويبدو أن إردوغان كان يتحدث عن حزب مؤيد لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في الاتحاد الأوروبي.
وفي برلين، كرر وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام تركية أمس، قوله إن الدولتين تدعمان «الإرهاب»، وأضاف محدداً شروط قبول بلاده بضمهما. وقال بحسب ما نقلت قناة «تي آر تي» التركية عنه، إنه أبلغ نظراءه في الحلف حول تفاصيل دعم هلسنكي وستوكهولم «لجماعة العمال الكردستاني الإرهابية» وتحديداً «لتسليح السويد للجماعة». وأضاف أن على الدولتين أن «تتوقفا عن دعم الجماعات الإرهابية وتقديم ضمانات أمنية لكي تصبحا أعضاء في الناتو». وحرص جاويش أوغلو على الإشارة إلى دعم تركيا لتوسيع الناتو مشيراً إلى أن معارضتها ليست لتوسيع الحلف بل للدولتين تحديداً.
ومع ذلك، بدأت الدول الغربية الموافقة على ضم فنلندا والسويد بالتحضير لمصادقة سريعة على العضوية. وقالت بيربوك إن ألمانيا مستعدة للتصويت على القرار في الحكومة وعرضه على البرلمان بسرعة من دون إضاعة الوقت، مشيرة إلى أن دولاً أخرى التزمت بالمثل.
وتحدث أمين عام الناتو عن «المرحلة الانتقالية» التي ستفصل بين التقدم للحصول على العضوية وقبول العضوية، ملمحاً إلى أنها قد تكون فترة متوترة متعهدا لذلك بالعمل لتقليص الفترة بين الحالتين لأقصر فترة ممكنة. وقال: «فنلندا والسويد قلقتان من الفترة الانتقالية التي ستستغرق مصادقة كل الدول على بروتوكولات انضمامهم، ستكون هناك فترة بين الطلب والعضوية الكاملة... سنرى كيف سنقدم لهما ضمانات أمنية من بينهما زيادة حضور الناتو في منطقة البلطيق وفي فنلندا والسويد». وأكد أن فنلندا والسويد يستوفيان شروط الانضمام، ما يشير إلا حاجة لفترة تحضيرية. وكانت بيربوك وصفت الدولتين بأنهما «عملياً جزء من الناتو من دون أن تحملا بطاقات انتماء» للحلف، مشيرة إلى أنها تشاركان الآن في عمليات الحلف وتستوفيان كل الشروط لجهة الإنفاق والتسلح. وقلل ستولتنبرغ من أهمية الرد الروسي المحتمل على ضم فنلندا والسويد وقال إن الحلف «يراقب عن كثب» ما تقوم به روسيا ومستعد للرد في حال أي «هجوم هجين أو سيبراني» قد تنفذه روسيا.
وأعلنت فنلندا أمس أنها قررت التقدم بالعضوية من الحلف، وعقد الرئيس الفنلندي سولي ننسيتو ورئيسة الحكومة سانا مارين مؤتمراً صحافياً للإعلان عن القرار «التاريخي» الذي أنهى عقوداً من حيادية هلسنكي. وقال ننسيتو الذي تحدث قبل يوم بالهاتف مع الرئيس الروسي وأبلغه قرار بلاده: «هذا يوم تاريخي. لقد بدأت حقبة جديدة». ومن المتوقع أن يصوت البرلمان على طلب الانضمام في الأيام المقبلة على أن تتقدم بعد ذلك الحكومة بطلب عضوية إلى الحلف في بروكسل. وقال الرئيس الفنلندي في مقابلة مع قناة «سي إن إن» إن بوتين أبلغه بأن قراره طلب الانضمام للناتو هو «خاطئ»، ولكنه أشار إلى أن الحديث لم يتضمن تهديدات وبأنه كان هادئاً.
كذلك، وافق الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في السويد أمس على ترشح البلاد لعضوية حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي يمهد لتقديم الحكومة طلب انضمام تزامناً مع فنلندا.
وخلال اجتماع طارئ، قررت القيادة أن «يساهم الحزب في ترشح السويد لـ(عضوية) حلف شمال الأطلسي»، وفق ما أفاد الاشتراكيون الديمقراطيون في بيان. لكن الحزب أوضح أنه يعارض إقامة قواعد دائمة للحلف الأطلسي ونشر أسلحة نووية على الأراضي السويدية، علماً بأن الأمر ليس شرطاً للانضمام إلى الحلف. وكشف تشاور داخلي انقسامات داخل الحزب وأصواتاً منتقدة نددت خصوصاً بقرار متسرع جداً احتذاء بخطوة فنلندا. وكان اليمين السويدي قد أيد الانضمام إلى الحلف ومثله اليمين المتطرف (ديمقراطيو السويد) شرط أن يتم ذلك تزامناً مع فنلندا. وأعلنت هلسنكي الأحد ترشحها «التاريخي» للانضمام إلى الأطلسي.
ويناقش الحلف إلى جانب ضم فنلندا والسويد، استراتيجيته الجديدة بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا التي قال أمين عام الحلف إنها «ستعكس الحقيقة الجديدة في أوروبا». ومن المتوقع أن يعلن الحلف عن هذه الاستراتيجية في قمته المقبلة في نهاية يونيو (حزيران) في مدريد التي قد يعلن فيها أيضاً ضم فنلندا والسويد في حال جرت إزالة العراقيل والاعتراضات التركية قبل ذلك، وتمكنت الدول الـ30 الأعضاء في الحلف من المصادقة على الانضمام قبل الاجتماع.


مقالات ذات صلة

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.

العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم {الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

{الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

اعترضت مقاتلات ألمانية وبريطانية ثلاث طائرات استطلاع روسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق، حسبما ذكرت القوات الجوية الألمانية اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. ولم تكن الطائرات الثلاث؛ طائرتان مقاتلتان من طراز «إس يو – 27» وطائرة «إليوشين إل – 20»، ترسل إشارات جهاز الإرسال والاستقبال الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».