الاتحاد الأوروبي يدرس تعديل معاهداته على وقع الحرب

توقعات بإحداث «فئة للدول المرشحة للانضمام» تكون أوكرانيا ضمنها

TT

الاتحاد الأوروبي يدرس تعديل معاهداته على وقع الحرب

منذ اليوم الأول الذي عبرت فيه مدرعات الجيش الأحمر الحدود الروسية - الأوكرانية، تيقن الأوروبيون أن الاتحاد الأوروبي بعدها لن يكون كما كان عليه من قبلها، وأن مقتضيات التكيف مع الواقع الجيوسياسي الجديد سوف تفرض عليهم تغييرات جذرية في البنية الداخلية للاتحاد، كما في النموذج المتبع لانضمام الأعضاء الجدد لعدم إحباط توقعات أوكرانيا. وتعكف الدائرة القانونية في المفوضية منذ مطلع الشهر الماضي على إعداد مجموعة من المقترحات لتعديل المعاهدات المؤسسة للاتحاد بهدف عرضها على القمة التي تختتم الرئاسة الدورية الفرنسية أواخر الشهر المقبل، والتي يُفترض أن تشكل نقطة الانطلاق نحو تغيير جذري يشمل، في جملة ما يشمل، استحداث فئة خاصة للدول المرشحة لعضوية الاتحاد تمنحها جزءا كبيراً من المزايا التي يتمتع بها الأعضاء في انتظار الانضمام النهائي لهذه الدول إلى الأسرة الأوروبية.
وكانت الحرب منذ أسابيعها الأولى أجبرت الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات غير مسبوقة، مثل فتح حدوده أمام عدد غير محدود من اللاجئين أو تمويل شراء الأسلحة التي ما زال يزود بها أوكرانيا. لكن الأوروبيين على يقين من أن التغيير ما زال في بدايته، وأنه لا بد من الانتقال بأسرع وقت ممكن إلى الشروع في عملية تغيير جذري يتوقع الخبراء أن تصل إلى خواتيمها في النصف الثاني من العام المقبل.
وتقول مصادر المفوضية إن الخطوة التالية للتجاوب مع مطالب أوكرانيا قد تأتي قبل نهاية الرئاسة الفرنسية حيث يُتوقع منحها صفة الدولة المرشحة للانضمام في فترة لا تتجاوز الأشهر الثلاثة من تاريخ تقديم طلب العضوية، ويذكر أن هذه الخطوة استغرقت سنوات مع بلدان أخرى مثل ألبانيا ومقدونيا الشمالية.
لكن ما زال ثمة أعضاء في الاتحاد يترددون في إدراج أوكرانيا على لائحة الانتظار، خشية إشاعة توقعات بين السكان قد لا تتحقق في الآجال الموعودة، رغم أن رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين كانت أكدت خلال زيارتها الأخيرة إلى كييف «أن أوكرانيا تنتمى إلى الأسرة الأوروبية، وسنعمل على تسريع عملية انضمامها قدر الإمكان».
على أي حال، لا تضمن صفة الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد أي مزايا، ولا حتى تحديد موعد للمباشرة في مفاوضات الانضمام. ويقدر خبراء أن عملية الانضمام في حالة أوكرانيا يمكن أن تدوم سنوات عديدة، لأنه لا يكفي أن يقرر الاتحاد الأوروبي تسريع آلية الانضمام، وهي بطيئة جداً في الأساس، بل ينبغي على الدول المرشحة أن تقوم بإصلاحات سياسية وديمقراطية عميقة من أجل استيفاء شروط الانضمام ومعاييره، وهذا لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، خصوصاً في مثل ظروف الحرب الراهنة.
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل الغزو الروسي كانت أوكرانيا في أدنى مراتب التصنيفات الدولية لمتانة النظام الديمقراطي، وفي المرتبة 120 على قائمة منظمة «الشفافية العالمية» بالنسبة للفساد، والمرتبة 39 بين 49 دولة على اللائحة الأوروبية للحقوق الاجتماعية والجنسية.
لكن مع ذلك، ورغم أن التقرير الأخير الذي صدر عن ديوان المحاسبة الأوروبي في العام الماضي يفيد بأن أوكرانيا لا تستوفي سوى 12 في المائة من الشروط والمعايير الأساسية للانضمام إلى الاتحاد، تبدو غالبية الدول الأعضاء مستعدة للقبول بمنح أوكرانيا هذه الاستثناءات التاريخية، ومنحها العديد من المزايا التي تتمتع بها الدول الأعضاء إلى أن تنتهي مفاوضات الانضمام. ومن بين هذه المزايا، مساعدات مالية من صندوق الاندماج الأوروبي، وحرية التنقل للأفراد والبضائع والخدمات داخل الاتحاد. وكانت فرنسا، التي تتولى الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد، اقترحت مطلع الأسبوع الماضي إنشاء كونفيدرالية بين الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة التي ليست قادرة بعد، أو غير راغبة في الانضمام إلى الاتحاد كدول كاملة العضوية.
بعض الخبراء القانونيين يعتبرون أن الإرادة السياسية وحدها لا تكفي، وأن الانضمام السريع لأوكرانيا إلى الاتحاد ليس ممكناً، لكن لا بد من دعمها في مثل هذا الظرف، والسبيل الوحيد إلى ذلك هو استحداث فئة جديدة بين الأعضاء لتلك الدول التي تتعهد إجراء الإصلاحات اللازمة للانضمام كما تلاحظها المعاهدات الأوروبية.
هذه الفئة الجديدة هي من الإصلاحات الأساسية التي من المفترض أن يقوم بها الاتحاد تنفيذاً لتوصيات مؤتمر «مستقبل أوروبا» الذي أنهى أعماله مطلع الأسبوع الفائت في البرلمان الأوروبي الذي كان وافق على قرار يدعو إلى تعديل المعاهدات المؤسسة للاتحاد. ولا تستبعد مصادر المفوضية أن تقرر القمة المقبلة الدعوة إلى مؤتمر مكلف تعديل المعاهدات، يشارك فيه ممثلون عن البرلمانات الوطنية ورؤساء الدول والحكومات والبرلمان الأوروبي والمفوضية.
ومن المتوقع أن تذهب الإصلاحات التي سيعتمدها مثل هذا المؤتمر باتجاه الصيغة الفيدرالية التي أشار إليها مؤخراً رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي ويتضمنها أيضا برنامج الحكومة الألمانية التي يرأسها أولاف شولز، والتي ليست بعيدة عن الطرح الأخير الذي تقدم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام البرلمان الأوروبي.
لكن ثمة من يرى أن الطريق إلى هذا الهدف محفوف بعقبات كثيرة، وأنه قد يؤتي عكس النتيجة المنشودة إذا طال أكثر من المتوقع واصطدم بمعارضة شديدة من الرأي العام في بعض البلدان، كما حصل في فرنسا وهولندا عند طرح مشروع الدستور الأوروبي. ويقترح الذين يترددون للسير في هذا الاتجاه، الاكتفاء بتعديلات محددة على المعاهدات الحالية، مثل إلغاء حق النقض لاتخاذ قرارات السياسة الخارجية، أو تعديل الضوابط المالية التي لم تلتزم بها معظم الدول الأعضاء، والتي اضطر الاتحاد إلى تعليقها خلال جائحة «كوفيد» ثم مع بداية الحرب في أوكرانيا. وينتظر أن تشمل التعديلات الجديدة أيضا مجالات أخرى مثل الصحة والدفاع والسياسة الخارجية، مع إعطاء دور محوري فيها للمفوضية.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.